صيام العشرة وليس صيام عاشوراء !! ــ جابر بن عبدالله الخلف

[منتدى السهلة الأدبي]

سمعاً وطاعة:

صيام العشرة وليس صيام عاشوراء !!

( وَأَنْ تَصُومُوا خيرٌ لَكمْ )

جابر بن عبدالله الخلف

موضوع ( الخيرية ) في القرآن الكريم موضوع جدير بالاهتمام والدرس كما هو موضوع الصيام، وفي القرآن المجيد عشرات الآيات وربما المئات تتحدث عن ( الخيرية ) في العبادة والعمل والتفكير والسلوك، وسوى ذلك من الموضوعات، ومن الآيات التي تتحدث عن (خيرية الصيام هذا المقطع من الآية الشريفة: ( فَمَنْ تَطَوّعَ خَيرًا فهُو خيرٌ لهُ، وأَنْ تَصومُوا خيرٌ لكمْ إِنْ كنتمْ تَعلَمُون ) .

لن أتناول الصيام من الجانب الفقهي، فهو عبادة سامية، وركن من أركان الإسلام، وفي حديث كتاب الله عنه كفاية، وقد أبان حكمته وتشريعه النبي عليه الصلاة والسلام، وأوضح أحكامه الفقهاء في كتب الفقه، وإنما سأتناول الصيام من جانب آخر .

لا أحد يماري في أن الصيامَ هو غاية تربوية للروح والنفس والأعماق، وقد كان شريعة في الأمم السابقة، وهو غاية عالية في تهذيب النفوس، وقد كان المهاتما غاندي يقاوم البغي والطغيان والوحشية بـ( الصيام ) ضد مستعمري بلاده من الإنجليز، وكان من الوداعة والبطولة بحيث يعتبر انتصار الحقيقة بقوة الروح والمحبة، بل كان يقاوم أخطاء أتباعه وأنصاره بـ(الصوم)، وكان يعتبر ذلك من التطهير، ورفع المعنويات والاستبسال، وقد قال مرة: " أنا حُرٌّ، أنا شجاعٌ؛ سأقول الحقيقة دائما "، وقد قالها فعلا !

إذن ( الصيام ) ضربٌ من الأدب المعنوي، والمقاومة، والاحتجاج، وقد وظّف غاندي ( الصيام ) في مقاومة الطغيان، باعتباره شكلا من أشكال الاحتجاج في وجه البغي .

وكان ــ وهذه من غرائبه ــ يُكَفّرُ عن أخطاء أتباعه بـ( الصوم ) عنهم، وذلك بالامتناع عن الطعام أيامًا؛ كي يجددَ من معنوياته ومعنوياتهم، فصار ( الصيام ) سلاحا ناعما في وجه الظلم والقوة الباغية.

لا أعرفُ السببَ الذي يمنعنا ــ نحنُ الشيعةَ ــ من تفعيل ( الصيام ) في أيام عاشوراء باعتباره شعيرة إسلامية حثَّ عليها القرآن الكريم، واعتبرها من ( الخيرية )، وحثَّ عليه رسولنا الكريم، وهو ضرب من الأدب المعنوي، ولونٌ من التّهذيب.. بدلا من ربط أيام عاشوراء بالمبالغة في الأكل والشرب ليلاً ونهارا، والإفراط في موائد الطعام دون مبرر، فإذا كان الإطعام في الأيام الماضية يعد مظهرا من مظاهر التكافل الاجتماعي، وسلوكا اجتماعيا يهدف إلى تعزيز حاجة المجتمع إلى الطعام.. فهل من الضروري أن نستمر على هذه ( العادة ) الاجتماعية، وتحويل أيام عاشوراء إلى مِهْرجان للطعام والإطعام، فلا تطل علينا أيام عاشوراء إلا ويتزامنُ عَطاءُِ الذكرى مع ( ذِكْرَى الطّعام )، فمن سفرة مكللة باللحم هنا، إلى وليمة محفوفة بـ ( شَحْمٍ كهُدّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتّلِ ) هناك، إلى مأدبة موفورة بالأطايب
هنالك !! وكما قال الشاعر: (كلُّ الطَّعامِ تشتهي ربيعهْ ... ) !!

لماذا تبذل كل تلك الملايين في الأكل والشرب، وإقامة الولائم، وشراء الذبائح التي يصل أسعارها إلى أرقام خيالية، وكأن المناسبة فرصةٌ ذهبية لتجار الأنعام من الإبل والبقر والأغنام، وكأن ثورة الإمام
الحسين (ع)، ستخلو من العطاء والفائدة إذا خلت من ( ثورة الطعام )، لماذا لا يتم ترشيد الإنفاق بشكل أفضل بحيث يقدم الطعام لمن هم بحاجة إليه فعلا على الأقل، وإنفاق تلك الأموال الطائلة في وجوه أكثر (خيرية)، وأجدى نفعا وفائدة ؟!!

ليس من الضروري كل هذه البرتوكولات الاجتماعية، والإصرار على هذه العادات والتقاليد السنوية، والناس ــ ولله الحمد ــ في خيرٍ ونعمةٍ هذه الأيام، والبيوت متوفرة على المأكل والمشرب، فحبذا إنفاق الأموال في جوانب أكثر إلحاحا، وأعظم فائدة !!

يا ترى كم سينفق من الأموال خلال هذه الأيام العشرة في الأكل والشرب مع توفره، وكم هي المشاريع التنموية التي نحن في أمس الحاجة إليها ؟؟

إنها مفارقة استعصت على فهمي البسيط، ولا أقول السقيم ؟؟!!

هذه مجردُ خَطَراتٍ تأملية تستحق الدرس والتمحيص على ما أظن، وهي ليست قانونا اجتماعيا، وليس لها أن تكون كذلك إلا بإرادة اجتماعية، وسنن المجتمع قابلة للتغيير ولو بعد حين !!

 

 

[القابض على الجمر]

س/ هذي الزيادة مع غلاء المعيشة ولا كيف ؟؟ بصراحة تاملك راقي ورائع ومنها الناس ماتدفع ....