قراءة في (إشراقة من التنزيل)
استهلال، ثم العرض والتعريف، وسيكونان حول (العنوان، المقدمة)، ثم الملاحظات العامة، وستكون حول (مشارق الإشراقة ومحاسنها)، ثم (الملحوظات النقدية)،ثم الشكر والتقدير .
-------------------------------------------------------------
استهلال:
هذه (إشراقةٌ من التنزيلِ) الإلهي، وحسبها كذلك؛ إن أراد لها (قَابِسُهَا) أن تكونَ كذلك !! فهي بذلك (قبسةٌ) ربانية من نور تنزيله، و(إضاءة) من ضيائه، وهديّةٌ من هَدْيِه !
وجهودُ (صاحبِ الإشراقةِ وقابِسِها) ونشاطاتُه في خدمة القرآن الكريم جليّةٌ بينةٌ مشرقةٌ .. فهو حين ينتحي في زاوية من زوايا المسجد الجامع في خميس الأيام أو جمعاتها منحنيا على كتاب الله يتلوهُ، ويقرؤه، ويستبينه، ويمرغ صفحة وجهه في فاتحته وأنفاله وفرقانه وقصصه وإسرائه وتكويره وتكاثره وإخلاصه وفلقه وناسه (...) إنه إنما يجدد ذكرَ الله، وينشرُ نفحاتِ قرآنه، ويبشرُ بالغمام والنور والضياء، ومن وراء كل ذلك إنه يبشر بالإشراقات القرآنية، وهو بذلك يضيف بعدا قرآنيا لمعنى إشراق الذات وتجليها، فليس التعمق في آيات تنزيله إلا حضورا أكثر، وتجليا أبعد .. فهل يتكاثر النور إلا بالإشراق !!
إن (صاحب الإشراقة وقابسها) حين ينتحي في زاوية من زوايا المسجد الجامع يعيد إلى وعينا ذكرى علماء العربية الأوائل فيما يدرسه ويتدارسه من لغة القرآن وقرآن اللغة .. فيجللنا بهاءُ اللغة وإشراقُها من وراء شرفة التاريخ .. من (فرّائِهَا) و(نحّاسها) و(زجّاجها) و(أخفشها) فلا يبقى جدار من جُدر التاريخ إلا ويريدُ أن ينقض؛ فنغرق في بحر لجي من العبقات !
لقد أكرمني المؤلف بإهدائه الكتاب بقوله:" عسى أن تجد في كتابي نفعًا لا زبدًا رابيا يذهب جفاءً "، فهو بذلك أكرمني مرتين: بظنه الحسن بأنني ممن يستحق إهداء الكتب، وبثقته في أنني سأجد النافع المفيد، وقد وجدتُ النفع العميم، والغيث المغيث .
وقد اعتاد المنتدى سنويا أن تكون له ندوة قرآنية متنوعة الثمار، دانية القطوف، فاقتصرت الندوة هذه السنة على هذه (الإشراقة)، ونعم المشرق، ونعمت الإشراقة !!
قراءتي ستكون منجمةً، وسأحاول بكل ما أوتيت من قوة أن أكون مُوجزا مختصرا؛ لَعَلّي أطلعُ إلى جبل الإيجاز؛ وهو قلة الكلام، وكثرة النفع !!
سأتحدث عن فصلين اثنين، وهما: (من حديث الدنيا في القرآن)، و(من حديث الحياة الدنيا في القرآن الكريم)، وقبل ذلك سأتحدث عن المقدمة (مقدمة المؤلف)، واخترتُ ذينك الفصلين؛ لأنني التزمتُ بالتعليق على ما انتهت إليه قراءتي .
لقد كانت هذه (الإشراقة) وِردا رمضانيا منذ مطلعِ الشهر الفضيل ومستهلهِِ، وكانت الإشراقة وردي في الليالي العشر الأخيرة بما فيها ليالي القدر الثلاث، وكان محتما عليّ أن أكون بينَ بينَ .. بين الوِرْدِ والنّقْدِ، فكانت القراءةُ بينهما سجالا هذا مرة، وذاك أخرى ! فليغفرْ لي قابسُ الإشراقةِ سوءَ نقدي إن أساءت، وليقبل مني خيرَ وردي إن وردت .. !!
العرض والتعريف: (العنوان):
في معجم مقاييس اللغة: "(الشين، والراء، والقاف) أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إضاءةٍ وفتحٍ، من ذلك شَرَقَت الشّمسُ، إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت، والشُّرُوق: طُلوعها، ويقولون: لا أفعل ذلك ما ذرَّ شارقٌ، أي طَلَعَ؛ يُرَاد بذلك طُلُوع الشمس" .
ومفردة (إشراقة) اسمُ مرّةٍ مشتق من الفعل غير الثلاثي (أشرق)، ومصدره الأصلي هو (إشراق)، واسم المرة هو: مصدر يدل على وقوع الحدث مرة واحدة .
لم أدرِ لِمَ اختار المؤلفُ أن يكونَ عنوانُ الكتاب (إشراقةً) واحدة، ولم يختر أن يكون (إشراقات) مثلا، فإنَّ في لفظة (إشراقات) من الدلالات ما ليس في اسم المرة ؟!
ولعل المؤلف أفرد الـ(إشراقة)، ولم يجمعها باعتباره هو، وكان حَريًّا به أن يجمع؛ تعظيما لشأنِ القرآنِ الكريمِ؛ لكونه مُصدِرَ الإضاءاتِ والإشراقاتِ ومَصدَرَها !
العرض والتعريف: (المقدمة):
ص13 لا شك أن المؤلف كان موفقا جدا حين افتتح مقدمته بالدعوة إلى التدبر في القرآن الكريم، وقد أكّد المؤلف على هذه الدعوة باعتبارها توجيها ربانيا، وخطابا قرآنيا دُعي له الفرد والمجتمع بمختلف طبقاتهم وأجناسهم، وقد استشهد المؤلف بأربع آيات كريمات في التدير تحث اثنتان منها على تدبر القرآن، وثالثة تحث على تدبر آياته، ورابعة تحث على تدبر القول، وقد لفت نظري هذا التنوع القرآني في الحث على التدبر ، والمؤلف لم يتوقف عند هذا التنوع، وجدير به أن يتوقف، وهو حقيق بذلك !!
ص14 لَمْ يُخْفِ المؤلفُ سرَّ انجذابه وتولعه، ثم ترددِه وإحجامه، ثم محاولته وإقدامه على تدوين (إشراقته)، وذلك حين يقول:" فأخذتني هذه الآياتُ والرواياتُ أخذةً رابيةً، تُراودني على كتابِ اللهِ (عَزَّ شأنُهُ)، وتُنازعني أنْ أقعَ في شَرَكِهِ، وأنْ أترعَ من نمَيرِهِ بقَدَرِي، فوجدتُني أحاولُ أمرًا يُهاضُ لهُ جناحِي، ويَكبو دونَه جوادِي، وينْبُو فيه سيفِي، غيرَ أنّي حاولتُ مستعينًا باللهِ (عزَّ وجلَّ)، وقدْ تناهبني الولوعُ بهذا الكتابِ الذي لا يأتيهِ الباطلُ من بين يديهِ ولا من خلفهِ، فذهبتُ أتفيأُ ظلالَه (عن) اليمينِ وعن الشمائلِ، وأَرِدُ مواردَه، فأختلسُ منه القطرةَ تلوَ القطرةِ، وذلكَ بحسب ما أوتيتُ؛ فسالتْ أودية بقَدَرِها" !! *
هذهِ العبارةُ فيها من إشراقة المعنى، وبلاغة المبنى، وسمو القصد، وجودة الصياغة، وشرف العبارة ما يشهد لكاتبها بعميق ولوعه بلغة القرآن وأدبه، وحسن تمكنه من ناصية العربية وآدابها؛ فلذا كانت خير مستهل، وأسمى مطلع لـ(إشراقته) النيرة الخيرة !!
ص14 أوضح المؤلفُ منهجه الغالب في كتابة (إشراقته)، وهو منهج البحث اللغوي؛ وذلك لسببين اثنين: 1ـ عشقه العربية، فهي ملءُ سمعه وبصره وبصيرته ووجدانه . 2ـ إن البحث اللغوي رأسٌ في أبحاث التفسير .
ص14 أخذ المؤلف نفسه "بأن لا يدعَ حديث أهل البيت (ع)، فهم عِدْلُ القرآن الكريم، والثقل الذي قرن به، وهم حجج الله على خلقه، وبراهينه الساطعة"، ولي في هذه النقطة وقفة تساؤلية في الملحوظات النقدية .
ص15 اعتمد المؤلف "قرينة السياق في كشف الدلالة في بعض الموارد (...)، غير أنه قيد ذلك بقوله:" السياق لا يصحُّ أن يكون دليلا على كل حال "، وفي كل موضع، خصوصا مع القرآن الكريم .
ص16 حاول المؤلف "أن يثبت أن القرآن الكريم معجز في اختيار ألفاظه، فأخذ يبحث في الفروق بين الكلم القرآني، وغيره من الكلم العربي، فإن تحديد اللفظ تحديدا دقيقا معين على فهم الآية الفهم الدقيق" .
ص16 ورأى المؤلف في أن لا ترادف في القرآن الكريم، وقال بأن العلماء قد تكفّلوا بإثبات ذلك !!
ثم ختم قائلا: " لست أزعم أني أتيت على كل آيات البحث على نحو القطع، فقد تندُّ الآية، أو الآيتان (...)، بل يند المعنى أيضا، وقد حاولت أن آتي بجديد مما يعين عليه البحث، فإن يكن هذا فهو بتوفيق الله وتسديده، وإن لم يكن فحسبي أني حاولت (...) " .
وفي قوله هذا قمة بيانيةٌ في احترام الذات والقاريء معا، وقبل ذلك وبعده احترام للتنزيل وإشراقاته، وهذا من التواضع الإيجابي الذي يذكر فيشكر .
الملاحظات العامة:
أولا ـ مشارق الإشراقة ومحاسنها:
1ـ لم يألُ المؤلفُ جهدًا في دعوة القاريء إلى ﴿التَّدَبُّر﴾ في القرآن الكريم، وقد بذل المؤلف جهدا مشكورا في تحقيق هذه الدعوة، وساهم مساهمةً رابحةً مربحةً في ﴿تجارةٍ لنْ تبور﴾ .
2ـ لقد كان المؤلف حريصا على الإفادة والاستفادة، ولاشك أني استفدتُ كثيرا من القراءة، والقراءة الناقدة، فقد دفعني الكاتبُ والكتابُ كلاهما إلى تجديد القراءة، خصوصا في الدراسات القرآنية في هذا الشهر الكريم .
3ـ كان المؤلف أمينا في توثيق مصادره، وحريصا على إثباتها، وقد اجتهد في صيانتها بعلامات الترقيم، وهذا يدل على أمانته العلمية، كما أنه كان موثقا للسور، وأرقام الآيات .
4ـ نَوّع المؤلف في بحثه حول مطالب الآيات بين العرض والتوضيح، وإثارة مسائل لغوية وبلاغية وإعرابية وفقهية وأخلاقية وتربوية، وكان الغالب على الكتاب (البحث اللغوي) .
5ـ استعمل المؤلف (أسلوب السؤال)، و(إثارة الإشكال) في عرض أفكاره، وكان حريصا على الإجابة على الأسئلة وإشكالاتها، وهذا الأسلوب أسلوب مؤثر في القاريء أو السامع، وفيه إثارة للانتباه واليقظة، فيظل المستمعُ أو القاريءُ يقظانَ الفكر، متجددَ العزيمة .
وأسلوب السؤالِ والجوابِ من أساليب القرآن الكريم البيانية المؤثرة، وهو أسلوب قرآني جليٌّ باهر .
6ـ حرص المؤلف على (الإثرائية)، وإغناء القارئ بمختلف المعارف حول الآيات محل البحث، وهذا يعبر عن إطلاع وافر، وثروة لغوية ثرة، ولكن ربما أدى ذلك إلى الإغراق في التفاصيل اللغوية؛ رغبةً في الاستقصاء .
7ـ اهتمام المؤلف بتتبع الأقوال وتوجيهها، وربما أدى ذلك في بعض المواضع ـ أحيانا ـ إلى الإسهاب والتطويل والاستطرادات .
8ـ اهتمام الكاتب بالتعليق على الأقوال، وتوجيه الآراء، واهتم أيضا بنقد بعض الظواهر اللغوية، ولا شك أن الجرأة الأدبية من محسنات الشخصية العلمية، وإن بدت بعض التعليقات والتوجيهات بحاجة إلى إعادة النظر .
ثانيا ـ الملحوظات النقدية:
ص14 يقول المؤلف:" ولقد غلب عليّ فيما كتبته البحث اللغوي، ويُرَدُّ ذلك إلى أنني نشأت وأنا أعشق العربية (...)، ثم إنّ البحث اللغوي هو رأس في أبحاث التفسير؛ لأن القرآن الكريم عربي اللسان، وإذا هممت بمعرفة أسراره فلا بد لك أن تعرف أسرار لغته، وإلا فأنت منتهك لحرمته، ومتعرض لما لا تستطع له طلبا، ودونك كتب التفسير فهي شهيدي على ذلك "
واضح من هذه العبارة حرصُ الكاتب على الاهتمام بالبحث اللغوي في ما كتب، وهو هنا مصيبٌ مخطيءٌ، مصيب؛ لأنه كما قال:" إن البحث اللغوي هو رأس في أبحاث التفسير؛ ولأن القرآن الكريم عربي اللسان"، ومخطيء؛ لأنه غلّب البحث اللغوي، وتجاهل البحث البياني، ومناهج البحث الأخرى، كما أن الركون إلى البحث اللغوي في الدراسات القرآنية كان (ابتدائيا) على أيام الفرّاء والنحاس، حين لم ينفصل الدرس القرآني عن الدرس اللغوي، أما الآن فقد أصبح التفسير علما له مناهجه وأصوله، فليس من الإصابة تغليب البحث اللغوي على سواه من آليات الحفر في النص القرآني.
ص14 يقول المؤلف:" ثم إنه لما كان أهل البيت هم عدل القرآن الكريم (...) فإني أخذت على نفسي أن لا أدع حديثهم (...)، وقد كنت أبدأ الرواية بقولي: (رُوِيَ) على البناء للمجهول، وذلك بغرض التحرز "
لقد أكثر المؤلف فعلا من الاعتماد على الأحاديث عن أهل البيت (ع)، وقد أخذ نفسه بذلك، والتزم به التزاما، (وقد حاولت إحصاءها، ولكن لم أستطع لذلك طلبا)، ولكنّ المؤلفُ لم يأخذ نفسه (أخذة رابية) بالتحقيق في أسانيدها، والتدقيق في متونها، والرجاليون والمحققون خيرُ معين له على ذلك، خصوصا أنه هنا يستأنس بالأحاديث والأخبار في فهم النص القرآني، فكان حَريًّا به أنْ يُتْبعَ كثرة الاعتماد على الأخبار كثرةً أخرى في التّحري والتّدقيق والتّمحيص، ولا يكتفي بأن يبدأ الرواية بقوله (رُوي)، و(نقل)، و(وفي الرواية)، و(غير ذلك)، فهذا ليس تحرُّزًا بقدر ما هو (هروب جميل) من المسؤولية تجاه الأخبار والأحاديث التي تجولُ وتصولُ في كتب التفسير، ولا ريب أن ذلك لا يخفى على المؤلف، ولكنه قد أخذ نفسه في هذه النقطة بأيسر الطرق وأسهلها .
أكثر المؤلف من الاستشهاد بالروايات والأخبار، وكما لهذا الأمر محاسنه، كانت له محاذيره، فلم يبذل جهدا في تصنيفها وتخريجها .
وقد اعتمد المؤلف على النقل من كتب الحديث مثل الكافي وبحار الأنوار، كما أنه اعتمد على نقل الأحاديث من كتب التفسير، خصوصا (التفسير بالمأثور)، وهو موفق ذلك، ولكنه سيكون أكثر تسديدا وتوفيقا واحترازا لو كان التفت إلى تمحيصها وغربلتها. *
وقد لفت نظري تعليق المؤلف ص87 على استعمال الشيخ الطوسي لفظة (قَيِل) في رواية استلاف النبي (ص) من اليهودي طعاما في سبب نزول الآية 131 من سورة طه:{ولا تمدنَّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا}، قال المؤلف:" وقول الشيخ الطوسي (قَيِل) يدُلّكَ على توجسه من هذه الرواية"
فلماذا استقر لدى المؤلف أن يستعمل في كتابه لفظ (رُوي) المبني للمجهول قبل الأحاديث، فهذه من تلك فيما أحسب، فيما يتعلق بغاشية التوجس !!
ص15 قال المؤلف:" وقد اعتمدت السياقَ في كشف الدلالة في بعض الموارد (...)، غير أنّ السياق لا يصح أن يكون دليلا على كل حال (...) " !!
اعتمد المؤلفُ السياقَ طريقةً في "كشف الدلالة في بعض الموارد" ، ولكنه لم يلتزم يتطبيق هذا المنهج في ثنايا البحث تطبيقا جديًّا في الفصلين الأول والثاني، (ولا أدري فيما سواهما)، واكتفى ببعض الإشارات، ولكنه اعتمد بشكل مركزي على جمع الأقوال وتوجيهها، فإنني أثني على اعتماده قرينة السياق ثناءً عاطرًا، ولكن لي ملاحظة نقدية على عدم تطبيقه تطبيقا عمليا يليق بأهميته، والسياق ليس دليلا إنما هو منهج وطريقة من طرائقِ علمِ الدلالةِ الواسعِ الأطرافِ، الطويلِ الأذيالِ .
ص16 قال المؤلف:" وحاولت ـ فيما حاولت ـ أن أثبت أن القرآنَ الكريم معجزٌ في اختيار ألفاظه، فذهبت أبحثُ في الفروق بين الكلم القرآني، وغيره من الكلم العربي في بعض الموارد، فإنَّ تحديدَ دلالة اللفظ تحديدا دقيقًا معينٌ على فهم الآية الفهم الدقيق "
لا ريب أن هذا جهد مشكور من المؤلف، ولكن لا داعي أن يحاول المؤلف إثباتَ أن القرآنَ الكريم معجزٌ في اختيار ألفاظه، فهذا ثابت مقطوع بثبوته من لدن الله سبحانه وتعالى، وقد أبان البيانيون ذلك وبسطوه في كتبهم، والبحث في الفروق بين الكلم القرآني، والكلم العربي لا يكفي في إثبات إعجازه، وإنما ينبغي البحث في نظمه وأسلوبه، قال السيد الخوئي في كتابه البيان في تفسير القرآن،ص93:" إنّ القرآنَ معجزةٌ في بلاغته وأسلوبه لا في كلِّ كلمةٍ من كلماته" !!
ص16 قال المؤلف:" وإني أرى ـ إن صحَّ لي أن أرى ـ أن لا ترادف في القرآن الكريم، وقد تكفّل العلماء بإثبات ذلك "
لا مِرية في أنه يصح للمؤلف (أنْ يَرَى)، فهو خليق بذلك ولكن هل من الرأي أن يختزل ما بسطه اللغويون والقرآنيون والأصوليون في كتبهم، واختلفوا حوله في سطرٍ واحدٍ مكوّنٍ من بضعِ كلماتٍ، خلاصته:" أنْ لا ترادف في القرآن" !!
لقد درس محمد نور الدين المنجد في كتابه الترادف في القرآن الكريم (ظاهرة الترادف) دراسة مفصلة، وعرض لرأي اللغويين والقرآنيين والأصوليين، وعرض لرأي المثبتين وأدلتهم، والمنكرين وأدلتهم، وعرض لرأي المترددين والمتحيرين، وكان له رأي في نهاية الدراسة، وكان حري بالمؤلف أن يسلك مسلكه إن شاء، أو على الأقل يشير في الهامش إلى ذلكم الاختلاف؛ إتماما للفكرة، وإنصافا لجميع الآراء !!
ص23 قال المؤلف: " وجواب الفخر محل نظر؛ لأننا قد قرأنا من الأدعية ما لا حـصر له، قد ملئت بالمسألة، وهي مرويةٌ عن رسول الله (ص)، وعن أهل بيته (ع)، فلم نرَ فيها: « إن كان كذا موافقا لقضائك أو فيه مصلحة » إلا نادرا؛ لأن الله (سبحانه وتعالى) لن يستجيب ما دامت الاستجابة خلاف القضاء والحكمة والمصلحة، وإن لم يقل العبد هذه العبارة، ولا أحتاج إلى ذكر شاهد؛ لأن ذلك في متناول كل يد، والله أعلم "
هذا النادرُ الذي أشار له المؤلف يكفي أن يكون تأييدا لجواب الفخر الرازي، وكان من المناسب أن يذكر المؤلف من الشواهد ما يؤيد قوله، ويعين القارئ على ذلك، خصوصا أنه في معرض اختلاف مع رأي الفخر الرازي !!
ص40 حبذا شرح لفظ (يَتَبَيّغ) في العبارة:" كَيْلا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ " ، أي (يهيج به الألمُ ويهلكه)، وضبط لفظ (يا عُدَيَّ نفسه) .
ص54 قال المؤلف:" وبناء (فَعُول) بفتح الأول من أبنية المبالغة "، هذا صحيح، ولكنه غير مكتمل، والأكثر صحة منه هو:" يمكن تصنيف دلالة (فَعُول) وفق استعمالها في القرآن إلى (فَعول) المبالغة واستعمالها في المبالغة كثير (...)، وبعض الألفاظ التي جاءت على (فَعُول) المبالغة تحتمل المصدرية والاسمية والوصفية نحو طَهور (...)، وفَعُول (بمعنى) الصفة المشبهة، وفَعُول بمعنى (فاعِل)، وفَعُول بمعنى (مفعول) "، إذن إن بناء (فَعُول) ليس من أبنية المبالغة وحسب، وحبذا لو أشار المؤلف لذلك، ولو إشارة . انظر (الوصف المشتق في القرآن الكريم)، دراسة صرفية، د. عبدالله الدايل .
ص60 قال المؤلف:" وغريب كلام أبي هلال العسكري في اللعب، قال: « الفرق بين اللهو واللعب أنه لا لهو إلا لعب، وقد يكون لعب ليس بلهو، لأن اللعب يكون للتأديب كاللعب بالشطرنج، وغيره ".
لم يتضح لي وجه الغرابة في كلام أبي هلال العسكري، فهو يبين معنى اللفظ لغويًّا خارج التّركيب والاستعمال، واللفظ يختلف معناه في التركيب عن معناه اللغوي المعجمي .
ص66 قال المؤلف في أحد العناوين:" تعيير الله قوما من المؤمنين لرضاهم بالحياة الدنيا "، وقال:" وعيّر الله قوما من المؤمنين"
لم أستسغْ لفظ (التعيير)، وإضافته إلى الله، كما أن الله سبحانه لا يُعَيّرُ أحدًا، ولكن قد يقرعه ويعنفه، واللفظ في الاستعمال يرتبط بالمعاياةِ والتعييب .
ص77 قال المؤلف:" وانظر كيف أن الله (سبحانه وتعالى) استعمل الفعل المضارع ﴿ يُثَبِّتُ ﴾ ليدلك على استمرار تثبيته الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وانظر قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴾ الإسراء:74، والقول الثابت: هو كلمة الإيمان؛ لأنه ثابت بالحجج والأدلة...( )، والآية من الإسراء هي من باب: (إياك أعني واسمعي يا جارة) كما نصت على ذلك الروايات .
لابن عاشور في (تحريره وتنويره) توجيه وتفسير للآية 74 من سورة الإسراء، قد يطولُ الكلام لو نقلته بنصه، خلاصته أن الخطاب للنبي (ص)، "والرُّكُونَ مُجْمَلٌ فِي أَشْيَاءَ هِيَ مَظِنَّةُ الرُّكُونِ، وَلَكِنَّ الرُّكُونَ مُنْتَفٍ مِنْ أَصْلِهِ؛ لأجْلِ التَّثْبِيتِ بِالْعِصْمَةِ، كَمَا انْتَفَى أَنْ يَفْتِنَهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصَرْفِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَنْ تَنْفِيذِ فِتْنَتِهِمْ. وَالْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: وَلَوْلا أَنْ عَصَمْنَاكَ مِنَ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ (...)، وَلَوْلا ذَلِكَ كُلُّهُ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ قَلِيلا، أَيْ تَمِيلُ إِلَيْهِمْ (...) فركون النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَلا مُقَارِبٍ الْوُقُوعَ؛ لأنَّ الآيَةَ قَدْ نَفَتْهُ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ، وَهِيَ: (لَوْلا) الامْتِنَاعِيَّةُ. وَفِعْلُ الْمُقَارَبَةِ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ مَا كَانَ يَقَعُ الرُّكُونُ وَلَكِنْ يَقَعُ الاقْتِرَابُ مِنْهُ، وَالتَّحْقِيرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ (شَيْئاً)، وَالتَّقْلِيلُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ (قَلِيلا).
أَيْ لَوْلا إِفْهَامُنَا إِيَّاكَ وَجْهَ الْحَقِّ؛ لَخشِيَ أَنْ تَقْتَرِبَ مِنْ رُكُونٍ ضَعِيفٍ قَلِيلٍ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ، وَدَخَلَتْ (قَدْ) فِي حَيِّزِ الامْتِنَاعِ؛ فَأَصْبَحَ تَحْقِيقُهَا مَعْدُومًا، أَيْ لَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ؛ لَتَحَقَّقَ قُرْبُ مَيْلِكَ الْقَلِيلِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ لأنَّا ثَبَّتْنَاكَ "
إنني أقترح على المؤلف أن يعيد النظر في قوله:" والآية من الإسراء هي من باب: (إياك أعني واسمعي يا جارة) كما نصت على ذلك الروايات "، فهو تعقيبٌ لا يتماشى مع ضمير الخطاب المباشر، فما الضرورة للانتقال من معنى الخطاب إلى غيره دون توضيح القرينة، وعبارة (إياك أعني واسمعي يا جارة)، لا تصلح قرينة سائغة .
ص80 قال المؤلف تعليقا على الآية ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ الكهف:28 :" وليس الخطاب لخصوص رسول الله (ص) وإن ورد في ظاهره كذلك، إلا أنّ خصوص المورد لا يخصص الوارد، والله أعلم بأسرار كتابه " .
هذا التعقيب لا يضيف معنى، ولا يوضح عبارة، فكأنه تحصيلُ حاصلٍ بيّنٍ ... !! وكذلك تعقيب المؤلف الآتي في الصفحة 87، حيث قال:" والله (سبحانه وتعالى) يمتع الكافرين في هذه الحياة الدنيا، وذلك فتنة لهم؛ ليستوجبوا العذاب بكفرهم، وينهى نبيه عن أن ينظر إلى ما متعوا به ذلك؛ لأنه بهرج خادع، وزيف باطل، والخطاب ليس للنبي (ص) فقط، وإنما لكل مؤمن، قال الله تعالى: ﴿ وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طـه:131].
ص99 قال المؤلف:" والذي أدى إلى هذا الفهم هو الإضافة ومن وظائف الإضافة كما هو معروف لدى النحاة التخصيص، ولست تفهم هذا المعنى من قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾، والله أعلم بأسرار كتابه " .
الإضافة عند النحاة " تفيد تخصيصا إن كان المضاف إليه نكرة، نحو (هذا غلامُ امرأةٍ)، وتعريفا إن كان المضاف إليه معرفة، نحو (هذا غلامُ زيدٍ)" . شرح ابن عقيل، 2/43، وهذا زيادة توضيح وحسب .
ص105 قال المؤلف:" قال الزركشي: « فإن قيل: فما وجه تقديم الموت على الحياة في الحكاية عن منكري البعث: ﴿ إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ قلت: لأجل مناسبة رؤوس الآي ». وهذا الوجه الذي ذكره الزركشي غير مرضي؛ لأنه جعل المعنى خادما للفظ" .
في كتاب البرهان في علوم القرآن، للزركشي تحدث عن أنواع العلوم القرآنية، ومنها (النوع الثالث: معرفة الفواصل ورؤوس الآي)، وقد بسط القول في هذه الأنواع جميعها، وتحدث عن النوع الثالث بتفصيل، وذكر اثني عشر موضعا تراعى فيها الفواصل ورؤوس الآي مستشهدا بالآيات القرآنية، وهذه هي مختصرة موجزة: زيادة حرف لأجلها، حذف همزة، أو حرف اطرادا، الجمع بين المجرورات، تأخير ما أصله أن يقدم، إفراد ما أصله أن يجمع، جمع ما أصله أن يفرد، تثنية ما أصله أن يفرد، تأنيث ما أصله أن يذكر، صرف ما أصله ألا ينصرف، إمالة ما أصله ألا يمال، العدول عن صيغة المضي إلى الاستقبال .
ويبدو أنّ للزركشيّ رأيًا في ذلك يخالف فيه ما ذكره المؤلف في ص106 حين نقل قول الشريف الرضي: « وأنا أقول أبدًا إن الألفاظ خدم للمعاني؛ لأنها تعمل في تحسين معارضها وتنميق مطالعها »،
وقد أضاف المؤلف قائلا:" ما أكثر ما يكرر المـفسرون هذا السبب في التقديم والتأخير " !!
أقترح على المؤلف التأمل في هذه القضية البيانية، وهي مراعاة الفواصل ورؤوس الآي، وظاهرة التقديم والتأخير، ومسألة اللفظ والمعنى، فهذه قضايا بلاغية مختلف فيها بين البلاغيين، خصوصا قضية اللفظ والمعنى، فهناك فريق قدم (اللفظ) على (المعنى)، وفريقٌ ثانٍ قدم (المعنى) على (اللفظ)، وفريق ثالث لم يفرق بينهما، وفريق رابع لم يقدم (اللفظ) على (المعنى)، أو (المعنى) على (اللفظ)، ولم يساوِ بينهما، وإنما جودة الكلام في النظم وحسن التأليف، ليس في اللفظ ولا في المعنى .
يتبع الملاحظات والملحوظات :
* كثرة الاستطرادات في متن الكتاب، والاستطراد فن، ولكنه إذا جاء بعد التفاصيل، ومحاولات الاستقصاء يصبح في غير موقعه، إذا كان ولا بد من الاستطراد يذكر في الهامش مختصرا، انظر ص36 ، ص40 ص41 استطراد في مسألة اعتقادية ، ص92 ص93 .
* النقل من مصدر، والإحالة على مصدر آخر، وهذه وردت في مواقع كثيرة من الكتاب، ولا أعرف لماذا مع أن المصادر متاحة، وهذا خلل منهجي في التعامل مع المصادر، انظر ص60 " وفي أصول الكافي "، والإحالة على تفسير نور الثقلين، في ص64 " روى الشيخ الكليني "، والإحالة على دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام، في ص74 " في الكافي "، والإحالة على تفسير نور الثقلين، في ص83 " وفي كتاب الاحتجاج "، والإحالة على تفسير نور الثقلين، في ص93 " وفي أصول الكافي "، والإحالة على تفسير نور الثقلين، في ص97 " وفي تفسير علي بن إيراهيم "، والإحالة على تفسير نور الثقلين، في ص98 " وفي مجمع البيان "، والإحالة على تفسير نور الثقلين .. وهكذا .
* الحديث في الكتاب عن الدنيا، والحياة الدنيا، والتوبة، والتقوى مما لا بأس به فهو من باب التذكير، ومن باب ربط المفاهيم بالقرآن وتعريفها به، وعرضها عليه، ولكنّ هذه العناوين من المطروقات، ومما سالت فيها الأقلام أوديةً، كان حريًّا بالكاتب أن يختار موضوعات لم تدرس في القرآن، أو موضوعات معاصرة، ويسلط الضوء عليها، مثلا تناول (القيم الاجتماعية في القرآن)، (الحقوق والواجبات في القرآن)، (الإصلاح المدني في القرآن)*، (أسلوب القرآن في معالجة الفساد المالي والسياسي والإداري)، أو يختار عناوين منوعة أخرى من باب التنويع والتجديد على الأقل .
* كنت أتمنى وأرجو من الكاتب أن يعملَ مسارد وفهارس بالآيات والأحاديث وأسماء الأعلام واللغة والمواضع والشعر، فهذا له أهميته في بحث كبير الحجم، متنوع المصادر، مختلف أبواب البحث، فإن عمل هذه المسارد والفهارس يسهل على القارئ الوصول إلى مبتغاه، كما أنه يعتبر مادة إحصائية لها دلالاتها في البحث .
* كان اشتغال المؤلف (حَدَّ الانشغال) بالفروق اللغوية، وتجاهل البحث البياني، وسواه في الكتاب واضحا جليا بارزا؛ ولعل ذلك عائد إلى نزعة المؤلف في عدم قبوله بظاهرة الترادف في القرآن، ولهذا وجاهته لولا الإسراف حد التبذير في التفاصيل وتفاصيل التفاصيل .
انظر الصفحات ص83 ص84 ص85 ص86 الإسهاب في الفرق بين الفعل والعمل، (يمكن إدراك الفرق من خلال النظر في السياق، ومن خلال دراسة استعمالات القرآن والعرب لا من خلال التفصيلات اللغوية) .
* اعتماد المؤلف على مجموعة من كتب التفسير بالمأثور، ومع ما لهذا من أهمية في الجمع بين القرآن وأحاديث أهل البيت كما حاول المؤلف، ولكن لهذا محاذيره التي لم يلتفت لها المؤلف، أو لعله التفت وتجاهل التفاتته، وهي أن كتب التفسير بالمأثور (محل نظر المحققين) .
* أقترح على المؤلف أن يعمل جدولا إحصائيا في نهاية كل الفصل يحصي فيه (السور، والآيات، وعدد المرات التي ذكرت فيها (الدنيا) مثلا، (الحياة الدنيا)، و(طريقة تناول الآية)، و(أسلوب العرض)، يمكن الاستفادة من (علم اللغة الحاسوبي) .
* أحسن المؤلف وأجاد وأفاد حين أشار إشارة (وإن كانت مختصرة جدا) ص40 إلى ضرورة التوازن، ونقد الرهبنة من خلال ربح الدنيا والآخرة معا، ومن خلال إشارته إلى قصة العلاء بن زياد الحارثي وأخيه في نهج البلاغة؛ فـ(الإسلام لا يحب حياة الرهبنة، ولا يحب حياة الشهوات المطلقة التي لا تؤمن بالحياة الأخرى، وقد قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ القصص:77"، ولم يستفض الكاتب في هذه النقطة، وكان حريا به أن يستفيض .
* أكثر المؤلف من استعمال أسلوب (أقول: قال فلان):" ص22 فأقول: قال الفخر الرازي" ، ص62:" فأقول: قال أبو هلال العسكري"، ص78:" فأقول: قال العكبري"، ص83:" فأقول: قال أبو هلال العسكري"، أحيانا ترد :" أقول" مجردة، انظر ص22 ص32 ص80، وأحيانا ترد " أقول" معها إحالة، ص34 ص35 ص76 . ولم يوضح المؤلف منهجه في هذا الأمر، وقد يضل على القاريء أحيانا لمن القول ؟!
* لقد بقيت متسائلا طوال قراءتي للفصل الأول (من حديث الدنيا)، والفصل الثاني (من حديث الحياة الدنيا): هل كان من الممكن الجمع بين الفصلين في فصل واحد مع التهذيب والتشذيب والاختصار، فإنه لم ألحظ كبير فرق بينهما، وما أشار إليه المؤلف في ختام الفصل الثاني من وجوه التشابه والافتراق يمكن جمعه في نقاط في ختام الفصل الواحد المشترك بينهما .
* كان من المهم جدا للبحث أن يطلع المؤلف على بعض الكتب المهمة، مثل: (الظاهرة القرآنية، مالك بن نبي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، وهبة الزحيلي، في ظلال القرآن، سيد قطب، من وحي القرآن، محمد حسين فضل الله، التحرير والتنوير، ابن عاشور، مدخل إلى القرآن الكريم، محمد عابد الجابري)، والاطلاع على الدراسات القرآنية الأكاديمية المعاصرة، مثل: (دراسات القرآنيين الجدد)، ودراسات المفكرين القرآنية بشكل عام لها أهمية بالغة، فإن فيها (مناهج جديدة) في دراسات القرآن يمكن الاستفادة من (مناهجها)، وليس من (نتائجها)، كما يمكن الاستفادة منهما معًا .
الشكر والتقدير:
لا يسعني إلا أن أشكر المؤلف الذي أتاح لنا هذه الفرصة المشرقة، فهو مجيد محسن، له أجاد في تناوله، وأحسن في هذه الندوة بقبول (حَسَن)، فله من اسمه معنى في إحسانه إلينا، وتفضله علينا . كما أشكر الأخ أبا حيدر على مشاركته لنا بالرأي والمصادر !!
الهوامش والمقابسات
* ليت الكاتبَ لم يشبه القرآن بالشَّرَك، فهذا تشبيه يوهن من متانة تلك العبارة الأدبية، فلفظة الشَّرَك في اللغة: هي حِبَالةُ الصائد التي يرتبكُ فيها الصيدُ، وتأتي بمعنى معظم الطريق ووسطه، وبمعنى أخاديد الطريق الواضح الذي تُلحبه الأقدام والقوائم، وفي هذا التشبيه إيحاءٌ لا يعنيه الكاتبُ ولا يقصده، ولكنه يلتبس بالعبارة ويلابسها، خصوصا أن الكاتبَ ممن أوتي بسطة في دقة التعبير، واختيار الكلم الناصع البيان .
كما أنه لم يضبطْ لفظ "شَرَكه" بالشكل، وأخشى أن يقرأها مُصحّفٌ بنُ مُحرّفٍ بكسرِ الشينِ وسكون الراء فتقع تلك العبارة الرائقة البيان في شبهة التصحيف والتحريف .
وقال:" وأنْ أترعَ من نَميره "، والأكثر دقة أن يقول:" وأن أكرع من نميره "؛ لأن أترع في اللغة ملأ الإناء، والتَّرَعُ: الامتلاء، أما الكَرَعُ فهو ماء السماء؛ سمي بذلك؛ لأنه يُكرع فيه، أو يأخذ منه الإنسان بيده، بمعنى يتناوله بفيه، وفي الصحيفة السجادية في مناجاة العارفين:" ومن حياض المحبة بكأس الملاطفة يَكْرعُون "، وليس من المستساغ أن يملأ الإنسانُ يَدَيْهِ من شيء بقصد الامتلاء وحسب، وإنما هو يملؤهما؛ ليشرب ويتناول، ويفيد ويستفيد ..!!
وقال المؤلف:" وينبو فيه سيفي "، ولو قال:" وينضبُ فيه يراعي أو قلمي " لكان أجمل وأسنى، فالمقام ليس مقام ضربٍ بالسيف، أو طعن بالرمح، وإنما هو مقام تدبر وتأمل وإفادة واستفادة .
وقال المؤلف:" وقد تناهبني الولوعُ بهذا الكتاب "، وهذه صورة بيانية ما أروعها، وهي في روعتها معبرة، وهي في تعبيرها محكمة السبك، فهي سبيكة يشبهها العسجد، ولا تشبهه، وتخيّل معي حالَ من يتناهبه الولوع كيف يصبح ويمسي، والوَلوعُ الشَّغوف من لجَّ في أمره ولهِج وشُغف به .. إنها صورة بيانية وحسبها أن تكون كذلك !!
قال المؤلف:" فذهبت أتفيأ ظلاله "، الذَّهاب في اللغة: السير والمرور، والمؤلف لم يمرَّ مرًّا عابرا بالقرآن الكريم في كتابه، وإنما لازمه وأقام في ظلاله، فكان الأجمل أن يقول:" فطفقتُ"، ومعنى الفعل (طَفِقَ) في اللغة: جَعَلَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَظلَّ يَفْعَلُه، قال تعالى:{فطفقَ مسحًا بالسوقِ والأعناق}، وقال تعالى:{وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}، وهو من أفعال المقاربة، نحو: عَلِقَ وجعل وكاد وكَرَبَ .
قال المؤلف:" فأختلس منه القطرة تلو القطرة "، هذا التعبيرُ غير دقيق من وجهين: اختلاس النظر هو اللمح بسرعة خاطفة، وهذا خلاف التدبر والتأني في القرآن، ومخالسة النظر سرعة اللمح لئلا يفطن أحدٌ، قال الشاعر:
قبلتُ فاها على خوف مخالسة = كقابس النار لم يشعرْ من العجل
وقال الشاعر بشارة الخوري:
من بسمة النجم همسٌ في قصائده = ومن مخالسة الظّبـي الذي سـنحا !
هذا أولا، وثانيا: قال :" أختلسُ القطرة "، والقطرة لا تُختلسُ اختلاسا، وإنما تُرشفُ رَشْفًا، أو ما في معناه، فالأجمل أن تكون العبارة:" فأرتشف منه القطرة تلو القطرة " والله أجل وأعلم !!
هذا قولي أرسله إرسال الانطباعات الذوقية، ولعلها انطباعاتٌ موفقةٌ، وإن لم تكن كذلك، فهي محاولة أرجو لها أن يحالفها التوفيق بتوجيهات أخينا صاحب الإشراقة .
* يمكن مراجعة كتاب (نظرية السنة في الفكر الإمامي)،حيدر حب الله، فقد تعرض لعرض الدراسات التي تناولت نقد كتب الأخبار والأحاديث ونقلها من كتب التفسير، وخصوصا التفسير بالمأثور، والسيد الخوئي في معجم رجال الحديث، ومحمد باقر البهبودي، ومحمد هادي معرفة في (التفسير والمفسرون) .
فمن باب ضرب الأمثلة مع الاختصار نأخذ رواية ص74 سطر 13، ورواية ص64 سطر 12، ورواية ص60 سطر 10، وبعد تخريجها بمعونة الأخ أبي حيدر من الكتب التالية (مرآة العقول)، و(مشرعة البحار )، والنتيجة كالآتي: الرواية ص74 سطر 13: الحديث ضعيف في مرآة العقول .
والرواية ص64 سطر 12: غير معتبرة سندا عند آصف محسني في مشرعة البحار، وضعفها المجلسي في مرآة العقول . والرواية ص60 سطر 10: الحديث مرسل كما نص عليه المجلسي في مرآة العقول، وغير معتبرة عند آصف محسني في مشرعة البحار .
* استفسار: ص39 في الشورى، آية 20 ، قدم حرث الآخرة على حرث الدنيا ؟؟ ص40 في القصص، آية 77 ، قدم الدار الآخرة على الدنيا ؟؟
جابر عبدالله الخلف
25 رمضان 1432هـ