العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 31-03-2010, 05:54 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي سرير الغريبة ( غريب يرى نفسه في مرايا غريبته ) ـ جابر بن عبدالله الخلف

سرير الغريبة ( غريب يرى نفسه في مرايا غريبته )

جابر بن عبدالله الخلف


رحل الشاعر محمود درويش إلى الدار الآخرة في 9/8/2008م، أي قبل ثمانيةَ عشرَ يوما، وبرحيله تطوى صفحة مورقة من كتاب الشعر العربي، ولكن برحيله أيضا يفتح كتاب الشعر على مصراعيه، فهو شاعرُ الأبد كما هو في شعره، أو شاعر الأوابد كما هو في الشعر العربي.

ولا أظن أن محمود درويش بحاجة إلى تسخير النجوم حتى يقال أنه شاعر استثنائي في الشعر العربي، فهو أكثر من شاعر، وهو شاعر أخلص لوحيه وإلهامه .. حسب تعبير شوقي بزيع !

دواوين محمود درويش تستثيرُ في القارئ الشعريَّ والثقافيَّ معا، وتشعر أثناء قراءته بما تحب أن تقوله، سواء في الغزل أو في الوطن أو في الذات أو في الآخر

قراءتي لدرويش بدأت من دواوينه الأخيرة، ولم تكن قراءة منهجية تبدأ من أوراق الزيتون 1964م، وحين نحاول الكتابة عن محمود درويش، فهذا لكي ننمو لا أقل ولا أكثر .. أما فهو فقد سئم من المجد !!

نكتب عنه؛ لأننا بحاجة إلى لغته وشاعريته وجنونه البسيط، وبساطته الشعرية الفاتنة، أي بمعنى التخفف من البلاغي والبديعي، فهو لا يكف عن التجريب، ولا يمل من التوتر الشعري الذي أقلق قلبه على مرِّ الكلمات، فلم يستطع النبض أن يكون وفيا، فانهزم النبض، وانتصر الشعر والشاعر.

ألم يقل ذات مرة: "سبب توتري قلقي الدائم على مشروعي الشعري"!!

ألم يقل أيضا، وهو في بياض الموت:
" يا موتُ، يا ظلي الذي سيقودني، يا ثالث الاثنين، يا لون التردد في الزمرد والزبرج، يا دم الطاووس، يا قناص قلب الذئب، يا مرض الخيال .. اجلس على الكرسي، ضع أدوات صيدك تحت نافذتي، وعلق فوق باب البيت سلسلة المفاتيح الثقيلة، لا تحدق يا قوي إلى شرايني؛ لترصد نقطة الضعف الأخيرة، أنت أقوى من نظام الطب، ولست محتاجا لتقتلني إلى مرضي" جدارية 2000م .

أين يمكن أن نقرأ لشاعر يتناول الموت بهذه الحميمة المفرطة حد التماهي .. فالموت ليس خصما، أو عدوا، أو ذئبا يترصد كما صورّه الجواهري :

ذئب ترصدني وفوق نيوبه
....................دم أخوتي وأقاربي وصحابي !

وليس هو طولا مرخى كما صوره أيضا طرفة بن العبد:
لعمرك إن الموت ما أخـطأ الفتى
....................لك الطول المرخى وثنياه بالـــيد !

هذا هو محمود درويش وهو يعد لموته الأنيق، ويرتب جنازته بنفسه كما هو في ديوانه ( جدارية ) 2000م، ولكن كيف نقرأه وهو يرتب لحياته في ديوان ( سرير الغريبة ) !!

محمود درويش في ( سرير الغريبة ).. غريب يرى نفسه في مرايا غريبته، لقد آثر الانفراد بهمه الذاتي بعيدا عن هم القضية والالتزام بالقضايا الكبرى التي أصبحت تمثل طوقا أبديا حول تجربته الشعرية.

سرير الغريبة هو كتاب في الحب، وقد قال مرة:
"في هذا الديوان برغم الإحباط الذي أشعر به فإني أعبر عن قدرتي على الحب، وعن قدرتي على الكلام عنه أيضا .. وفيها أبرز أن الكائن لا يمكن أن يكون قويا إلا إذا ما كان ضعيفا .. الشاعر حتى لو كان مدافعا عن قضية فإنه في آخر الأمر مثل كل الكائنات يُحِبُّ ويمرضُ ويحلمُ وينهزمُ وينتصرُ ويموتُ".

هذا التعليل الدرويشي الأنيق للانتقال من تجربة الشعر النضالي إلى تجربة التعبير عن الحب وعن أحاسيسه الذاتية، وهمومه الخاصة لاقى ردود أفعال مختلفة، فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما هو شاعر الأرض المحتلة، وشاعر المقاومة، وشاعر القضية والوطن، وفجأة هو شاعر عاطفي يجلس مع غريبته في مقهى أو في زاوية أو في مطعم أو على شاطئ البحر يبثها همه وحزنه .. إنها قدرة محمود درويش على المغامرة والجرأة، فقد أكد بتجربته في ديوان ( سرير الغريبة ) على أن الشاعر أيضا كائن إنساني، وليس كائنا نضاليا فقط !! وهذه هي قفزةُ الدّيوان !!

والديوان مع نزوعه المطلق نحو الحب والأنثى والعاطفة والغريزة لم يكن شعرا غزليا بالمعنى الموروث لكلمة ( الغزل )، بل يعد الديوان إضافة معاصرة لنظرة الشاعر لمعاني الغزل بالأنثى، فلم يعد الغزل بمحاسن المرأة وجيدها وطول عنقها وامتلاء ساقيها وصفاء عينها، وإنما هو غزل بها ككائن إنساني أيضا، لديها كل تلك المحاسن الأنثوية، وهي أيضا حبيبة معبأة بأسئلتها التاريخية والوجودية !

حينما وجه لمحمود درويش أكثر من سؤال عن أن القصيدة الوجدانية لديه لم تعد مستقلة، ولكنها أصبحت جزءا من القصيدة الوطنية ..

هل لأنه لا يعيش تجربة وجدانية وعاطفية ؟

لقد أجاب درويش عن ذلك بإجابتين إجابة شعرية وإجابة نثرية، ستحاول هذه الورقة المزج بين الإجابتين من خلال ديوانه ( سرير الغريبة ) ؟

لقد أجاب بأن "القصيدة العربية شبكية وشمولية تتسع لكل معاني الوجود، والعلاقة بيني وبين الحبيبة ليست علاقة معزولة عن الأسئلة التاريخية والثقافية والوجودية؛ لأنه يوجد خارجٌ بيني وبينها، لا نستطيعُ أن نعزل أنفسنا تماما في وقت الغزل".

وقد أضاف:
"إن وضع المرأة في سياق أوسع هو احترام لها، وليس تحويلها إلى موضوع غزلي، وأن تحملَ المرأةُ أسئلة وجودية وثقافية هذا احترام لها؛ لكي لا تكون موضوعا محددا، أو استعارة في النص الشعري . أنا أكتب شعر حب، ولكننا لسنا مسجونين في غرفة نتكلم كلام النسيب، والديوان هو حوار بين رجل وامرأة في كل الأسئلة الحسية والروحية والاغتراب والذات والآخر حتى الأسئلة الإيروسية، هو حوار بين شخصين يتجاوز خصوصياتهم إلى حوار أوسع؛ لأننا جزء من كون، وأيُّ (أنا) هي مجموعة عوالم وإلا تصبح (أنا) مريضة وضيقة، (الأنا) مخزون إنساني كبير".

إذن .. لقد أضاف الشاعر إلى غرض الغزل قيمة إنسانية، بوصف الأنثى ذاتا مستقلة لها غاياتها، وليست موضوعا للغزل والنسيب، فهو إذا أراد أن يتغزل بالأنثى لا يستطيع الكلام عنها فقط، بل يتكلم عن حاجياتها، وعن هواياتها وهمومها وعن الفصل الذي تحب، وعن ذاكرتها والموسيقى المفضلة لديها، إنه يتجاوز المحدد والموروث والرتيب والمكرر !!

ويمثل حضور رموز الحب في الديوان، مثل: قيس وليلى، وجميل بثنية، ورميو وجولييت تساقيا وجدانيا مع خط الديوان الشعري، ولكن الشاعر لا يركن إلى تجاربهم ذاتها، وإنما هم مثابة النموذج الإنساني للحب.

وتعدد صورة الأنثى في الديوان يشد الانتباه منذ أول وهلة، فقد أثبت محمود درويش منذ انتقاله من مرحلة أناشيده المارسيلية والنضالية أثبت أنه شاعر عاطفي، صاحب معرفة في عالم الأنثى، لا تقل عن خبرة شاعره الأثير في المرحلة الرومانسية نزار قباني.

وحسب توصيف ظبية خميس أن "نزار قباني يستعير صوت الأنثى بشراسة العارف بأحوالها، أما محمود درويش فإنه يستعير صوتها كطفل تائه متلعثم الخطوات؛ كي يرتدي أردان امرأة لم يلج تماما إلى عوالمها الخاصة، حيث انشغاله في الماضي بالثورة والمنفى والحنين إلى قهوة أمه".

لكنّ من يقرأ ديوان سرير الغريبة لا يجد نفسه متيقنا من صحة كلام ظبية خميس بالمطلق، ولكنه يلم بشاعر خبر العواطف الإنسانية، والعوالم الأنثوية، ولكن بالمعنى الدرويشي للغزل بالأنثى .

في ديوانه ( سرير الغريبة ) نجد إجابته الشعرية عن قصيدته الوجدانية، وعن صورة أنثاه، وكيف يمكن التعبير عنها ببساطة وعمق، ويمكن أن يلمس القارئ أين هي أنثى الشاعر، وأين هو بالنسبة لها:

[ أنا امرأة لا أقل ولا أكثر
أعيشُ حياتي كما هيَ خيطا فخيطا
وأغزل صوفي لألبسه لا
لأكمل قصة ( هومير ) أو شمسَه
وأرى ما أرى كما هو في شكله
بيد أني أحدق ما بين حين
وآخرَ في ظله
لأُحس بنبض الخسارةِ
فاكتب غدا على ورق الأمس:
لا صوتَ إلا الصدى
أحب الغموض الضروري
في كلمات المسافر ليلا إلى ما اختفى
من الطير فوق سفوح الكلام، وفوق سطوح القرى
أنا امرأة لا أقلَّ ولا أكثرَ .
تُطيّرني زهرةُ اللوز في شهر آذار من شرفتي
حنينا إلى ما يقول البعيد:
"المسيني لأورد خيليَ ماء الينابيع"
أبكي بلا سبب واضح وأحبُّكَ
أنتَ كما أنتَ لا سندًا أو سدى
ويطلع من كتفيَّ نهارٌ عليك
ويهبط حين أضمّكَ ليلٌ إليك
ولست بهذا ولا ذاك
لا لستُ شمسا ولا قمرا
أنا امرأة لا أقل ولا أكثر
فكن أنتَ قيس الحنين إذا شئت
أما أنا فيعجبني أن أحبَّ كما أنا
... أنا من أنا مثلما أنت من أنت:
تسكن فيّ، وأسكن فيك إليك ولك
أحب الوضوحَ الضروريَّ في لغزنا المشترك
أنا لك حين أفيض عن الليل
لكنني لست أرضا ولا سفرا
أنا امرأة لا أقل ولا أكثر ... ]
[ لنذهب كما نحن إنسانة حرة
وصديقا وفيا لناياتها
لم يكن عمرنا كافيا لنشيخ معا
ونسيرَ إلى السينما متعبين
ونشهدَ خاتمة الحرب بين أثينا وقرطاج عما قليل .
فعما قليل ستنتقل الطير من زمن نحو آخر
هل كان هذا الطريق هباء
على شكل معنى، وسار بنا سفرا عابرا بين أسطورتين
فلا بد منه ولا بد منا
غريبا يرى نفسه في مرايا غريبته !
لا ليس هذا طريقي إلى جسدي
لا حلول ثقافية لهموم وجودية ...]

أطمح أن تكون لي قراءة خاصة عن تجربة الموت وتجربة الحياة من خلال ديوان ( جدارية ) وديوان ( سرير الغريبة ) !!

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 06:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد