26-05-2011, 11:16 AM | رقم المشاركة : 1 |
منتدى السهلة الأدبي
|
مذاهب الشعر الحديث، ومفهوم الشعر ـ حسن الربيح
مذاهب الشعر الحديث، ومفهوم الشعر* الحديثُ عن المذاهب الشِّعريَّة الحديثة يتطلَّب منا في البداية التَّطرقَ إلى بعض المفاهيم. وأهمها مفهوم الشعر، فهل للشعر الحديث مفهوم واحد؟. أم أنه متعدد المفاهيم بتعدد المذاهب والاتجاهات الأدبية؟، وهل ساعد تعدد المفهوم في تأزم الشعر وانحساره عن الجماهير، أم أنه أوصله إلى فتوحات شعرية كبرى؟. هذا ما سأحاول بسطه في هذه الورقة، مع تحفظي الشديد على مسمَّى مدرسة أو مذهب أو اتجاه شعري حديث، فليس هناك مدارس شعرية بالمعنى العميق لمفردة مدرسة، فغالب هذه المدارس لا تقوم على رؤية فلسفية مغايرة للأخرى، فهي ما زالت تمارس الغنائية، ولكن بمستويات متباينة بين شاعر وآخر، لذا فهناك تشابه إلى حد كبير بين مدرسة ومدرسة، وهناك التقاء لهذه المدارس في تجربة شاعر يصنَّف إلى مدرسة ما. إذن أنا أسوق هنا مفردة مدرسة أو مذهب أو اتجاه، وفقاً للتقسيم النقدي السائد في كتب الأدب. من خلال اللغة نفهم بأن المذهب هو المسار والوجهة والطريق، فحينما تضاف إلى الشعر على الجمع (مذاهب الشعر) نخرج منها بدلالةٍ أنَّ للشعر أكثر من وجهة وتصوُّر، وهذا التعدد من المفترض ألا يضعف حركة الشعر بقدر ما يجعله مزدهراً نابضاً بالحياة ونامياً إلى الأبد، فمذاهب الشعر تعني الطُّرق التي توصل إلى الشِّعر على حقيقته بحسب ادِّعاء كل مذهب، وسنتطرق إلى ذلك لاحقاً. يكاد يتَّفق أغلبُ مَن كتب عن حركة الشعر في العصر الحديث بأنَّ مدرسة الإِحياء هي البداية لظهور المذاهب الشعرية في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري هيأت لهذا الظهور المطابع التي أخذت تتوالى في نشر كتب التراث العربي القديم بما فيها التراث الأدبي، ولأنَّ الفترة الشعرية التي سبقت شعراء مدرسة الإحياء غلبت عليها الصنعة الأدبية، فكثرت البديعيات والمخمَّسات، حتى أصبح الشعر ميداناً لاستعراض القوى في القدرة على النَّظم، فتحرَّك مجموعة من الشعراء على اختلاف مستوياتهم في الإبداع الشعري، وعلى رأسهم البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم في مصر، والزهاوي والرصافي والجواهري في العراق وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة في سورية والبردوني في اليمن إلى سلسلة أخرى من الأسماء الشعرية في الأقطار العربية، مع الأخذ في عين الاعتبار بأن حركة الإحياء لم يكن لها مفهوم واحد، فقد مرت بمراحل عدَّة، ولسنا هنا بصدد الدراسة الشاملة عن هذه الحركة. كان تحرك شعراء الإحياء من أجل إعادة القصيدة العربية القديمة إلى مكانتها الأولى في عصرها الذهبي وبالأخص العصر العباسي، وإنقاذ الشعر من حالة التدهور الذي وصل إليه بسبب الإفراط في الشكل الخارجي للشعر وإهمال النبض الحقيقي للشعر وروحه. فأخذ كل شاعر من حركة الإحياء هذه ما يتناسب مع روح عصره، وما يصبُّ في مشاكله وهمومه المختلفة، ما يهمني في مذهب الإحياء (مدرسة البعث)، أو ما يصطلح عليه بالاتجاه الكلاسيكي أو التقليدي فيما قدَّموه لنا من شعر، فهل أضافوا من خلاله شيئاً لتطوير القصيدة العربية؟. في تصوري .. إنَّ السمةَ الطاغيةَ على شعراء هذا الاتجاه هي محاكاة القصيدة العربية القديمة في شكلها وموضوعاتها إلا استثناءات قليلة حاولت أن تتمثَّل القضايا الكبرى في ذلك العصر .. فلغة القصيدة لم تتخلص تماماً من المعجم الشعري القديم ألفاظاً وأسلوباً، والأغراض الشِّعرية بقيت كما هي إلا قليلاً .. إضافة إلى الإكثار من الشعر المناسباتي والمعارضات الشعرية. هل نستطيع القول بأن مفهوم الشِّعر لديهم، لم يتغير عن مفهوم ابن قدامة الذي حدده في: الكلام الموزون المقفَّى الذي يدل على معنى وحسب، أو عن مفهوم حازم القرطاجني بأنه: كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبِّب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكرِّه إليها ما قصد تكريهه لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه؟. سأنتقي نموذجين من هؤلاء الشعراء الكلاسيكيين الحديثين، الأول بدوي الجبل وهو من القلائل الذين انتبهوا لمفهوم الشعر في ذلك الوقت، فحينما سئل عن تعريف الشعر أجاب: أما الشِّعر فلا تعريف له، وكل تعريفٍ للشعر جرأةٌ على تفرُّدِهِ وتميُّزه... والشِّعرُ عندي نوع من النبوَّة. إنه خيالٌ، ونغمٌ، وضوءٌ، وصورٌ. ولكنَّه فوق ذلك شيءٌ أَشملُ وأدقُّ ولا يمكن التعبيرُ عن هذا الشيءِ مطلقاً. وعندما أشبِّهُهُ بالنبوَّة، والنبوَّة إلهامٌ وغيبيَّةٌ أكاد أحسُّ أنني عبرتُ ـ تعبيراً ناقصاً ـ عن هذا الشيء في الشِّعر.. أعتقد أن الوزن في الشعر العربي قطعة لا تتجزأ منه وكل عبث بالأوزان هو عبث بالشعر وعبقريته وإلهامه. (أسئلة الشعر ـ منير العكش ص 205، 206). مع أن بدوي الجبل كان يتبرَّم من الوزن الشعري في قوله: أنا أبكي لكل قيدٍ، وأبكي لقريـضي تغلُّهُ الأوزانُوتملَّص من هذا الاعتراف بقوله: الشاعر غير مقيد بكل ما يقوله، فقد تمر به خاطرة عابرة، وقد تمر به خاطرة يمليها جو القصيدة. (المصدر نفسه ص 205). أمَّا النموذج الثاني فهو الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي الذي يقفز بتعريف الشعر، فيقول: (ولا أرى للشعر قواعدَ بل هو فوق القواعد، حرٌّ لا يتقيَّد بالسلاسل والأغلال. وهو أشبه بالأحياء في أتّباعه سنة النشوء والارتقاء. يتجدَّد- وأحرِ به أن يتجدَّد- بحسب الزمان، ويرتقي من الأدنى إلى الأعلى ومن البسيط إلى المركب). الديوان النثري لديوان الشعر العربي الحديث (مقدمات، مقالات، بيانات) - جمع وتقديم : د. منيف موسى/ منشورات المكتبة العصرية - صيدا - بيروت - ط أ 1981 (عن) مقدمة (ديوان الزهاوي). ولكن حينما نتأمل تجربة الزهاوي الشعرية نرى مسألة أن الشعر فوق القواعد نسبية إلى حد ما، فهو مازال متقيداً بالشكل الشعر القديم الذي سمَّاه سلاسل وأغلالاً. وخلاصة القول في حركة الإحياء حول ما أضافوه إلى القصيدة العربية، نقول: إنهم أعادوا للشعر خَلقَه بروح حديثة وأضفوا عليه نكهةً عصريةً، إلا أنَّهم لم يشتغلوا كثيراً على تطوير لغة القصيدة أو الصورة الشعرية إلا ما ندر. الاتجاه الثاني الذي ظهر في بداية القرن الرابع الهجري عرف بمدرسة الديوان، حيث نشر العقاد والمازني معاً كتاباً سمَّياه: "الديوان"، في نقد مدرسة الإحياء وتحديداً نقد شعر حافظ وشوقي .. إن أبرز ما تنبَّه إليه أصحاب هذه المدرسة لإنقاذ القصيدة العربية من التَّشتُّت والضَّياع هو مسألة الوحدة العضوية، فهم يرفضون ذلك التقسيم التقليدي للقصيدة العربية التي يبسط فيها الشاعر موضوعات شتى لا يجمعها إلا النَّظم. لقد نهض أصحاب مدرسة الديوان بالقصيدة العربية، بمفهوم واسع يُعنى هذا المفهوم بغاية الشعر، فهو (مذهب إنساني مصري عربي: إنساني لأنه من ناحية يترجم عن طبع الإنسان خالصاً من تقليد الصناعة المشوَّهة، ولأنه من ناحية أخرى ثمرة لقاح القرائح الإنسانية عامة، ومظهر الوجدان المشترك بين النفوس قاطبة. ومصري لأن دعاته مصريون تؤثر فيهم الحياة المصرية، وعربي لأن لغته العربية). الديوان للعقاد والمازني، ج1، ص4، الطبعة4، دار الشعب 1417هـ، 1997م. أمَّا عن بقية ما أضافته مدرسة الديوان للقصيدة العربية نوجزها في الآتي: 1- دعوتهم إلى الشعر المرسل، فالشاعر عبدالرحمن شكري حاول استخدام هذا الشكل ليخلص القصيدة العربية من عبء القافية وسلطتها. 2- ضخ دماء جديدة في القصيدة العربية، وذلك بالاستفادة من الأدب الغربي وبخاصة الأدب الإنجليزي. 3- الاشتغال بالحالة النفسية للشاعر، حيث استعانوا بمدرسة التحليل النفسي في تطوير التجربة الشعورية وتخليصها من الانفعالات الفارغة، والادعاءات الزائفة. ويظهر اتجاه ثالث يأخذ المذهب الرومانسي شعاراً له، وبإمكاننا تقسيم هذا الاتجاه إلى طورين: مدرسة أبولو التي أسسها أحمد زكي أبو شادي، ومدرسة المهجر . لقد ظهرت شعارات نستجلي منها نظرة أصحاب مدرسة أبولو إلى مفهوم الشعر، من ذلك: (الشاعر روحاني النَّبع فإذا غالب الدوافع الخارجية المادية وغيرها واطمأنت نفسه إلى الاستمتاع بآثار وجدانه، وجعل ذلك المحل الأول من غبطته، لم يبالِ بعد ذلك بنظرة الجمهور إلى شعره .. ليكن مذهبنا الخالد أن الشعر للشعر، وبعد ذلك ليكن الباعث الشعريُّ للشاعر على طبع آثاره هو مجرَّد حنينه إلى الاندماج في الإنسانية ..). مجلة أبولو ج1، ع10، ص1094 ـ 1933م. كانت مدرسة أبولو مهادنة فقد استمدَّت مبادئها من الإحياء والديوان، ولم تكن ثائرة كمدرسة الديوان، فلعل الحالة الرومانسية أطفأت فيهم شعلة الثورة، لذا لم يتطور مفهوم القصيدة لديهم، فهو شعر غنائيٌ وجداني حالم، كما هو الحال في كثير من قصائد إبراهيم ناجي أو أبو القاسم الشابي. إن حركة أبولو في وجهة نظري كانت إضافتها للقصيدة العربية قليلة جداً، حيث يؤخذ عليها التهويم الرومانسي الذي يستسلم إلى لغة متناهية في الرقة والعذوبة والخدر، وهي من جانب آخر لم تكن رومانسية بامتياز فمذهب الشعر للشعر يذكرنا بالاتجاه البرناسي الغربي. أمَّا عن شعراء مدرسة المهجر وعلى رأسهم إيليا أبو ماضي ونسيب عريضة وميخائيل نعيمة فقد استلهموا المذهب الرومانسي الغربي في شعرهم وطوَّروه عبر التأملات الفكرية، والواقعية في التعبير عن الحياة، والدخول في أسرار الطبيعة، وأدل مثال على ذلك قصيدة الطلاسم لإيليا الشهيرة بـ(لستُ أدري): أتراني قبلما أصبحت إنساناً سويَّا أتراني كنتُ محواً، أم تراني كنتُ شيَّا ألهذا اللُّغزِ حلٌّ، أم سيبقى أبديَّا لستُ أدري ... ولماذا لستُ أدري؟ لستُ أدري إن مفهوم شعراء المهجر للقصيدة العربية يتجلى أكثر في الحرية (حرية الفكر والتعبير والعاطفة)، لذا فقد تحرَّروا بشكل كبير فيما يتعلق باللغة والصياغة والأوزان، فعلى يدهم ظهر ما يعرف بـ (الشعر المنثور). لقد كانت إضافتهم كبيرة حيث انطلقوا من الذات إلى الطبيعة، فهي رومانسية تقوم على الخيال الذي يبدأ من حدث واقعي ثمَّ يجنِّح به، لا الوهم الذي يزرع شجرةً في الهواء. فكأن شعراء المهجر آمنوا بتعريف الجاحظ للشعر بأنه: ضربٌ من التصوير، فطوَّروه عملياً. ظهرت بعد ذلك اتجاهات عديدة في الأقطار العربية، وحاول بعض الشعراء كسر الإيقاع الموزون والتحرر من القافية وهو ما عرف بالشعر الحر أو ما يُسمَّى بشعر التفعيلة وكانت البوادر على يد نازك الملائكة والسيَّاب، ولست هنا بصدد من كان له السِّبق. كان شعر التفعيلة آنذاك فتحاً كبيراً للقصيدة العربية، حيث أطلق العنان للشعور بالتدفق، وانتصر للمعنى الذي يريده الشاعر دون أن تجبره القافية، أو امتداد البيت بالشكل السابق على إضافة قد تصيب القصيدة بالتَّرهل اللفظي والمعنوي، أو تشوِّه اللحظة الشعرية. بعد ذلك ظهرت اتجاهات أخرى أبرزها حركة مجلة شعر (1957م ـ 1964م)، التي نظَّرت كثيراً لشعر الحداثة وبشَّرت به، ودعت إلى القصيدة النثريَّة، فأحدثت جدلاً طويلاً لم ينته حتى يومنا هذا .. كان من أبرز منظريها أدونيس ويوسف الخال، لن أدخل في تفاصيل الحركة، فما يهمني هو استجلاء مفهوم الشعر، ومتابعة ما أضافته هذه الحركة إلى القصيدة العربية. فالشعر الجديد عند أدونيس مثلاً يعرِّفه بأنه: رؤيا والرؤيا بطبيعتها قفزة خارج المفهومات السائدة. (زمن الشعر ص 9)، ويتَّفق الشاعر علي جعفر العلاق مع هذا المفهوم حين يشرحه بقوله: الرؤيا الشعرية .. رديف الحلم، والنظر الصوفي، والامتزاج بالكون، والتوحد بأشيائه. إنها تغير "في نظام الأشياء وفي نظام النظر إليها" وهذا النظام المختلف، وفي النظر إلى الأشياء، يعمق صلة الشاعر بتجربته، ويرصّن رابطته بالكون، والحياة والأشياء، فيجعل من هذه الصلة، لا نقاط تماس مجرَّدة، بل انصهاراً حاراً، واندماجاً في تيار، جارف، شديد الفرادة.(في حداثة النص الشعري ص 17). من محاضرة ليوسف الخال نستطيع أن نلخِّص ما نبَّهت إليه مجلة شعر في تطوير القصيدة العربية، والتي منها: 1- التعبير عن التجربة الحياتية على حقيقتها كما يعيها الشاعر بجميع كيانه – أي بعقله وقلبه معاً. 2- إبدال التعابير والمفردات القديمة التي استُنزِفت حيويتُها، بتعابير ومفردات جديدة مستمدة من صميم التجربة ومن حياة الشعب. 3- تطويرُ الإيقاع الشعري العربي وصقلُهُ على ضوء المضامين الجديدة، فليس للأوزان التقليدية أيةُ قداسة. 4- الاعتماد في بناء القصيدة على وحدة التجربة والجو العاطفي العام، لا على التتابع العقلي والتسلسل المنطقي. 5- وعي التراث الروحي – العقلي العربي، وفهمه على حقيقته، وإعلان هذه الحقيقة وتقييمها دون خوف أو مسايرة أو تردد. 6- الغوص إلى أعماق التراث الروحي – العقلي الأوروبي وفهمه .. والتفاعل معه. 7- الامتزاج بروح الشعب لا بالطبيعة، فالشعب مورد حياة لا تنضب، أما الطبيعة فحالة آنية زائلة. (أفق الحداثة وحداثة النمط، سامي مهدي ص33، 34 ـ دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1988م). نلمس من خلال ما مضى الواقعية في النظرة إلى ما يجب أن تكون عليه القصيدة العربية كتابةً وموضوعاً، بمعنى الاستفادة من الواقع الإنساني كما هو ومعايشته، والزج بالقصيدة في أمواج هذا الواقع تاريخاً وحاضراً. في الوقت الراهن لم تبرز اتجاهات جديدة، بالصورة التي كان عليها في السابق .. أصبح الشاعر الحديث يتأفف من تصنيفه ضمن إطار أدبي أو مدرسة شعرية، فأصبح لكل شاعر حديث بارز اتجاهُهُ الخاص الذي قد يلتقي ولا يلتقي مع شاعر آخر بارز، فلم يعد للحداثة مفهوم واحد، فلكل تجربة شاعر حديث مفهوم للقصيدة تسير وفقه، فالقصيدة عند نزار قباني هي: استقطاب هموم الجمهور وانفعالاته، والتحسس بها. (أسئلة الشعر ـ منير العكش ص 177). غير أن هذا المفهوم يؤخذ عليه بأنه يسلب من الشاعر ذاته فبدلا من التعبير عن همومه الخاصة والإفصاح عن إرادته المحضة، يكون نائباً عن أصوات الجماهير فيضيع بذلك صوته. بينما نجد شاعراً كبلند الحيدري لا يضع الجمهور في حساباته، فهو يفهم القصيدة بأنها ذات نمو عضوي تتطور من جوانبها كلها مع كل كلمة وصورة جديدة. ( المصدر نفسه ص 175). أما عند الشاعر السعودي محمد العلي فالقصيدة: مفهوم متطور فالشاعر الحديث هو الذي يحاول إيصالك إلى حالة .. الوصول إلى الحالة يتوقف على المستوى المعرفي ومدى التذوق الجمالي. (من محاضرة نمو المفاهيم في النادي الأدبي بالشرقية ـ محمد العلي). بقي لنا أن نجيب على هذا السؤال: هل أسهمت هذه المذاهب أو الاتجاهات في تأزم الشعر وانحساره عن الجماهير، أم أنها أوصلته إلى فتوحات شعرية كبرى؟. لا بدَّ من الاعتراف أوَّلاً بأنَّ حالة التأزم تزداد يوما بعد يوم؛ وانحسار جمهور الشعر وقلَّة متابعيه يكاد يقضي عليه، رغم التَّطوُّر الهائل الَّذي وصل إليه الشعر عبر شعراء مهمِّين في العصر الحديث. فهل معنى ذلك أنَّ المذاهب الشعرية تناست الجمهور فأهملته، على حساب تطوير القصيدة؟. في تصوري .. الجمهور ضحيَّة مناهج دراسيَّة لا تواكب ما وصل إليه الشِّعر الحديث من فتوحات كبرى على مستوى اللُّغة والصُّورة والموسيقا، فالمفهوم السَّائد للشِّعر في مدارسنا وجامعاتنا لم يتعدَّ كونه كلاماً موزوناً مقفَّى يصوِّر العاطفة. فالمناهج الدراسية المتعلقة بالأدب واللغة والنقد تلك التي تلتقي الجماهير بمختلف المراحل التعليمية، لا بدَّ أن تواكب الدِّراسات النَّقديَّة والتَّوجُّهات الشِّعريَّة الحديثة، لكي تُبقي الجمهور متواصلاً ومتفاعلاً مع القصيدة الراهنة، فلا يكون هناك جمهور نخبة للقصيدة الحديثة. وسببٌ ثانٍ يعود إلى دخول ثقافات أخرى سحبت البساط من الشعر، فهناك ثقافة الصورة وثقافة الإعلام وثقافة الإنترنت وتوابعه التي لا تنتهي، ترى لو كان في عصر المتنبي الإعلام المرئي وثورة الإنترنت كالفيس بوك وغيره، هل سيكون المتنبي شاغلَ الناس؟. وسبب ثالث أرجعه إلى ابتلاء الساحة الشعرية بالمتشاعرين الذين نفَّروا الناس من القصيدة إلى أشكال إبداعية أخرى كالرواية والقصة. إذن الشعر الحديث أمام تحدٍ كبير، فكيف السبيل إلى تجاوز هذه الأزمة الكبرى؟. تلك مسألة نتركها للنقاش. وما أجمل أن أختم هنا ببعض اللقطات الشعرية لتعريف القصيدة: - إذا الشِّعرُ لم يهززك عند سماعه فليس حَرِيّاً أن يقال له شعرُ .... (الحطيئة) - الشِّعرُ قفزُ لحظةٍ من الحياةِ في نغمْ ... (غازي القصيبي) - القصيدةُ .. إمَّا قبضتَ على جمرِها وأذبتَ الجوارحَ في خمرِها فهي شهدٌ على حدِّ موسْ ... (محمد الثبيتي) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ · كتبت هذه الورقة استجابة لورشة الإبداع التي عقدتها جائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها الرابعة عشرة 2010م، وكان العنوان العام: (دور المدارس الشعرية في تطور الشعر العربي)، وكُلِّفت بالبحث في محور: مذاهب الشعر العربي الحديث واتجاهاته، حيث تمَّت مناقشة هذه الورقة مع مجموعة من الأدباء العرب الفائزين بالجائزة، بإشراف د. محمد عبدالمطلب. وتمت قراءتها أيضاً في جلسة جمادى الأولى، وها هي تنشر هنا كاملة بعد التنقيح والمراجعة. حسن الربيح
15/5/1432هـ
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|