بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين
عظم الله أجوركم باستشهاد الصديقة الكبرى الشهيدة الزهراء صلوات الله عليه
ا
"في اليوم الثالث منه (جمادى الثانية) اتّفق وفاة سيدة النساء صلوات الله عليها، بل الصحيح أنّه يوم شهادتها فإنّها –صلوات الله عليها- مضتْ مقتولة مظلومة مغصوبة (حقّها)، فعلى شيعتها من أهل الوفاء أن يقدّروا هذا اليوم من أيام الأحزان والمصائب. فإنّ يومها كان ثاني اثنين ليوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهلها، لم يُرَ لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أشدّ مصيبة وأجلّ رزءاً وأعظم نائبةً منه، واشتدّ عليه شأن هذا اليوم حيث أظهر فيه أمراً عظيماً من المواجد والأحزان وجعل يرثيها، ويندب عليها، ويشتكي فراقها، ويقول:
نفسي على زفراتها محبوسة - - - يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة وإنّما - - - أبكي مخافة أن تطول حياتي
وروي عنه عليه السلام أيضاً أنّه قال أشعاراً مفجعةً من جملتها:
وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمد - - - دليلٌ على أن لا يدوم خليل
وكيف هنأك العيش من بعد فقدهم - - - لعمرك شيء ما إليه سبيل
يريد الفتى أن لا يموت خليله - - - وليس إلى ما يبتغيه سبيل
ولعمري إنّ هذه الأشعار وما طوينا (عن) ذكره, من شعره ونثره في ذلك أمرٌ عظيم من أمير المؤمنين عليه السلام يبهر العقول ويكشف عن عظم مقامها وفضلها عند الله، فإنّ وجْده في هذا الأمر (مع كونه في الصبر كالجبل الشامخ لا تحرّكه العواصف، ولا تزيله القواصف، ينحدر عنه السيل، ولا يرقى إليه الطير) من أعجب العجائب! كيف ولو لم تكن فضيلتها في الدرجة العليا التي يحسن فيها الجزع لم يكن يظهر منه عليه السلام هذا الجزع العظيم.
فكيف كان فلشيعته ـ صلوات الله عليه ـ التأسّي به في إظهار الحزن والكآبة، وإقامة المأتم في يوم وفاتها، وقراءة مصائبها، فإنّها واحدة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وحبيبته التي (كان) يعامل معها معاملة لا يعامل مع أحد من الناس.
وروى المخالف والمؤالف قوله فيها: «فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني» وبذلك احتجّت حين وفاتها على الأول والثاني بعد أخذ الإقرار منهما على أنّهما سمعا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت وهي رافعةٌ يديها: «اللهمّ اشهد أنّهما آذياني» وأوصتْ لعلي عليه السلام أن يخفي دفنها وقبرها عنهما.
ولعمري إنّ هذه الوصية منها ـ صلوات الله عليها ـ مجاهدة ونصرة لدين الله الحق، أنفع في إثبات مذهب الشيعة، وإبطال مذهب العامّة، من كل آية وبرهان كيف واختفاء دفنها وقبرها شيء لا يخفى مدى الدهر، ومتى سئل عن سببه، وظهر أنّ ذلك إنّما صار من جهة وصيّتها، يظهر منه كالشمس في رابعة النهار أنّها مضت ساخطة على الشيخين، ولقيت أباها ومولاها شاكية منهما، ذلك إنّما يلزم لهما شناعة ليس فوقها شناعة، لا سيّما بملاحظة ما أنزل الله في كتابه العزيز: «قُل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القُربى», وتأكيد هذا الحكم بقوله: «قُل ما سألتُكم من أجرٍ فهو لكم», ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وليس على وجه الأرض أقرب له من فاطمة سلام الله عليها.
وكيف يشكّ العاقل في أنّ من خان رسول الله في أجر رسالته، لا يليق أن يكون مأموناً في خلافته، وأنّ من لم يراعه في قريبه، كيف يراعيه في بعيده؟ ومن ظلمه في ابنته كيف يعدل في أمّته؟ وهذا الأمر يعرفه العالم والجاهل، والخاصّ والعامّ, لا سيما أنّ فاطمة ـ سلام الله عليها ـ نزلت في شأنها آية التطهير بإجماع الشيعة، وبتصديق جماعة من أعيان مفسّري العامّة وعلمائهم، فلا يمكن لمن ظلمها، وغصب حقّها التعلّل ـ في إيذائها ـ بوجه صحيح شرعيّ، بعد تصديق محكم الكتاب طهارتها، وإيجاب مودّتها.
يا أهل العالم ابكوا على هذه القطيعة الفجيعة الفظيعة بالنسبة إلى رسول الله الكريم الأكرم والنبي الرؤوف الأرحم، في بضعته الطاهرة، وكريمته المطهّرة, غصبوا حقّها، وأخذوا نحلتها، ومنعوها من إرث أبيها، ولطموا وجهها، وأسقطوا جنينها، وأكفان رسول الله طريّة، ودعوا بالنار على إحراق بابها الذي طالما وقفت الملائكة المقرّبون عليه لطلب الاذن بالدخول.
وكيف كان، فللشيعي أن يعامل معها صلوات الله عليها في هذا اليوم من الزيارة والصلوات ما يرضي الرسول، ويرتضيه ربّ فاطمة البتول ـ سلام الله عليها ـ ويلزمه حقّ التشيّع".
المصدر: كتاب المراقبات للعارف الشيخ الميرزا جواد الملكي التبريزي رحمه الله تعالى