العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 17-01-2013, 11:08 AM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي الإمام الحسين عليه السلام وإصلاح الأمة ـ محاضرة الشيخ حسين الراضي

الإمام الحسين عليه السلام وإصلاح الأمة
العلامة الشيخ حسين الراضي

ملاحظة

(منتدى السهلة الأدبي ينقل المحاضرة كاملة من موقع الشيخ، وقد ألقيت في المنتدى بشكل مختصر كما أن الشيخ عرَّج بعد محاضرته على موضوع التحريف ودوره في تخلف الأمة كإشارات وشواهد وسيقوم المنتدى على نقل هذه المحاضرة أيضاً كاملة أيضاً بعد هذه المحاضرة مباشرة؛ لتعم الفائدة)


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾[2]
هذا من الله سبحانه على الأنبياء عليهم السلام الذين يبلغون رسالات الله ويوصلونها إلى أهلها كاملة، وبطيعة الحال سوف تحصل معارضة لهم ويؤذون في أنفسهم وأموالهم، بل ربما تتعرض حياتهم إلى الخطر في سبيل إيصال الأمانة إلى أهلهم ولكنهم لا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله محاسباً وجازياً.
ومن أولئك الذين تحملوا المسؤولية في زمانهم؛ الإمام الحسين عليه السلام سبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسيد شباب أهل الجنة، وقد تصدى للمحافظة على الرسالة التي جاء بها جده وتبليغها للأمة وإصلاح ما فسد من المجتمع. فالحديث حول هذا الشأن يقع في ثلاثة محاور:
المحور الأول: الثورة الحسينية ومشروع إصلاح الأمة.
المحور الثاني: كيف نقرأ الثورة الحسينية في إصلاح الأمة؟.
المحور الثالث: تحريف الثورة الحسينية وانعكاسه السلبي في إصلاح الأمة.
أما المحور الأول: الثورة الحسينية ومشروع إصلاح الأمة [3]:
قال الحسين بن علي عليه السلام في أول بيان له قبيل ثورته وحينما أوصى أخاه محمد بن علي المعروف بابن الحنفية قال عليه السلام:
(أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صلى الله عليه وآله، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَأَبِي‏ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) [4]
الأَشَر: هو شدة البَطَر وبطر متكبر، قال تعالى ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾ [5]
والأشر فرح شديد ولكن سببه الهوى وليس أمور أخرى كالملذات العقلية والروحية.
البطر: هو دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها، وصرفها إلى غير وجهها، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ﴾[6] وقال تعالى ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾[7] . ويقارب البطر الطرب وهو خفة أكثر ما يعتري من الفرح.
والبطر تجاوز الحد في الزهو والفخر. وقيل البَطَر: هو الأشر وهو شدة المرح. وقد بطِر بالكسر يبطر وأبطره المال.
من هو الحسين؟
الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام هو أحد القادة الرساليين لهذا الدين الذين اختارهم الله للدفاع عنه والحفاظ عليه من كل ما يشينه، فهو سبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وريحانته من الدنيا، الحسين بن فاطمة بنت رسول الله سيدة نساء العالمين، الحسين بن أمير المؤمنين وسيد الوصيين، الحسين سيد شباب أهل الجنة، الحسين أحد الأشخاص الذين نزلت فيهم آية التطهير وسورة هل أتى وآية المودة وغيرها من آيات، وقد قال جده الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله فيه وفي أخيه الأحاديث الكثيرة، منها:
1- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ‏: يَا عَلِيُّ لَقَدْ أَذْهَلَنِي‏ هَذَانِ‏ الْغُلَامَانِ‏ يَعْنِي الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عليهما السلام أَنْ أُحِبَّ بَعْدَهُمَا أَحَداً أَبَداً إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُحِبَّهُمَا وَأُحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا. [8]
2- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِي يَا عِمْرَانُ إِنَّ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْقِعاً مِنَ الْقَلْبِ وَمَا وَقَعَ مَوْقِعَ هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ مِنْ قَلْبِي شَيْ‏ءٌ قَطُّ، فَقُلْتُ كُلُّ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ يَا عِمْرَانُ وَمَا خَفِيَ عَلَيْكَ أَكْثَرُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّهِمَا.[9]
3- عَنْ‏ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى اللله عليه وآله بِحُبِّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهما السلام فَأَنَا أُحِبُّهُمَا وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُمَا لِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِيَّاهُمَا.[10]
4- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ:‏ مَنْ كَانَ يُحِبُّنِي فَلْيُحِبَّ ابْنَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّهِمَا.[11]
5- عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله‏ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِعُرْوَةِ اللَّهِ الْوُثْقَى الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَلْيُوَالِ [فَلْيَتَوَلَ‏] عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عليهم السلام فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُمَا مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ.[12]
6- عَنْ عَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ‏مَنْ أَبْغَضَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِهِ لَحْمٌ وَلَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي.[13]
7- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام قَالَ سَمِعْتُهُ‏ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ‏ قُرَّةُ عَيْنِي النِّسَاءُ وَرَيْحَانَتِي الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليهما السلام .[14]
8- عَنِ الْأَصْبَغِ عَنْ زَاذَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فِي الرَّحْبَةِ يَقُولُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَيْحَانَتَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله.[15]
9- عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله‏ حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ.[16]
10- عَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِ‏ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِلَى‏ طَعَامٍ دُعِيَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ بِحُسَيْنٍ عليه السلام يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله أَمَامَ الْقَوْمِ ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ فَطَفَرَ الصَّبِيُّ هَاهُنَا مَرَّةً وَهَاهُنَا مَرَّةً وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقَنِهِ وَالْأُخْرَى تَحْتَ قَفَائِهِ وَوَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ وَقَبَّلَهُ ثُمَّ قَالَ حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ. [17]
وغيرها من روايات.
هذا الإمام العظيم الذي لم تعرفه الأمة، بل أقدمت على أكبر جريمة، حيث أقدمت على قتله مع أهل بيته وصحبه وسبي نسائه، بل ولم تعرفه شيعته حيث إن كثيراً منهم تنكروا لمواقفه وتضحياته وحصروه في زوايا ضيقة وفي أطر محدودة مذهبية واقتصر بعضٌ منهم على الجانب المأساوي وأهمل بقية الجوانب.
إشكالات لا أساس لها من الصحة:
ومع هذا كله يوجد هناك نفوس مريضة أو جاهلة لا تعرف قدر الحسين وعظمته في ذلك الوقت وفي وقتنا الحالي فتنتصر ليزيد، كما عمل عبد المغيث الحنبلي المتوفى (583 هـ) حيث كتب كتابا بعنوان (فضائل يزيد)، وانبرى الإمام العلامة جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي الحنبلي المتوفى (597 هـ) فقام بالرد عليه بكتاب أسماه (الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد) المطبوع في دار الكتب العلمية – بيروت. وتعرض فيه إلى مخازي يزيد وأفعاله الشنيعة وجواز لعنه بل قال بعضهم بكفره، ومع الأسف الشديد لا يزال إلى زماننا هذا من يناصره علانية وبلا خجل، ومن ذلك ما قام به بعض الأشخاص وكتب أن يزيد بن معاوية أمير المؤمنين! فإذا كان يزيد أمير المؤمنين فعلى الإسلام السلام، وقد ابتلت الأمة بهذه المصائب والويلات، وأدت بها إلى النكسات، حتى أصبحت في آخر الأمم، أليس من العار الذي لا يغسل أن تتهم النواصبُ الإمام الحسين عليه السلام سبط النبي صلى الله عليه وآله أنه خرج على يزيد إمام زمانه؟! بل بعضهم تجنى فادّعى أنه قُتل بسيف جده وتابع فتوى شريح القاضي!.
وهكذا تنطلي الأكاذيب على عوام الأمة ويُنشر فيما بينها أن الحسين عليه السلام خرج لمطامع دنيوية.
نحن نعلم أن أكثر الحكام في العالم قديماً وحديثاً وجهة نظرهم ومقصدهم الأمور التالية:
1- طلب الملك وزيادة الثروة والاستيلاء على بيت المال.
2- طلب السلطان: فكثير من الناس عنده عقدة النقص ويحاول أن يسدها بحب السيطرة على الآخرين والتسلط عليهم.
3- الظلم: إن كثيراً من الناس يتلذذون بظلم الآخرين وكأنه لم يخلق إلا لذلك.
4- طلب الفساد: قد يكون الملك والسلطان وسيلة من وسائل تحقيق الفساد وبالأخص الفساد الجنسي فقد لا يتمكن من ذلك وبصورة مطلقة إلا إذا كان حاكما.
5- طلب الزهو والفخر والطرب والاستطالة على الآخرين وهو المعبر عنه بالأشر والبطر.
وغيرها من مآرب أخرى، فحاول البعض أن يجرها على الإمام الحسين عليه السلام وأن يجعله كبقية الرؤساء والملوك.
لذلك نفى الإمام هذه الترهات والتوهمات بقوله: (أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً)
ونقول في مقام الجواب أيضا: إن الإمام عليه السلام لم يكن من هذا النمط، فهو أحد أفراد من تصدقوا بقوتهم على المسكين واليتيم والأسير وأصبح جائعا لمدة ثلاثة أيام وهو طفل صغير السن وأنزل فيه وفي أبيه وأمه وأخيه عليهم السلام قرآناً يتلى آناء الله وأطراف النهار بقوله ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً *وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾ (الانسان:7-10) قمطرير: الشديد
عوامل الثورة الحسينية:
قال عليه السلام: (وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي ص أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَأَبِي‏ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) [18]
عوامل الثورة الحسينية كثيرة ولكن من أهمها:
1- العامل السياسي: حيث تولى يزيد بن معاوية المعروف بالفسق والفجور.
2- العامل الاجتماعي والتحول الذي طرأ عليه من التغير.
3- العامل الثقافي.
وضع الأمة:
بعد مقتل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وما جرى بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية وتسلم الأخير للأمر، نصب ولده يزيد ولي عهده خلافاً لما اتفق عليه مع الإمام الحسن عليه السلام، وعرف يزيد بالفسق والفجور وشرب الخمر واللعب بالقردة والفهود، وقد أثبت التاريخ الشيء الكثير من الانحراف لهذا الرجل، وكيف يصل الحال بالأمة أن يتولى عليها هكذا رجل [19].
المحور الثاني: كيف نقرأ الثورة الحسينية في إصلاح الأمة؟.
مشروع إصلاح الأمة:
إصلاح الأمة عملية شاقة وليست بالشيء السهل، فقد مضى على وفاة رسول لله صلى الله عليه وآله 50 سنة، وهذه كفيلة أن ترجع الأمة إلى الجاهلية الأولى، لعدم الخليفة الفعلي، ثم وصلت الحالة إلى أمر خطير جداً وهو الاستبداد وكم الأفواه، ولا أحد يتمكن من الإصلاح أو الانتقاد أو يردع عن أمر محرم، ولم تجتمع صفات الخلافة في شخص غير الحسين بن علي عليه السلام كما تقدم.
توجد عوامل عديدة لثورة الحسين عليه السلام ولكنها تتلخص في عاملين أساسين:
أ‌- الحفاظ على الدين من التحريف والطمس وتحويله إلى شيء آخر.
ب‌- إصلاح الأمة من الفساد الذي طرأ عليها بعد غياب القيادات الإلهية لها.
وفي سبيل علاج هذه الانحرافات وهذه الخروقات؛ استعمل الإمام عليه السلام عدة آليات لعلاج الوضع المنحرف والخطير، وهي كما يلي:
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ينقسم إلى قسمين:
‌أ- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي يقام به لأجل دعوة الناس إلى تطبيق الواجبات التي قد تترك من قبل أفراد المجتمع، كالصلاة والصيام، أو النهي عن ارتكاب بعض المحرمات مثل شرب الخمر أو الزنا، وهنا لا بد من توفر شروط في الآمر والمأمور والمأمور به أو المنهي عنه.
‌ب- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعنى الأعم الشامل، وذلك حينما تكون تلك الانحرافات تؤدي للقضاء على الإسلام والمسلمين من الداخل أو يهدد الإسلام أو المسلمون ويعلن الحرب عليه من الخارج، وتبديل مبادئه أو استعمار الكفار لبلاد المسلمين عسكريا أو سياسياً أو اقتصاديا أو ثقافياً، ففي مثل هذه الحالة يجب القيام بالأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، وقد تكون الحالة هي حالة الدفاع فلا يحتاج إلى الشروط التي تشترط في القسم الأول.
2- تطبيق سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله. فهي العامل المثبت والشارح لمجملات القرآن والأحكام التي جاءت في القرآن الكريم.
3- تطبيق سيرة علي عليه السلام. وهي عين سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وشرح لما جاء في القرآن الكريم وتطبيق المفهوم على المصداق والعنوان على المعنون.
4- الوقوف أمام السلطان الجائر المتصف بالصفات التالية:
‌أ- المستحل لحرم الله بأن يحل الحرام ويحرم الحلال.
‌ب- الناكث لعهد الله، أي الذي لا يلتزم بالعهود والمواثيق.
‌ج- المغير لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله.
‌د- والذي يعمل في الأمة بالإثم والعدوان.
ثم يستدل الإمام بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله في لزوم التحرك والثورة عندما تصل الحالة إلى وضع لا يمكن السكوت عليه، كما قال عليه السلام:
(أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَدْ قَالَ فِي حَيَاتِهِ مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلًّا لِحُرُمِ اللَّهِ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرْ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ كَانَ حَقِيقاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ) [20]
ثم يواصل الإمام كلامه في تطبيق المفهوم على المصداق وعلى الوضع الراهن له، وذلك ضمن النقاط التالية:
1- طاعة الشيطان.
2- ترك طاعة الرحمن.
3- التجاهر بالفساد ونشر الفساد كما حصل لبلعم ابن باعورة.
4- لا يقيمون الحدود على السارق والزاني والقصاص من القاتل.
5- الاستيلاء على بيت المال والتصرف فيه حسب أهوائهم وعدم مشاركتهم للأمة فيه.
6- أحلوا المحرمات.
7- تحريم الحلال.
كما قال عليه السلام في خطابه لأصحاب الحر بن يزيد الرياحي في منزل (البيضة):
(وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ، وَتَوَلَّوْا عَنْ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْ‏ءِ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ وَحَرَّمُوا حَلَالَهُ، وَإِنِّي أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ لِقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله). [21]
وهذه الأحقية التي أشار إليها الإمام تتصور على نوعين:
1- أنه أحق بالخلافة من يزيد وغيره.
2- أنه أحق بهذا الأمر، أي جانب التغيير والإصلاح، لأن هذا أمر يخصه هو من غيره بالإصلاح. وكلا الأمرين له عليه السلام.
الموضوعية والإنصاف عند الإمام الحسين:
وبالرغم من أن الإمام عليه السلام له حق التصرف سواء كان بعنوان الخلافة أو الإصلاح لقربه من رسول الله ولم يكن على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره وليعطي النَّصف من نفسه لعدوه ومخالفيه فيقول عليه السلام:
(فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) [22]
فأرجعَ أمر مخالفه إلى الله حتى يحكم الله بينهما ولم يتعنت الإمام أو يستبد، وهذه غاية الموضوعية والعدل والإنصاف وترك الطرف الآخر ليفكر بدون قسر له على قبول الحق.
كل يوم عاشورا وكل أرض كربلاء:
أيها المؤمنون الأعزاء: إن التاريخ يعيد نفسه؛ فالمنكرات التي ثار الإمام الحسين عليه السلام للقضاء عليها وسفك دمه الطاهر ودماء أهل بيته وأولاده وحتى أطفاله وسفكت دماء أصحابه وسبيت عيالاته وطيف بهن من بلد إلى بلد وحمل رأسه الشريف ورؤوس أهل بيته وأصحابه على الرماح، إن هذه المنكرات لم تكن مختصة بزمانه فصراع الحسين مع أعدائه هو صراع الحق مع الباطل، وهذا موجود في كل مكان وزمان، فمن كان مع الحق كان مع الحسين ومن كان مع الباطل كان مع يزيد، أليس حري بمن يدعي الولاء والتشيع والمحبة للحسين أن يكون مع الحق ويلتزم بطاعة الله ويقلع عن معاصيه؟
إن الحسين عليه السلام يمثل الحق فطريقه طريق الحق وكل من يسلك دربه فهو إلى الحق وإلى الصراط المستقيم.
ويزيد يمثل الباطل وكل من يؤيده فمصيره الباطل وإلى الانحراف والعاقبة السيئة.
أليس حري بالمؤمنين الموالين للحسين ولجده وأبيه وأمه وأخيه؛ أن يقفوا في الخندق الذي وقف فيه الحسين وقدم الغالي والنفيس، وأن يبرز عليهم الإيمان والورع والتقوى حتى يصبحوا شيعة حقيقيين؟
إن الشعائر الحسينية من البكاء والحزن واللطم وإقامة المآتم والعزاء ومواساة أهل البيت، كل ذلك أمور مهمة جدا، ولكن لا يكفي ذلك عن العمل والالتزام بفعل الواجبات وترك المحرمات، فإن من يريد إدخال السرور على قلب الإمام الحسين عليه السلام ومناصرته ومعاداة عدوه عليه أن يكافح الظلم والعدوان والفساد والاستبداد، وأن يتبرأ من الظالمين والفاسدين والمستبدين والطواغيت، وأن يسجل موقفاً مشرفاً في هذا الجانب، وأن ينصر المحرومين والمظلومين، وأن يقف معهم ومع من يناصرهم كما فعل الإمام الحسين، وأن يلتزم بطاعة الرحمن ويترك طاعة الشيطان.
الفساد الأخلاقي:
إن عوامل ووسائل نشر الفساد وتأثيره وبالأخص الفساد الجنسي في فساد الأمة وتمزيقها قد كثرت وأصبحت في متناول كل يد، وتنظر إليها كل عين، وتسمعها كل أذن، وتؤثر على أكثر أفراد المجتمع، فأسباب فساد الرجل والمرأة والشاب والفتاة لا تحتاج أن يبحث عنها، ولا تحتاج إلى ضرب الأمثلة بمشاهدة الفضائيات ورؤية المرئيات وسماع المسموعات.
إن الفتاة المنحرفة والتي تغري الشاب الأجنبي بأي لون وتكون سبباً لانحرافه هي مناهضة لمبادئ الحسين، ومناصرة لعدوه يزيد وإن حضرت المآتم الحسينية، وعلى العكس فإن الفتاة المؤمنة العفيفة الملتزمة المطيعة لأبويها أو زوجها هي في خط زينب وأخوات زينب ومناصرة لهن وإن كانت بعيدة عنهن من حيث الزمان والمكان.
وكذلك الشاب الذي يتعدى على أعراض الناس وبقية المحرمات، ويكون بعيدا عن طاعة الرحمن، وملازماً لطاعة الشيطان يصبح عدوا للحسين ومناصرا لعدوه يزيد وعبيد الله بن زياد وإن كان يلطم على الحسين.
والشاب المؤمن الملتزم المطيع لله ولرسوله، إنه سوف يدخل السرور على قلب الحسين عليه السلام.
إن الفساد الجنسي أفسد المجتمعات وأخرجها عن دينها وسبب الانتكاسات لكثير من البلدان والمجتمعات القديمة والحديثة.
الحياة مع الظالمين موت:
قَامَ الْحُسَيْنُ خَطِيباً فِي أَصْحَابِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
(إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ تَرَوْنَ وَإِنَّ الدُّنْيَا تَغَيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَى الْوَبِيلِ [23] أَلَا تَرَوْنَ إِلَى الْحَقِّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَإِلَى الْبَاطِلِ لَا يُتَنَاهَى عَنْهُ لِيَرْغَبِ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ رَبِّهِ حَقّاً حَقّاً، فَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً وَالْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَماً). [24]
هذا النص يعطينا ويصور لنا الحالة المتردية للأمة الإسلامية في ذلك الوقت ولم يمضِ من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر من نصف قرن.
وأن الحق لا يعمل به وإنما يعمل بالباطل والباطل لا يتناهى عنه، حينئذ يتمنى الشريف أن يموت وهو سعادة له والحياة في ظل هذه الأوضاع برمٌ أي سئم وضجر منه.
وهذه الكلمة من أبِيِّ الضيم أحيت الشعوب ورفعت رؤوسهم عالية وحررت الكثير منهم بعد أن كانوا يعيشون تحت نير الظلم والعدوان.
أهل البصائر:
ولكن الأمة لم تعدم أهل البصائر الذين أصبحوا يتسابقون للمنية ويستأنسون بها استئناس الطفل بمحالب أمه، يقول علي عليه السلام (لا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر والعلم بمواضع الحق) ومن هؤلاء:
1- العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام حامل لواء الحسين ورئيس عسكره.
2- ولد الحسين؛ علي الأكبر الذي قال: لا نبالي وقعنا على الموت أو وقع الموت علينا.
3- وبعد كلام للإمام الحسين عليه السلام قَامَ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ فَقَالَ قَدْ سَمِعْنَا هَدَاكَ اللَّهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَقَالَتَكَ وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا لَنَا بَاقِيَةً وَكُنَّا فِيهَا مُخَلَّدِينَ لَآثَرْنَا النُّهُوضَ مَعَكَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهَا.
4- وَوَثَبَ هِلَالُ بْنُ نَافِعٍ الْبَجَلِيُّ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا كَرِهْنَا لِقَاءَ رَبِّنَا وَإِنَّا عَلَى نِيَّاتِنَا وَبَصَائِرِنَا نُوَالِي مَنْ وَالَاكَ وَنُعَادِي مَنْ عَادَاكَ.
5- وَقَامَ بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرٍ فَقَالَ وَاللَّهِ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ بِكَ عَلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَيُقَطَّعَ فِيكَ أَعْضَاؤُنَا ثُمَّ يَكُونَ جَدُّكَ شَفِيعَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
النتيجة الحسين فاتح:
كتب عليه السلام لما كان في مكة لبني هاشم في المدينة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَنْ لَحِقَ بِي مِنْكُمْ اسْتُشْهِدَ وَمَنْ تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْفَتْحِ وَالسَّلَامُ [25]
أهمية واقعة كربلاء:
تكمن أهمية واقعة عاشوراء الحسين عليه السلام في كربلاء بما تمثل من فلسفة لتلك الثورة العظيمة وتشرح حقيقة النهضة الحسينية وما أفرزته من قيم ومبادئ في الدفاع عن المحرومين والمظلومين والمضطهدين وتثبيت ما تزلزل من النظام الإسلامي بسبب الجاهلية الجهلاء التي برزت من قمقمها لتعود بالأمة إلى ما قبل الإسلام على أيدي طغمة طالما تغت وافتخرت بأمجاد تلك الجاهلية.
إن واقعة عاشوراء لخصت الإسلام المتحرك في عدله وسماحته ورحمته وصلابته وتمسكه بالقيم والمبادئ على طريق الحق والحرية والإباء، الواقعة التي أصبح العالم الحر يتطلع إليها ويستلهم منها البطولة والشهامة والعزة وعدم التنازل عن الحقوق المشروعة للمحرومين والمظلومين مهما كلف الأمر، الواقعة التي تمثل فيها الفتح المبين للأمة بل وللعالم بالرغم من الخسارة العسكرية والتي تمثلت في وقوف 72 نفراً في مقابل 30000 نفر، وها هي اليوم تتجدد في غزة وفلسطين وتتكرر تلك المشاهد المؤلمة والمروعة من قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتقطيع أشلائهم من قبل الكيان الصهيوني الإسرائيلي المجرم وبالأسلحة الأمريكية ومن جانب آخر تتكرر فيها المواقف البطولية لرجال المقاومة والمجاهدين وتسطير أروع الملاحم البطولية ومواقف الصمود المنقطع النظير أمام الترسانة الحربية للكيان الصهيوني القوة الرابعة في العالم – كما يقال – إن ما حصل في غزة هو مشهد من مشاهد عاشوراء إنها كربلاء الحسين في مآسيها وبطولاتها وصمودها.
إن كربلاء الحسين تتجدد على مر التأريخ وفي كل زمان ومكان وتؤتي أكلها بإذن ربها، لجميع أحرار العالم.
إن عاشوراء الحسين عليه السلام تلخص الإسلام المتحرك بكل أبعاده ويصبح التحريف في هذه الواقعة والتقليل من شأنها تَعَدٍّ على الإسلام وعلى رجالاته وتقليل من شئنهم وأهميتهم وعظمتهم، إنه تَعَدٍّ على الإمام الحسين عليه السلام وعلى جده وأبيه وأمه وأخيه وتضييع لتلك الأهداف السامية التي ثار من أجلها الإمام الحسين وقدم الغالي والنفيس مما يملك من أهل بيته وأولاده حتى الطفل الرضيع حتى سقط شهيداً في ساحة العز والكرامة والشرف والإباء على بوغاء كربلاء مضرجاً بدمه الزاكي.
كيف نقرأ الإمام الحسين عليه السلام؟
هل نقرأ الحسين عليه السلام قراءة كلاسيكية وفي ظروفها وأطرها الضيقة القصيرة المدى؟ فحينئذ تكون محدودة الزمن والأثر، فلهذا يشكل بعض الناس ويقول هي حادثة مأساوية مروعة وقعت ولكنها انتهت ولماذا هذا الإصرار على إحيائها وتكرارها في كل سنة وفي كل شهر وفي كل يوم ومناسبة؟ والإمام الحسين عليه السلام لم يكن أفضل من جده رسول الله صلى الله عليه وآله وأنتم لا تعملون له ما تعملونه لسبطه الحسين عليه السلام ولا تعملون لأبيه أمير المؤمنين عليه السلام ولأخيه الإمام الحسن عليه السلام. وهكذا سيل من التساؤلات والإشكالات وكلها مبنية على هذه القراءة.
أما إذا قرأنا الإمام الحسين عليه السلام قراءة أعمق وأشمل وأكثر عمقاً وأن الإمام الحسين عليه السلام ثار من أجل إرساء العدل ومحاربة الظلم والظالمين والدفاع عن المحرومين والمضطهدين بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم وأعراقهم، فإحياء ذكرى الحسين عليه السلام إحياء لتلك المبادئ السامية التي من أجلها ستشهد وقدم كل ما يملك، فهذه الأهداف لا تزال مستمرة وكل العالم يحتاجها في مشارق الأرض ومغاربها.
كيف نقرأ زيارة وارث؟.
فمرة نقرؤها مجرد ألفاظ نكررها ليل نهار وربما من أجل الثواب والبركة فهذه تكون محدودة، ومحددة الأشخاص وحتى لو كان لها أثر فإنه محدود.
أما إذا قرأنا زيارة وارث بعمق وتفكر (السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله ....) فهو وارث الأنبياء والرسل عليهم السلام ليست الوراثة المادية ولا وراثة النبوة فالنبوة ختمت بجده صلى الله عليه وآله، وإنما وراثة المسؤولية والمهمة والقيام بأدائها وقد قام بالمسؤولية خير قيام فهو وارث جميع الأنبياء عليهم السلام.
كيف نقرأ قول الإمام الحسين عليه السلام: هل من ناصر ينصرني ؟.
إذا قرأناه محدوداً بيوم عاشوراء من سنة 61 ه فقد انتهى ذلك اليوم ولم يعد له مفعول بعده.
أما إذا قرأناه أنه نداء لنصرة الحق والمبادئ الحقة والدفاع عن المظلومين والوقوف أمام الظالمين.... فهذا النداء لا زال يدوي في أرجاء العالم وينتظر من يلبي تلك الدعوة.
وهكذا في كل الشعارات التي رفعها الإمام الحسين عليه السلام (هيهات منا الذلة)، (فَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً وَالْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَماً)، في يوم عاشوراء أو قبله.
المحور الثالث: تحريف الثورة الحسينية وانعكاسه السلبي في إصلاح الأمة:
التحريف بشكل عام:
والتحريف بشكل عام هو التغيير في اللفظ أو المعنى، فمثلاً إذا قمت بإيصال رسالة أو شعر أو كلام على خلاف المفهوم أو اللفظ الذي يريده صاحبه فأنت قد حرفت ما نقلته.
وكذلك لو تكلمت بكلام أمام شخص وهو نقل كلامك بشكل يغاير ما تحدثت به ثم جاء شخص آخر لأن ينقل هذا الكلام إلى آخرين وسمعته أنت فسوف تقول إن هذا الشخص حرَّف كلامي ولم أقله، وإذا كان التصرف في المستندات والوثائق فسوف يقال إنه زوّر المستندات.
أنواع التحريف:
التحريف له أنواع عديدة وكثيرة جداً، وما يهمنا الآن هو أن التحريف ينقسم إلى ما يلي:
1- التحريف اللفظي: التغيير اللفظي في الشكل الظاهري لألفاظ الكلام من الزيادة أو النقيصة أو تقديم أو تأخير في اللفظ بحيث يتغير المعنى بهذا التحريف والتصرف.
2- التحريف المعنوي: لا يحصل تصرف في اللفظ وإنما يحصل تصرف في التفسير لذلك اللفظ بشكل يؤدي إلى مفهوم آخر يخالف المفهوم والمعنى الذي قصده المتكلم.
مستويات التحريف:
مستويات التحريف تختلف شدة وضعفاً كما تختلف خطورة التحريف وسلبياته ومضاعفاته بحسب أهمية المحَرَّف، ونشير إلى نوعين من التحريف:
1- التحريفات لكلام عامة الناس وعدم أهمية ذلك الكلام على المجتمع في الحال أو في المستقبل وإن كان في حد ذاته خلاف الأمانة العلمية أو التاريخية أو الأدبية.
2- التحريفات لكلام شخصيات كبيرة ومهمة في المجتمع ولها تأثيرها على مستوى المعارف العقدية أو التربوية أو الأخلاقية أو العلمية، كتحريف كلام النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام علي عليه السلام وأولاده المعصومين عليهم السلام، فعندما ننسب قولا لأحد هؤلاء وهو لم يقله أو فسرناه على خلاف ما يريده وسواء أكان التحريف في أقوالهم أو أخلاقهم أو سيرتهم أي التحريف لفظياً أو معنوياً فهذا العمل يصبح خطيراً للغاية ولا تكون الجناية على تلك الشخصية فقط بل على ما تمثله من مبادئ وقيم.
خطر التحريف في واقعة عاشوراء:
بالرغم مما تمثله هذه الواقعة من أهمية كبرى عند المسلمين عموماً وعند شيعة أهل البيت خصوصاً، وأن مئات الملايين من المسلمين يبذلون الأموال الطائلة ومئات الملايين من الساعات يذهبونها من أعمارهم ليستمعوا إلى المآتم الحسينية وما حل بأهل بيت الرسالة من مصائب وما قدموه من تضحيات وفي نفس الوقت يتزودون من المعارف الإلهية والثقافة الإسلامية والعِبَر مما حصل في هذه الواقعة المؤلمة، ولكن مع هذا كله فقد دخل التحريف اللفظي والمعنوي على هذه الواقعة المهمة.
يقول الشهيد مرتضى المطهري: (وحادثة كربلاء شئنا أم أبينا حادثة اجتماعية كبرى بالنسبة لشعبنا وأمتنا، أي أنها حادثة مؤثرة للغاية في تربية أهلنا وأخلاقهم وعاداتهم وسلوكهم. إنها الحادثة التي تدفع بشعبنا، بشكل آلي، ودون تدخل أية قدرة خارجية، إلى أن يتوجه الملايين منه لصرف ملايين الساعات من جهدهم، وإنفاق الملايين لسماع ما يرتبط بها من قضايا، إن هذه القضية ينبغي عرضها كما هي ودون زيادة أو نقصان لأنه في حالة أي تدخل أو تصرف في اللفظ أو المعنى مهما كان بسيطاً سيرتّب بلا شك حرف اتجاه الحادثة عن مسارها وبالتالي إلحاق الضرر بأمتنا بالتأكيد بدلاً من إفادتها منها) [26]
كما في كثير من الحوادث والثورات التي دخل عليها التحريف اللفظي أو المعنوي قد مسخت وتغيرت عن مسارها الطبيعي بل وبعض الأديان التي دخل عليها التحريف قد انتهى مفعولها.
لا يمكن نكران التحريف:
ينبغي لنا أن نعترف ما هو واقع من التحريف في واقعة كربلاء سواء أكان التحريف اللفظي أو المعنوي وأن نكران مثل هذه الأمور الشنيعة لا تعالج الأمر المؤسف بل تزيده تفاقماً مثل المريض الذي ينكر مرضه فإن هذا النكران لا يغير من المرض شيئاً بل إذا لم يتصدَّ لعلاجه فإنه سوف يزداد وخامة، وفي هذا الصدد يقول المفكر الإسلامي الكبير الشهيد مرتضى المطهري حول هذا التحريف في واقعة كربلاء:
(إننا وللأسف الشديد قد حرّفنا حادثة عاشوراء ألف مرة ومرة أثناء عرضنا لها ونقل وقائعها! حرفناها لفظياً أي في الشكل والظاهر أثناء عرض أصل الحادثة، مقدمات الحادثة، متن الحادثة، والحواشي المتعلقة بالحادثة.
كما تناول التحريف تفسير الحادثة وتحليلها، أي أن الحادثة مع الأسف قد تعرضت للتحريف اللفظي كما تعرضت للتحريف المعنوي).
واستطرد المطهري قائلاً: (بل إن التحريف ينسف أصل القضية ويمسخها تماماً ويخرجها بشكل مضاد للأصل بالكامل.
وأقول بكل مرارة: إن التحريفات التي أصابت هذه القضية على أيدينا كانت كلها باتجاه التقليل من قيمة الحادثة ومسخها وتحويلها إلى حادثة لا طعم لها ولا معنى).
وفي حديثه عن ضخامة تلك التحريفات في الجانب اللفظي لهذه الواقعة يقول المطهري:
(إن المادة المزورة والمدسوسة كثيرة للغاية ولا يمكن حصرها بسهولة وإذا ما أردنا جمع كل المآتم الكاذبة فإننا ربما سنحتاج إلى عدة مجلدات ضخمة!) [27]
إن التحريفات التي وقعت في واقعة كربلاء لم تكن وليدة اليوم بل هي قبل مئات السنين وعندما لم يتصدَّ لها أحد تفاقمت وتوالدت وفرخت وأصبحت من الأمور المسلمة التي يصعب الحديث عنها ويحتاج غسلها وقلع درنها إلى جهود جبارة ومتضافرة من الجميع.
فعلى العلماء الأعلام والمحققين والمفكرين القيام بمسؤولياتهم والتصدي للتحقيق في النصوص التاريخية المرتبطة بواقعة كربلاء وتقديمها بصورة صحيحة من مصادرها التاريخية أو العقدية أو الفقهية أو غيرها من مصادر المعرفة.
وإنني أقترح على أخوتي وأعزائي الخطباء الذين يمارسون الخطابة الحسينية أنهم هم الذين يقومون بتحقيق هذه المهمة خصوصاً الطبقة الأولى المتقدمة، فإن هذا سوف يعطي مردوداً إيجابياً كبيراً ومهماً لهم ويفتح آفاقاً واسعة وخبرة عظيمة يستفيدون منها في عرض موادها والحفاظ على سلامتها من التحريف ويصبح الخطيب متخصصاً ومحققاً في التاريخ الحسيني ومن المؤلفين فيه كما هو متخصص في أسلوب الخطابة والمحفوظات من القصائد العربية والأبيات الشعبية وإذا أراد أحدهم أن يقدم لنيل شهادة الدكتوراه أو الماجستير عليه أن يختار موضوعاً حسينياً لا أن يكون عيالاً على بعض الكتب التي كتبها المؤلفون الآخرون. لقد شهدنا خلال نصف قرن من الزمن موسوعات حسينية سواء كانت لبعض الخطباء أو لغيرهم كشعراء الحسين أو أدب الطف أو تراجم للخطباء ولكن كل ذلك لا يكون كافيا للتحقيق في التاريخ الحسيني وإثبات ما هو ثابت والتأكيد عليه ونفي ما هو ملصق به ودخيل عليه – إن هذا الاقتراح عرضته على عدد من الأحبة من قبل سنوات عديدة واستجاب بعض منهم - نرجو من الله لهم مزيداً من التوفيق.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[2] سورة الأحزاب الآية: 39.
[3] تحدثنا عن هذا المحور في الفصل الخامس من كتابنا: الإمام الحسين رسالة وإصلاح.
[4] بحار الأنوار ج: 44 ص: 330.
[5] سورة القمر الآية: 26.
[6] سورة الأنفال الآية: 47.
[7] سورة القصص: 58
[8] كامل الزيارات؛ النص؛ ص 112 رقم 116 الباب 14 حب رسول الله ص الحسن والحسين ع والأمر بحبهما وثواب حبهما.
[9] كامل الزيارات؛ النص؛ ص 113 رقم 117 الباب 14 حب رسول الله ص الحسن والحسين ع والأمر بحبهما وثواب حبهما.
[10] كامل الزيارات؛ النص؛ ص 113 رقم 118 الباب 14 حب رسول الله ص الحسن والحسين ع والأمر بحبهما وثواب حبهما.
[11] كامل الزيارات؛ النص؛ ص 114 رقم 120 الباب 14 حب رسول الله ص الحسن والحسين ع والأمر بحبهما وثواب حبهما.
[12] كامل الزيارات؛ النص؛ ص 114 رقم 121 الباب 14 حب رسول الله ص الحسن والحسين ع والأمر بحبهما وثواب حبهما.
[13] كامل الزيارات؛ النص؛ ص 115 رقم 122 الباب 14 حب رسول الله ص الحسن والحسين ع والأمر بحبهما وثواب حبهما.
[14] كامل الزيارات؛ النص؛ ص 115 رقم 123 الباب 14 حب رسول الله ص الحسن والحسين ع والأمر بحبهما وثواب حبهما.
[15] كامل الزيارات؛ النص؛ ص 115 رقم 124 الباب 14 حب رسول الله ص الحسن والحسين ع والأمر بحبهما وثواب حبهما.
[16] كامل الزيارات؛ النص ؛ ص116 رقم 126 الباب الرابع عشر حب رسول الله ص الحسن والحسين ع والأمر بحبهما وثواب حبهما.
[17] كامل الزيارات؛ النص؛ ص117 رقم 127 الباب الرابع عشر حب رسول الله ص الحسن والحسين ع والأمر بحبهما وثواب حبهما، ومن طريق أهل السنة انظر: المعجم الكبير للطبراني ج 3 ص 94 – 136 وعشرات الكتب الحديثية عندهم .
[18] بحار الأنوار ج: 44 ص: 330.
[19] انظر: الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد لابن الجوزي الحنبلي. وانظر: تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير وغيرهما.
[20] بحار الأنوار ج: 44 ص: 382
[21] بحار الأنوار ج: 44 ص: 382
[22] بحار الأنوار ج: 44 ص: 330
[23] الوبيل من المراعي: الوخيم، لا يستمرأ وقوله عز وجل ﴿أخذاً وبيلاً﴾ أي شديداً في العقوبة. انظر: العين للخليل الفراهيدي.
[24] بحار الأنوار ج: 44 ص: 381. والبرم: وبرمت بكذا ضجرت منه برماً ومنه التبرم، وأبرمني فلان إبراماً أي أضجرني. انظر: العين للخليل الفراهيدي. فالحياة مع الظالمين كلها ضجر وعدم راحة حتى وإن كانت النعم الدنيا موجودة معهم.
[25] بحار الأنوار ج: 44 ص: 330
[26] الملحمة الحسينية ج ص 1 ص 11.
[27] الملحمة الحسينية ج 1 ص 12.

جلسة محرم 1434هـ

 

 


التعديل الأخير تم بواسطة منتدى السهلة الأدبي ; 17-01-2013 الساعة 11:25 AM.
منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-01-2013, 11:12 AM   رقم المشاركة : 2
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الإمام الحسين عليه السلام وإصلاح الأمة ـ محاضرة الشيخ حسين الراضي

التحريف ودوره في تخلف الأمة
العلامة الشيخ حسين الراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

التحريف عمل غير أخلاقي يمجه العقل والشرع والعرف وهو خيانة عظمى لكل القوانين والأعراف الدولية كما أنه خيانة علمية فلا يمكن الاعتماد على من يمارسه أو من يستحله.
والتحريف ينقسم إلى: 1- التحريف اللفظي 2- التحريف المعنوي.
وحديثنا الآن حول التحريف اللفظي ويقع الكلام في ثلاثة محاور:
1- أشكال التحريف في التراث الإسلامي.
2- البحث العلمي مقابل الخرافة وخطر التحريف في التراث.
3- المنهجية العلمية وتحقيق التراث أو كيف نحصن التراث عن التحريف؟.
المحور الأول: أشكال التحريف في التراث الإسلامي.
يمكن أن نتحدث عنه في قسمين:
أ‌- بناء على مدرسة الخلفاء ب- بناء على مدرسة أتباع أهل البيت.
أما القسم الأول: من المعروف تاريخياً ما وقع من تحريف للتراث في هذه المدرسة من أعداد ضخمة من الأحاديث بلغت مئات الآلاف وقد أحصى العلامة الأميني (408.684) حديثاً موضوعاً ويكفي أن:
1- البخاري انتخب صحيحه الذي لا يتجاوز 2761 حديثاً بدون المكررات من 600.000 حديث.
2- أبو داوود انتخب سننه البالغ 4800 حديثاً من 500.000 حديث .
3- مسلم انتخب صحيحه البالغ 4000 حديث بدون المكررات انتخبه من 300000 حديث.
4- وأحمد بن حنبل انتخب مسنده البالغ 30000 حديث من أكثر من 750000 حديث.
ولأذكر بعض الأمثلة في التحريف أعم من الوضع في الأحاديث وغيرها.
1- ما وقع من تحريف وجناية على الإسلام في حديث مبيت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ونزول قوله تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (207) سورة البقرة، في كتاب أسد الغابة لابن الأثير الجزري الشافعي ج 4 ص 25 ط المطبعة الوهبية بمصر ذكر الحديث صحيحا ؛ ثم قامت المكتبة الاسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ بتصوير (أسد الغابة) بالاوفست على الطبعة الوهبية بمصر وحرفت هذا الحديث فأبدلت كلمة (بات على فراشه) إلى كلمة (بال على فراشه) إهانة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيد الوصيين.
2- حديث كذا وكذا:
ذكر حديث العشيرة ونزول قوله تعالى ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (214) سورة الشعراء الطبري في تاريخه ج 2 ص 319 طبع دار المعارف بمصر وذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام «ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم» ولكن في تفسير الطبري ج 19 ص 121 ط 2 مصطفى الحلبي، حرَّف المؤلف أو الطابع أو شخص آخر وذكر بدله «ان هذا أخي وكذا وكذا!!»
3- حديث صوم عاشوراء:
قال ابن الجوزي المتوفى 597ه: وتمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل يوم عاشوراء ....
حتى أطالوا وأعرضوا وتنوقوا في الكذب ...
وبعد أن نقل حديثاً في فضل يوم عاشوراء قال: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه، ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع، ولم يستحي وأتى فيه بالمستحيل. [1]
وقال الحاكم: أنا أبرأ إلى الله من عهدة جويبر فإن الاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن رسول الله فيه أثر وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين عليه السلام [2]
فهذا غيض من فيض من الأحاديث التي حرفت أو ابتدعت وأريد منها الاحتقان المذهبي.
القسم الثاني: بناء على مدرسة أتباع أهل البيت:
ويمكن هنا أن نشير ولو بصورة خاطفة إلى بعض الأحاديث التي ألصقت بهذه المدرسة العظيمة:
1- ما ينقل من أن المولى سبحانه خاطب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله بقوله: (لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما).
وقد جاء بالتدرج فأولاً جاءت الفقرة الأولى كما رواها بعض علماء السنة ثم جاءت الفقرة الثانية ثم الثالثة.
ونحن لمّا بحثنا عن مصدر هذا الحديث لم نجد له عيناً ولا أثراً في الكتب الحديثية ولا في غيرها من التي تروي مثل هذه الأحاديث.
2- القصة التي تقرأ في المجالس بعنوان حديث الكساء والذي ينسب إلى فاطمة الزهراء عليها السلام.
حديث الكساء ونزول آية التطهير في الخمسة من أهل البيت عليهم السلام من الأحاديث المتواترة عند السنة والشيعة ولكن جاء من يشوه سمعة أهل البيت فوضع قصة بعنوان حديث الكساء نسبها إلى فاطمة الزهراء عليها السلام وهي مما لا مصدر له [3].
3- المقطع القائل: (اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني وابدأ به أولاً ثم الثاني ثم الثالث ... ) في المضاف إلى زيارة عاشوراء [4].
4- الأحاديث الموضوعة حول الثورة الحسينية من الزيادة والتغيير والتبديل والمبالغات وبالأخص الشعائر الحسينية.[5]
5- الأحاديث الموضوعة في الأخلاق وفي فضائل الصلوات المستحبة والأدعية وفي مختلف أبواب المعرفة [6].
أكذوبة التحريف في القرآن الكريم:
هذه من المواضيع التي أريد لها أن تكون مائدة دسمة للشحن الطائفي وتسجيل كل فريق على الفريق الآخر من ناحية مذهبية وهي من أولها إلى آخرها أكذوبة لا أصل لها.
المحور الثاني: البحث العلمي مقابل الخرافة وخطر التحريف في التراث
وما يؤدي إلى تدمير الأمة وإعاقتها عن القيام بواجباتها والدفاع عن مقدساتها والمطالبة بحقوقها.
لقد انتشرت الخرافات من قديم الزمان إلى يومنا هذا في مختلف المجتمعات ومنها المجتمعات الإسلامية المتخلفة فكرياً وثقافيا [7] ونلخص الأضرار الناجمة من التحريف بما يلي:
1- التحريف وتخلف المسلمين:
الإسلام دين العلم والمعرفة والتقدم والازدهار والدفاع عن المظلومين والمحرومين ومحاربة الظالمين والطغاة ونشر العدالة الاجتماعية والمساواة ففيما إذا وقع التحريف في التراث فإنه يلعب دوراً مهماً ورئيساً في تأخر الأمة ويجعلها خاوية بعيدة عن عوامل القوة والصمود والجد والاجتهاد.
قال الشيخ محمد آصف المحسني حول هذا الموضوع:
مرّة أخرى نؤكد للطلاب والفضلاء – والعلماء في غنى بعلمهم عن هذا التأكيد – بأن الوصول إلى الحقيقة, والتحفظ على الحدود الدينية والوظائف الشرعية من الزيادة والنقيصة, الذي هو من أهمّ تكاليف المسلمين يوجبان الاقتصار على الأحاديث المعتبرة سنداً ورفض المتون الواردة بأسانيد ضعيفة ومشكوكة وشرف العلم وفطرة العالم يميلان إلى مراعاة الكيفية حتى بغض النظر عن الكمية ورفضها...
فالأخلاق الإسلامية لابد وأن تؤخذ من الكتاب والأحاديث المعتبرة من دون تسامح وتساهل [في كذا] [و] رفض غير المعتبرة وردها إلى من صدرت عنه.
وكذا الاقتصاد الإسلامي والسياسة الإسلامية والتأريخ الإسلامي وفضائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأوصيائه وطرح تخيلات الغلاة والعوام والمبالغين في كل أمر, فضلاً عن الاقتصار عليهما في الحلال والحرام وأصول الشريعة وفروع العقائد والمعارف الإسلامية.
والعالم المتعهد لا يخاف في هذه السبيل من مخالفة العوام والجاهلين والمبالغين والمقلدة والكُّتاب الذين لا يحيطون بالدين علماً وفهماً حتى وإن كانوا من المشهورين. ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (69) سورة العنكبوت. [8]
ويقول الشيخ البهبودي حول تحريف الدين وتخلف المسلمين:
فكما نرى في تاريخ علم الحديث, وندرسها في رجال السنة والشيعة.
إن الزنادقة والغلاة لم يألوا جهداً في إطفاء نور الإسلام وإفساد الشريعة والأحكام وإيقاع الشك قي القلوب والتلاعب بالحقائق الدينية ومعارفها, وترويج الخرافات والترهات والبدع وإيجاد الفرقة والاختلاف. وفي كل ذلك ساروا على خطط خطتها يد الصهيونية العالمية وعملاء الكاثوليكية المسيحية: ...
وهكذا نراهم قد اختلقوا معجزات خرافية تافهة مستبشعة فنشروها على لسان القصاصين ومشايخ الحديث المغفلين ليبتهج المسلمون بتردادها ونقلها وسماعها, كل ذلك تنفيراً لطباع المتفكرين ودحضاً لبينات القرآن ومعجزته الخالدة التي طالما أخذت بأسماع السامعين.
وأخرى لفقوا أساطير مزعومة وأحاديث مزورة ترغّب الناس في الزهد والانعزال, وأدرجوا فيها سفاسف التصوف والعرفان ليشتغل الناس بالتفكير في ذواتهم عن التشاغل بأعدائهم.
ولذلك نرى أقطاب التصوف والعرفان قد نجمت في تلك الآونة من كل صوب لا يدري مولدهم ولا منشأهم: يضلون الشاب والشيب. وقد افتتنت بهذه المكيده الكاثوليكية المسيحية جماعة رفضوا نور العقل والمنطق وراء ظهورهم وجعلوا التخيلات الواهمة نصب أعينهم. وتعاليم الأديان ومعارف المذاهب تحت أقدامهم.
وهكذا ابتدعوا عبادات وصلوات مخترعة واصطنعوا أدعية جميلة عرفانية وغير عرفانية بشروا عبادها وقراءها بالثوابات الجزافية والفوز بنعيم الآخرة, فرغب فيها كثير من العباد المغفلّين لا يفترون عن العبادة وقراءة الأدعية ليلاً ونهاراً وعدلوا عن السنة النبوية العادلة فتشاغلوا بها عن مغزى العبادة والدعاء يَحسبون أنهم يُحسِنون صنعا.
واختلقوا أحاديث أخر في خلق السموات والأرضين وتربية الشمس والقمر والكواكب, وهكذا في سائر المواليد الطبعية كالسحاب والطوفان والنار والخسوف والكسوف والزلازل. كلها خرافات وترهات وخزعبلات. يريدون بنشرها أن يشوهوا وجه الصحائف الدينية والمعارف القرآنية الأصلية.
وهكذا وضعوا في خواص العقاقير والأدوية المفردة والمركبة. وبالغوا في تأثيرها بصورة جزافية. وفي جنب ذلك زوروا أحرازاً وتعاويذ وطلسمات ونيرنجات لدفع الأمراض والآفات السماوية والأرضية, وبذلك ارتطمت الأمة الإسلامية في الجاهلية الجهلاء. [9]
2- نشر الثقافة المنحرفة:
الثقافة للأمة تدور مدار مصادرها فإن كان المصدر هو القرآن الكريم أو السنة النبوية المتواترة أو المعتبرة على الأقل فتصبح الأمة قد تشبعت أذهانها وسلوكياتها بتلك الثقافة المستلهمة من مصادرها وإن كانت مصادرها من الروايات الضعيفة أو الموضوعة أو روايات الغلاة والفئات المنحرفة فإن هذه الثقافة سوف تنتشر بين القاعدة الشعبية للأمة ولا يكون من السهل إصلاحها أو تقويمها وجعلها في الخط المستقيم.
قال الشيخ محمد آصف المحسني: … وآل الأمر من جراء هذه المأساة إلى تشكيل ثقافة محرفة في المعارف والأخلاق بل في الفروع الإعتقادية فرسخت في أذهان العوام ومتوسطي أهل العلم بحيث سلبت جرئت الإصلاح عن جمع من الخواص خوفاً من ثورة العوام، الذين انحرفوا بدورهم من سيطرة الخواص المتوسطين عليهم، وعدم اهتمام الحوزات العلمية والمسئولين الدينين بتهذيب الروايات وتحرير المعارف الإسلامية الشاملة. وهذا خطر عظيم للدين وأهله ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .[10]
3- الأضرار العقائدية:
لا يخفى أن العقائد لا بد أن تعتمد على المصادر اليقينية من الكتاب الكريم أو السنة المتواترة لا على الأخبار الضعيفة أو الموضوعة أو المحرفة أو الرؤى والمنامات، أما إذا كانت الأمة ابتنت عقائدها على مثل هذه المصادر فعليها السلام.
يتحدث السيد المرتضى حول ضرر الزنادقة والغلاة والكذابين على عقائد الأمة وحكى ما وضعه عبد الكريم بن أبي العوجا قال لما قبض عليه محمد بن سليمان وهو والي الكوفة من قبل المنصور وأحضره للقتل وأيقن بمفارقة الحياة: لئن قتلتموني لقد وضعت في أحاديثكم أربعة آلاف حديث مكذوبة مصنوعة [11]
ومن ذلك حديث (لولاك لما خلقت الأفلاك....) فإن هذا إساءة للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله بل وللإمام علي عليه السلام ولسيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام.
4- التحريف في فروع الدين:
وقال السيد المرتضى حول تغلغل أفكار الغلاة إلى رواياتنا فيتحدث عن الروايات التي وردت عن أن شهر رمضان 30 يوماً لا ينقص فقال:
إن الصحيح من المذهب اعتبار الرؤية في الشهور كلها دون العدد، وأن شهر رمضان كغيره من الشهور في أنه يجوز أن يكون تاما وناقصا [12]
5- تغلغل الغلاة إلى داخل التراث وتحريف الإسلام:
قال عبد الكريم ابن أبي العوجاء حينما أيقن أنه مقتول: (أما والله – لئن قتلتموني. لقد وضعتُ أربعة آلاف حديث أُحَرِّم فيها الحلال وأُحَلِّل فيها الحرام. والله لقد فَطَّرتُكم في يوم صومكم وصَوَّمتكُم في يوم فطركم). فضربت عنقُه .[13]
قال الشيخ البهبودي معلقاً على كلام ابن أبي العوجاء: ومن الأسف. أننا نجد النموذج من هذه الأحاديث التي يفطّرنا يوم صومنا ويصوّمنا يوم فطرنا, في روايات الشيعة أكثر منها في روايات أهل السنة [14] .
6- التحريف يؤدي لمخالفة العقل:
وقال الشيخ المحسني معلقا على بعض الروايات غير المعتبرة وأنها باطلة تخالف العقل فقال:
ففي هذا الجزء روايات غير معتبرة سندا أصبح بطلان متونها وكذب محتواياتها من الواضحات عند المراهقين في المدارس، فهل يصح أن ننسبها إلى أئمة الدين فتبطل نبوة النبي وإمامة أوصيائه عند الناس ويتهم الإسلام بالكذب والجهل، والعياذ بالله. [15]
وعلق الشيخ المحسني على سعادة أيام الشهور العربية ونحوستها بقوله:
فهي أخبار عن أمور غيبية على طريقة غير عقلائية، وسوق المسلمين إلى التأخر عن مطالبهم الدنيوية بمرسلات منسوبة إلى الإمام الصادق عليه السلام فإنا لله وإنا إليه راجعون. [16]
7- إلغاء الروايات الصحيحة والمفاهيم القرآنية:
من المعلوم أن بعض المفاهيم أو الأحكام إذا اعتمدت على مصادر معينة ومنها روايات الوضع والتزوير بل والروايات الضعيفة وشغلت هذه الحيز الخارجي من الحكم الشرعي أو المفهوم الأخلاقي والاجتماعي فسوف تلغي ما يقابلها وما ينتفي معها سواء أكانت مفاهيم قرآنية أو روايات صحيحة وهذا ما حدا بالبعض إلى إلغاء الروايات الصحيحة التي لا يعمل بها والأخذ بالروايات الضعيفة لأنه معمول بها، بل قد تصل الحالة إلى تأويل المفاهيم القرآنية لأجل صالح الروايات الضعيفة كما في وجوب صلاة الجمعة.
8- تشويه سمعة الدين والاستهزاء به:
قال الميرزا النوري:
(إن وجود هكذا أخبار ضعيفة لا أصل لها ولا مأخذ مقرونة بكل هذه الأسباب المضعفة في أحد الكتب مما يراد منه تحقيق بعض الأغراض الفاسدة كإظهار كثرة التتبع والإطلاع وإيراد المطالب الجديدة والإستعلاء على المقاتل السابقة يعد إيجادا (لمسنا) خاصا بهذا المذهب.
والنتيجة الظاهرة لذلك وثمرته الواضحة إدخال الوهن العظيم على الدين ومذهب الجعفرية وتقديم أسباب السخرية والإستهزاء والضحك للمخالفين حيث يقيسون سائر أحاديث ومنقولات الإمامية على هذه الأخبار الموهونة والقصص الكاذبة حتى أنهم كتبوا في كتبهم أن الشيعة بيت الكذب. وإن كان هناك من ينكر هذا القول فإنه يكفيه أن يراجع المقتل المعروف فضلا عن نظائره ليرتفع إنكاره ويثبت عنده ذلك) [17]
ومن ذلك القصة المنسوبة إلى فاطمة الزهراء عليه السلام:
والتركيبات الموضوعة في حديث الكساء؛ فإن حديث الكساء من الأحاديث المتواترة عند جميع المسلمين أما أن يأتي شخص ويركب تركيبة ويؤلف ما يريده ثم ينسبه إلى فاطمة الزهراء عليها السلام ويستغل شهرة حديث الكساء وتواتره ثم يحور فيه بما يشاء إن مثل هذا العمل مما يقلل من شأن هذا الحديث العظيم ويسخر من سيدة نساء العالمين عليها السلام وكأنها امرأة عادية وهذه القصة على غرار (لولاك لما خلقت الأفلاك ....) وأساس هذه الفبركة مما لا مصدر له.
9- المبالغات الكاذبة وتشويه الشعائر الحسينية:
قال الميرزا النوري حول المبالغات الكاذبة في عدد القتلى الذين قتلوا يوم عاشوراء كما ينقله بعض المؤلفين حول يوم عاشوراء:
(مثلا لو سئل عظماء ديننا فقيل لهم: إن الشيخ الجليل علي بن الحسين المسعودي الذي هو منكم والذي عاصر الكليني ذهب إلى غاية المبالغة في تعداد من قتلهم سيد الشهداء عليه السلام في كتابه (إثبات الوصية) فقال: وروي أنه قتل بيده ذلك اليوم ألفا وثمانمائة 1800).
بينما يوصلهم ابن شهر آشوب على كثرت تبحره واطلاعه، ومحمد بن أبي طالب على ما نقله صاحب البحار على ألف وتسعمائة وخمسين قتيلا (1950).
ثم أوصلهم ذلك الكتاب الذي أُلِّفَ بعد أَلِفِ سنة من المسعودي إلى ثلاثمائة ألف (300.000) بينما جعل عدد قتلى أبي الفضل خمسة وعشرين ألف (25000) وقتلى الآخرين كلهم خمسة وعشرين ألف (25000).
فما حكم هذا الإختلاف والتعارض غير الإعتراف بكذب هذا الأخير الصريح. سبحان الله!! ما الغرض من هذه المبالغات وما الهدف من هذه الأكاذيب؟.
إذا كان المراد بيان شجاعته عليه السلام فإن إثبات هذا الأمر الحق لا يحتاج إلى التمسك بمثل هذه الأباطيل فلو قتل في ذلك اليوم مئة نفر (100) لكان أشجع الناس.....) [18].
10- الشحن المذهبي وما يؤدي إلى الضرر على المؤمنين:
إن الضرر على الآخرين من جراء الروايات غير المعتبرة والموضوعة أو روايات الفئات المنحرفة من الغلاة والمفوضة والوضاعين والكذابين قد سودت التاريخ وأوقعت الفتن بين المسلمين وجرت أنهر من الدماء وراح ضحيتها الملايين من المسلمين على طول التاريخ بلا جدوى وبلا فائدة.
قال المحسني تعليقا على بعض الروايات التي يكون نقلها غير مناسب وأنها توقعهم في الضرر:
ولا يبقى مثل كتاب بحار الأنوار في أصفهان وسائر بلاد المؤمنين وقراهم والله يعلم [كم من] الأضرار [تصيب] للمؤمنين في الهند وأفغانستان وباكستان وبعض البلاد العربية من جراء هذه الأحاديث، في ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم. [19]
وكثيرة هي الأمثلة التي تقدمت والتي لم نشر إليها وهي في مجملها تشير:
1- إلى الشحن المذهبي بكل أبعاده، ففي مدرسة أتباع الخلفاء ولو على نحو وجوده في تراثه من أنه يشوه سمعة علي بن أبي طالب عليه السلام ويسقط منزلته في عيون من يحبه ويواليه ويحول تلك الفضيلة من مبيته على فراش النبي صلى الله عليه وآله إلى رذيلة وأنه بال في فراشه وبذلك يؤذي طائفة كبيرة يتبعونه ويحبونه ويشايعونه ويوالونه بل يؤذي جميع المسلمين بهذا العمل الشنيع ويشغلهم عن مهامهم وتقدمهم في أمور طائفية ومذهبية وجانبية.
2- وكذلك التحريف الذي وقع في تفسير الطبري حيث حذف قوله «ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم» وذكر بدله «ان هذا أخي وكذا وكذا!!» مع أن الطبري نفسه ذكر الحديث بتمامه في تاريخه بعين السند والمتن ولعل المحرف لم يطلع على تاريخ الطبري وإلا لحرفهما معاً.
3- أما فيما يرجع إلى ما وضع من فضائل يوم عاشوراء والتوسعة على العيال والاكتحال فيه فإن الشحن المذهبي واضح وبشهادة ابن الجوزي الحنبلي من أن هذه الأحاديث وضعها الجهال المتمذهبين بمذهب أهل السنة لإغاظة الشيعة وأنهم تفننوا في الكذب فيه.
بعض التحريفات عند الشيعة وفي تراثهم:
ما قام الجهلة من الشيعة أو المغرضون والمندسون فيهم تحت عناوين متعدد بالدس والتحريف والوضع في تراثهم فهو كثير وكثير.
فمن ذلك المقطع الذي دس في زيارة عاشوراء فقد أثار الفتن والإحن والشحن والعداوة والبغضاء وسالت أنهر من الدم ونشبت حروب طويلة لأجل هذا المقطع وما شابهه من فتن مذهبية، ويدفع المسلمون هذا الثمن الباهظ ثم يتبين بعد ذلك أنه مدسوس من الأعداء ولا أصل له في التراث.
الأضرار الناجمة من الوضع والتزوير وروايات الغلاة لا تنحصر فيما ذكر بل لها من السلبيات الشيء الكثير.
المحور الثالث: المنهجية العلمية وتحقيق التراث أو تحصين التراث عن التحريف اللفظي والمعنوي

ويتلخص ذلك بأمرين مهمين:
الأمر الأول: العمل التخصصي وهو عمل العلماء الجريئين في تصحيح تلك المسيرة وإصلاح ما وقع من تحريف في أي مجال من المجالات.
وقد تصدى العلماء الأعلام من صدر الإسلام وإلى يومنا هذا وبين كر وفر وصعوبات يمرون بها دفع بعضهم حياته في سبيل ذلك.
ومن أبرز الرواة في عهد الأئمة (عليهم السلام) الذين شمروا عن سواعدهم في الذب عن هذه المدرسة والدفاع عنها، أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري (من أصحاب الأئمة الرضا والجواد والهادي عليهم السلام) ويونس بن عبد الرحمن اليقطيني (من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا عليهما السلام) والفضل بن شاذان النيسابوري (من أصحاب الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام) وغيرهم كثير.
حتى وصلت النوبة في الغيبة الكبرى إلى العلماء الأعلام مثل الشيخ الصدوق (المتوفى 381 هـ) والشيخ المفيد (المتوفى 413 هـ) والسيد المرتضى (المتوفى 436 هـ) والحسين بن عبيد الله الغضائري (المتوفى 411 هـ) وابنه أحمد بن الحسين الغضائري (المتوفى حدود 450 هـ) والشيخ الطوسي (المتوفى 460 هـ) .
هؤلاء جميعاً وضعونا أمام الأمر الواقع وشرحوا لنا أخطار الأحاديث المندسة من الغلاة والكذابين والوضاعين حتى إن بعضهم وهو الشيخ الطوسي ألَّف كتابه الكبير تهذيب الأحكام لأجل علاج هذا الخطر المحدق بهذه المدرسة حيث الأخبار المختلفة والمتناقضة وأشار إلى أن العمل في كشف هذه الأحابيل وعلاج ما يمكن علاجه من أعظم القربات إلى الله.
الإرهاب الفكري:
ولنذكر على سبيل المثال ما صدر في السنوات الأخيرة، كتاب بعنوان (تصحيح تراثنا الرجالي) للشيخ محمد علي النجار درس فيه سلسلة أسانيد الروايات وبيَّنَ الأخطاء في الأسماء والرواة الواقعة في تلك الأسانيد مما يؤثر على صحة الرواية وعدمه بذل فيه المؤلف جهوداً جبارة يستحق أن يشكر عليها فقد بذل شخصياً ما تقوم به مؤسسة تتألف من عدة أشخاص وبين فيه خطأ واشتباه وتوهمات بعض الرواة والمؤلفين والمحققين والمؤسسات العلمية قديماً وحديثاً.
ومع هذه الجهود العظيمة إلا أنه ومع الأسف الشديد جُوبه بحملة قوية مستنكرة ومتنكرة لعمله بدل تأييده وتشجيعه أو نقده حتى كتب بعضهم فيه أنه (لو أراد أحد هؤلاء [يعني ابن تيمية وابن كثير وأحمد أمين والقصيمي ومحب الدين الخطيب] كتب في الرد علينا وتفضيحنا في هذا المجال أكان يسعه يهاجمنا أكثر من هذا؟ ...) وعلى أثر هذا كما قيل قد منع كتابه من التداول وكان ينوي أن يصدر كتابه في عدة مجلدات ولكن قد طبع منه الجزء الأول.
والكتاب لا يتعرض لقضايا مذهبية ولا حتى للخرافات ولكنه حملت عليه الحملات غير المنصفة.
وبالرغم من أني أختلف مع النجار في المنهج والأسلوب في تحقيقات بعض الأخطاء وما يتوصل إليها ولحن القول الذي يستعمله مع من ينتقدهم إلا أنه يستحق الشكر والتقدير والتبجيل والإشادة بما قدَّمه من عمل علمي وقد استفادت من جهوده العلمية بعض مؤسسات التحقيق التي تحقق التراث وإن لم تشر إلى مصدر تلك النتائج التحقيقية.
الأمر الثاني: إشاعة روح النقد وحرية الرأي والتعبير فبه يصان التراث عن التحريف
فعن الإمام‏ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق عليه السلام، قَالَ: «أَحَبُّ إِخْوَانِي إِلَيَّ مَنْ أَهْدى‏[20] إِلَيَ‏ عُيُوبِي‏».[21]
هذا منطق الإسلام الذي يريد أن يعالج الإنسان جميع أمراضه الروحية والخُلقية كما يعالج أمراضه البدنية فالعيوب التي يتصف بها غير المعصوم تحتاج إلى من يشخصها لكي يعالجها فأحب الأشخاص إلى المرء من يساعده على التعرف على تلك العيوب ويوضحها لدى صاحبها فيقول الإمام عليه السلام إن هذا الشخص أحب إخوانه إليه.
فالعاقل اللبيب والحكيم الحصيف هو الذي لا يغلق الأبواب في نقده وكشف عيوبه بل عليه أن يشكر كل من يقدم إليه عيبه حتى ولو كان في لباس العدو لهذا كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ:‏ رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى‏ إِلَيَ‏ عُيُوبِي‏ [22] كائنا من كان سواء أكان عدواً في لباس صديق أو كان صديقاً في لباس عدو. ويحذر من المادحين الذين يزينون له أعماله ويطرونه بما لا يستحق فإن هؤلاء أعداء في لباس أصدقاء.
وكَانَ بَعْضُهُمْ اعْتَزَلَ عَنِ النَّاسِ فَقِيلَ لَهُ لِمَ لَا تُخَالِطُ النَّاسَ فَقَالَ مَا أَصْنَعُ بِقَوْمٍ يُخْفُونِّي عُيُوبِي‏ [23]
فهؤلاء لا فائدة في مجالستهم بل مضرتهم أكثر من نفعهم.
حفظ الدين مبني على حرية الرأي وحرية النقد:
نقل شيخ الشريعة الأصفهاني المتوفى 1339 هـ عن بعض الأعلام:
(إنّ عدم محاباة العلماء بعضهم لبعض من أعظم مزايا هذه الأُمّة الّتي أعظم اللّه بها عليهم النعمة، حيث حفظهم عن وَصْمة محاباة أهل الكتابين، المؤدِّية إلى تحريف ما فيهما، واندراس تينك الملّتين، فلم يتركوا لقائل قولًا فيه أدنى دخل إلّا بيّنوه، ولفاعل فعلًا فيه تحريف إلّا قوّموه، حتّى اتّضحت الآراء، وانعدمت الأهواء، ودامت الشريعة الواضحة البيضاء على امتلاء الآفاق بأضوائها، وشفاء القلوب بها من أدوائها، مأمونة من التحريف، مصونة عن التصحيف). [24] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الموضوعات لابن الجوزي ج 2 ص 569 .
[2] الموضعات لابن الجوزي ج 2 ص 574 .
[3] انظر ما كتبناه حول هذا الموضوع في موقعنا مكتب الهداية .
[4] انظر كتاب (زيارة عاشوراء في الميزان) .
[5] انظر كتاب اللؤلؤ والمرجان للميرزا النوري، والملحمة الحسينية للشهيد مطهري .
[6] انظر مقدمة صحيح الكافي للبهبودي، ومشرعة البحار للشيخ محمد آصف المحسني .
[7] انظر (الخرافة) الذي أصدرته الحوزة العلمية في قم في مجلتها بعنوان (الحوزة) العددين 153-154. باللغة الفارسية.
[8] مشرعة بحار الأنوار ج 1 ص 15 – 16
[9] انظر مقدمة كتابه صحيح الكافي .
[10] مشرعة بحار الأنوار ج ص 9- 11
[11] الأمالي - السيد المرتضى - ج 1 - ص 88 - 89
[12] رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - ج 1 - ص 157 - 158
[13] تقدم الحديث عن ترجمته وزندقته في كتاب المؤامرة الكبرى .
[14] انظر مقدمة كتابه صحيح الكافي .
[15] مشرعة بحار الأنوار ج 2 ص 273
[16] مشرعة بحار الأنوار ج 2 ص 281
[17] اللؤلؤ والمرجان ص229
[18] اللؤلؤ والمرجان ص230

[19]مشرعة بحار الأنوار ج 2 ص 235
[20] في «ز»: «اهتدى».
[21] الكافي (ط - دارالحديث) ؛ ج‏4 ص687 ح 3612. الاختصاص، ص 240، مرسلًا؛ تحف العقول، ص 366 ، الوافي، ج 5، ص 573، ح 2597؛ الوسائل، ج 12، ص 25، ح 15547.
[22] مجموعة ورام، ج‏1، ص: 95
[23] مجموعة ورام، ج‏1، ص: 95
[24] الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، ج‏2، ص: 5 للشيخ السبحاني، عن إبانة المختار لشيخ الشريعة الاصبهاني، نقله عن بعض الأعاظم: 10.

 

 


التعديل الأخير تم بواسطة منتدى السهلة الأدبي ; 17-01-2013 الساعة 11:31 AM.
منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 30-01-2013, 07:59 AM   رقم المشاركة : 3
القابض على الجمر
طرفاوي مشارك
 
الصورة الرمزية القابض على الجمر
 






افتراضي رد: الإمام الحسين عليه السلام وإصلاح الأمة ـ محاضرة الشيخ حسين الراضي

هل يصح تسمية قضية سيد الشهداء عليه السلام بالنهضة والثورة والقيام ضد الجور وصرخة في وجه الظلم ؟
آجركم الله



بسمه تعالى
السلام عليكم
لا ضير في تسمية حركة الإمام الحسين عليه السلام ضد النظام الأموي بأنها قيام ونهضة وثورة، ولا مشاحة في الإصطلاح، والتعمق العقلي في المصطلح يخرجُ القضيةَ عن مسارها الحقيقي، فمن يثقل نفسه بالمصطلح لا يصل إلى مبتغاه لأنه كلما أصبغ على وقعة الطف إسماً أو لقباً كلما ازداد حيرة في تفسيره والولوج في أعماقه فلا يستقر على مصطلح فتصبح واقعة الطف بلا إسم ولا معنى، فلا مصطلح ثورة أو نهضة أو قيام أو حركة أو قضية لها معنى في قاموس الساعين لإيجاد مصطلح لواقعة الطف الشجية على صاحبها آلاف السلام والتحية، فينبغي للمؤمنين لا سيما أهل العلم أن يبتعدوا عن التفلسف بالمصطلح حتى لا يقعوا في العجب والحيرة والضياع، فالثورة والقيام والنهضة والحركة ..كلها ألفاظ متباينة لمعنىً واحدٍ هو الخروج على الظلم والظالمين لإحياء معالم التوحيد والولاية، فواقعة الطف أكبر وأعظم من أن تحدها المصطلحات الإعتبارية، والله تعالى هو حسبنا ونعم الوكيل ودمتم موفقين والسلام عليكم.

 

 

 توقيع القابض على الجمر :
احضر مجلسك ياحسين خليني
خلها تجيبني الدمعه وتوديني
القابض على الجمر غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 07:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد