العودة   منتديات الطرف > الواحات الأدبية > همس القـوافي وعذب الكلام




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 05-05-2008, 03:24 PM   رقم المشاركة : 1
broken-hearted
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي خــمــس رســائــل

(١)

صديقتي سين،

حين سألتك قبل فترة عن أكثر ما تجدينه مثارا للسخرية أجبتني دون أن تعرفي الدافع وراء ذلك السؤال. ما جعلني أسأل هو شعوري بأننا نعيش بطريقة تثير السخرية لأبعد الحدود؛ فحين كنا على بعد آلاف الأميال عن موطننا كنا لا نكاد نفترق، واليوم، نحن نسكن على بعد عشر دقائق فقط، ومع ذلك لا نستطيع رؤية بعضنا. حين قلتِ لي آخر مرة رأيتك فيها وأنتِ تصافحينني: «أشوفك على خير» لم أعرف كيف أرد، ثم أخذت أفكر في تلك الكلمات وأقول لنفسي: ما هي احتمالات أن تتقاطع دروبنا في هذه المدينة المزدحمة؟ ضئيلة جدا، للأسف.

حين أتأمل في الأمر أكثر أدرك أن الذي يحصل بيننا ما هو إلا عارض آخر لأمراض اجتماعية وأزمات فلسفية نعاني منها بصورة يومية في هذا الجزء من العالم. لكنني بصراحة لست في مزاج يسمح لي بالاستطراد في ذلك تشريحا وتحليلا، وليس عندي طاقة لأخوض هذه المعركة رغم إيماني بأنها معركة تستحق الخوض فيها حتى الآذان.

لست أبيح سرا حين أعترف بضعفي، وأعترف أيضا أني سأشتاق لرؤيتك بين حين وآخر. لكنني أظن أني قادر على مواصلة حياتي بصمت في هذه المدينة حتى أطير إلى مكان آخر. وربما إن رحلتُ سأشتاق لرؤيتك أكثر، لكن هذا أمر آخر قد نتكلم عنه في يوم آخر. لا تستسلمي، لا تضعفي، لا تبكي، ولا تقسي على روحك وجسدك.

واسلمي لأحبابك،
- صاد


(٢)

عزيزتي سين،

من المؤسف أن بعض حماقات الآخرين يمكن أن تخرجنا من جلودنا. ضغوط الحياة والتوتر الدائم الناتج عن سكنى المدينة يجعلنا نفقد أعصابنا بشأن أمور خارجة عن إرادتنا. ولسبب أو لآخر، يبدو أن كل شيء هنا يأتي بشكل مضاعف: الزحام والحوادث والإهمال وسواهم. سلامتك.

أحيانا، قد يدفعكِ الآخرون دفعا نحو نوبات الغضب. تخسرين التحكم في أعصابكِ ويتولّى كائن آخر زمام الصراخ وحركات الأيدي السريعة. تتفاجئين من نفسك، تخافين منها. تتقافز أمام عينيكِ أسئلة مخيفة: هل فقدت عقلي؟ هل جننت؟ تستغفرين وتحوقلين: عفوك يا إلهي. تحاولين اعتناق الهدوء لكنّ شيئا من المرارة لمّا يغادر دواخلك لأن بعض الوقت مضى ويبدو أن أحدا لا يهتم لِما ساوركِ من الألم. انطباع في غير محله طبعا، لأن بعض الوقت لا يُظهِر أن شيئا في هذا العالم مستقر حيث يجب.

على عكس صديقة غازي القصيبي في رواية «هما»، أنتِ فتاة لا يليق بها الغضب. أنت فتاة خُلِقت لتضيء وحشة الرياض بابتسامتها. أنت فتاة يضيع ضجيج المدينة في صفاء عينيها. أنا أدرك أن جزء كبيرا من ذلك الغضب ليس إلا قشرة خارجية تخفي إحباطا عميقا نتشارك في معظمه. لكننا بطبيعتنا نخشى أن يطلّع الغرباء على إحباطاتنا ونحاول دون أن ندرك تغطيته بنوبات غضب سرعان ما نندم عليها لأنها تخدش أرواحنا ونخاف أن لا تلتئم أبدا. أنت فتاة طيبة جدا، هذا كل ما تحتاجين أن تعرفيه. وحين تقسو عليكِ الأقدار، تذكري ذلك فقط، وكل شيء سيكون على ما يرام.

واسلمي لأحبابك،
- صاد


(٣)

صديقتي سين،

مضى عليّ أكثر من أسبوع وأنا أحاول أن أكتب لك شيئا، ولكن دون جدوى. فبقدر ما كانت الكلمات الجميلة تنهمر فوق رأسي حين أحدثك وتتزاحم حتى لا أدرك ما أقول، بقدر ما أنا عاجز اليوم عن قول شيء. كل ما أريد قوله أني أشتاق إليكِ كثيرا، وأفتقد التحدث معك في كل شيء: عظائم الأمور وصغائرها، من مصير هذه الأمة إلى سبب انقطاع «فانيلا كوك» من الأسواق. فقط أريد أن أطمئن عليكِ وأتأكد أنك على ما يرام، فأنت منذ عرفتك وأنت قابلة للكسر، ولذ أقلق وأخاف عليكِ. أعترف أني ملك الحماقات، وأني لا أطاق، ولكن مجرد إدراكي بأنك تستمعين على الطرف الآخر كفيل بأن يشعرني بأمان مفقود.

واسلمي لأحبابك،
- صاد


(٤)

صديقتي سين،

يكاد يمضي أسبوعان منذ أن تكلمنا آخر مرة، وما لم أكن مخطئا فإنها أطول فترة تمر دون أن نتكلم فيها منذ التقينا أول مرة في سبتمبر. لا تخافي، لم يصبني مكروه. كل ما في الأمر هو إحساسي بأني قد أثقلت عليك خلال الأيام الأخيرة، فقررت أن أدعك تستمتعين بإجازة من «صاد» وتذمره الدائم. أتمنى أن تكوني على ما يرام. أنتِ فتاة طيبة جدا، ولا يجب أن تشغلي نفسك بتذمر ولد محبط.

لا أخفيك بأني مهموم بعض الشيء، وصداعي يدخل أسبوعه الثاني دون نية ظاهرة للاختفاء قريبا. لكنني أحاول أن أترك الأمور تسير دون دراما ودون أن أتوقف عندها كثيرا. بين ظلم البشر وحماقاتهم، لا يبقى مجال كبير للتفكير، إنما... لا عليكِ. (لم أكن أنوي كتابة هذه الرسالة لأسمعك مزيدا من التذمر، فأرجوك أن تتجاهلي هذه الأسطر).

والبارحة، وددت لو أني زرتكِ ثم ذهبنا إلى مقهى La Wein في نهاية شارع الثلاثين. نجلس متقابلين على المقاعد البنية الوثيرة. نحتسي القهوة ببطء ولا نتكلم كثيرا. تنظرين إلى عينيّ وتسألين إن كان هناك ما يزعجني، فأقول «لا شيء». ولأنك تعلمين أنه جواب مخاتل فإنك لا تكررين السؤال. تنتظرين في صمت فقط، إلى أن تواتيني الشجاعة لأسكب كل تنهداتي في أسماعك المنصتة. تهدّئين من روعي وتطمئنيني، بالإيمان تارة وبالمنطق تارة أخرى. أحاول أن أجادل وأعاند، كما هي عادتي، لكنني لا أجد الكلمات لوصف حنقي. تأخذين نفسا عميقا وتقولين لي وقد ارتسمت على شفاهك الجميلة نصف ابتسامة: «يا سيدي.. وسع صدرك».

واسلمي لأحبابك،
أحمد


(٥)

عزيزتي سين،

كانت ليلة البارحة جميلة جدا، انسابت فيها أنغام موسيقى الجاز مازجة الحزن مع الأحلام والحنين مع الأمل في تلك القاعة المستطيلة التي تعلقت بسقفها بالونات زرقاء خففت من حدة إضاءتها، فيما ملأتها صفوف مقاعد بسيطة ترتدي البياض فوق سجادة قاتمة تعود لعشرين عاما أو أكثر. ما إن غادرت المكان إثر نهاية الحفل حتى عاجلتني رغبة ملحة في الاتصال بك. أردت أن أخبرك أنك قد أضعت ليلة ساحرة لا تتكرر كثيرا في هذه الأنحاء، لكنني وجدت الساعة قد قاربت منتصف الليل وقلت لنفسي أنه لا يجدر بي أن أختتم يومك بدعوة للتحسر.

مضى بعض الوقت منذ أن نثرنا كلماتنا في الأثير آخر مرة، ولا أنكر أني أشتاق لصوتك وما يحمله كما أشتاق لكل التفاصيل الصغيرة فيك، لكنني أعاند نفسي لأنني كلما انتهيت من إغراق إنصاتك الجميل بصغائر حياتي أشعر بالمرارة حين أتذكر واقعنا الذي بالكاد أطيق معايشته.

أحيانا أود لو أعاتبك في بعض الأمور، لكنني أخشى أني لا أملك الحق في ذلك، فلا أفعل. أدرك، وأتفهم، أنك رغم ذكائك وجمالك وشجاعتك، إلا أنك تعيشين في وسط يضيق صدره بك كما يضيق صدرك به، ويفرض عليك قيودا كثيرة. لكنني مع ذلك لا أستطيع أن أمنع نفسي من الإحساس بخيبة الأمل. أدرك، وأتفهم، أننا نحيا في مدينة متسلطة وحمقاء. لذلك أشعر بالإحباط كلما جاءت فرصة لنهزم الحماقة والتسلط وتركناها تنساب من بين أصابعنا مثل رمالها الناعمة لتذروها رياح الندم.

كلما انتباتني هذه الأحاسيس ألجأ إلى الاختباء في مخدع وحدتي. أعلم أنك لا تمانعين الاستماع إلى تذمري، بيد أنه لا يليق بي أن أحاصرك بإحباطاتي ومخاوفي كل مرة تصيبني فيها قلة الحيلة. وقلقك الذي تثيره غياباتي هو إطراء أستلذه ولا أستحقه، فأنا في النهاية مجرد ولد مزاجي لا يكف عن اقتراف الحماقات.

ربما لا نملك من أمرنا بقدر ما نود أن نملك من أمرنا، لكن ما قيمة حياتنا إن عشناها وفق قوانين لا نؤمن بها وضعها الآخرون وما أنزل الله بها من سلطان؟

واسلمي لأحبابك،
- صاد

 

 

 توقيع broken-hearted :
اقـرأ الـمـزيـد فـي مــدونـتـي...
يوميات
- - - - - - - - - - - - - - - - -
it's amazing how you can speak right to my heart
without saying a word, you can light up the dark
broken-hearted غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-05-2008, 01:49 PM   رقم المشاركة : 2
الغريب
المشـرف العــام
 
الصورة الرمزية الغريب
 






افتراضي رد: خــمــس رســائــل

الله يعطيك العافية على هذه الرسائل

ولكن لم نعرف إن كانت من كتاباتك أم منقولاتك ؟

آمل تذييل المشاركات بذلك

ننتظر جديد بوح قلمك










وفق الله الجميع

 

 

 توقيع الغريب :
الغريب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-05-2008, 05:15 PM   رقم المشاركة : 3
حَـمَـأ
مبدع في سماء الحرف
 
الصورة الرمزية حَـمَـأ
 







افتراضي رد: خــمــس رســائــل




الذّكاء ليسَ فقط في السين و الصّاد !
الذكاء يتجلّى حتى في كيفيّة إرغام القارئ على الإنتهاء من قراءة خمس رسائل دونَ
الشّعور بأنّهُ قد قرأ خمسةَ رسائل فعلاً أو حتّى أنّ الوقت قد ذبحَ خمسَ ثوانٍ في سبيل المضيّ .

أكادُ أشعر بحرارة الحبّ الّتي يحاولُ الكاتبُ طمسَها خلفَ برودةِ الكتابةِ إليها
خلفَ ( عدم ذكر حبّ صريح ) ,,
لكنّهُ يقفزُ بوضوح في الأمان الّذي يحدثُ للكاتب وقتَ يعلمُ بأنها تستمتعُ في الطرف الآخر ’
يقفزُ في عدم رغبة الكاتب في إرسال حسرة و إن كانت صغيرة في نهايةِ اليوم لأنثى قد تكون مستمتعةً طوالَ اليوم .

أحببتُ كلّ هذا الصّدق في هذه الرّسائل القصيرة ..
وَ هذه الرّسائل ، مُذهلة
قطعاً .

بروكن هارتد

 

 

 توقيع حَـمَـأ :



أنادي الجمالَ أنا كلَّ حينْ .. كأنّي إليكِ أجرُّ النّداءْ !
حَـمَـأ غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 05:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد