العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 01-04-2010, 09:40 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي الإمام الحسين ع بين ذكرى الميلاد وذكرى الاستشهاد ــ جابر بن عبدالله الخلف

الإمام الحسين ع بين ذكرى الميلاد وذكرى الاستشهاد

( عينية الجواهري، وحائية العلي نموذجاً !! )


هذه محاولة تهدف إلى قراءةِ نصيين شعريين، واستجلاءِ ما فيهما من معانٍ ومضامين تدور حول الإمام الحسين (ع) ونهضته، وما هذه الورقة إلا محاولةٌ للتأمل في النصين من خلال منهج المقارنة أو المقاربة، بمعنى ذكر المعاني والمضامين التي التقى فيهما النصان، أو اختلفا فيها، ويبدو لي أن ما اتفقا فيه من المعاني والمضامين أكثر مما اختلفا، باعتبار أن النصين من النصوص الحسينية المعاصرة المبكرة في الخروج بمضامين الشعر الحسيني من البعد المأساوي، والبكائية التاريخية، والتَّفجُّع إلى مضامين عصرية تربط الحدث بالواقع، وتقرأ الواقع من منظور الأهداف الحقيقية للنهضة الحسينية.

ويلتقي النصان في مضامين متعددة أبرزها بإيجاز:

1. تأكيد الشاعريين على المعاني الثورية والبطولية باعتبار أن الإمام الحسين رمز للبطولة، وينبوع للمكرمات، وليس جلجلة للنواح والإبكاء والتباكي.

2. تأكيدهما على نقد الواقع المعاصر من خلال رؤية شعرية معاصرة، والنأي بالنص عن استحضار التاريخ، وسرد نصوصه شعريا.

ومما اختلافا فيه هو أن العينية نص رثائي، بينما الحائية نص احتفائي، بمعنى أن النص الأول أنشد في
( ذكرى الاستشهاد )، بينما النص الآخر نظم في ( ذكرى الميلاد )، وقد يظن بأن بين النصين فروقا جوهريا من ناحية المضمون، ولكن مع القراءة والتأمل تبين بأن مضمونهما قريب الشبه جدا؛ ولذا تمت هذه المقاربة.

مما يبدو جليا حين قراءة النصين قراءة متأنية بأنَّ فكرةً ما تلح على الشاعريين أثناء كتابة القصيدة، وهذه الفكرة هي التي تدور حولها تفاصيل القصيدة، وتلتحم حولها أنسجتها وصورها وتراكيبها ومعانيها، وهي أن الإمام الحسين هو رمز بطولي، وكائنة كربلاء ملحمة في انسجام الرؤية مع الموقف، وهما ـ أي الحسين وكربلاء ـ رمزان لقضية كبيرة يشكلان منطلقا لحركة تغييرية مهمة، وفرصة مواتية لـ ( انبثاق الصباح )، ليس على مستوى الحدث التاريخي، وإنما أيضا على مستوى الواقع المعاصر، ولا شك أن هذه المعاني والمضامين كانت غير مألوفة في الأوساط الشعرية في النجف في تلك الحقبة، وكان السائد الشعري هو الشعر الحسيني الملتزم بالحدث التاريخي، وسرد الفاجعة، وما جرت من أحداث بعدها، وما استتبع ذلك مفصلا تفصيلا، إلا إنه يمكن استثناء بعض نصوص السيد حيدر الحلي، وبعض معاصريه ممن انعكس الواقع على شعرهم الحسيني، ولكن جاء في مضمون الشكوى والتفجع من الواقع، واستنهاض الإمام المهدي المنتظر (ع).

في كتابه ( الشعر العربي المعاصر )، تحدث الدكتور عز الدين إسماعيل، ص280، عن ما أسماه ( درامية التفكير الشعري )، فقال: ( .. صار من المسلم به الآن لدى الأكثرين أن الفكر ليس عنصرا غريبا تأباه طبيعة الشعر وترفضه، لما يتميز به من خاصية موضوعية غالبا، وإنما صار التلاحم بين الشعور والتفكير هو المسلمة الأولى لكل عمل فني، سواء أكان شعرا أم سواه، فإذا كان الشعور ترجمانا مباشرا عن الذات ؛ فإن الفكر هو الإطار الموضوعي الذي يضم هذا الشعور ).

وقد تحدث أيضا عن تطور الشعر من ( الغنائية ) إلى ( الغنائية الفكرية )، وتحدث عن ( القصيدة ذات الفكرة ) أو ( الموقف الفكري ) عند تصنيف الأنواع الأدبية.

كيف يمكن قراءة قصيدة الجواهري ( العينية )، وقصيدة محمد العلي ( الحائية ) في الإمام الحسين (ع) في ضوء ما أطلق عليه الدكتور عز الدين إسماعيل بـ ( القصيدة ذات الفكرة )، أو ( القصيدة ذات الموقف الفكري )، أين يمكننا أن نضعَ القصيدتين من خلال هذا المنظور ؟

هذا سؤال مهم يفتح أمامنا مجالا رحبا لقراءة نصين يدوران حول قضية واحدة، وإن بدا أن هناك اختلافا من حيث المناسبة، والتوقيت الزمني، فقصيدة الجواهري ( آمنت بالحسين ) نظمت عام 1947م، وقد ألقاها الشاعر في الحفل الذي أقيم في كربلاء لذكرى استشهاد الإمام الحسين، بينما قصيدة محمد العلي
( خطيب الجراح )، فقد نظمت عام 1961م في ذكرى ميلاد الإمام الحسين.

فهل يمكننا اعتبار اختلاف المناسبة بين ( ذكرى الاستشهاد ) في قصيدة الجواهري، و( ذكرى الميلاد ) في قصيدة العلي اختلافا مائزا يعتد به حين محاولة المقاربة بين النصين ؟

يبدو أن الإجابة للوهلة الأولى ستكون بالإيجاب، بمعنى أنه نعم ! يوجد اختلاف بين نص يتناول الإمام الحسين في ( ذكرى استشهاده )، وبين نص آخر يتناوله في ( ذكرى ميلاده ).

ولكن حين التأمل في النصين سيلاحظ القارئ أن النصين يلتقيان في غرض واحد مع اختلاف المناسبة.
إن المتعارف عليه في قصائد المناسبات التي تنظم في ذكرى الميلاد للإمام الحسين، أو سواه من الأئمة (ع) أن النص يحتفي بمعاني الفرح والسرور والابتهاج بميلاد صاحب المناسبة، وهذا واضح معروف مشهور لا يحتاج إلى إطالة الكلام حوله.

وهذا بدا واضحا في قصيدة ( خطيب الجراح )، ولكن في بضعة أبيات في مستهل القصيدة، ولكن ما لبث الشاعرُ أن استحال نصُّه من معاني ( ذكرى الميلاد ) إلى معاني ( ذكرى الاستشهاد )، ومن مضمون البهجة والفرح والسرور، إلى معاني العطاء الثوري، والبطولة، والخلود، وكلها معان ومضامين يتناولها الشعراء حين تناول كائنة كربلاء، أي ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) !

ويمكن أن نقرأ في هذا أيضا إصرار العلي في نصه المعنون بـ ( خطيب الجراح ) في ( ذكرى ميلاد الحسين ) على أن هذه المعاني البطولية هي الميلاد الحقيقي للإمام الحسين، وما ( ذكرى ميلاده ) إلا ذكرى تاريخية على هامش حياته، لا تكتمل إلا بـ( ذكرى استشهاده )، فـ( ذكرى الميلاد ) حاشية تاريخية، على متن ( ذكرى الاستشهاد ) !

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2010, 09:41 PM   رقم المشاركة : 2
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الإمام الحسين ع بين ذكرى الميلاد وذكرى الاستشهاد ــ جابر بن عبدالله الخ

لا يفوتني أن أشير إلى أن سؤالا مهما لا بد أن يطرح ـ وهو كثير ما يطرح ـ ويتعلق بقصائد المناسبات، وما يطرح حولها من ملابسات، وعلاقة المناسبة بـ ( شعرية الشعر )، والأثر الذي تتركه المناسبة على الشاعر، باعتبار أن النصيين المعنيين يعدان من نصوص المناسبات ؟

لقد كفانا الشاعر شوقي بزيع مؤونة الدخول في تفاصيل الإجابة على هذه الأسئلة، حين فرق في مقالته ( منبرية النص ومنبرية القراءة )، المنشورة في مجلة القافلة، شوال 1414هـ، بين المنبرية كهدف، والمنبرية كوسيلة، وقال: ( المشكلة تكمن في الخلط بين الشعر بحد ذاته، وبين وسائل إيصاله للناس، وهو أمر يجب أن لا يمسَ جوهر الكتابة الشعرية في شيء، وما تنبغي الإشارة إليه هو أن المنبر عند العرب مرتبط بالصوت لا بالكتابة. ويمكن لقائل أن يقول إن الاكتشاف الحقيقي للشعر يتم عبر القراءة؛ لأنها علاقة فردية وسرية بين الشاعر وقارئه، في حين أن المنبر يسهم في تضليل المستمع عبر مؤثرات صوتية لا تمت إلى الشاعرية بصلة ).

وأجاب على هذا التساؤل بقوله: ( إن المشكلة في تقديري لا تكمن في المنبرية بحد ذاتها باعتبارها إحدى وسائل الاتصال بين الشاعر والمتلقي .. المشكلة تكمن في طبيعة استخدام المنبر من جهة، وفي تنمية العلاقة بين الشاعر والجمهور من أجل خلق نظام جمالي دائم التغير من جهة أخرى، فالشعر ليس أداةً معرفيةً فحسب، بل هو في الوقت ذاته أداةٌ للمتعة السمعية والبـصرية يولدها نظامٌ خلاق من الصور والمعاني والإيقاعات )، وختم قائلا: ( إن العلةَ تكمن في منبرية النص، لا في منبرية الإلقاء ) !!

وعلى هذا يمكن القول ببراءة النصيين من ( منبرية النص )، وملابسات قصيدة المناسبة، باعتبار أن الشاعرين حافظا بشكل فني عال على ( شعرية الشعر )، ونجاح النصيين في الاتصال بالجمهور.

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2010, 09:43 PM   رقم المشاركة : 3
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الإمام الحسين ع بين ذكرى الميلاد وذكرى الاستشهاد ــ جابر بن عبدالله الخ

في البداية سأحاول عرض وجهات النظر النقدية التي قيلت حول النصين من خلال أقلام بعض الشعراء والنقاد والكتاب ؛ بغيةَ الإطلاع عليها، والتأمل فيها، وهي كالآتي:

في كتابه ( الحسين بن علي في الشعر الحديث )، تحدث الدكتور إبراهيم محمد عبدالرحمن، ص180 عن قصيدة ( آمنت بالحسين )، فقال: ( يزاوج الشاعر الجواهري بين القضية التراثية، والقضية المعاصرة، فالإطار التراثي للشخصية يلقي بظلاله على الواقع المعاصر في تجربة يتجاوز فيها نطاق الموضوعية للشخصية التراثية إلى عموم المتلقين، فيقول في مطلع قصيدته، مخاطبا الحسين راثيا إياه:
فداء لمثواك من مضجع
...................تنور بالأبلج الأروع

بأعبق من نفحات الجنا
...................ن روحا، ومن مسكها أضوع

ورعيا ليومك يوم الطفوف
...................وسقيا لأرضك من مـصرع

وحزنا عليك بحبس النفوس
...................على نهجك النير المهيع

وصونا لمجدك من أن يذال
...................بما أنت تأباه من مبدع )


ويعلق الدكتور إبراهيم محمد عبدالرحمن على هذه الأبيات بقوله: ( ما زالت الشخصية في إطارها التراثي، لم تتحمل بأي هم معاصر .. لكن في البيتين الأخيرين نلمح إشارة شفيفة لما يمكن أن تتحمل به الشخصية من هموم معاصرة، فينبه الشاعر على الدور الذي قام به الحسين، وأهمية السير على نهجه:

ويا عظة الطامحين العظام
...................للاهين عن غدهم قنع

ويضيف:" وبعد هذا بأبيات قليلة يتبدى الهم المعاصر بأوضح ما يكون، حيث يقيم الشاعر مقابلة بينه وبين الجانب التراثي الذي يظهر في الذرا الشم، على حين يبرز هو في أحط الدركات:

شممت ثراك فهب النسيم
...................نسيم الكرامة من بلقع

وعفرت خدي بحيث استرا
...................ح خد تفرى ولم يـضرع

وحيث سنابك خيل الطغاة
...................جالت عليه ولم يخشع

وخلت وقد طارت الذكريا
...................ت بروحي إلى عالم أرفع

وطفت بقبرك طوف الخيال
...................بصومعة الملهم المبدع

كأن يدا من وراء الضريح
...................حمراء مبتورة الإصبع

تمد إلى عالم بالخنوع
...................والضيم ذي شرق مترع

تخبط في غابة أطبقت
...................على مذئب منه أو مسبع

لتبدل منه جديب الضمير
...................بآخر معشوشب ممرع

وتدفع هذي النفوس الصغا
...................ر خوفا إلى حرم أمنع

ثم يعلق الباحث الدكتور إبراهيم محمد عبدالرحمن على هذا المقطع بقوله:" الوجه التراثي متمثلا في شخصية الحسين يبدو مستمسكا بالكرامة، أبيا شجاعا ذا نجدة ملهما، على حين يبدو الجانب المعاصر متمثلا في العالم الذي نعيش فيه خانعا ذليلا متخبطا حيران، لا يعرف طريقه، ولا يهتدي إليه، يأكل القوي فيه الضعيف.

وقد استطاع الشاعر أن يبرز الجانب المعاصر البئيس من خلال شخصية الحسين التراثية حين جعلها بمثابة المخلص الذي يقيل العثرة .. ومن هنا يفسر الشاعر في الأبيات التالية وظائف المخلص ( الحسين ) المتمثلة في نشر الخير، وبعث القيم، وقطع الشر:

تعاليت من صاعق يلتظي
...................فإن تدج داجية يلمع

تأرم حقدا على الصاعقات
...................لم تنء ضيرا ولم تنفع

ولم تبذر الحب إثر الهشيم
...................وقد حرقته ولم تزرع

ولم تُخل أبراجها في السماء
...................ولم تأت أرضا ولم تُدقع

ولم تصدم الناس فيما هم
...................عليه من الخلق الأوضع


وختم الدكتور إبراهيم محمد عبدالرحمن حديثه قائلا:" على الرغم من أن القصيدة رثائية، وأن الشاعر اكتفى بتعليق الهموم والقضايا المعاصرة في عنق الشخصية، وهو ما يمثل خطورة تتربص بالأداء الفني، وتذهب بقيمته، فإنه استطاع أن يسكب الماضي بكل إثاراته على الحاضر بكل ركوده، بحيث مثّل الماضي صورة احتجاجية على اللحظة الحاضرة، واقترب بالشخصية من أن تكون رمزا استلهاميا في مرحلة تاريخية متقدمة من الشعر العربي الحديث، وذلك حين ابتعد بها عن السردية الباهتة، والخطابية الزاعقة، وجاء اتكاؤه عليها كنوع من الاغتراب، وشعور بالاستلاب، مما يعطي مذاقا فنيا مكثفا لأدائه الفني، وكأنه يقيم مقارنة ذابحة بين الحسين بقيمه ومبادئه وشجاعته وصموده، وبين ما يمارس في الواقع المعيش .

إن هذه القصيدة باصطناعها (تقنية الحديث إلى الحسين) بأدواتها المتعددة (ضمائر الخطاب والنداء) لتتغنى بقيم البذل والعطاء والتضحية من أجل سعادة الوطن وحريته، وتؤكد بقاء المبادئ رغم ذهاب أصحابها، وما علينا إلا تفعيلها في واقعنا"

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2010, 09:45 PM   رقم المشاركة : 4
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الإمام الحسين ع بين ذكرى الميلاد وذكرى الاستشهاد ــ جابر بن عبدالله الخ

في مقالته (الشعر الحسيني بين البكائية والعطاءات الثورية)، تحدث الشاعر جاسم الصحيح عن الشعراء الذين ركزوا على الجانب المأساوي المضرج بالآهات والتفجع، كما أنه تحدث عن الشعراء المعاصرين الذين ركزوا على الجانب البطولي، حيث ينظرون إلى واقعة كربلاء كثورةِ بعثٍ .. ويقول:" في الحقيقة إن الشعر الحسيني عند الشعراء المحدثين أو المعاصرين أصبح وسيلة لجلد الذات بسياط من لهب، وتعبيرا للفخر والاعتزاز بالإمام الحسين وثورته وخلوده رمزا للأحرار على مر التاريخ، نرى ذلك في قصيدة الجواهري، وقصيدة العلي، وقصيدة السيد مصطفى جمال الدين " !!

في كتابه ( نبت الصمت ) تناول الدكتور شاكر النابلسي ( الحائية ) في ثلاثة مواضع من الكتاب، فقال في ص103:" في قصيدته الطويلة ( خطيب الجراح )، التي أنشدها العلي في ذكرى ميلاد الحسين بن علي، ذكرى تعيدنا إلى سابق حال الأمة قبل أربعةَ عشرَ قرنا، والتحول الاجتماعي والسياسي والفكري الذي تم على يديْ معاوية، وأعاد الأمة ثانية إلى بنيتها الكسراوية التي ظلت مستمرة، ونامية إلى وقتنا الحاضر"، ويضيف في ص105:" واستلاب الحرية يؤدي إلى الاستكانة للهوان، والتقاعس عن المغامرة والاكتشاف، وركوب الآفاق، ويقود بالتالي إلى هزيمة منتظرة، وإلى عاصفة مقتلعة، وهو ما يعبر عنه العلي في قصيدة

( خطيب الجراح )، التي كانت مناسبة كبيرة ؛ لكي يبثَ العلي أشجانه ولواعجه للإمام الحسين:
قد شربنا من القناعة كأسا
.......................عنبيا يزري بصفو الراح

وركبنا ( الصبر الجميل ) سفينا
.......................يتهادى لمرفأ الإصلاح

هللي يا جباهنا، قد محونا
.......................الفرق بين الذرى، وبين البطاح "

في ص120 أخذ الدكتور النابلسي في تناول القصيدة من الناحية الفنية والتشكيلية بتفصيل أكثر، فكان مما قال:" منذ عام 1961م بدأت ملامح الشاعر التشكيلي لدى العلي تبرز من خلال قصيدته (خطيب الجراح) .. ومن المعروف أن قصة الحسين شهيدا كانت قصة ملهمة لكثير من الفنانين التشكيليين العرب، وخاصة الرسامين العرب في العراق، الذين كانوا في تلاحم أشد مع هذه القصة .. والشاعر العلي شاعر محب للحسين حبا مضاعفا عن حب الآخرين له باعتباره شيعيا، فهو يحبه كشاعر ؛ لأنه الإنسان البطل الشهيد المدافع عن قضية نبيلة، ويحبه كشيعي؛ لأنه يجسد دائما روح الإنسان التي قضت في سبيل الحرية السياسية الإسلامية.

ففي هذه القصيدة المبكرة من حياة العلي الشعرية يقيم العلي مَعْرِضًا لصور الحسين الشهيد، ففي مدخل هذا المعرض نرى لوحة فنية كبيرة، وهي بمثابة لوحة الافتتاح التي تولدت عنها باقي لوحات المعرض الأخرى:
منحتني ذكراك ألف جناح
.......................فسكبت النجوم في أقداح

وفرجت الزمان عن خشعة الفجـ
.......................ـر على مهدك الزكي الضاحي


وهي لوحة يتمثل فيها عنصران رئيسيان من عناصر شخصية الحسين الشهيد، وهما ( العطاء ) و( الفعل )، فحياة الحسين كانت عطاء، وموته كان عطاء أيضا، وهذا العطاء دعوة للفعل الإنساني.

ثم تتوالى الصور بعد ذلك صورة إثر صورة:
فرأيت النبي يفتض في سمـ
.......................ـعك أزهار وحيه النفاح

وعليا يريك أن قطاف الـ
.......................ـفتح يشتار من لهيب الجراح

والبتول انحناءة تنضح الزهـ
.......................ـو حيياً في هادر الأفراح


إلى آخر هذه الصور المتعددة التي بلغت أكثر من خمسين صورة، وهي مجموعة من الصور تشكل معرضا كاملا، ولو دققنا في خطوط هذه اللوحات، لوجدنا أن هذه الخطوط خطوط متحركة سريعة، وليست ساكنة هادئة، والقصيدة مليئة بأفعال الحركة، وعددها يزيد على ستين فعلا مختلفا، وكأن القصيدة عبارة عن ورشة عمل، وليست صورة شخصية ( بورتريه ) للحسين الشهيد.

ولو دققنا في الألوان التي استعملها العلي في هذه اللوحات لوجدنا أنه لم يستعمل لونا واحدا في حالته الأصلية، فهو لم يستعمل مثلا اللون الأحمر، أو الأزرق، أو الأخضر في أصولها في الطبيعة، وإنما كانت ألوانه مزيجا من تركيبه اللوني الشعري الخاص المستمد من ألوان المظاهر الطبيعية: كالنجوم، والفجر، وأزهار الوحي، وظمأ البطولات، ونغم الشمس، وذوبان الليل، والنبع، والسحابة، والنقع، والسراب، وضوء اليوم، وهي ألوان حسية أكثر منها بصرية، فأنت لا تراها، أو من الصعب أن تراها، ولكنك تحسها، وكأنها نغم "

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2010, 09:47 PM   رقم المشاركة : 5
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الإمام الحسين ع بين ذكرى الميلاد وذكرى الاستشهاد ــ جابر بن عبدالله الخ

في مقالته ( إطلالة على تجربة العلي العمودية )، المنشورة في جريدة اليوم، الخميس 26 أكتوبر 1995م، العدد 8168، تحدث الكاتب حبيب محمود عن تجربة العلي الشعرية وأرق الذاكرة، وتحدث عن ما سماه ( الواقع والذاكرة المثالية )، واستشهد بمطلع الحائية:

منحتني ذكراك ألف جناح
...................فسكبت النجوم في أقداحي

وفرجت الزمان عن خشعة الفجـ
...................ـر على مهدك الزكي الضاحي

ولمحت الإباء يرتاد من قلـ
...................ـبك فجرا لحالكات الكفاح

والبطولات تشرئب إلى كفـ
...................ـيك ظمأى إلى صليل السلاح

هكذا لحت قمة من كرامـ
...................ـات، وموجا مزمجرا من طماح

ويضيف الكاتب قائلا:" وقف ( الشاعر ) منشدا لا ليتماهى في سياق شعراء المناسبات الذين كانت تغص بهن النجف في ذاك العهد، وإنما ليشارك في شهادة الواقع، متقمصا أردية فنية يجوز بها الحاضر، ويعلن موقفه صارخا:
غير أني وردت سفحك أجني
...................من ينابيعه انبثاق صباح

وعيونا نرى بها فالتي نمـ
...................ـلك ليست تجيد غير النواح

ورؤسا تفجر الفكر الشمـ
...................ـاء للتائهين لا للنطاح

وأكفا لا ألسنا تمطر الأسـ
...................ـماع وعظا بالمرهفات الفصاح


إنه هنا يتخذ من الذاكرة منطلقا إلى نقد الواقع، الذاكرة التي تتحدد بملامح الشخصية التي منحته ألف جناح؛ ليجول برؤيته ( لا بعينيه ) في صميم الواقع.

إذن فالذاكرة هنا مثال بطولي يعرضه أمام الواقع الموضوعي ؛ لتأمل الفرق الرهيب بين ( الذرى )
و( البطاح )، بين العيون التي ترى، والعيون التي لا تجيد إلا البكاء، بين الرؤس المفكرة، والرؤس المناطحة، والفروق كثيرة وعميقة:
هللي يا جباهنا قد محونا الـ
...................ـفرق بين الذرى، وبين البطاح

وبديهي أن هذه الذاكرة التي تستفيد من الواقع نفسه لإعلان الموقف حياله، ما هي إلا وسيلة موضوعية اتكأت على النص أكثر من كونها عنصرا فنيا توحدت ببقية الأدوات، وهذا أمر طبيعي اقتضته خطابية النص ونسيجه المتوسل بالمقابلة الموضوعية ( مقابلة المثال الواقع ):
يا أبا الفكرة التي أبـصر التا
...................ريخ في وهجها طريق النجاح

يا وليدا جرى على يبس الأيـ
...................ـام كالنبع هادر الأوضاح

يا ربيعا للحق لاذ به جمـ
...................ـريَ فاخـضرَّ بالشذى الفواح

فهذه الأبيات تصدرت أربعة مقاطع من قصيدته ( خطيب الجراح )؛ لتكون مفاتيح للمقاطع نفسها، ومن ثم يوغل الشاعر في صميم الواقع عبرها " !!

سيكون من المهم جدا التوقف مع هذه النظرات النقدية، والتأمل فيها، وبعضها يحتاج إلى إعادة نظر، ولكن في حينه؛ هروبا من الإطالة، وخوفا من الإسهاب.

كما أنه من المهم أيضا التوقف مع مفهوم ( القصيدة ذات الفكرة ) بنظرة نقدية فاحصة، وتركيز النظر في النصين مع ضرب الأمثلة وعرضها بشكل أفضل، وهذا يحتاج وقت آخر.

ومن المهم جدا إثارة هواجس الاستغراب حول إهمال الخطباء، وأرباب المنابر لهذين النصين المهمين خلا ما استمعته من استشهاد الشيخ الدكتور أحمد الوائلي بأبيات من الحائية، وهي:

وفرجت الزمان عن خشعة الفجـ
...................ـر على مهدك الزكي الضاحي

فرأيت النبي يفتض في سمـ
...................ـعك أزهار وحيه النفاح

وعليا يريك أن قطاف الـ
...................ـفتح يشتار من لهيب الجراح

والبتول (انتفاضة) تنضح الزهـ
...................ـو حييا في هادر الأفراح

ومدى ليست الكواكب إلا
...................نصبا في طريقه الوضاح

وما زال استغرابي مستمرا ( عدد الرمل والحصى والتراب ) من جناية ملا باسم الكربلائي على قصيدة
( آمنت بالحسين )، وأخطائه النحوية الفادحة التي لم ترقب إِلاً ولا ذمةً ولا لغة ولا نحوا، وهذا أيضا يحتاج إلى نظرة فاحصة، ووقفة تأمل.

وللكلام بقية، ولكن بعد حين ... !!!

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2010, 09:48 PM   رقم المشاركة : 6
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الإمام الحسين ع بين ذكرى الميلاد وذكرى الاستشهاد ــ جابر بن عبدالله الخ

هوامش:
1. للفائدة أكثر عن الشعر والمناسبات يمكن قراءة مقدمة السيد مصطفى جمال الدين في الديوان.
2. عدد أبيات قصيدة الجواهري 64 بيتا، وهي 4 مقاطع، من البحر المتقارب، أما قصيدة محمد العلي فتتكون من 61 بيتا، وهي 7 مقاطع، من البحر الخفيف.
3. في نص ( خطيب الجراح ) مع أنه في ذكرى ميلاد الحسين، إلا أنه نص ينطوي على معان مأثورة ( تطرق عادة ) في ذكرى كربلاء، بوصفها كائنة استشهاد الإمام الحسين، وهي مضامين يوليها الشعراء أهمية خاصة في مثل هذه المناسبة، إلا أن الشاعر محمد العلي لم يستطع انفلاتا من قبضة المأثور، فمنذ المطلع يلاحظ تحول غريب في اتجاه القصيدة من معاني السرور ببهجة الميلاد إلى معاني البطولة والكفاح والإباء والكرامة، وهي معان خاصة بمعاني الاستشهاد.
لا ننسى دلالة عنوان القصيدة أيضا، فلفظة ( خطيب ) توميء إلى دلالات الإبلاغ والإقناع بمعاني الثورة والشهادة أكثر مما توحي بمعاني الفرح، وأيضا لفظة (الجراح) بما توميء إليه من معاني الرفض والدم والصمود: وتهاوى شعري أمام خطيب عبقري أقمته من جراح.
فهنا احتدام بين عبقريتين: عبقرية الكلمة، وعبقرية الجراح، ولا أنه في هذا البيت الشعري الفذ انتصار لعبقرية الجراح في مقابل عبقرية القول.
4. فات الدكتور إبراهيم محمد عبدالرحمن الإشارة إلى أن الجواهري نجح نجاحا باهرا في مقاربة النص التاريخي، ومقاربة البعد المأساوي للحدث، ولكن بشكل وجداني شفيف فيه عاطفة حزنٍ وأَلَمٍ أكثر منها عاطفة نواح وبكاء وعويل.
5. قرأتُ في صحيفة ( الكلم الطيب ) بجامع الرسول، عدد 40، يوم الأحد، بتاريخ 2/2/1431هـ، الجملة الآتية: " هذه القصيدة ـ خطيب الجراح ـ كتبها الشاعر الكبير محمد العلي ، وله تسعةَ عشرَ ربيعا، وألقاها في حضرة مراجع النجف الكبار، أمثال آية الله العظمى السيد محسن الحكيم ـ طيب الله ثراه ـ، وبها كما يقول جاسم الصحيح قد تحول الشعر الحسيني إلى الرؤية الاجتماعية في الشعر، فكان محمد العلي أحد رواده المبدعين. ولا ننسى أمير المنبر الحسيني العلامة الدكتور الوائلي، وهو يترنم بهذه القصيدة، بل وقد عارضها أيضا ".

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 07:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد