17-01-2009, 07:01 PM | رقم المشاركة : 1 |
منتدى السهلة الأدبي
|
( مخاضات في الكتابة ) عيسى مبارك الربيح
تمثل الكتابة إحدى المهارات اللغوية المهمة للإنسان، وهي بمثابة جسر التواصل البشري الفاعل.. وعبر هذه الزاوية سنقدّم إلمامة حول هذا المصطلح لغوياً وفنياً وجمالياً وفلسفياً ببعض من الإشارات السريعة المتسائلة والتي نطمح عبرها إلى إثارة القارئ العزيز وحثه على المشاركة والإجابة عليها وغيرها بما يرتبط بهذه الجوانب.
في اللغة، نقول : " كتب الكتاب : خطّه، والسقاء ونحوه : خرزه بسيرين، والقربة : شدّها بالوكاء، وتكتبوا : تجمعوا، ويقال تكتب الجيش والخيل " المعجم الوسيط ،ج2، ص774 ــ 775. وهذه المدلولات وما يماثلها تعبّر عن مكانة الكتابة، إذ ارتقى مستواها إلى الماء والجيش والخيل وما ارتبط بهم، وهذه لها قيمة عظيمة لدى الإنسان. ولو أحدثنا تقاليب للمفردة نفسها : كبَتَ : من الكبت، بتك : القطع من أصل الشيء، وهي تدور كلها حول أصل الكتابة، فالكتابة تخرج الكبت من داخل الإنسان، وكأنها تقطعه من أصله «النفس» لتبينه على الورق. ويذكر الدكتور : ناصر الحجيلان في كتابه « فن الكتابة » ص5: أن الكتابة تشير إلى الذاكرة وتجتمع فيها ثلاثة معانٍ لغوية هي : الجمع من معاناة، والخط بما يكشف وجود الكتابة بعد العدم، والذاكرة بما تخزنه من معلومات وخبرات يصعّب التحكم بها. ويشير أفلاطون أن الكتابة مرتبطة بالتفكير المتجدد، ويرى روسو أنها ابتكار من ظلال الرمز، ويرى سارتر أنها كشف لما لا يمكن الكشف عنه إلا بها … إلى غيره من آراء وأوصاف، والتي تتعدد تبعاً لتعدد الجهات التي يدخل منها الباحث لتعريفه ووصفه للكتابة. ما يعطي للكتابة قيمة أنها تمنحنا التعرف لدواخل المبدع ومتنفس له ؛ ليبحث – المبدع – عن المجهولات التي تحيّره، وهي الوسيلة المرموقة والتي من خلالها تسطّر دواخل الإنسان وما يعتلج فيها من أفكار ومشاعر وأحاسيس. وسنطرح هنا تساؤلات عدة ومتداخلة حول فنيتها وفلسفتها، ولن نجيب عليها رغبة منا كي يشارك أصدقاء الصفحة : ما أهمية الكتابة وما قيمتها ؟ ولماذا نكتب ؟ ولمن نكتب ؟ للناس أم للمتخصص أم لنموذج معيّن ؟ أم لأنفسنا ؟ أم لا نكتب لأحدٍ البتة ؟ ما دور اللغة في الكتابة ؟ ما علاقتها بالفكر والتفكير والذاكرة ؟ ما علاقتها بنضج الأفكار والمشاعر المخزنة في لحظة الكتابة نفسها ؟ هل هي تولّد نفسها ؟ أم هي نتيجة مخاضات وجهود ذهنية وأنشطة عقلية ترسبت في النفس والذاكرة ثم تيقظت بعد ذلك أخرى ؟ أم هي ملاكات وإلهامات ؟ هل نكتب هروباً من الواقع والعالم وآلامه ؟ أم رغبة في الاتصال فيهم ؟ أم للتعمق في ذواتنا والبحث فيها ؟ وهل نكتب الواقع ككاتبين ؟ أم أنه يكتبنا كمكتوبين ؟ هل الكتابة تعويض عن شيء نفتقده لنبحث عنه كتابياً ؟ وأين الكتابة قبل الكتابة ؟. ما رأي علماء الفلاسفة في الكتابة ؟ وكذا علماء النفس والأدباء ؟ وما رأي كل علم ومجال للكتابة، باعتبار أنها جسر التواصل البشري لجميع العلوم والميادين الإنسانية ؟ هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المتصلة بفلسفة الكتابة وفنيتها شغلت الفلاسفة والمفكرين والأدباء حتى الآن، ولم يجدوا دواءً شافياً لها، فالسؤال عن الكتابة سؤال عن الوجود، عن ما هية الإنسان نفسه في الحياة، عن ما ورائيات الأشياء والعناصر من حولنا وفينا، عن الأسرار والمجهولات المليئة في هذا الكون الفسيح. الكتابة كالماء يصعب القبض عليه، وكالهواء يصعب وصفه، ولقد حاول الكثير الولوج في هذا الجانب بمجموعة مبعثرة من الاجتهادات والتجارب، والتي تفسّر صعوبة هذا الجانب حتى لدى أصحاب المهنة والموهبة. ولقد حاولنا في إطلالتنا السريعة هذه أن نلملم أربعة عناصر من مجمل عناصر كثيراً استقيناها من هنا وهنا في نتاج المفكرين والأدباء، والمادة في هذا الجانب كثيرة – بما يتصل بالجانب الفلسفي والفني الأدبيــ لكن رغبنا الاختصار والاجتزاء بهذه، ولنا رغبة من أصدقاء هذه الصفحة بالمشاركة والتفاعل لمزيد من هذه الشواهد والعناصر لخدمة هذا الجانب. 1ـ منهم من فسّر الكتابة عبر بث التساؤلات لمجهولها وغامضها ؛ لأنهم لم يجدوا تعبيراً وافياً يصفها ويعرّفها، كقول ميخائيل نعيمة « يا للعجيبة أزرع قلبي على الورق، فينبت في قلوب الناس »، وكتصريح الكثير من الأدباء بأن أصعب سؤال وجه إليهم عن ماهية الكتابة وجدواها كمحمد العلي وغادة السمان ونجيب محفوظ وغيرهم. 2ـ منهم من فسّرها بالنظر إلى إشباع ذاته والبحث فيها كقول ميخائيل « كلما بريت قلمي براني » فالكتابة هنا ليس ترفاً إنما جزءاً مقتطعاً من ذاته يبرى كلما بري القلم، وكقول إبراهيم الكوني « اسرق نفسك في كلمتك » مشيراً إلى مصداقية الكاتب ليكون صادقاً مخلصاً في رسالته الكتابية، وكإشارة محمد العلي في أن لحظة ما ينفذ إلى ومن نفسه لحظة الكتابة، وكأن الكتابة نافذة لنسيم الذات، وإشارة الكثير من الأدباء أنهم في الدرجة الأولى يكتبون لأنفسهم لإشباعها وإشعالها وتفعيلها. 3ـ ومنهم من فسّرها بما يتصل بالغاية والهدف منها سواء عبر المبدع نفسه أو المتلقي، كقول نجيب محفوظ « ورغبتي في الكتابة تعود إلى رغبتي في التغيير » وكقول يوسف إدريس « أحاول إسعاد الناس من خلال الكتابة »، وكقول سعدي يوسف « من خلال الكتابة يجعل الحياة أجمل ». 4ـ وأخيراً.. ومنهم من فسّرها بما يتصل بقيمتها ووصفها ومشاعر متوهجة لاكتشافها، كقول جبرا إبراهيم جبرا « الكتابة تتعلق بسر الموهبة والإبداع »، وكقول محمد العلي « وهل هناك من يعتزل الحياة » مشيراً إلى أن اعتزال الكتابة أمراً مستحيلاً، وكقول سعدي يوسف « أنا أكتب لأنني أشعر أن الكتابة إحدى غرائزي وأن حاجتي للكتابة مثل حاجتي للنوم والأكل » وكتعبير الكثيرين من الأدباء بأن السؤال عن جدوى الكتابة كالسؤال عن العيش وعن التنفس، إلى غيرها من الشواهد من هنا وهناك.. ولا شك بأن القارىء سيجد شواهد عدة مثل هذه وغيرها في بطون القصائد والقصص والنثريات لغالب أدبائنا ومفكرينا وفلاسفتنا.
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|