منطقة الأحساء من المناطق العريقة والمشهورة في الماضي والحاضر، وهي تقع في الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية على بعد 45 كيلومتراً من الشاطىء، حيث ميناء العقير التاريخي. ولها شهرة جلية في المجال الزراعي، بل هي من أشهر الواحات الزراعية في المملكة، كما تبعد عن مدينة الدمام (حاضرة المنطقة الشرقية) بنحو 150 كلم باتجاه الشمال الشرقي، وتبعد عن مدينة الرياض بنحو 320كلم. والأحساء واحة وارفة من النخيل حيث يوجد بها أكثر من ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف نخلة من مختلف أنواعها وثمارها. وجودة وخصوبة التربة في هذه المنطقة فإن فيها عدداً لا يستهان به من الأشجار والنباتات الأخرى، ومن بين تلك المزروعات: الأرز العربي الأحمر (الحساوي). وصيف المنطقة طويل وجاف وشديد الحرارة، أما شتاؤها فبارد وقليل المطر.
وحاضرة الأحساء مدينة الهفوف، ومدنها: المبرز والعيون والعمران والجَفر والطرف، وفيها نحو 60 قرية. وكما ذكرنا فللمنطقة الأحسائية تاريخ حافل، ومجد تليد في العلم، والأدب والتاريخ، كما أنها تزخر، ماضياً وحاضراً، بالعلماء والأدباء والفنانين والشعراء والكتاب، وهي مليئة كذلك بالآثار والمعالم التاريخية والأثرية، وسائر الإبداعات الأخرى.
الأرز العربي الأحمر(الحساوي)
تاريخه: لم يتم تحديد او معرفة تاريخ معين لأصل هذا الأرز حتى الآن، ولكن يعتقد الكثير من المزارعين أن أصله من جنوب الهند، جاء به أحد المزارعين قبل حوالي ستمائة سنة، وقام بزراعته في الأحساء حيث يقطن. بينما يذكر بعض آخر من المزارعين أن أصله من العراق، وكلا الرأيين ليسا مدونين في كتب أو وثائق، وإنما يتناقله الناس من ذوي العلاقة والإهتمام.
أصنافه: يمكن تصنيف الأرز الحساوي الى ثلاثة أصناف:
1 ـ أرز حساوي هجين رقم واحد.
2 ـ أرز حساوي هجين رقم اثنين.
3 ـ أرز محلّي.
ولكل صنف خصائصه، ويمكن معرفة الصنف المحلي من غيره عن طريق الخبرة الشخصية أو اللون، فالأرز الحساوي عامة، إما أن يكون أحمر قانٍ، أو أحمر فاتح، وسبب اختلاف درجة اللون الأحمر ـ بين نوع وآخر ـ حسب إفادة بعض الخبراء والمهندسين الزراعيين، هو نوع البذرة نفسها، ويقال بسبب التربة، وليس البذرة، وإن كان الأرجح هو القول الأول.
مزاياه.. تكوينه.. صفاته
الأرز الحساوي هو من النباتات الصيفية التي تزرع في المناطق الحارة، كمنطقة الأحساء، ويتحمل درجة حرارة قد تصل أحيانا الى 48 درجة مئوية، وهو من النباتات التي تتطلب عناية فائقة في الري، والى جانب زراعته في منطقة الأحساء بالمملكة، فهو يزرع في أقطار عربية أخرى أيضاً، إذا توفرت له تربة مناسبة كتربة الأحساء، وبحيث تتم مراعاة منسوب التربة، مع الإشارة الى أنه لا يعطي نفس الطعم والجودة، كتلك التي يعطيها في منطقة الأحساء وذلك طبقاً للتجارب المعمولة. ويتكون الأرز الحساوي من مواد غذائية كثيرة عالية الجودة، أبرزها الحديد، والكربوهيدرات، والفيتامينات، وخاصة فيتامين ب، وكذلك الزيوت النباتية، والألياف ذات الأهمية القصوى في الغذاء. وتقوم بعض هذه المواد بامتصاص الأحماض والكلسترول، وتعطي راحة للأمعاء والمعدة، كما أنها لا تسبب اي انتفاخات أو غازات، بعكس ما يعتقده الكثير من الناس. ومعظم تلك المواد تتركز في القشرة الداخلية لحبة الأرز، حيث يوجد بها المواد الغذائية سالفة الذكر. وبسبب وجود مادة الحديد في هذا الأرز بنسبة عالية، نجد أنه يُقدم للمصابين بآلام المفاصل وكسور العظام، كما يقدم للمرأة النفساء تعويضاً لها عما تفقده من هذه المادة الأساسية.
زراعته.. حصاده
ثبت من الناحية العملية أن أنسب وقت لزراعة الأرز الحساوي هو الفترة ما بين أواخر شهر أبريل وأوائل شهر يوليو على النحو التالي:
* الأرز الحساوي المحلي: من أواخر أبريل الى أواخر يونيو (حولي 245 سهيل، و5 برج الثور، و10 المؤخر، الى 308 سهيل، و5 برج السرطان، و8 الدبران).
* الأرز الحساوي الهجين 1، 2: من أواخر يونيو الى أوائل يوليو (حوالي أسبوع بعد زراعة الأرز الحساوي المحلي). ويستمر ذلك حتى تاريخ حصاده، وهو ما يبدأ من 24 نوفمبر حتى الأسبوع الأول من ديسمبر، حيث يكون نجم (سهيل) قد خرج من جديد، ومضى على خروجه حوالي مائة يوم أو أكثر.
(ملاحظة): تم استخدام البروج والطوالع والأشهر الأجنبية لتوافق الطوالع والنجوم الفلكية المعروفة التي يستخدمها الفلاحون بصورة ثابتة من كل عام، مع تلك الأشهر، كما أنه لوحظ اختلاف تواريخ تلك النجوم والطوالع الفلكية مع الأشهر الهجرية في كل عام. وحول طريقة زراعته، ذكر الحاج علي الغانم، والحاج محمد السلطان، أن هناك طريقتين مساندتين لزراعته:
طريقة مباشرة: وهي زراعته في أرض كبيرة واسعة تسمى (الصّخّين) حيث تزرع البذور مباشرة في التربة عن طريق النثر اليدوي، وموعد زراعته بداية شهر يوليو.
وطريقة غير مباشرة: وهي زراعته في أرض صغيرة تسمى (النٍّقص) وهي تعتمد على الشتل، وذلك بزراعة البذور في قطعة أرض خصبة، يتم وضع البذور فيها بصورة مركزة، حتى ينبت أول الأرز، ويتم تركيز الماء عليه، من 8 الى 14 يوماً. وتسمى هذه الطريقة عملية (الشتل) وهذه يفضلها الفلاحون على الطريقة الأولى. يبقى الماء في الشتل في المدة المذكورة وبمقدار كاف، وبعد هذه المدة يسقى بطريقة اعتيادية، لفترات مدة كل واحدة منها أربعة أيام بلياليها كاملة، في مدة تصل الى حوالي أربعين يوماً. ثم بعد ذلك يرفع عنه الماء لمدة عشرة أيام، ثم تبدأ عملية نقل الشتلات الى الأراضي الرئيسية المسماة بـ (الضواحي).
ومن الناحية الزمنية، يقول الحاج علي السلطان، انه في ذلك الوقت المناسب يجب نقل الشتلات وهو في الجوزاء الثانية أو (المرزم) وعملية نقل الشتل تسمى (السّناية) كما ذكر ذلك الحاج أحمد حسين الحمد. ويواصل الحاج علي السلطان حديثه في هذا الجانب فيقول: بعد أن يتم نقل الشتلات الى الضواحي، يسقى الأرز بالماء لمدة أربعة أيام بلياليها كاملة، ثم يقطع عنه لمدة مثلها، ثم يعاد اليه الماء لمدة مثلها، وهكذا، الى أن يحين وقت حصاده في الفترة الواقعة من اواخر شهر نوفمبر حتى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر. وهناك طرق تفصيلية تخصصية، تدخل في مضمار العمل نفسه ليس هنا مجال ذكرها. وحينما سألنا الحاج محمد السلطان عن المدة الزمنية العامة التي تستغرقها زراعة الأرز الحساوي منذ أول يوم في بذره حتى يوم حصاده، قال: إذا تمت كل الطرق التقليدية المعروفة بصورة صحيحة ولم يتقاعس أي فلاح عن تطبيقها، فتكون المدة حوالي مائة وثمانية يوماً منذ بداية البذر حتى الحصاد. ومع إدخال الآلات الزراعية الحديثة ووجود عدد من المختصين والمهندسين الزراعيين، تم تطبيق الكثير من الأساليب الزراعية الحديثة الخاصة بالأرز الحساوي بما يتلاءم وطبيعة التربة، كما تم تعديل الكثير من الأساليب التقليدية السائدة لدى المزارعين بما يتوافق والطرق الحديثة. وفي البداية ـ كأية بداية ـ واجه المهندسون الزراعيون بعض الصعوبات في إقناع بعض المزارعين بتلك الطرق والأساليب، ولكن مع مرور الوقت، ووضوح التجارب وملاحظتها من قبل المزارعين أنفسهم، بدأت تلك الأساليب القديمة المتبعة في الري والبذور والشتل والتوزيع تتلاشى، وبات المزارعون يتخذون الأساليب الحديثة الفعالة التي تعطي إنتاجاً أكثر، وجودة أعلى.
النواحي الإقتصادية والإجتماعية
يقول الحاج محمد السلطان بأن تقديم (العيش الحساوي) في الضيافة يعتبر من مظاهر التكريم والتقدير، وهذا لا يتم إلا للأشخاص الخاصين جداً، وهو بهذا وجبة غير اعتيادية، وطعام شهي ـ إذا ما أُحسن طهيه ـ. وكان الناس في الماضي، ولا يزال قليل منهم حتى الآن، يتناولونه في وجبة السحور في شهر رمضان المبارك، حيث يبقى الصائم طيلة ساعات النهار في حالة اكتفاء. وعندما سألنا الحاج أحمد حسين الحمد، والحاج علي حسن الغانم عن المردود المادي لهذا الأرز، قال الحاج أحمد الحمد: إن العيش الحساوي يعتبر سلعة (مربحة) للمزارعين خاصة إذا كان المزارع لديه أراض شاسعة من (الضواحي). فوقت بيع الأرز يُنسي الفلاح ما كان قد (رماه) في الأرض من نقود. أما الحاج علي الغانم فيقول: ربما تجد أن بعض المزارعين يربح بمقدار مرة ونصف من المصروفات، وعليه فهو يسترد ما أنفقه أثناء الإنتاج، ويزيد عليه. ويضيف: كما يجب عدم نسيان دعم الجهات المسؤولة الممثلة في وزارة الزراعة والمياه لإمكانية وفرة الإنتاج مع المحافظة على الجودة العالية، ومحاولة تقديم ما يفيد المزارع مادياً وإنتاجياً. هذا ويعتبر العيش الحساوي من المأثورات الشعبية التراثية التي كان لها في السابق رنيناً وصيتاً لا يُجارى، سيما أثناء موسم الحصاد، و(هَوْس) الحمير (أي سيرها بصورة دائرية على سنابل الأرز في عملية لفصل الحب من السنابل). وهذه العملية هي إحدى طرق الحصاد. كما أن لـ (ذَرْي) التبن من الأرز وحمل التبن الى المنازل لاستخدامه في أغراض متعددة كالبناء، ولهو الأطفال، وغير ذلك من مظاهر شعبية قديمة تلاشت مع تلاشي بريق الأرز الحساوي، أقول كل تلك الاشياء كان لها وقعها المؤثر في المشاعر والأرواح، إذ كان موسم الحصاد، من المواسم الجميلة في عمر الفلاح وغير الفلاح.ولكن العيش الحساوي اليوم لم يعد يتصدر الوجبات الرئيسة اليومية، بل تحول بالتدريج الى ما يشبه العملة النادرة او التحفة اللامعة التي يتم تناولها في اوقات معينة وقليلة، ودخل مع كل ما زامنه من مظاهر اجتماعية جميلة الى عالم التاريخ والذكريات.
أتذكّر يومْ جِيّتنا من (القوع) بتبن
شايلين خياش متروسة وصيحتنا ترن
أتذكر يوم هب الهوا هَبوا في الذّري
يا حلو (عيش الحساوي) وما خسر من يشتري!
___________________________________________
(*) تم استقاء المعلومات الفنية الزراعية الحديثة من كلية العلوم الزراعية والأغذية بجامعة الملك فيصل بالأحساء، ومن: المركز الإقليمي للأبحاث الزراعية بالأحساء التابع لوزارة الزراعة والمياه. كما تم لقاء بعض المزارعين المحليين لتزويدنا بالمعلومات اللازمة