العلامة الشهيد السيد عارف الحسيني
<span style='color:darkblue'>نشأته
ولد الشهيد السيد عارف الحسيني في قرية بيوار من منطقة باراجنار في باكستان يوم 25/11/1946م، وقد اشتهر بالحسيني لأن نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينتهي عبر جده سيد حسين الأصغر بن الإمام زين العابدين عليه السلام.
ترعرع الشهيد في أحضان أسرة دينية عريقة، وكان معروفاً منذ صغره بالنباهة والذكاء؛ بدأ دراسته العصرية في منطقته وأنهى الثانوية العامة بدرجات عالية وصنف من الطلبة المتفوقين.
دراسته
ينتسب الشهيد إلى عائلة علمية؛ فكثير من أجداده كانوا من علماء منطقته المعروفين.. وعليه، لم يكن بعيداً أن يتوارث الشهيد الرغبة في دراسة العلوم الدينية منذ صغره، ولذا التحق عام 1964 بالمدرسة "الجعفرية" المدرسة الوحيدة في منطقته وأنهى مرحلة المقدمات التي تحوي الأدب العربي والمنطق والفقه الميسر خلال ثلاث سنوات.
وبعد ذلك وفي عام 1967م سافر الشهيد إلى النجف الأشرف للالتحاق بالحوزة العلمية وسكن في المدرسة "الشبرية" وبعدها في مدرسة "دار الحكمة" وطوى مرحلة السطوح عند كبار العلماء مثل آية الله الشهيد السيد المدني وآية الله الشيخ المرتضوي.
عُرف عن الشهيد جديته في تحصيل العلوم الدينية بحيث لم يُضيع وقته سُدى.. يقول استاذه الشيخ المرتضوي: لقد كان الشهيد يملك الميول الدراسية إلى درجة كبيرة، فسفر المشي بين النجف وكربلاء (حدود 80 كلم) الذي كان يطويه الطلبة عادة خلال ثلاثة أيام كان الشهيد يطويه في يوم واحد ليستفيد من وقته أكثر ويتمكن من بلوغ متابعاته الدراسية في اليوم التالي.
وفي عام 1973 تم إبعاد الشهيد من العراق فرجع إلى باكستان حيث تزوج هناك ثم توجه عام 1974 نحو النجف الأشرف، ولكنه اضطر للسفر إلى مدينة قم المقدسة بسبب امتناع العراق عن إعطائه تأشيرة الدخول.. وفي قم حضر دروس الفلسفة والكلام والفقه (البحث الخارج) والتفسير عند كبار اساتذة الحوزة من قبيل الشهيد آية الله الشيخ المطهري وآية الله الشيخ ناصر مكارم شيرازي وآية الله الشيخ وحيد الخراساني وآية الله الشيخ جواد التبريزي وآية الله الشيخ محسن حرم بناهي ومجموعة أخرى من فضلاء الحوزة، حتى وصل مراتب عالية من العلم والفضل.
يقول الشيخ حرم بناهي أحد اساتذة الشهيد في حوزة قم العلمية واصفاً فضله وعلمه:
"كان الشهيد ذا أبعاد مختلفة، وحسب ما أتذكر فقد كان مُسلطاً على المباحث العقائدية (الكلام) حيث درس قسماً منها عندي لمدة ثلاث سنوات، وكان يحضر درسي عدد كبير من الأصدقاء، ولكنه كان الأقوى من بينهم، فقد اهتم بدراسة الكتب الكلامية بنفس مستوى اهتمامه بدروس البحث الخارج.
أما من ناحية الفقه فقد كان في مجال الفقه والاصول بمستوى عالم فاضل ممتاز، وذلك استناداً لاستيعابه المطالب العلمية للبحث الخارج، وخصوصاً في بحث الخمس فقد استوعبه بشكل كامل.. كنت اشعر بأن لديه القدرة الكاملة على التحليل وأن معلوماته واستعداداته في الفقه والاصول كثيرة جداً، ولذا قلت له عندما قصد السفر إلى باكستان: لا تذهب إلى باكستان لأننا نحتاج إلى مرجع تقليد، ولو بقيت هنا عدة سنوات فإن أهلية مرجعية التقليد ستتحقق فيك، وهذا الموقع ينتظرك، وإنني ألمس استعدادك لهذا المقام، لكنه قال لي إنني أشعر بالمسؤولية وقد شخّصت وظيفتي الشرعية فلا استطيع البقاء.
وأما في التفسير فقد كانت له قراءات كثيرة، كما بذل جهوداً كبيرة في أساليب التبليغ.. إن معلوماته العامة كثيرة جداً".
كان الشهيد مهتماً بدراسته وبرز ذلك في مواظبته المستمر في كتابة كل كتاب يتعلمه ومباحثة الدرس ومطالعته، وبالإضافة إلى ذلك فقد كان يقوم بتدريس الطلاب وتربيتهم، وكان معروفاً في حوزة النجف وحوزة قم بالجد والتقوى.
جهاده
قبل الخوض في سيرته الجهادية لإعلاء كلمة الله، من المناسب أن نذكر الخطوط العامة التي تحرك من خلالها الشهيد وواجه بها أنواع الانحرافات وأصناف العناوين وبصورة مختصرة جداً، وأهم تلك الخطوط:
1 ــ مواجهة الوطنية والقومية
فقد سعى الاستعمار وعبر عملائه إلى تكريس حالة الاعتزاز بالقومية والوطنية واللغة وجعلها المقياس في المفاضلة والتقديم مما أسفر عن آثار سيئة في تقسيم المجتمع الباكستاني الواحد، كان منها الدعوة إلى الحكم الذاتي والانفصال على أساس قومي وتأسيس التنظيمات والأحزاب المبتنية على الأسس السابقة، وقد أوقف الشهيد نفسه للتصدي لهذه الحالة محذراً من عواقبها الخطرة، وطرح الإسلام بديلاً عنها ومحوراً يوحد المجتمع ويجنبه التمزق والضياع.
2 ــ مواجهة الحالة الطائفية
فقد سعت الأيدي المستفيدة من تفرق المسلمين إلى تحريك الوهابية لزرع الفتن والمنازعات بينهم، والمجازر البشعة التي قام بها الوهابيون ضد غيرهم من المسلمين والجمعيات والمدارس التي أقاموها لترسيخ النهج الوهابي والكتب والمجالات التي أصدروها وكفّروا بها غيرهم من المسلمين ما هي إلا بعض النماذج الحية في هذا الاتجاه.
في هذا الجو المتشنج وبروحية إسلامية عالية تحرك الشهيد نحو توحيد أهل السنة والشيعة ولمّ شملهم ورص صفوفهم، وحظي في هذا المضمار خطوات كثيرة نحو الأمام تمثلت في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية وعقد الاجتماعات والاحتفالات التي تختص بالوحدة والالتقاء بأهم الشخصيات السنّية، كما كشف للناس الصورة الحقيقية لمثيري هذه الاختلافات أي الوهابيون ــ وبتحريك وتمويل ........ ــ وحكومة ضياء الحق.
3 ــ مواجهة الظلم والاستكبار
وبالأخص الأمريكي منه؛ حيث كان يعتقد أن أميركا هي الرأس المدبر والجهة المساندة للحكومات العميلة في باكستان، مستلهماً بذلك هدي قائده الإمام الخميني (رض) حيث قال: أمريكا أم الفساد والشيطان الأكبر.
أما بالنسبة لموقفه من النظام الباكستاني العميل، فقد وقف بوجهه وقفة حسينية داعياً إلى إقامة حكم إسلامي في باكستان ومندداً بالدكتاتورية الحاكمة على باكستان.
4 ــ مواجهة المتحجرين والمقدسين
فقد شكل هؤلاء إحدى الموانع الأساسية بوجه تحرك الشهيد، فقد شوشت أباطيلهم أفكار المسلمين بل جعلتهم يبتعدون عن الإسلام، فقد صوروا الإسلام كمجموعة من الأحكام الفقهية والعبادية المحضة، غضوا النظر عن المسائل الثورة، قدموا مصالحهم الذاتية على مصلحة المجموع، أنكروا أهمية إقامة الحكومة الإسلامية بل اعتبروها كالشجرة الممنوعة! قالوا بأنه لا مفر من الصبر على ظلم الحكام الطغاة.
أدرك الشهيد مدى خطورة هذه الأفكار السامة فكان لأصحابها من المتظاهرين بالقدسية والمتحجرين بالمرصاد، فوقف بوجههم وعراهم وفضحهم أمام الجماهير، ووفقه الله تعالى في حركته تلك فانكسدت بضاعة المنحرفين الغاوين.
المنطلق هو الإمام
يمكن القول أن الشهيد السعيد استلهم الروح الثورية والجهادية من قائده الإمام الخميني (قد)، فقد كان ملتزماً بحضور دروسه العامة والأخلاقية في النجف الأشرف متمعناً في سيرته الجهادية.
وقد تعرف على الإمام بشكل أكبر من خلال استاذه شهيد المحراب آية الله السيد أسد الله المدني فازدادت علاقته وإعجابه الشديد بالإمام، وكان الشهيد حريصاً علي حضور صلاة الجماعة ظهراً خلف الإمام في مدرسة الشيخ الأنصاري، أما صلاة العشائين فكان يصليها كثيراً خلف الإمام في مدرسة السيد البروجردي، ولكثرة مواظبته على صلاة الجماعة اختص بموضع معين فيها.
ومع وجود تلك العلاقة فلم يكن من المستبعد أبداً أن يقوم البعثيون بإبعاده من العراق عام 1973، وقبل خروجه تشرف بخدمة الإمام طالباً منه الإرشادات والتوجيهات اللازمة، وقد أعطاه الإمام وكالة خاصة في الحقوق الشرعية إلا أن البعثيين أخذوها منه أثناء تفتيشه في الحدود.
إبعاده من قم المقدسة
في السنة الأخيرة من تواجد الشهيد في مدينة قم المقدسة أي العام 1978 كان فتيل الثورة الإسلامية في إيران قد اشتعل، ورقعة المظاهرات الشعبية المطالبة بإسقاط الشاه وإقامة الحكم الإسلامي تتسع فتلتحق المدينة تلو الأخرى بهذا الركب.
لم يتعامل الشهيد مع هذا الوضع على أساس أنه مختص بالإيرانيين، بل شارك فيه باعتباره تحركاً إسلامياً على رأسه الولي الفقيه، فكان يشارك في المظاهرات ويدعو بقية الطلبة لحضورها.
جهاز الأمن الإيراني (السافاك) الذي كان يراقب الحوزة بدقة شديدة باعتبارها مركز ومنطلق الأحداث في إيران، اعتقل الشهيد لنشاطه السابق وبعد إجراء التحقيق معه طلب منه التوقيع على تعهد يلتزم من خلاله بعدم حضور المظاهرات والخطب والإمتناع عن لقاء الثوريين وعن المشاركة في أي أمر يتعلق بالثورة ضد النظام، فامتنع عن الاستجابة لذلك، فأصدر السافاك أمراً يقضي بإبعاده، فتم ذلك والحسرة تأكل قلب الشهيد لما يجري في إيران.
السائر في خط الإمام
قبل الخوض في جهاد الشهيد في باكستان بعد إبعاده من مدينة قم المقدسة، لابد لنا أن نثبت أصلاً آمن الشهيد به وكان حاكماً، على تحركه وجهاده بشكل عام وهو السير في خط الإمام ونهجه ودعوة المسلمين لاتباع الإمام الخميني ــ رض ــ؛ فقد كان شهيدنا مؤمناً بأن خط الإمام هو أفضل وأوضح خط وطريق للمسلمين لمواجهة الخطوط المنحرفة سواء يمينية كانت أو يسارية، رجعية أو التقاطية، ويعتبره ذا أبعاد مختلفة تستوفي كل المجالات التي يحتاج إليها الإنسان، ولو لم ينتمي الإنسان إليه فإنه سيبتلى بالانحراف لا محالة.
أما عن الإمام ــ رض ــ نفسه فقد بيّن الشهيد للمسلمين عظمة شخصيته ومنزلته، ودعاءهم لاتباع قيادته حيث النجاة في ذلك، وننقل كلمتين للشهيد في هذا المجال، يقول (رض): "كما أن الكعبة رمز إتحاد المسلمين فهم يتجهون إليها ويصلون نحوها، كذلك ينبغي أن يكون للمسلمين قائد واحد يتبعونه، وقد فطن المسلمون ــ ولله الحمد ــ لهذا الأمر، واليوم يمكن القول بأن جميع الشروط اللازمة في القائد موجودة بالكامل في سماحة الإمام وهو أجدر رمز لقيادة العالم الإسلامي، لقد كنا في السابق نعتقد أن الإمام هو قائدنا، أما اليوم فإننا نطيع أحكامه أيضاً على أساس أنها أحكام واجبة الطاعة".
ويقول في موضع آخر: "يجب أن يكون للمسلمين مركز واحد ولا يمنع من ذلك تعدد محافظاتهم، وإن أجدر فرد لقيادة المسلمين هو أمل المستضعفين آية الله العظمى الإمام الخميني روحي له الفداء، ولو أن المسلمين اجتمعوا تحت ظل قيادة الإمام الخميني فإننا سنشهد جميعاً أن قضية أفغانستان ولبنان وفلسطين والأماكن الأخرى سوف تحل".
تابع.......</span>