![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 1 |
طرفاوي بدأ نشاطه
|
![]() (١) لم تكن حفلة صاخبة. باستثناء المنزل الباذخ، كانت الحفلة بسيطة في معظم التفاصيل. كان الوقت بعد منتصف الليل بقليل. جلسَت إلى جواره على أريكة أخذت تخلو شيئا فشيئا، قارورة الماء الصغيرة في يدها، فيما كان هو يدخن أرجيلته الأولى -- بحذر وخوف في البداية، ثم بتلذذ وبطء لاحقا. تكلما عن الآخرين، وعنهما. وكلما قال شيئا، سألته: «لماذا؟» فيرد بعد تردد: «لا أدري». ـ تبدين مرهقة. من الأفضل أن تذهبي إلى المنزل. ـ حسنا. سأتصل بالسائق. ـ ما رأيك بالخروج لنتنفس بعض الهواء النقي ريثما يصل السائق. كان الجو باردا في الخارج. ضمها إليه. اقترح أن ينتظرا في سيارته. الجو داخل السيارة كان باردا أيضا. ضمها أكثر. رأسها في صدره وأنفاسه الدافئة تلفح عنقها. كان مبتسما، يحاول إقناعها أن الجو ليس باردا جدا. ليس إلى هذه الدرجة، على أي حال. لم ترد عليه. جذبت رأسها من صدره، ونظرت في عينيه. همست: ـ سأفعل هذا مرة واحدة فقط... (٢) لم يخطر على باله أبدا أن يحدث ما حدث. ليس في هذه المدينة على أي حال. ربما كانت ثقته بأن لا شيء من الممكن أن يحصل بينهما هو ما جعله يتصرف بارتياح، لكنه غير مقتنع بأن هذا هو السبب الحقيقي: هو لا يتظاهر مع الأخريات حتى في حضور الاحتمالات الأخرى. ربما كانت الكيمياء، ربما كانت هي «مختلفة» فحسب، وربما كان الأمر بعضا من كل ما سبق. زارها في اليوم الذي تلى تلك الحفلة الهادئة. لم يرغب أن تتملك الغرابة صداقتهما إثر تلك الليلة الباردة. كانت الشمس ساطعة أكثر من المعتاد لنهار شتوي، لكنها أرادت أن تبدأ يومها بالمشي في الوادي. قطعا المسافة على مهل، دون أن يخطر ببالهما أن هذا الطريق سيشهد على عبراتهما في غضون أسابيع قليلة. بعد أن عادا إلى المنزل، قضيا معظم الوقت في المطبخ الصغير، يطهوان البيتزا. كان شكل البيتزا غريبا بعض الشيء حين أخرجتها من الفرن، لكن مذاقها كان طيبا. حين اقتربت الساعة من الثامنة، ودعها متمنيا أن تقضي وقتا طيبا في القاهرة حيث ستقضي بضعة أيام في رحلة عمل خلال الأسبوع القادم. وحيدا في الرياض، تملكه الشوق إليها. اتصل بها قبيل منتصف الليل. المسافة ليست بعيدة، لكن الصوت كان يصل متأخرا. التأخير جعل المكالمة ثقيلة جدا. قالت له قبل أن ينهي المكالمة: «سنتكلم حين أعود»، فرد ببطء: «حسنا». بعد أن وضع هاتفه على الطاولة المزدحمة قال لنفسه: «ماذا لو أني لا أريد أن نتكلم؟...» (٣) - هل اتصلتِ لتقولين «وداعا»؟ - نعم... - لا أصدق أننا نودع بعضنا على الهاتف - أنت تعلم... - أعلم، لكنه أمر مؤلم، ويحز في نفسي كثيرا. كل ما أردته هو أن أراك مرة أخيرة، لأنظر في عينيك الجميلتين، وأطبع قبلة على جبينك، ثم أقول «وداعا». للأسف أن هذا لن يحصل، وللأسف أن لا شيء يمكنني القيام به لتغيير ذلك. * * * شعر أنه على وشك البكاء، فأخذ نفسا عميقا، ثم بدأ يبحث عن أي شيء يمكن أن يقال. بدت اللغة فقيرة جدا أمام عينيه اللتين اغرورقتا بالدموع. «أريد أن أعتذر عن كل شيء، أريد أن أعتذر عن كل الضرر الذي سببته لك، وكل المشاكل التي أقحمتك فيها.» طلَبَت منه أن لا يعتذر، لكنه أكمل كلامه: «أعتذر عن كل الحماقات التي تفوهت بها، وكل الحماقات التي اقترفتها. أنا آسف جدا.» قالت له أن ما حصل كان خطأها، لكنه قاطعها قبل أن تكمل جملتها. لم يكن ليرضى أن تنوء هي بحمل ذنبهما وحيدة وهو يعتقد أنه يتحمل مسؤولية ذلك بقدر ما تتحملها هي. سكت قليلا وتذكر تلك الأفكار التي كانت تراوده حول الذنب والشغف، وكيف يتناوبان أحيانا ليتحكما في مشاعرنا ويقودان تصرفاتنا. أخذ يتذكر قصصا كثيرة كان ستروى يوما ما، لكن هذا اليوم لم يأت أبدا... «أريد أيضا أن أشكركِ على كل شيء، أريد أن أشكرك على كل الأشياء التي منحتني إياها، ولأنك كنت إلى جانبي حين احتجت إليك. سأبقى على الدوام ممتنا ومدينا لك، وسأبقى أتذكر إلى الأبد كل الأوقات الطيبة التي قضيناها معا، وكل اللحظات الحلوة التي تشاركناها... أتذكرين الحفلة الراقصة وذلك الفستان الجميل الذي ارتديته تلك الليلة؟ أتذكرين كيف ضحكنا كثيرا لأن الرداء كان يحوي جيوبا على جانبيه؟ جيوب! هاهاها... أوقات طيبة.» * * * - هل لا زال سواري المطاطي الأبيض معك؟ - آه، نعم! - حسنا، احتفظي به، ربما أستعيده منك إن التقينا يوما ما - لا بأس... لكنني سأشتاق إليك - سأشتاق إليك أكثر - هذه ليست مسابقة! - بلى، لكنني أعلم أني سأشتاق إليك أكثر - اعتن بنفسك يا (...) - اعتني بنفسك يا (...). وداعا. /// أحمد العمران
|
![]() |
![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|