العودة   منتديات الطرف > الواحات الأدبية > همس القـوافي وعذب الكلام




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 25-02-2005, 10:17 AM   رقم المشاركة : 1
broken-hearted
طرفاوي بدأ نشاطه






تلك الصبيحة الباردة من يناير

حين هاتفني شقيقها ، قال لي بلهجته التي تبدو مستثارة في كل الأوقات: (أنت لا تحتاج إلى دعوة...). حاولت، دون جدوى، التظاهر بالصدق، ولم أعرف. ما أعرفه اكتفيت بترديده بيني وبين نفسي: (مناسبتان لا يحتاج فيهما الإنسان إلى دعوة: ولادته وموته).

* * *

ودعتني برفق شديد. رفعَتْ يدي إلى أن لامست وجهها، ثم سالت من شفاهها كلمات أشبه بالهمهمة: (أشوفك). بدا ردي غريبا عن جو اللقاء الذي سبق. قلت بصوت مكهرب ومتقطع: (أوكي، أشوفك). انتظرت على أبرد من الجليد أن تدخل المنزل. كنت أحاول ضبط إيقاع ضربات قلبي على وقع خطواتها. غريب كيف نحفظ أجساد نساءنا من وراء العباءة؛ فلوهلة الراءي الأولى يظن أن كل النساء متشابهات في قطع السواد تلك. هل هي أعيننا، أم هي أفئدتنا التي تحفظ كل انحناءة وكل ثنية في تلك الأجساد؟
فتحت الباب الذي أعلم كم هو قاس على يديها الضئيلتين التين احتضنتا يدي من لحظات. التفتت ولوحت بأصابع يمناها الأربعة. رفعت كفي على عجل، واختفت هي وراء ذلك الباب الحديدي الأسود الموشى بالزجاج المبرغل. انزلقت يدي على ناقل الحركة بتثاقل. خطر لي أن أبقى في ذلك المكان الذي ألفني لبضع دقائق ريثما يحاول عقلي الخروج من هالتها، لكني أجبن من أخاطر هكذا. مضيت على مهل، وعبقها لا زال يدغدغ خمس حواسي: يحتضنها ثم يبتعد، ثم يعود، ليبتعد.
هدوء الشوارع على درب العودة حرض ذاكرتي على محاولة عقد مقارنات مكروهة بين هذا الموعد ومواعد أخرى مضت مثله. أعلم أنها ليست على ما أروم وتروم، وأحاول جهدي ما استطعت تطمين جوارحها التي أشعرها في مطلق توترها حين أهاتفها كلما كانت أنفاسي مستمرة حتى أقدر أن أكلمها براحة. حانقة وراضية وغير مكترثة في الوقت ذاته. نشترك، فيما نشترك، في صفة جمع متناقض المشاعر.
في كل مرة كلمتها بعد ذلك الموعد، كنت أحاول الشطط بها قدر الإمكان عما قد يكدر صفو أنفاسها المتفاوتة الأطوال. أسألها عن حالها، فتجيب بصوتها ذي الرعشة الرقيقة، كما لو كانت تمرر وردة على ذقني التي لم تحلق منذ أربعة أيام: (الحمد لله، بخير. انت عارف). هل وددتُ أحيانا لو لم أكن أعرف؟ لو كنت غافلا كنبتة بحر في زاوية مظلمة من قاع محيط لم يصله أحد؟
هاتفتني في تلك الصبيحة الباردة من يناير. كانت تهوى الاتصال بي صباحا. تستيقظ باكرا كعصفورة، وتكون في مزاج رائق، ويكون صوتها أرق ما يكون -- أو هكذا هيأ لي. لم تقل (صباح الخير) كعادتها، فلم أستطع أن أرد بـ(صباح الورد) كعادتي. ران صمت كصمت البيد لوقت لما أستطع تقديره. لم أعرف ماذا أقول، فأنا لا أجيد البدء بالكلام، ولأنها تعلم ذلك، كانت هي دائما من يبتدئني بالكلام. تغرف من داخلي ما تشاء وأنا مسلم لها. حين أكون معها يعتريني كنه لا أستطيع بسط طلاسمه.
بعد الصمت نادتني باسمي، علي غير عادتها. نحن لا ننادي بعضنا بأسمائنا. نوغل في عقولنا وقلوبنا وحقولنا المحرمة لساعات طوال دون أن ينطق أحدنا باسم الآخر. لا أعلم إن كنت توجست أم لا. عاد صمت كالذي سبق كلمتها الوحيدة. تصنمت في مكاني، وسكت صوت الشوارع الذي كان يئن في أذني اليسرى مثل طفل عطشان. جاء صوتها كصرير باب بيت (الكوت) القديم: (خلاص.. انتهى كل شي). أغمضت عيني على كلماتها، وخرج هواء ساخن من أنفي. أحسست بمرارة في حلقي تمنع الكلمات من العبور. لا أدري كيف خرجت تلك الكلمتان: (ما عليه...). كنت أوهن من أن أضيف شيئا، ولم تكن هي قد اتصلت لتسمع. كانت كلماتها أشبه بخبر موت أحدهم: لا يمكنك فعل شيء بشأنه. لم تزد شئا.
لست واثقا إن كنت قد سمعت عبرتها. لا أذكر تحديدا. أظنها سارعت لإغلاق الخط قبل أن أسمع دمعها ينهمر على عارضيها. أسقطت الهاتف على المقعد الجانبي. حارت بي نفسي: هل أحوقل كما يفعل المثكولون؟ اعتصرت وجهي بين يدي، فتذكرت ملمس وجهها: الوجه الذي يسكن فيه فرحي، ألم يعد ذلك مسكنه؟ حملت يدي إلى ناقل الحركة بتثاقل، ومضيت على مهل في درب أجهله.

 

 

 توقيع broken-hearted :
اقـرأ الـمـزيـد فـي مــدونـتـي...
يوميات
- - - - - - - - - - - - - - - - -
it's amazing how you can speak right to my heart
without saying a word, you can light up the dark
broken-hearted غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-02-2005, 10:55 AM   رقم المشاركة : 2
القلب الكبير
مشرف سابق







افتراضي

اخي

اشكرك على هذه المشاركه الجميله

دمت لنا قلم متميز ورائع

تحياتي لك

 

 

 توقيع القلب الكبير :
القلب الكبير غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-02-2005, 02:51 PM   رقم المشاركة : 3
رستم
أديب متألق
 
الصورة الرمزية رستم
 







افتراضي

<******>drawGradient()

 

 

 توقيع رستم :
رستم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-02-2005, 03:11 PM   رقم المشاركة : 4
حَـمَـأ
مبدع في سماء الحرف
 
الصورة الرمزية حَـمَـأ
 







افتراضي




أحب الشعر أحب الشعر الذي لم يلتزم بقوافي

أحب الشعر الذي لم يسبح في إحدى بحوره

قصتك شاعرية جدا جدا .. من حيث التشبيهات الغير طبيعية والمجازات وغيرها

لكنــي لم أفهم كيف كانت الشوارع هادئة ثم لما اتصلت أصبح للشوارع صوتٌ قد سكت ولِما كان يطن صوته في الأذن اليسرى لا الأذنين معا ..

ربما لجهل مني لم أفهم كل هذا ولكني أردت منكم توضيحه لنغرف من بحر معرفتكم قطيرات ..

كما أنني متأكد كل التأكيد بأنك كتبت النص بسرعة وعلى عجل .. وذلك لوجود أخطاء إملائية قد لاتكون قليلة ..


أتمنى ألا يدوم انكسار قلبك فهو ملك للجميع وليس لك وحدك سيدي ....


مفتون الطبيعة ..

 

 

 توقيع حَـمَـأ :



أنادي الجمالَ أنا كلَّ حينْ .. كأنّي إليكِ أجرُّ النّداءْ !
حَـمَـأ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-02-2005, 03:26 PM   رقم المشاركة : 5
broken-hearted
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي

منذ زمن لم أكتب في المنتدى، ونسيت كيف يتم تعديل المواضيع. يمكنك الاطلاع على النص معدلا في مدونتي على العنوان
http://yawmyat.blogspot.com/2005/02/blog-post.html

 

 

 توقيع broken-hearted :
اقـرأ الـمـزيـد فـي مــدونـتـي...
يوميات
- - - - - - - - - - - - - - - - -
it's amazing how you can speak right to my heart
without saying a word, you can light up the dark
broken-hearted غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 04:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد