المنهج التاريخي في التعليم الثانوي - حسن الربيح

[منتدى السهلة الأدبي]

المنهج التاريخي في التعليم الثانوي
نظرة عامة في كتاب الأدب



إِنَّ المُتصفِّح لمنهج الأدب للمرحلة الثانوية، سيكتشف أنه قائم على تقسيم تاريخي محضٍّ، بمعنى أنه يبدأ من العصر الجاهلي مروراً بعصر صدر الإسلام، فالعصر الأموي، فالعباسي، وصولاً إلى العصر الحديث مقتصراً حديثه على نماذج ونصوص، غير شاملة للتوجُّهات الشِّعريَّة والنثريَّة في كلِّ عصر.

ولو كان مقسَّماً على منهجٍ موضوعي، لكان ذلك أجدى في حصر الاتجاهات الأدبية المختلفة تلك التي تتجاوز الزمن، فيشترك شاعر معاصر مع شاعر عبَّاسي في الاتجاه الكلاسيكي مثلاً، أو يشترك شاعر معاصر آخر مع شاعر عبَّاسي آخر في الاتجاه الحديث، وهكذا في بقية الاتجاهات الأخرى، فالهدف هو معرفة منهج القصيدة العربية، وتتبُّع تطور ذلك المنهج، لذا فالتقسيم التاريخي يغفل في كثير من أمثلته عن الوصف الموضوعي، ويركز على الجانب الزمني، بأن يقول هذه قصيدة جاهلية أو هذا شاعر عبَّاسي، ولا يقول هذا شاعر واقعي أو يومي أو ذاتي أو تأملي أو ساخر... إلخ.

في العصر العباسي مثلاً، ذلك العصر الذي قفزت فيه القصيدة العربية والكتابة الأدبية قفزة هائلة، على المستوى النوعي، لا نجد في الأمثلة المقرَّرة للدراسة والحفظ، إلا شعر مديح أو زهد أو وصف أو رثاء، فالأغراض الشعرية التي كانت في العصر الجاهلي تعود من جديد بهذه الأمثلة، وكان ينبغي أن تركز الأمثلة على تلك الموضوعات الطريفة والمستحدثة التي انتشرت في ذلك العصر على أيدي شعراء كأبي نواس في خروجه عن المألوف، وابن الرومي في سخريته، وأبي الشمقمق في صعلكته، وبقية الأسماء التي تعيش في الهامش، بعيدة عن قصور الخلافة. كان الأولى إذن الذهاب إلى النصوص التي تعبِّر عن ذلك العصر بكلِّ تناقضاته، في البؤس مقابل الغنى الفاحش، وفي العبث مقابل التصنُّع والدَّجل على الناس، وفي السخرية مقابل التسلُّط والقمع، وفي الفحش مقابل الإيمان الخادع، وفي التَّمرُّد مقابل التَّملُّق.

فكما همَّش منهج الأدب حركة الصعاليك في الشعر الجاهلي، بما تحمله من قيم ثورية على تعاليم القبيلة غير العادلة، همَّش أيضاً في العصر العبَّاسي تلك الحركة التي اتَّخذت ميادين النَّاس والبيوت والشوارع والأسواق والبساتين، لا القصور، مسرحاً لأدبها المعبِّر التعبير الحقيقي للواقع المعاش.

عند الوصول إلى العصر الحديث يتفاجأ القارئ بأن الكتاب يستعرض الأدب المصري، وفي مرحلة معينة فقط، وليس الأدب العربي المعاصر، كما هو معنون في الصفحات، فالمدارس الأدبية؛ الإحياء والديوان وأبولو، كلُّها من مصر باستثناء شعراء المهجر، والشعر المسرحي والقصصي أغلب أمثلته لأدباء مصريين، مهملاً بذلك أقطاراً عربية كبرى ترعرعت فيها تيَّارات فكريَّة وثورات شعرية حامية، كالعراق والشام ولبنان واليمن والمغرب العربي، ومهمِّشاً تلك الحركات الأدبية التي نهضت هناك على أيدي شعراء مهمِّين كالسَّيَّاب ونازك الملائكة في تطوير عروض الشعر بالقصيدة الحرة، وتوظيف الأسطورة فيها، وكذلك الأمر عند درويش في امتزاج القصيدة لديه بالسردي على المستوى البنائي، أو أدونيس والماغوط، وتجربتهما فيما اصطلح عليه بقصيدة النثر، تلك أسماء شعرية أستحضرها تمثيلاً، لا حصراً.

قد يعود سبب التركيز على الأدب المصري إلى أنَّ الذين وضعوا المناهج الأدبية كانوا في غالبيتهم مصريين، وأنا هنا لا أقلل من شأن الأدب المصري، ولكن أقف موقف الناقد لتهميش بقية الحركات الأدبية الحديثة التي نشأت في الأقطار العربية الأخرى.

من خلال الملاحظات السابقة أظنُّ أن تحديث المناهج بين طبعة وطبعة، أمرٌ لزاميٌّ، فحركة الأدب في الوطن العربي، وحركة التأليف والدراسات الأدبية والنقدية لا تتوقف، لذا فالمناهج بحاجة إِلى تطوير وفق ما تقتضيه الحركة الأدبية الحديثة إبداعاً ودراسة.

لا يمكن للطالب أن يتواصل مع الشعر الحديث، على وجه الخصوص، المطروح خارج أسوار المدرسة، بكتاب أدبٍ توقف عند تيَّارات معينة.


حسن الربيح
جلسة جمادى الآخرة - 1434هـ

المقال تم نشره في المجلة العربية عدد ( 437 ) مع مجموعة مقالات عدَّة لكتَّاب محلِّيين وعرب
يتناولون فيها منهج الأدب كلٌّ من رؤيته الخاصة وتجربته في تدريس المادة.

http://www.arabicmagazine.com/arabic/ArticleDetails.aspx?id=2596