01-04-2010, 12:25 AM | رقم المشاركة : 1 |
منتدى السهلة الأدبي
|
حينما يصبحُ الخرافي نقيضًا للثقافي ؟! ــ جابر بن عبدالله الخلف
مفاعلتن مفاعلتن فعولن... حديثُ خرافةٍ يا أمَّ عمرو !! جابر بن عبدالله الخلف ورد في الأدبيات العربية بأن رجلا من بني عذرة يقال له (خرافة) قد اختطفته الجن ثم رجع إلى قومه فكان يحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها الناس فكذبوه فجرى الاسم على ألسن الناس . الخُرافةُ في اللغة: الحديثُ الـمُسْتَمْلَحُ الكذوب. أما مفهوم الخرافة: ــ حسب الموسوعة الحرة ــ فهو: الاعتقاد، أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي، أو منطقي مبني على العلم والمعرفة، وترتبط الخرافات بفلكلور الشعوب، حيث إن الخرافة عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال. كنت أظن بأن الخرافة ممارسة جاهلية بامتياز، وكنت أظن بأن الإسلام بقوانينه الحكيمة، ومنطقه القويم قد اقتلع جذورها بالمنطق القرآني، والعقل المتبصر اليقظ، ولكن ــ مع الأسف ــ لم يزل الخطاب الخرافي خطابا فاعلا حتى في عصرنا المعاصر تدعمه منظومة من المنامات والخيالات والحكايات والخزعبلات والترهات والأباطيل والأقاصيص المسموعة والمقروءة والمرئية.
|
01-04-2010, 12:28 AM | رقم المشاركة : 2 |
منتدى السهلة الأدبي
|
رد: حينما يصبحُ الخرافي نقيضًا للثقافي ؟! ــ جابر بن عبدالله الخلف
(1) ماذا يعني انتشار الخطاب الخرافي عبر الأقنية الإعلامية في عصر الفاءات الثلاثة ( الفضاء والفلك والفكر ) ؟! هل الخرافي دائما هو نقيض للثقافي، أم أن الأول يكون جزءا من الثاني أحيانا، والعكس صحيح .. أسئلة مهمة تحتاج إلى مزيد من التأمل والدرس .. !! (2) بداية لا أود الدخول في الفروق اللغوية والفكرية بين مفهوم الخرافة والأسطورة، فهذا الأمر ــ على أهميته القصوى ــ متشعب المداخل .. مختلف الرؤى .. متعدد المخارج، ويمكن الرجوع في ذلك إلى الموسوعات العلمية المتخصصة، ومنها: المعجم الفلسفي لجميل صليبا، ولكن سأكتفي بالطرح المبسط متخذا من هذه المقالة مدخلا لاستثارة الأسئلة، ومحاولة الإجابة عن بعضها، تاركا الباب مفتوحا للتعقيب والنقد والأخذ والعطاء والجدل المعرفي. (3) لفت نظري في أكثر من موقع مع إصرار مبالغ فيه بالاهتمام برواية المنامات، وسرد القصص الديني الذي يدور حول المغيبات، وإثبات الفضائل، وتكثير الكرامات حول بعض الأشخاص، والزيارات والأمكنة والأزمنة، والأدعية، ما دفعني لتناول هذا الموضوع الذي أرجو أن يثير أسئلة أكثر من أن يقدم إجابات .. فالسؤالُ اليقظ المستنير خيرٌ ألفَ مرةٍ من الإجابة العرجاء، والمعرفة هي سؤال حي لا إجابة ميتة !! (4) من خصائص الخطاب الخرافي تزييف الوعي، وتحييد العقل، والانشغال بسرد القصص الديني المرتبط بالفلكور الشعبي، ولذا هو ينجح بسهولة ويسر في أي مجتمع يتشكل خطابه الديني والثقافي بالقصص العجيبة، وتمتلئ فراغاته بالقص والحكي الذي يفرزهما المخيال الشعبوي والديني على حد سواء ؟! بعض الباحثين يرجع السبب في سيادة الخطاب الخرافي إلى تغييب الخطاب الفلسفي، وأرجعه آخرُ إلى انتشار ثقافة المشافهة والارتجال، بدلا من ثقافة النقد والسؤال ! وتختلف الأسباب، ولكن يبقى الخطاب الخرافي متسيدا القمة، والمعرفة العلمية تلوذ بالسفح .. أو تكاد !! (5) الأستاذ محمد العلي في مقالة له بعنوان ( الأسهل ) رأى بأن كل إنسان يشعر بأنه في أزمة يلوذ بجسرين للخروج منها: ( الأول: أن يخرج منها على جسر العلم. الثاني: أو يخرج منها على جسر الخرافة. أيهما الأسهل على الفكر والأعصاب ؟ لاشك إنه جسر الخرافة ــ لماذا ؟ لأن الخرافة تريح من التفكير في ( السببية ) إنها تلغيها، وبذلك تريح من عناء الإجابة عن السؤال: لماذا ؟ وهي تلغي الزمن، فلا معنى في رحبها للسؤال: متى ؟ كذلك تلغي المكان، فلا معنى عندها للسؤال: أين ؟ الخرافة جسر مريح؛ لأنه هو الذي يمشي لا أنت، تماما مثل جسور المطارات. لهذا السبب أصبحت الخرافة أشد سيطرة على السلوك الذهني لدى سائر المجتمعات من العقل، ما عدا تلك المجتمعات التي تجاوزت مرحلة الخرافة ). ولذا بسبب اختيار الأسهل لجأ الكثير من الناس إلى تصديق كل ما يتعلق بالمنامات والتخيلات، فكل ما تحتاجه كي تشعَّ من حولك هالة من الأنوار هو أن ترى مناما، أو تروي حلما، أو تنقل خبرا خارقا للقوانين الطبيعية، والسنن الكونية مشفوعا بأن المنام أو الحلم أو الخبر الخارق يرتبط بفضل ( زيارة ) ما، أو ملفوفا بخوارق العادات، أو محاطا بأسرار ماورائية لا مرئية .. فطالما العقل في بيات شتوي، والوعي في عطلة صيفية، والتساؤل في بيداء الوهم .. فلا بأس بسرد المنامات، وحشد الغيبيات الغرائبية في مدونة واحدة، وتقديمها للجمهور المتعطش لإرواء غلته الصادية من الأخبار الخارقة، والأقاصيص الخرافية، فينبوع المنامات لا ينضب، والأسرار الماورائية جديرة بأن تشكل وعي الإنسان في عصر ( المادية ) البغيض، والمشغول عن عالم الأسرار بالركض وراء الحس ! (6) ولا ينبغي نفي وجود الخرافة من أي مجتمع، فهي :" ترتبط بفلكلور الشعوب، حيث إن الخرافة عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال "، وهي داخلة في التراث الثقافي لأي أمة، وتعبر أحيانا عن جانب خفي من حياة الشعوب، ولكن لا ينبغي أيضا أن تغدو شريعة أو دينا أو عقيدة يستشفى بها لما في الصدور، ولا ينبغي أن تكون ممارسة يتمثلها الخطاب الديني كتعويذة من الشرور، وأيقونة تجلب السعادة، وتطرد الشقاء . (7) كان مشروع ( إخوان الصفا ) قبل ألف سنة هو تنقية الشريعة من الجهالات، لا أدري ما هو موقفهم من عصرنا حينما أصبحت الشريعة على أيدي ذوي المنامات، وأصحاب الخيالات ( شريعة ) للجهالات والمنامات والتخيلات، والويل ثم الويل لمن يتساءل، أو يدقق النظر، أو يتشكك فهو إلى جهنم وبئس المصير !؟ لم تفلح دعوة السيد هبة الدين الشهرستاني ت (1386هـ /1967م) العلماء إلى التصدي، وتحمل المسؤولية في نقد الخرافات، فقد قال بصراحة صريحة في الأربعينات من القرن الماضي في مجلته ( العلم ) في مقالة بعنوان: ( علماؤنا والتجاهر بالحق ) جاء فيها ما نصه: ( وأما في القرون الأخيرة، فالسيطرة أضحت للرأي العام على رأي الأعلام، فصار العالم والفقيه يتكلم من خوفه بين الطلاب غير ما يتلطف به بين العوام وبالعكس، ويختار في كتبه الاستدلالية غير ما يفتي به في الرسائل العملية، ويستعمل في بيان الفتوى فنونًا من السياسة والمجاملة خوفًا من هياج العوام (...) لكن هذه الحالة تهدد الدين بانقراض معالمه، واضمحلال أصوله، لأن جهّال الأمم يميلون، من قلة علمهم، ونقص استعدادهم، وضعف طبعهم، إلى الخرافات وبدع الأقوام والمنكرات، فإذا سكت العلماء ولم يزجروهم، أو ساعدوهم على مشتهياتهم، غلبت زوائد الدين على أصوله، وبدعه على حقائقه، حتى يمسيَ ذلك الدينُ شريعةً وثنيةً همجيةً تهزأُ بها الأمم ) . أقول بالرغم أن السيد هبة الدين الشهرستاني قد حمل العلماء مسؤولية نقد الظواهر الخرافية، إلا أنه شن هجوما لاذعا على (الجهال) .. " لأن جهّال الأمم يميلون، من قلة علمهم، ونقص استعدادهم، وضعف طبعهم، إلى الخرافات وبدع الأقوام والمنكرات" إذا كان جهال الأمم من قلة العلم، ونقص الاستعداد، وضعف الطبع يميلون إلى الخرافات والبدع المنكرات، فما بال علماء الدين والخطباء والنخبة المثقفة وغيرهم يرون ذلك ويسمعونه ويشاهدونه ولا يحركون ساكنا أو قلما أو خطبة .. ولكن تبقى الخطب الدينية، والبرامج التلفزيونية، والمواقع الإلكترونية تردد في حمى الغلو الديني ثقافة المنامات، ونسبة ذلك إلى (الدين الإسلامي) ظلما وعدوانا. (8) قد يرى أحدهم ( مناما ) حول وباء الطاعون، وفي المنام رأى بأن ذلك الوباء ( متجسدا في صورة شخص )، ولم ينكشف ذلك الوباء إلا بفضل المداومة على قراءة ( الزيارة الفلانية ) ؟! وقد تروي إحداهن حكاية ما، أو حادثة معينة فلم تكشف الغمة إلا بفضل ذلك الخيال اللامرئي في المنام الفلاني في البلد العلاني ؟! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قد يشفى المريض من السقام برؤية منام، وقد يستنزل الغيث السجام، وقد ترد الأموال المفقودة في سوق الأسهم بمثل هذه المنامات والخيالات التي أصيب المجتمع ــ لكثرة نقلها، وترديد أخبارها ــ بانفلونزا الخطاب الخرافي، وكأننا بطريقة تعاطينا مع الوسائل الإعلامية نبدأ من الصفر .. لا من حيث انتهى الآخرون ؟! (9) إن تغييب العقل النقدي، وثقافة المراجعة في خطابنا الديني والثقافي يوقع المجتمع في أسر الخطاب الخرافي، وهوس المنامات، فحينها يصبح الخطاب الخرافي نقيضا للوعي، ومستلبا له .. !! المزعج في أي خطاب يتبنى اللامعقول الديني هو محاولته الربط بين الخطاب الخرافي وبين الرموز الدينية التي تتمتع بالتكريم والمكانة والاحترام، مثل ربط المنامات بمكانة أهل البيت (ع)، أو ربط التصورات الذهنية عن تلك الرموز بما تتمتع به من مكانة واحترام، فكأن المتسائل حين يحاول الاستجابة الطبيعية لتساؤلاته الفكرية يُعارض بأنه ينكر المكانة الروحية لأهل البيت (ع)، بينما هو في الحقيقة يتساءل عن اللامعقول والتصورات الذهنية، وليس عن أهل البيت ومكانتهم الروحية المصانة بالمعقول العلمي، والمنقول الثابت الصحيح. يعتلي الخطيب المنبر مدججا بأقاصيص حفظها من هنا وهناك، ثم يسددها كالطلقة الماضية إلى وجدان مستمعيه وأحاسيسهم الجياشة، فمثلا لو أراد أن يثبت فضل الصلاة على محمد وآل محمد سرد حكاية من هنا، وقصة أخرى من هناك عن منام للعالم الفلاني ثم يسلسل القصة، ويختمها ( صلوا بأعلى أصواتكم )، وكأنه بذلك قد أعطى تخيلاته ومناماته صفة القدسية، ويشاطره الجمهور ذلك حينما يستجيب في لحظة الانفعال الديني لمثل هذه المنامات، ويتناسى بأن فضل الصلاة هو ثابت قطعا بالآية الكريمة المحكمة الدلالة ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )، فمن يتبع أمر رب الجلال، ويقتدي بملائكته حاز الفضل والكرامة والنجاح والتوفيق، وأحرز الصواب الصحيح، وكما قالت العرب: قطعت جهيزة قول كل خطيب. (10) يقول المفكر الإسلامي محمد مجتهد شبستري: ( إن البحث في خصائص وميزات خطاب الدين يحتم البحث في خطاب نبي الإسلام. فأول ميزة من ميزات خطاب الرسول هي استناده إلى منطق العقل ). ويتمم قوله هذا، ويسهله، ويستيقظ العقل به من سباته العميق قولُ الباحث عقيل يوسف عيدان: ( لقد كانت الاكتشافات العلمية الكبرى والأفكار الفلسفية العظيمة التي غيّرت وجه العالم وحياة الإنسان من نتاج العقول المشككة الباحثة دومًا عن الحقيقة، لأن الشك كما يقول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل (1970): " ثمرة من ثمرات البحث عن الحقيقة "، أو بتعبير المفكر الألماني فريدريك نيتشه (1900): " ليس الشك .. إنما اليقين القطعي هو الذي يقتل !! " ). (11) إن الأفكار العالية، والإنجازات الحضارية للأمة العربية الإسلامية لم تكن وليدة المنامات، بل كانت نتاج الفكر الحر، والتنقيب، والعمل الجاد، والمنطق العلمي، فلم يؤسس جابر بن حيان الكيمياء الحديثة بالمنامات، ولم يؤلف الكندي كتاب مبادئ الحساب الهندسي في المنامات ولم يبتكر ابن البيطار قوانين الصيدلة والطبابة بالتخيلات، وكذلك لم يُجرِ البيروني تجاربه على الجاذبية الأرضية بالماورائيات، ولم يعط الخوارزمي المعنى العلمي للجبر والهندسة بخوارق العادات، ولم ينكسر الضوء على يد الحسن بن الهيثم بالخرافات، ولم يؤلف الفارابي كتاب الموسيقى الكبير بالكرامات .. وكذلك ابن سينا والخيام والشريف الإدريسي .. !! وكذلك لم يصل مكتشفو لقاح الحصبة، ولقاح الجدري، ولقاح شلل الأطفال ووو، وكذلك مكتشف الأشعة السينية، وجهاز قياس الزلازل، ومكتشف الدورة الدموية، وخريطة الجينات البشرية، ومحرك البحث ( Google )، وموقع ( Facebook ).. لم يصلوا إلى هذه المكتشفات العلمية التي ساهمت في شفاء البشرية وعلاجها ورخائها بالمنامات !! (12) لقد اختلط الحابل بالنابل، والمنقول بالناقل، ولكن يبقى أن الكلمة هي فرصة أخرى للتغيير .. !! ختاما.. يقول الدكتور جورج طرابيشي: ( إن المجتمعات حينما تنوءُ تحتَ وطأةِ الشعورِ بالعجزِ عن التحكمِ بمجرى مصائرِها لا تجدُ ملاذًا آخرَ تحتمي به سوى اللامعقولِ سواءٌ في شكلهِ الدينيِّ أم في شكله السياسيِّ ).
|
01-04-2010, 12:29 AM | رقم المشاركة : 3 |
منتدى السهلة الأدبي
|
رد: حينما يصبحُ الخرافي نقيضًا للثقافي ؟! ــ جابر بن عبدالله الخلف
هوامش:
|
15-09-2010, 01:08 AM | رقم المشاركة : 4 |
طرفاوي بدأ نشاطه
|
رد: حينما يصبحُ الخرافي نقيضًا للثقافي ؟! ــ جابر بن عبدالله الخلف
شكرا لك اخي الفاضل على معلوماتك القيمه
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|