التنمية: مصدر للفعل الرباعي: نمَّى؛ يقال: نمَّى الرجل المال تنمية إذا أكثره وزاده.
والتنمية كلمة شاع استعمالها كثيرا في العصر الحالي؛ ويراد بها: الارتقاء بالإنسان في حياته المادية والمعنوية: في معارفه وعلومه، وتفكيره وإبداعه، وفي غذائه، وعمله، وعلاجه، وجميع شؤونه..
والدعوة إلى التنمية الشاملة تتوافق مع توجّهات الإسلام في تحسين أوضاع الإنسان، وتحقيق مزيد من الراحة والطمأنينة والكرامة والسعادة له
وقد سعى الإسلام إلى تحقيق التنمية من خلال عدة مجالات وميادين، ومن هذه الميادين المساجد,.والحسينيات ولا عجب في هذا إذا عرفنا تعجُّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بناء مسجد قباء كأول مسجد في الإسلام حال قدومه صلى الله عليه وآله وسلم مهاجرا من مكة إلى المدينة؛ وذلك قبل أن يدخلها ويستقر فيها.. حيث قام ببناء المسجد النبوي عند مبرك ناقته، وكان الموضع قبل ذلك أرضا لبني النجار..
ثم حث المسلمين على بناء المساجد وإكثارها لتسهيل المهمة المنوطة بها؛ فقال: (من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة)..
وفي ضوء هذه التوجيهات أقبل المسلمون - رجالاً ونساءًا، حكومات وأفرادا - على بناء المساجد، ووقفها.. وإنك لا تجد مدينة أو قرية فيها مسلمون إلا ويسارعون في بناء المساجد أولا ثم بناء الحسينيات
وقد رصد المسلمون لهذه المساجد والحسينيات الأموال الكثيرة؛ لتنفق على احتياجاتها المتعددة: على أئمتها، وخطبائها، ووعاظها، وموظفيها، ولوازمها من فرش وإضاءة وترميم ورعاية..
وكان الهدف من تلك الجهود المبذولة إعداد المسجد والحسينية ليقوم بوظيفته التنموية الشاملة في المجتمع الإسلامي؛ لأن المسجد في الإسلام ليس مكانا للعبادة فحسب؛ بل إن له إلى جانب ذلك دورا بالغ الأهمية في التنشئة الثقافية والفكرية والعلمية، إضافة إلى كونه مصدر إشعاع تربوي واجتماعي واقتصادي وعملي.. وهذا الدور للمسجد يتعاضد مع دور الحسينيه و الأسرة والمدرسة والمؤسسات الأخرى التي تسهم في بناء المجتمع وتنميته..
من المسجد تشع الثقافة الإسلامية الأصيلة، ومنه ينبعث الوعي الديني، وفيه يعرف الحلال والحرام، وبخاصة مع كثرة وسائل الإعلام المضللة.
في المسجد تعرف فضائل الإسلام وآدابه وأحكامه، ويجد المؤمن القدوة الحسنة، ويحاكي الصالحين الأبرار، ويتعلم ضبط النفس، والصبر على الشدائد، ويتحلي بالأمانة والعفة، وفيه يتعرف على تعاليم الإسلام وحثه على العلم النافع، ودعوته إلى العمل الجاد الذي ينفع صاحبه ويرتقي بمجتمعه..
في المسجد والحسينية يتعلم المؤمن تحمل المسؤولية بعزم ورجولة، ومنه يتلقى قيم النظافة وآثارها الإيجابية في قوة الأفراد والمجتمع، وقضائها على الأمراض والعدوى..
في المسجد دعوة إلى روح الجماعة والتآلف بين المسلمين، وفيه يتعلم المرء الانضباط والهدوء والتزام العمل الجماعي؛ من خلال اقتدائه بالإمام، والتزامه بصلاة الجماعة..
لقد أناط الإسلام بالمسجد دورا أكبر مما ألفه الناس في عصورهم المتأخرة؛ ومن ذلك تعضيد الروابط الاجتماعية بين الجيران والأصحاب وأهل الحي، والالتزام بالقيم الاجتماعية والإنسانية..
إن المسجد يختلف عن بقية المؤسسات؛ لأنه ينمي فكر قاصده بما يسمعه من محاضرات وندوات وعلوم ومعارف دون أن يُشترط لذلك سن معينة، أو مرحلة دراسية محددة؛ فهو لا يخلو من معرفة متجددة، وتعليم مستمر؛ وهذا ما ينادي به اليوم كثير من رجال التربية والتعليم، ويعتبرونه أمرا لازما ومهما في تطوير المجتمعات، ورقيها وازدهارها..
وكم خرّجت المساجد والحسينيات الملحقة بها من علماء أفذاذ سطعت أسماؤهم في سماء المعرفة الإنسانية دراسة وبحثا وتأليفا وإبداعا، في كافة العلوم والثقافات والحضارات!.
وعلى عاتق الأئمة والخطباء تقع مسؤولية تفعيل ذلك؛ من حيث اختيار الموضوعات المتوافقة مع المناسبات الزمانية والمكانية، والتعاون مع روّاد المساجد والمصلين لإيجاد جو من الألفة الاجتماعية، والتعارف الدائم الكريم..
ولا شك أن هذا يتوافق، ويلتقي مع الدعوات المتكررة الصادرة عن الإدارات المسؤولة عن المساجد، والمتضمنة العمل على تفعيل دور المساجد والحسينية في المجتمع لتسهم في نشر مزيد من الوعي والرقي الاجتماعي المتكامل. وتشجيع الراوديد البراعم وإعطائهم الفرصة في كل مناسبة للمشاركة وأعطاه الثقة