العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 01-04-2010, 09:01 AM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي الوقت.. أهو خصم أم صديق ؟ ــ حسن بن مبارك الربيح

الوقت.. أهو خصم أم صديق ؟

حسن بن مبارك الربيح


(1)

ما نسمِّيه بالوقت هل يتحيَّن الفرصة إلى وقتٍ آخر لا يشبهه؛ لكي يجيء؟!.كيف يضيعُ الوقتُ هكذا، ويفرُّ من بين أيدينا دون أن نشعر؟، وهل الوقتُ مصابٌ مثلنا؛ فله وقتٌ آخر أيضًا، ويضيعُ منه كما يضيعُ هو منَّا؟. كيف يعدِّدُ الوقتُ أيامَه؟.

مشكلة الوقت أنَّه طمسَ من قاموسه شيئًا اسمه القهقرَى، لماذا لا يتمنَّى عودة الشَّباب مثلنا؟؛ هل لأنَّه لا يحنُّ، أم لأنَّه لا يشعرُ بأنَّنا نحنُّ إلى أوقاته السَّالفة؟.

ربُّما لأنَّه في فتوَّةٍ دائمة فهو لا يتمنَّى ولا يحنُّ ولا يشعر.

الوقت صارم وجادٌّ في أمره لا يعرف إلاَّ جهة واحدة هي الأمام فقط. أنا يتعبني هذا الصَّارم الجادُّ الَّذي لا يجرِّب المزح والمرونة في حياته.

قيل بأنَّ الوقت كالسَّيف إن لم تقطعه قطعك. أتصوَّر أنَّ الوقت أعظم وأوجع من السَّيف لأنَّ السَّيف قد يتوقَّف ويتحوَّل إلى زينة في متحف، ولكنَّ الوقتَ سادرٌ في الرَّحيل دومًا، صارم في أمره.

يغادرنا الوقت وفي نفوسنا شيءٌ منه، يخلِّف فينا الحسرةَ والنَّدامةَ أحيانًا، وقد يأخذ معه الفرحَ والأملَ واللَّحظات الجميلة.

قف أيُّها الوقت قليلاً وجدْ لنا متَّسعًا أكثر، ليس لأنَّ رغباتنا أكبر منك وأطول، بل لأنَّنا نريد أن تمارسَ الصَّبرَ قليلاً؛ لتهبَ فرصةً لقلبين أن يكملا فصول العشق.

من كلام لبعض أكابر الصُّوفيَّة: إنَّ فوت الوقت أشدُّ عند أصحاب الحقيقة من فوت الرُّوح، لأنَّ فوت الرُّوح انقطاع عن الخلق وفوت الوقت انقطاع عن الحقِّ.

وسئل الشِّبلي لِمَ سمِّي الصُّوفيُّ ابنَ الوقت؟، فقال: إنَّه لا يأسف على الغايب، ولا ينتظر الوارد.
ثمَّة من يتصالح معك أيُّها الوقت، لكنَّ هنالك من يتطلع إلى حالةٍ أخرى غير المصالحة والخنوع، إنَّهم أحفاد ( أينشتاين ) الَّذين سيكتشفون أسراره، ويتحكَّمون فيه رجوعًا وذهابًا.

فحينما افترض ( أينشتاين ) بأنَّ الوقت لا يفنى، وأنَّ ما مضى من الزَّمن ممكن أن نرجع إليه بحسابات معيَّنة وكذلك الزَّمن الَّذي سيأتي من الممكن أن نسبقه.. هذا الخيال العلمي العصيُّ على التَّصديق سيقترب يومًا ما من الواقع، وسنشهد ساعة الزَّمن تلك الَّتي نراها في الأفلام.

الوقت عنده أشبه بالقطار والزَّمن سكَّته الحديديَّة، فهو يمرُّ وينتقل إلى بعد آخر عبر سكَّة الزَّمن، فالوقت الَّذي أعيشه الآن سيذهب إلى بعدٍ آخر تمامًا كتعاقب اللَّيل والنَّهار، فاللَّيل لا يفنَى إنما يتنقل وكذلك النَّهار.

***

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2010, 09:03 AM   رقم المشاركة : 2
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الوقت.. أهو خصم أم صديق ؟ ــ حسن بن مبارك الربيح

(2)

الوقت في المعجم اللُّغوي لا يتعدَّى كونه مقدارًا من الزَّمن، غير أنَّ القرآن الكريم كسر هذا المعنى باستعارة طريفة في هذه الآية الشَّريفة: ﴿ يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ.. ﴾ البقرة/ آية: 189.

الأهلَّة هنا رمز لحركة الزَّمن، ومواقيت الحجِّ هي مواضع الإحرام، فاستعير الوقت هنا للمكان لارتباطه به.

وقد تتبَّع صاحب كتاب المغرب تطوُّر الاستعمال اللُّغوي للوقت، فبعد أن حدَّد معناه في الزَّمن أخذ يتوسَّع إلى دلالته على المكان، يقول: ( قال أبو حنيفة رحمه الله مَن تعدَّى وقتَه إلى وقتٍ أَقربَ منه أَو أَبعدَ فإِنَّه يُجزِئُه وفي الجامع الصَّغير: ووَقتُه البُستانُ. أَي مِيقاتُه بستان بني عامِرٍ ثُمَّ اُستُعمل في كُلِّ حدٍّ. ومنه قولُه: هل في ذلكَ وقتٌ.

أَي حدٌّ بينَ القليل والكثير وقد اشتقُّوا منه فقالُوا: وَقَتَ اللهُ الصَّلَاةَ ووَقَّتَها. أَي بيَّنَ وَقتَها وحدَّدَها ثُمَّ قِيلَ لكُلِّ محدُودٍ مَوقُوتٌ ومُوَقَّتٌ ومنه حديث عليٍّ رَضِيَ الله تعالَى عنه: فإِنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّمَ لَم يُوَقِّتْ فِيها شيئًا. أَي لَم يفرضْ في شُرب الخمرِ مِقدارًا مُعَيَّنًا مِن الجَلد )(1). ولسيبويه تعبير طريف يربط فيه الزَّمن بالمسافات، وقد علَّق عليه ابن سيده في المحكم: ( واستعمل سيبويه لفظ "الوقت": في المكان تشبيهًا بالوقت في الزَّمان، لأنَّه مقدار مثله، فقال: ويتعدَّى إلى ما كان وقتًا في المكان: كمِيلٍ، وفَرسَخٍ وبَرِيدٍ.. ) (2).

الهوامش:
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المغرب للمطرزي الخوارزمي، ج5 ص 377.
(2) المحكم لابن سيده، ج3 ص 34.



***

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2010, 09:06 AM   رقم المشاركة : 3
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الوقت.. أهو خصم أم صديق ؟ ــ حسن بن مبارك الربيح

(3)

الشُّعراء على اختلاف عصورهم وثقافاتهم، كيف كان الوقتُ بالنَّسبة لهم، وكيف نظروا إلىه؟، وبأيِّ لغةٍ خاطبوه؟. فهذا ابن المُعذَّل كما في البيان والتَّبيين يقول:

وفي النَّفسِ حاجاتٌ إليكم كثيرةٌ
...................برُبَّانها في الحيِّ لو أُخِّرَ الوقتُ

اللهَ اللهَ..!! يا ابنَ المعذَّل، على أمنيتك العارمة في أن يتأنَّى هذا الوقت الجائر! ما أكثر الطلبات عليك أيُّها الوقت، ألا تلبِّي طلبًا واحدًا على الأقلِّ؟؛ ليغنِّي ويطير كما غنَّى يحيى بنُ حَكَم الغَزَال:

أَطربهُ الوقتُ الَّذي قد دَنَا
...................وكانَ من قبلكَ لم يَطربِ

لكنَّ الوقت يبرز متحدِّيًا كلَّ من يحاول إرجاعه، فيقول على لسان ذلك الشَّاعر:

إِن رُمتَ إرجاعَ الفوائتِ
...................قال ضيقُ الوقتِ مَن لكْ؟

حدُّ سيطرة الإنسان على الوقت أن جعل له آلةً يقسِّم بها مسيرته، ويقيس ما مضى منه وما بقي، إلا أنَّه لم يسيطر عليه تمامًا بعد، فما يزال جبروت الوقت الَّذي لا تغلبه حيل ابن آدم وإن كثرت على رأي أبي العتاهية:

حيلُ ابنِ آدمَ في الأمورِ كثيرةٌ
...................والوقتُ يقطعُ حيلةَ المحتالِ

الوقت هنا يشبه الموت في قهره للرَّغبات والآمال والقِوَى، وكأنَّه يرصدنا، وهو عصيٌّ على الرَّصد غير أنَّ هناك سيطرةً أخرَى على الوقت تشبه النَّظرة الصُّوفيَّة السَّابقة، يكشفها لنا الشَّاعر لسان الدِّين الخطيب في موشحته الشَّهيرة حينما قال:
واغتنامُ الوقتِ شُغلُ الكَيِّسِ

إلاَّ أنَّ الاغتنام متعب جدًّا لأنَّه بحاجةٍ إلى انتظار وصبر ويقظة دائمة، فتبقى هذه السَّيطرة غير مكتملة إلاَّ بشروط. شاعر آخر يكتشف مخدِّرًا لمغالبة الوقت، فيقول:

يُدفَع الوقتُ بالرَّجاءِ، وناهيكَ
...................بقلبٍ غذاؤُهُ التَّعليلُ

وأظنُّ أنَّ نصيحته هذه أخذ بها ذلك الشَّاعر الَّذي أنشد:

قلتُ لمَّا بدَا يميسُ بقَدٍّ
...................جَلَّ مَن صاغ حُسنَه وتَبارَكْ

عَمِّرِ الوقتَ بالرَّجا أو بوَصلٍ
...................عَمَّر اللهُ يا حبيبي دِيارَكْ

نعم.. نعم عمِّره زادك الله عُمُرًا !!.

شاعر آخر يقدِّم لنا نصيحة تحثُّ على الاغتنام أيضًا، ولكن بأسلوب المبادرة بأقصى ما يمكن، وكأنَّه في سابق لا ينتهي مع الوقت، فيقول:

بادِرْ فإنَّ الوقتَ سيفٌ قاطعٌ
...................والعمرُ جيشٌ، والشَّبابُ أميرُ

وصفاء الوقت بالنِّسبة للعشَّاق غنيمة لا تعادلها غنيمة الحرب إذا لم تكدَّر، وهذا ما نطقت به العاشقة على لسان عشيقها، في حوار بائس:

قَالتْ: صَفَا الوقتُ
...................ولكنَّ الرَّقيبَ كالقَذَى

قُلتُ: إذا غاب الرَّقيبُ
...................أَرضني، قالت: إذا

وأنا أمرُّ على هذين البيتين اعتذرتُ من ( الوقتِ ) قليلاً على ما سطَّرته ضدَّه في هذه الصَّفحات؛ لأنَّني وجدتُ من هو أقسى منه وأزعج منه إنَّه ( الرَّقيب ) ذلك المخرِّب، والَّذي ليس له عمل غير تعكير الأجواء.. على الأقل فليجمع ( راسين بالحلال ) بدلاً من إجهاد نفسه في المراقبة المقيتة، والَّتي تذكِّرُ بمهنة المخابرات تلك الَّتي لا تعترف بالخصوصيَّة أبدًا.

إنَّه أشدُّ من القذى رغم وساخته؛ لأنَّ القذى يسهل تنظيفه من العين.

ما لفت انتباهي عبارة: ( قالت إِذا ) وكأنَّها تقول بنبرة ساخرة خائبة: لا أمل في غياب الرَّقيب. وهذا يعطي دلالة على معرفتها المسبقة بهذا الرَّقيب السَّلبي، واعتيادها عليه لدرجة أنَّها يئست من غيابه.

هنالك شاعر جميل في العصر الحديث اسمه علي بافقيه، يقول:

أعدُّ لياليَّ
لا وقتَ عندي
ووقتي كثير

هذه الجمل تكشف لنا شيئًا من صراع الشَّاعر مع نفسه والوقت فهو من جانب: أعدُّ لياليَّ. وهذا إيحاء بانتظار شيءٍ ما؛ لأنَّ مَن ينتظر هو مَن يهتمُّ بحركة الوقت.

لا وقت عندي. بمعنى أنَّ وقته أوقفه على الانتظار فقط، فلا وقت عنده لأشياء أخرى، ومن الممكن أنَّ الانتظار المليء بالرَّغبة واللَّهفة في أشدِّ حالاته يكون أطول وأكثر من الوقت نفسه، فلا وقت عنده يحسب بهذا المعنى.
ومن جانب آخر: وقته كثير كيف يمكن قبول مثل هذا التَّناقض؟

يمكن قبوله إذا تصوَّرنا إيحاء جملة ( وقتي كثير )، فهي توحي بأنَّ هذا المتحدِّث سجين؛ ليس سجين قيود وقضبان، بل هو سجين انتظاره ولهفته وارتقابه، بهذا المعنى يصبح وقته كثيرًا، وإلاَّ فالوقت هو الوقت؛ لا يكثر ولا يقلُّ بمعنى أنَّ السَّاعة فيه هي هي لا تطول دقائقها ولا تقصر، لكنَّه أضاف على وقته الكثرة لأنَّ الوقت مرتبط ارتباطًا جذريًّا بما ينتظره، فلا يأتيه الفرج إلاَّ بعد انتهاء المدَّة، لذا فهو يشعر وكأنَّ الوقت يتوالد ويتكاثر، تمامًا كما شعر به جدُّه امرؤ القيس:

تطاوَل ليلُكَ بالإِثمدِ
...................ونامَ الخَليُّ ولم تَرقدِ

إذن هو عند امرئ القيس لا يطول فقط بل يتطاول، وفي تصوير آخر يتوغَّل الجدُّ أيضًا مستشعرًا بأنَّ الوقت لا يتحرَّك:

فيا لكَ من ليلٍ كأنَّ نجومَهُ
...................بكلِّ مغار الفَتل شُدَّت بيذبُلِ

فهذا الهمُّ الَّذي تراكم على قلبه أوصله إلى أن يراقب نجوم اللَّيل فيكتشف أنَّها لا تتحرَّك أبدًا، وكأنَّها مشدودة بحبل إلى جبلٍ. والجدير بالذِّكر أنَّ ليل امرئ القيس أكثر طولاً من ليل النَّابغة الَّذي قال:

كليني لهمٍّ يا أُميمةُ ناصبِ
...................وليلٍ أُقاسيهِ بطِيءِ الكواكبِ

بالعودة إلى بافقيه نرى صورة شخصٍ سجينٍ بقيود الانتظار واللَّهفة وبقيود الخوف من خيبة الانتظار.

ترى أيُّها أقسى على المرء الانتظار أم الهمُّ أم الوقتُ ؟.

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 06:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد