العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 10-01-2011, 08:46 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي السيد فضل الله في طريق الإصلاح ـ حسن مبارك الربيح

السيد فضل الله في طريق الإصلاح




الإصلاح في اللغة مأخوذ من الفعل أصلح، وهو يختلف عن الصَّلاح في المعنى، فالصَّلاح أن يكون الشَّيء سالماً من الفساد والخلل، أمَّا الإِصلاح فهو واقع على الشيء بمعنى أن يدخل فساد ما، أو خلل ما في هذا الشيء، فيأتيه الإصلاح ليعيده إلى الطريق المستقيم، فالإصلاح بهذا المعنى يتطلب وعياً كاملاً بجوانب الحياة، يفرِّق بين ما هو فاسد وصالح، ويتطلَّب جرأة في النقد، وتضحية في محاربة الفساد بكل أشكاله، وذلك من أجل نصرة الحق، وإعادة الأمور على الوجه الصحيح الخالي من التَّغضُّنات التي تفقده نضارته وجماله.

لذا فقد كانت دعوة الإصلاح متجلية في سيرة الأنبياء والرسل والأئمة، قال الله تعالى على لسان أحد الأنبياء (ع): (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) [هود:88]، وقال الإمام الحسين (ع): (إِنِّي لم أَخرجْ أَشِراً ولا بَطِراً، ولا ظالماً ولا مُفسِداً ولكنْ خرجتُ لطلب الإِصلاحِ في أمَّة جدِّي).

إن أهم شرط في المصلح أن يكون متداخلاً في المجتمع يعيش معهم يستشعر عن قرب همومهم وما يشغَل بالهم، فيمتلك بذلك مفاتيح الإصلاح، وهذا ما كان في مسيرة السيد حيث تجربة الندوات الجماهيرية التي امتدت إلى خمسين سنة، وقد جاءت هذه الندوات ـ كما يقول السيد ـ : (انطلاقاً من إيماني بالحاجة إلى استنطاق الناس في كل القضايا المثيرة للاهتمام والسؤال عندهم، سواءً أكان ذلك متصلاً بالقضايا الفكرية العامة أو الإسلامية في مجال العقيدة والشريعة أو بالقضايا السياسية والاجتماعية أو العاطفية، ممَّا قد لا يجدون متنفَّساً ثقافياً للتعرف عليه، الأمر الذي تمثلُ فيه الندوات سداً للفراغ الهائل الذي يعيشه هؤلاء الناس. وقد رأيت أن هذه التجربة قد حققت نتائج إيجابية كبيرة في تجربتي الثقافية الإسلامية لأنني استطعتُ أن أطلع منها على الخلفيات الفكرية والسياسية والاجتماعية والنفسية للمجتمع الذي أعيش فيه وأتحدث معه بحيث يتحول ذلك عندي إلى غنى في الجانب النظري والتطبيقي في عملي الإسلامي، كما أنها استطاعت أن تحقق التفاعل بيني وبين الناس، وتوحي إليه بأن الموقع الإسلامي يحمل في اهتماماته الاهتمام الكبير بالقاعدة الشعبية بمختلف فئاتها ليطل عليها من مواقعها العادية، لا من برج عاجي ثقافي أو اجتماعي ... ) الندوة ج1/ ص 7.

وعلى هذا الأساس يغلب على مسائله الفقهية التيسير والتسهيل ـ ولا أقول التساهل كما يحلو لمنتقديه ـ، ففكرة التيسير نابعة من معايشته للمجتمع وتلمُّس معاناتهم على أرض الواقع، ولمَّا كان الإصلاح المركزَ الذي يدور حوله السيد كانت أغلب قضاياه المطروحة على الساحة تأخذ منحى النقد والمراجعة والتغيير، فمن الشواهد التي تمر بنا في مسيرته الإِصلاحيَّة:
1- الدعوة إلى المرجعية ـ المؤسسة بدلاً من مرجعية الفرد التي يلخصها السيد في التالي: (ينطلق المرجع عندما يريد أن يعطي تصريحاً في مسألة سياسية أو في قضية اجتماعية أو في مسألة من مسائل العالم، من دراسة جاهزة من خلال هذه المؤسسة أو تلك، حتى إذا أراد أن يستنبط حكماً شرعياً تهيِّئ له الدراسات التي قد لا يستطيع أن يحيط بها بجهده الخاص إلا بعد أن يعطل الكثير من عمله) الندوة ج1/ ص 493.

إذن هو يبدأ بالإصلاح من رأس الهرم، وهو بذلك ينقد الوضع السابق التي كانت عليه المرجعية، (فلقد ذهب السيد أبو الحسن الأصفهاني "رض" ولم يستفد من تراثه المرجع الذي جاء من بعده حتى ولا من رسالة واحدة أرسلت إليه. ورحل السيد محسن الحكيم "رض" ولم يستفد أي مرجع بعده من أية نشاطات قام بها. وهكذا فإن كل حياة المرجع في رسائله وعلاقاته ونشاطاته يرثها أبناؤه. إننا نقول، عندما يبدأ كل مرجع من نقطة الصفر فهذا خلل، ولو كانت هناك مؤسسة للمرجعية بحيث لها أجهزة تحتفظ بكل رسائل المرجع وكل علاقاته في تقاريره وبكل نشاطاته وبكل أبحاثه وبكل حواراته، فمعنى ذلك أن المرجع الجديد حينما يأتي فإنه يبدأ من حيث انتهى المرجع السابق) الندوة ج1/ ص 494.

وفي نظرة نقدية أخرى حول الاحتياطات الكثيرة في الفقه وبخاصة في العصور المتأخرة يرجع السيد الأسباب إلى: (عدم إحساس الفقيه بالمسؤولية عن المكلَّفين في حركته الاجتهادية، واستغراقه في مسؤوليته عن نفسه حتى في المورد الذي يملك فيه الحجة، فيتعامل مع الفتاوى التي يصدرها للمكلفين كما يتعامل مع احتياطاته الذاتية، في الوقت الذي قد يكون الاحتياط في هذا المورد موقعاً للمكلَّف في العسر والحرج الذي قد يؤدي إلى صعوبة امتثال التكليف، وبالتالي تعقيده من الشرع بالذات.. إن الاحتياطات قد أدخلت الكثير من الأحكام غير التحريمية في ذهنية المكلفين إلى أحكام تحريمية باعتبار أنها كذلك من حيث النتيجة، الأمر الذي أعطى للإسلام صورةً أخرى ـ حسب النظرة العامة ـ من الناحية السلبية ممَّا أوجب الابتعاد عن الإسلام). ويضع السيد حلاً لهذه الإشكالية في دائرتين: (الأولى: أن الورع والتقوى يمثلان العنوانين الخاضعين لقيام الحجة لدى الإنسان على أي أمر من الأمور، فيكون اتباعه له مصداقا لهذين العنوانين؛ لأنه يحرز الجدال عن نفسه في هذا المورد أمام الله؛ لأنه ليس مكلفاً بالواقع في بعده العميق بعيداً عن مصادر الاجتهاد الموثوقة.
الثانية: أن يبتعد عن مواقع المرجعية في الفتوى لتكون احتياطاته له، فلا يفرضها على الناس ليربك حياتهم ويعقد أمورهم من دون قاعدة علمية.
إننا لا ننكر الحاجة إلى الاحتياط في موارد التباس مفهوم الدليل وعدم الوصول إلى الحجة من دون أي أساس للوضوح الذي تنطلق الفتوى منه، ولكن لابد من الاقتصار على ذلك والانفتاح على الفتوى الحاسمة في الموارد الورعية والتقوائية التي لا تستند إلى حجة) مقاصد الشريعة ـ عبدالجبار الرفاعي ص 61، 62.
والجدير بالذكر أن الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسن الأمين والشيخ عبدالهادي الفضلي يتفقون حول مشكلة الاحتياطات ويقترحون حلولا متشابهة إلى حد ما في الكتاب نفسه.

2- سعيه في تحقيق الوحدة الإسلامية، وهذا السعيُ ليس بجديد في الخط الإسلامي، فمن الذين يشهد لهم في هذا المجال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد موسى الصدر والشيخ محمد الغزالي والشيخ عبدالله العلايلي والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والسيد سار على هذا النهج، حتى أنه رفض الانضمام إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان بسبب اقتصاره على طائفة إسلامية، وكأنه يريد أن يكون مجلساً يضم جميع الطوائف الإسلامية في لبنان. وله محاضرات وندوات وحوارات كثيرة تناولت مسألة الوحدة الإسلامية كقوَّة تقف أمام التحديات الراهنة وتواجه ما يحشِّده الاستكبار العالمي لإضعاف المسلمين في كل مكان. أمَّا على المستوى الحركي، فله حضور بارز في المؤتمرات الإسلامية واللقاءات المكثفة التي تصب اهتماماتها في التمسك بالخطوط العامة لمفاهيم الإسلام، وتجاوز التفاصيل الصغيرة في سبيل الحفاظ على البيت الإسلامي الكبير. (للاطلاع أكثر حول مسألة الوحدة يراجع كتاب: أحاديث في قضايا الاختلاف والوحدة من إعداد نجيب نور الدين الصادر عن دار الملاك 1421هـ).

3- تبنيه منهج الانفتاح على الآخر سواء كان هذا الآخر بالمفهوم الضيق أو بالمفهوم الواسع، لذا نجد بعض العبارات التي تعبِّر عن هذا المنهج جاءت كشعار يضعها السيد في تفاعله مع الآخر، من قبيل: «لا مقدسات في الحوار»، «ليس هناك سؤال تافه وليس هناك سؤال محرج»، «الحقيقة بنت الحوار»، وأظن أن رأيه في طهارة الإنسان بما في ذلك الكتابي وغيره مرده إلى الانفتاح الذي امتاز به فكر السيد.

4- تبني الرأي العلمي الفلكي في إثبات الهلال وبذلك يضع السيد حلاً لا يقبل التأويل والاختلاف في مسألة إثبات الهلال، وهو رأي لو تم الاقتناع به لتوحَّد المسلمون في أوقات صيامهم وأعيادهم وحجهم؛ كونه رأياً يستند إلى حقيقة علمية لا تقبل النِّزاع.

5- نقد بعض الممارسات الموروثة في الطائفة وهو ما يعرف بـ(نقد الذات) كالتطبير وغالبية ما جاء في كتاب مفاتيح الجنان من روايات ضعيفة ومرسلة كزيارة عاشوراء، ففي حديث الكساء على سبيل المثال، يقول السيد في إحدى إجاباته: (حديث الكساء متواتر عند السنة والشيعة... أما رواية القمي في مفاتيح الجنان فقد ثار حولها جدل بين العلماء لجهة أنها من روايات صاحب كتاب عوالم العوالم، وفي الكتاب والمؤلف كلام) الندوة ج2/ص 588.
ويناقش رواية تُتَناقل من الخطباء عن الزهراء بأفضلية المرأة التي لا ترى الأجنبي ولا يراها الأجنبي، حيث يقول: (يقول السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ بأن هذه الرواية ضعيفة وأنها رواية مرسلة فهي ضعيفة السند .. ) الندوة ج2/ ص 411.

بالإضافة إلى نقده لبعض الروايات التاريخية كالرواية التي تنقل الاعتداء على الزهراء (ع) في بيتها بعد وفاة النبي (ص)، وملخصها حسب تسجيل صوتي للسيد: (أن الحادثة تاريخية وليس لها ارتباط بالعقيدة، وما يراه حول هذه الحادثة مجرد تساؤلات وليس نفياً أو إثباتاً للقضية، فالسيد يشكك في الحادثة بهذه التساؤلات من قبيل أن الاعتداء على الزوجة بالضرب لا يمكن السكوت عنه، بل لا بد من التحرك للدفاع، ففي حال السكوت ماذا سيقال عن الزوج؟ هل يقال عنه بأنه بطل أم جبان؟، فهل يمكن للإمام علي ـ عليه السلام ـ مدوخ الأبطال أن يترك الجماعة يهجمون على الزهراء بهذا الشكل وهو جالس ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؟!.. وفي البيت أيضاً العباس والزبير، فكيف يسمعون صراخ الزهراء وهم يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله .. لماذا الزهراء ـ المخدرة التي لا تقابل أحداً ـ هي التي تفتح الباب وفي البيت الإمام علي والعباس والزبير وخادمتها فضة؟.. وإذا كان هناك تمسك بالوصية فالإمام علي أوصي بأن لا يحدث معركة ضد الخلافة ولم تكن الوصية في أنه لا يدافع عن زوجته .. فمثل هذه الاستفهامات إذا كنا لا نقبلها على زوجاتنا فكيف نقبلها للإمام علي ـ عليه السلام ـ ؟.. مؤكِّداً في النهاية بأنه ليس لديه حجة قاطعة بأن هذه الحادثة لم تقع).

من المعروف أن طريق الإصلاح يتطلب من سالكيه الصبر والثبات، فهناك الكثير من العقبات المتمثلة في الوحوش البشرية، وقد عانى السيد منها آلاماً نفسية كبرى لم تزده إلا ثباتاً على المبدأ، وقد تناسى هذه الآلام بقلب سكب محبته للجميع، فمن هذه العقبات الأليمة نذكر:

1- محاربته إعلامياً ورميه بشتى الدعاوى التشويهية، فقديماً رمي الحسين بأنه خارجي، وها هو السيد يلقى هذه التهمة ولكن بتغيير في العبارات فقد قيل عنه بأنه ضال مضل و يعبر عن كتبه بأنها كتب ضلال وانحرافات، (من طغمة لا يفهمون ما قاله، بل لم يفهموا مقاصد الشريعة نفسها) ـ على حد تعبير محمَّد العلي ـ.

2- محاربته جسداً أو التضييق عليه، وقد تعرض السيد لأكثر من محاولة اغتيال.

3- التصيد وتتبع الزلات الصغيرة، أو التلاعب في آرائه بقصها من السياق والتهويل حولها؛ لإبعاد الناس عنه وتضعيف صوته.

يخلد المصلح للراحة، لكنَّ طريق الإصلاح لن يخلو من سالكيه، فالأمل متحرِّك ببعض الرموز الإسلامية التي تسعى جاهدة في محاربة الفساد بكل أشكاله، وتنظيف البيت الإسلامي من وسخ الخرافات وعفن الموروثات الباطلة التي أخذت في الانتشار فأصبحت مألوفةً تطلُّ علينا من منبر وتلاقينا في منبر آخر، وخلفها الحقيقة تئنُّ من طول الغربة وقلة الزائرين.
رحمك أيها السيد الجليل.. رحمك الله أيها العبد المصلح.. سأظل أردِّد معك تلك الأمنية التي أردتها أن تكون ختاماً لمسيرتك.. تحضن ظمأك لليقين المطلق:

يَا غُيُوبَ الأَسرارِ، نامَتْ بعَينَيَّ الدَّياجِي، وَغَابَ عنِّي رِفَاقِي


كَيفَ أَرنُو إِلى الشُّرُوقِ، وَقَدْ عاشَتْ غُيُومُ الحَيَاةِ في أَعماقِي؟


أَنا ـ يَا رَبِّ ـ ظَامِئٌ، يَركُضُ اليَنبُوعُ في رُوحِهِ، وَأَنتَ السَّاقِي


حسن مبارك الربيح
رجب 1431هـ

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 06:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد