بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه الأمين وعلى أهل بيته المعصومين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الكلمة التي أحب أن أفتتح بها هذه الجلسة نظرة على المسار الذي تم اتخاذه لفاصل من الوقت في حياتي وإن كان لا يمثل مشروعي الأكبر وقبل ذلك أود أن أتعلق ببعض الاشارات التي طرحها الأخ العزيز فضمن شكري لمشاعره ونظرته الجميلة التي قد لا أستحقها أرى من الضروي أن أؤكد على أن ما يحسبه إيجابيات لم تكن شيئًا خلقته لنفسي ولكنها دروس استفدتها من أساتذتي المقيمين والقاصين فلست نموذجًا وحدي، المعنى الذي قد يسرع إلى الذهن من كلمات الأخ الموفق وإن كان ثمة تميز ففي تطبيقها فقط.
أرجع لأقول أن مطاردة الأفكار ونصب أشخاصها كمحاور للبحث لايمثل مشروعي الأكبر إنما هي فواصل اجتماعية ومواقف دينية وضعتني أمام مشاريع صغيرة زادت على الخطة، فرجل الدين الذي يتوخى الفاعلية والمشاركة مهما كان ميالًا للفكر ومحلقًا مع النظريات إلا أنه مجبور على التوقف مع ما يلامس المجتمع ودفع الشبهات علمية كانت أو دينية، شأن الشهيدين الصدر والمطهري اللذين كتبا كُـتباً مختلفة في الإنتاج والإخراج لما كانا يهديانه للساحة الفكرية والعلمية بانتظام فكتاب الملحمة الحسينية للمطهري، وبحث حول الولاية أو حول المهدي للصدر وغيرها من الإنجازات هي على هامش المشروع وليست المشروع ذاته، فكانت تأتي أبحاثًا تلبية لطلب الأفراد أو المراكز أو استجابة لموقف ديني واجتماعي، وأما المشروع فهو الذي يأتي تصديقًا وإيمانًا بالحاجة العميقة التي يتفرد برؤيتها دون أقرانه لذا نراه يبدع فيها بعيدًا عنهم!
وهكذا كان الأمر عندما درست حالة الاختلاف هالني ما وجدت من التشنج، والإجابات التي قد تكون علمية في ذاتها لكنها غير مباشرة، كما وجدت السطحية في بعضها، فكل ذلك جعلني أهتم بأن أقدم نموذجًا للعمق الذي لا تظلم الأسس بين يديه، ولا تمزق المبادئ الأخلاقية معه تحت غطاء الخلاف إلا ما كان عن غير إرادة وعمد ولا أنحراف بالقصد.
ومن الحسن الإشارة إلى أن الشيخ الراضي ليس هو الشخصية الوحيدة التي وقعت هدفًا للدراسة النقدية من بين الدراسات التي سمحت لنفسي بالدخول فيها، بل كان لي محاضرات حوارية مع الشيخ محسن كديور في كتابه (القراءة المنسية)، وأحمد قبانجي في أكثر من كتاب له، و الدكتورعلي شريعتي، والسيد الحيدري...وغيرهم ممن نراه سائرًا باتجاه التيار المعاصر في نقد التراث.
ولكن لما نشرت ما يخص الشيخ الراضي قبل غيره؟
كنت أرى نفسي معنيًا وبمعدل ربما يفوق غيري بعلم الحديث لأن الحديث ـــ هو مدرستي بعد القرآن ـــ التي أرتاح لها وأسكن لها كما يسكن قلب الظمآن إلى الماء، ولكن ليست هذه جبلة لا أعرف سببها ولا تبريرها إنما نتيجة حصلت عن دراسة ومزاولة أدعي معها أنني قد اكتشفت في الحديث الكثير مما يغني عن النظريات ويكفي للأزمات و ينير الطرق والأنفاق في الحياة، لذلك فأي دراسة تتناول هذا الموضوع فإنها تعنيني ويهمني الاطلاع عليها، ولعل الكلمة التي أفاجئكم بها هنا أنني وقبل أكثر من خمسة عشر عامًا كنت قد خصصت وقتًا لنقد التراث بالنفس الحديث ـــ غير مكتف بالطريقة العلمية الأصيلة ـــ ففي حين من الدهر كنت شغوفًا بهذا الحراك المختلف، ولكن وبعد سنوات قليلة من المزاولة اكتشفت أن الطريقة الحديثة التي كنت أسير بها هي طريقة عبثية بامتياز!!
ولكن تبقى هذه وجهة نظر أقيم بها مسيرةً تمت بخطواتي، وأمَّا التيار الجديد فلا ينبغي تقييم أيِ عمل من أعماله بهذا الانطباع العابر ولا سبيل إلا للنظر والتدقيق المباشر حسب القواعد المؤصلة تباعدًا عن أيِّ جنف أو جفاء على مستوى أدبيات الخطاب والإصلاح..
وإن بحث الشيخ الراضي حول حديث الكساء استنفِدَتْ فيه الكثير من أدوات علم الحديث على مستوى المصطلح ــ وهذا ما ألمعت إليه في مقدمة الكتاب ــ ولكنني وجدت الخلل والتهافت على مستوى التطبيق بشكل متجلٍّ يتعدى المورد الواحد والموردين اللذين يمكن حملهما على سهو القلم إلى الموارد العديدة؛ لهذا ابتدرت لبناء بحثي على بحثه.
جلسة شوال 1435هـ
سماحة الشيخ عبدالجليل البن سعد