العودة   منتديات الطرف > الواحات الإسلامية > ۞ ۩ ۞ الواحة الإسلامية ۞ ۩ ۞




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 10-06-2013, 11:22 AM   رقم المشاركة : 1
القابض على الجمر
طرفاوي مشارك
 
الصورة الرمزية القابض على الجمر
 






افتراضي إمكان الرؤية في الرد عمن نفاها !

إمكان الرؤية في الرد عمن نفاها !
13- الشيخ أبو الحسن بن معتوق بن عبد الحميد الفتوني البناطي العاملي (ت 1140 هـ):
وهو جدّ صاحب " الجواهر " وتلميذ المجلسي الأول، وينقل صاحب الجواهر بعض آرائه الفقهية.(1)
قال المحدّث صاحب " المستدرك " ما ترجمته:
يقول في كتاب " ضياء العالمين " بعد أن ينقل بعض قصص من شاهد الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف:
" المنقولات المعتبرة في رؤية صاحب الأمر عليه السلام غير ما ذكر كثير، حتى في هذه الأزمنة القريبة، وقد سمعت من الثقاة أن مولانا الأردبيلي رآه عليه السلام في جامع الكوفة، وسأله مسائل، وأن مولانا محمد تقي والد شيخنا رآه عليه السلام في الجامع العتيق بأصفهان".(2)
14- السيد بحر العلوم ( 1155 - 1212 هـ ):
في معرض حديثه عن التوقيعات التي خرجت من الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد – رضوان الله عليه – قال السيد عليه الرحمة والرضوان:
" وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة حال المبلّغ ودعواه المشاهدة المنفية بعد الغيبة الكبرى, ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن, واشتمال التوقيع على الملاحم والإخبار عن الغيب الذي لا يطّلع عليه إلا الله وأولياؤه بإظهاره لهم، وأن المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام, ويعلم أنه الحجة عليه السلام حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلّغ ادعاؤه لذلك. وقد يمنع أيضاً امتناعها في شأن الخواص وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الإعتبار ودلالة بعض الآثار".(3)
وتجد في قصص السيد بحر العلوم – قدّس سره – التي نقلت في كثير من المصادر بأسانيد صحيحة تصريحه مراراً بأنه تشرف بلقائه عليه السلام.(4)
وقد ذكر المحدث صاحب " المستدرك " عليه الرحمة نقلاً عن " الفوائد الرجالية " قول السيد حول الإجماع ما ترجمته:
" وقد يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام بعينه بوجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغيبة، ولا يتمكن من التصريح بنسبة ذلك القول للإمام, فيظهر ذلك القول في صورة الإجماع جمعاً بين إظهار الحق والنهي عن إفشاء مثل هذا السر".(5)
15 – المحقق القمي صاحب " القوانين " ( 1151 – 1231 هـ ):
اشتهر في العديد من المصادر سؤاله السيد بحر العلوم عن بعض مشاهداته, وكلام السيد معه حول أنه رآه عليه السلام, وتجد ذلك في قصص السيد بأسانيد صحيحة, منها ما أورده التنكابني صاحب " قصص العلماء " عن المولى السلماسي الذي كان حاضراً في مجلس ضم السيد بحر العلوم وصاحب القوانين وجرى فيه الكلام عن رؤية المولى بقية الله أرواحنا فداه.(6)
16 – المحدث النوري صاحب " المستدرك " ( 1254 – 1320 هـ ):
ألّف رحمه الله كتاب " جنة المأوى " وأورد فيه الكثير من قصص اللقاء، وقد أدرج هذا الكتاب في الجزء الثاني والخمسين من بحار الأنوار، كما أفرد في موسوعته القيمة " النجم الثاقب " حوالي مائتي صفحة لسرد قصص الذين تشرّفوا بلقائه عليه السلام, واعتنى بتصحيح أسانيد هذه القصص، بل إنه ينقل بعضها عمّن شاهده عليه صلوات الله وسلامه كما في قصتي الحاج علي البغدادي والسيد الرشتي, رحمهما الله. وقد عبّر رحمه الله عن رأيه في الأحاديث الواردة التي ظاهرها نفي إمكانية الرؤية في عصر الغيبة الكبرى, فقال:
" إنها لا تنهض لمعارضة الوجدان القطعي الذي يحصل من مجموع هذه القصص والحكايات ".(7)
17 – السيد محسن الأمين رحمه الله ( 1284 – 1373 هـ ):
قال عليه الرحمة:
" وقد جاءت أحاديث دالة على عدم إمكان الرؤية في الغيبة الكبرى, وحكيت رؤيته عليه السلام عن كثيرين في الغيبة الكبرى, ويمكن الجمع بحمل نفي الرؤية على رؤية من يدّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه على مثال السفراء أو بغير ذلك ".(8)
***
هذه أقوال بعض كبار علمائنا الأبرار في مسألة الرؤية, وهي تكاد تغطي الفترة الممتدة من القرن الرابع حتى القرن الرابع عشر الهجري، وما هي إلا جانب مما يجده المتتبع في هذا المجال, بل يمكن الجزم بالإجماع على إمكان الرؤية ووقوعها.
ولم أجد أحداً من العلماء يتبنى القول بعدم إمكان رؤيته عليه السلام, وليس من الصحيح أبداً أن يدرس توقيع السمري رحمه الله بمعزل عن هذه الحقيقة التي تلتقي عندها كلمات العلماء الأعلام، فهم رغم علمهم به يصرّحون بإمكان اللقاء أو وقوعه كما رأيت.
وهل السبب في ذلك ردّهم لهذا التوقيع, أم الجمع بينه وبين ما صحّ من قصص الرؤية, أو العلم وجداناً بوقوع الرؤية.
وقد تقدم في كلام السيد بحر العلوم وكذلك في كلام الحر العاملي عليهما الرحمة ما يدل على الثاني.
إلا أن المحدث صاحب " المستدرك " تناول هذا التوقيع بالتحقيق, وأفرد الباب الثامن من كتابه الموسوعي " النجم الثاقب " للجمع بين الروايات التي يفهم منها نفي المشاهدة، وبين قصص المشاهدة الصحيحة السند, وذكر ستة أجوبة, منها:
إن هذا الخبر – توقيع السمري – ضعيف, وما عداه أخبار آحاد ليست نتيجتها إلا الظن, ولا تورث جزماً ولا يقيناً، ولذا فلا يمكنها أن تعارض الوجدان القطعي الحاصل من مجموع هذه القصص والحكايات, وإن لم يحصل من كل منها منفرداً،
إلى أن يقول:
" فكيف يصح الإعراض عنها لوجود خبر ضعيف ".(9)
***
بعد هذه الجولة، مع آراء العلماء الأعلام, عبر القرون، أعيد طرح السؤال الذي كنت بصدد الإجابة عنه:
هل يمكننا أن نرى الإمام صاحب الزمان عليه السلام في الغيبة الكبرى؟
وقد أصبحت الإجابة واضحة، فلا مجال على الإطلاق لنفي إمكانية التشرف بلقائه عليه صلوات الرحمن، ومن حاول نفي ذلك فرأيه شاذ لا يلتفت إليه.
يبقى أن من الضروري تعزيز الإعتقاد بإمكانية الرؤية ووقوعها في نفوسنا – بالإضافة إلى الوقوف على آراء العلماء – بمحاولة فهم دلالة توقيع السمري عليه الرحمة, بما لا يتنافى مع قصص اللقاء.
فكيف ذلك؟
والجواب عن السؤال الأول، هو الآتي:
أولاً: ينبغي الوقوف من نص توقيع السمري عند فقرة "وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة, ألا فمن ادّعى قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر ".
والفقرة واضحة الدلالة على أن " من يدّعي المشاهدة " يدّعيها أمام الشيعة فهو إذاً يحرص أن يكسب دعواه بعداً اجتماعياً، ويتصدى لادعاء ذلك أمام جمهور الشيعة.
هذا هو المعنى الذي ينسجم مع طبيعة العبائر، وينسجم أيضاً مع مهمة توقيع يهدف إلى إقفال باب النيابة الخاصة، قطعاً للطريق على كل محاولة قد يقدم عليها بعض المنحرفين, بتحريك من السلطة, أو بمعزل عنها.
ولا دليل في هذا التوقيع على تأسيس أصل جديد, يرقى إلى إثبات منع رؤيته عليه السلام على الإطلاق.
وعندما تتأمل قصص اللقاء بروية وموضوعية، تجد أن ما صح منها – وهو كثير – لا ينطبق عليه عنوان: " وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة " فأصحاب هذه القصص يتكتمون عليها عادةً، وقد يصعب جداً سماعها منهم، ثم إنهم إذا حدّثوا بها حرصوا على أن يكون ذلك في أضيق نطاق، ومن السائد أن لا تعرف عنهم إلا بعد وفاتهم.
ولا ينافي ذلك أن تُعرف القصة في حياة صاحبها دون أن يعرف هو، ولا ينافيه أيضاً أن تُعرف ويُعرف صاحبها في حياته، ولكن على نطاق خاص جداً، كما هو الأمر في غالب القصص، ونجد في بعضها – ما عدا الغالب – الأمر من الإمام عليه السلام بنشر خبر الرؤية ومضمونه، كما ورد في قصة الحاج علي البغدادي التي هي في طليعة القصص سنداً ودلالة.
والخلاصة:
إن توقيع السمري لا دلالة له أبداً على نفي مشاهدة الإمام عليه السلام مع التكتُّم على ذلك، ولا على نفي المشاهدة التي تقترن بادعائها أمام عدد قليل من الناس، لأن من يفعل ذلك لا ينطبق عليه أنه أتى الشيعة يدّعي المشاهدة.
ثانياً: والقول الفصل هو ما تنبه له المحقق الجليل الشيخ النهاوندي في كتابه الموسوعي القيّم " العبقري الحسان " حيث قال:
" لا معارضة بين التوقيع الشريف ( توقيع السمري ) وأمثال هذه الحكايات حتى يحتاج إلى الجمع, لأن التوقيع الشريف بصدد منع دعوى الظهور, والمشاهدة فيه ( التوقيع ) بمعنى الظهور والحضور, كما في الآية المباركة " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " لا بمعنى الرؤية، ليقع العلماء في حيص بيص في الجمع بين التوقيع الشريف وهذه الحكايات.
" والقرينة على المعنى أمران:
الأول: قوله عليه السلام: " فلا ظهور إلا بعد الهرج والمرج, والفتنة والفساد ".
والثاني: قوله عليه السلام: ألا فمن ادّعى المشاهدة (أي الظهور) قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر, فكلاهما
( السفياني والصيحة ) من علامات الظهور. وعلى هذا, لا تعارض أبداً بين التوقيع الشريف وأمثاله مما ورد فيه امتناع المشاهدة وبين هذه الحكايات".(10)
ولا يخفى أن كلامه عليه الرحمة في غاية المتانة، باعتبار أن توقيع السمري متكفل بإعلان بدء الغيبة التامة والتنبيه على استمرارها حتى وقوع علامتي السفياني والصيحة, وعليه فالمشاهدة التي ينفيها التوقيع هي المشاهدة التي تتنافى مع الغيبة التامة ( أو الثانية ) التي هو بصدد إعلان بدئها،فالمنفي إذاً أمران:
* الأول: أن يدّعي شخص النيابة الخاصة, على غرار ما كان الأمر عليه في الغيبة الصغرى.
* الثاني: أن يدّعي شخص ظهوره عليه السلام, وانتهاء الغيبة الكبرى التي لا تنتهي إلا بالسفياني والصيحة.
وكل المشاهدات التي تثبتها قصص اللقاء, لا تنافي ذلك, لأنها قصص عن رؤية الغائب صلوات الله وسلامه عليه.
* والنتيجة العملية في نهاية المطاف, كما يلي:
1 – يجمع العلماء الأعلام على إمكانية رؤية الإمام عليه السلام.
2 – إذا استثنينا الشيخ الطوسي, والسيد المرتضى، اللذين يتحدثان عن " إمكانية الرؤية " فإن سائر العلماء الأعلام يتحدثون عن وقوع الرؤية، وينقلون قصص اللقاء.
3 – إن " توقيع السمري " لا يدل على عدم إمكان الرؤية التي تتضمنها قصص اللقاء، ولا علاقة له بذلك على الإطلاق, مهما كان تفسير " المشاهدة ".
4 – أن المشاهدة في التوقيع هي نقيض الغيبة، وردت كذلك في كتاب الله تعالى في قوله عز وجل "فمن شهد منكم الشهر فليصمه".
***
وأمام هذه المعطيات، فما هو المسوغ لنفي إمكانية التشرف برؤية خاتم الأوصياء عليه صلوات الرحمن، أو الخجل بقصص اللقاء والتعاطي معها باستخفاف، ونبذها في دائرة الإهمال، جنباً إلى جنب مع كل قصص القرآن الكريم، وسائر مفردات " المغيبات "؟.
إنها " شنشنة أعرفها من أخزم " وأخزم هنا، كل أولئك الذين تنكبوا المنهج العقلي السليم، الذي هو المنهج الغيبي، كما مر في المقدمة، وكما ستجد مزيداً من تسليط الضوء عليه في الصفحات الآتية، إن شاء الله تعالى.
رابعاً – في ظلال الغيب:
لا شك في أن قصص الرؤية والتشرف بلقاء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، قصص غريبة، بل إن بعضها شديد الغرابة, ولهذا كان لا بد من وقفة للتوضيح.
الإيمان بالغيب قاعدة كبرى بني عليها المعتقد الإسلامي, ولا يستطيع مسلم إنكار ذلك. لأن معنى قولنا: " مسلم لا يؤمن بالغيب " كمعنى قولنا: " موحد لا يؤمن بالله "!
المعتقد الإسلامي هو التوحيد، وهو غيب, والعدل، وهو غيب, والنبوة، ولا تكتسب مشروعيتها إلا من الغيب, والإمامة، وهي متفرعة عن النبوة, والمعاد، وهو وكل تفاصيله غيب في غيب.
وما عالم المادة – الحياة الدنيا – إلا ممر يفصل بين مرحلتين من عالم الغيب.
ومعنى الفصل بينهما أن هذا المخلوق المادي – الإنسان – هو بشكل عام لا يرقى إلى أن يعيش عالم الغيب وهو في عالم الشهادة، فيقع الفصل بين العالمين فيه, وعندئذٍ يكون الكفر والشرك والفسق, ولكنه إذا تسامى في تعامله مع الحقائق والقيم, وغلب الجانب الإنساني فيه على النزعة الحيوانية يصبح همزة الوصل بين المرحلتين, والشاهد على من يفصل بينهما.
أراد الله سبحانه للإنسان أن يكون عقلانياً وواقعياً، ولذلك أراده مؤمناً بالغيب, لأن العقل الذي يتنكر للغيب ليس إلا شيطنة نكراء, ولأن الواقع غيب أكثر منه شهادة، وبين العقل الحقيقي والموهوم, والواقع كما هو والواقع المدّعى ضلت عقول وتاهت, وضاعت حقائق وطمست.
فالناس بالنسبة للغيب مذاهب شتى:
* منهم من ينكره من الأساس.
* ومنهم من يقبله نظرياً، وينكره عملياً.
* ومنهم من يقبله نظرياً وعملياً، وهم أنماط يرتبط منها بحديثنا إثنان:
الأول: الإتجاه الذي يؤمن بالغيب ويتعامل مع عالم الشهادة على أساسه في كل المجالات, فهو يرى الواقع المادي، وينظر إليه بدقة, ولكنه يعطيه حجمه الحقيقي من الواقع ككل.
الثاني: الإتجاه الذي يؤمن بالغيب أيضاً, ويتعامل مع عالم الشهادة على أساسه في بعض المجالات, وعندما ينظر إلى الواقع المادي يعطيه أكثر من حجمه, فتختلّ عنده الرؤية, وتأتي نتائجه خاطئة. والخطأ في التعامل مع الغيب يترك أثره على كل شيء, في حياة الإنسان: على تعامله مع نفسه, ومع من حوله, ومع الطاغوت المتسلط على الناس, ومع الناس والآخرة.
الغيب في القضايا والمفاهيم والمواقف عمود فقري وعصب أساس, ولئن كان الواقع المادي بالمفهوم المتداول الآن يفرض علينا الدقة في أحكامنا وتقييمنا للأمور, فما ظنك بالواقع الحقيقي إذاً؟
مخطيء من يتصور أن الذهنية الغيبية مثالية تسبح في عالم الخيال بعيداً عن الواقع, فالحق الذي لا لبس فيه أن الذهنية التي لا تدرك عظيم حضور عالم الغيب هي محض خيال وحاطب ليل.
ولئن كان غير المسلم منسجماً مع نفسه عندما يتنكر للغيب لأنه مخطيء في بنيته الفكرية كخطئه في نظرته إلى الأمور، فإن المسلم الذي يشكل الغيب أساس بنيته الفكرية يذهب عريضاً حين يبني أحكامه على الجزئيات على أساس مادي محض, ملغياً إمكانية دخالة العنصر الغيبي.
والفكر الإسلامي مدعوّ لمواجهة هذا التحدي، فعندما نجد كتّاباً مسلمين يعرضون فكر القرآن بشكل " ينسجم مع روح العصر "‍ ويجردون ما يطرحونه من كل عناصر الغيب ليصبح مقبولاً لدى " المثقفين " ويقدمون الفكرة الغيبية بلبوس مادي لا نستطيع إلا أن نقول: إن الغيب قد غزي في عقر داره.
أن يجيد المسلم عرض الفكرة, وأن يدعو إلى سبيل الله بالحكمة, فيعرض الحقيقة كما هي بما يقرّب الأذهان إليها، هذا شيء، وأن يقدم جانباً من الحقيقة ويخفي جانباً منها بحجة " روح العصر " شيء آخر، وفيه يكمن الخطر، وهو الذي نراه في كثير من كتاباتنا.
لماذا نجد أكثر ما كتب عن الإسلام يركز على الحياة الدنيا: تنظيمها, إقامة العدل فيها, المرأة, الإشتراكية, حقوق العامل, الإحتكار, إلى آخره.
بينما لا نجد عن عالم الغيب: الخالق سبحانه ومصير عباده بدءاً بالموت وحتى انتهاء الحساب بين يديه، إلا النزر القليل؟
وهل يمكن أن تعمر الدنيا إلا على أساس الحق، وهو غيب أكثر من كونه شهادة.
ولماذا يصرّ أكثر الكتاب على تجاوز قضايا الغيب في سيرة المصطفى وأهل بيته المعصومين عليهم أفضل السلام, حتى أن أحدهم يقول في معرض حديثه عن معركة بدر: " وقد حاولت تجريدها من الأمور الخارقة للعادة "‌‌‍‍!
وماذا يبقى منها يا ترى؟!
لماذا نصرّ على إخفاء ما تطفح به السيرة من معجزات وكرامات ونتعامل معها في أحسن الأحوال بلغة: " علمها عند الله " فلا نجرؤ على تصديقها ولا نجرؤ على تكذيبها ( احتياطاً )!
ولماذا نصرّ على إبراز الجانب المادي فقط في ما لا نخفيه من حقائق الإسلام؟
وما هذه النزعة القاتلة إلى فلسفة أحكام دين الله على أساس ما عندنا من علم محدود؟
وماذا تعني روح الهزيمة هذه أمام منجزات " العلم الحديث " ومعطيات الهجمة المادية في القرون الأخيرة؟
أليس أكثر ما كتب عن الرق في الإسلام متأثراً بذلك، يحاول أن ينفي عن الإسلام " عار " الإسترقاق مع أن لنا الحق الآن أن نسترِقّ؟(11)
وأحكام أهل الذمة ومحاولة فهمها على أنها أحكام لوقتها، وقد تغيَّر الظرف فتغير الحكم تبعاً له.
وما كتب عن الصوم, وتعدد الزوجات, وحرمة لبس الذهب للرجال, بل وحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وحب أهل بيته عليهم السلام وإقامة الشعائر الحسينية, وغيبة الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه، أليس الكثير منه خجولاً يحرص أن يثبت أن المسلمين لم يخرجوا من بيت طاعة " روح العصر " والعلم الحديث!
ولا أنكر قيمة العلم " الحديث " إنما أنكر تأليهه، واعتبار كل نظرية قانوناً.
يقول أحد المؤمنين العاملين: " كنت فيما مضى أفسر الروايات التي تحث على التختم بالعقيق تفسيراً اقتصادياً بمعنى أن هذه الروايات تهدف إلى تحسين الوضع الإقتصادي لأهل البلاد التي يوجد فيها العقيق! " ويضيف: " وكنت أحمل الروايات التي تحثّ على صلاة الليل والبكاء بين يدي الله سبحانه والتضرع والخشوع، على أنها توجهنا نحو محطات عبادة عدة مرات في السنة " للتزود بالوقود الإيماني"! بمعنى أنه ليس المطلوب ذلك باستمرار، فهل نجعل العبادة شغلنا الشاغل"؟!
وهل هذا الفهم خاص به؟
ألم تفرز أكثر طرق العمل الإسلامي الحركي خطوطاً فكرية هذا شأنها؟
كيف ينظر أكثرنا إلى روايات البكاء والتباكي على الإمام الحسين عليه السلام؟
وكيف نتعامل عادةً مع روايات نزول مائدة من السماء على الزهراء عليها السلام, ونزول أربعة من الحور العين عليها؟ وعندما نسمع حديثاً عن طي الأرض فماذا نقول؟
وإذا حدثنا أحد بأن فلاناً الزاهد استخار الله له ثم أخبره بما نوى، أو حدثنا بأن فلاناً العابد رآه فأخبره عما جرى له مما لم يعلم به أحد إلا الله, وغير ذلك، فهل ترانا نصدقه؟
وهل هذه سيرة علمائنا الأبرار؟
لقد جمع المحدث النوري في " النجم الثاقب " مائة قصة عن المتشرّفين بلقاء صاحب الزمان عليه السلام, وشهد بصدقها جميعاً, وما زال فينا من ينكر أصل هذه القصص!
وخصص كتاب " دار السلام " بأجزائه الأربعة للرؤيا والمنام مبيناً أنها على أقسام, معتبراً أنها طريق من طرق التذكير بالآخرة، وما زال فينا من يعتبر ذلك منافياً للوعي، وأن المنام – مطلقاً – أضغاث أحلام!(12)
والسيد بحر العلوم رضي الله عنه ينزع قميصه وينخرط في صفوف الموالين في مواكب عزاء سيد الشهداء مشاركاً في اللطم، وعندما يُسأل عن سبب ذلك يقول: " رأيت صاحب الأمر عليه السلام بينهم فلم يكن لي مما فعلت بد ".(13)
وآية الله الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم كان يقود موكب اللطم في عاشوراء – وهو يلطم.(14)
ونحن ما زلنا نناقش في التباكي وما المقصود به، وكيف نوفق بين ذلك وبين الوعي. وروح العصر؟!
والسيد الشهيد دستغيب رضوان الله عليه – معلم الأخلاق الجليل بشهادة الإمام الخميني ( قدس سره ) – كان يقرأ دعاء كميل فيذكر مصيبة سيد الشهداء, ويبكي على المنبر أمام عدسة التلفزيون بكاء الواله الحزين, وكأنه يجلس في بيته وحيداً, ولم يكن يهمه الإنسجام مع القرن العشرين, بل كان يريد للقرن العشرين أن ينسجم مع الإسلام ومعه!
المرحوم السيد الطباطبائي صاحب تفسير الميزان عليه الرحمة والرضوان, يتحدث عن طي الأرض وتحضير الأرواح حديث المصدق بها, ولم يقدح ذلك في كونه الفيلسوف الإسلامي, والمفسر القرآني الأول في هذا العصر.
أليس كل هذا نابعاً من نمط التعامل مع الغيب, ودرجة قوة عالم الشهادة وتفاصيله في ذهننا وتفكيرنا؟
وإذا كان لأحد أن يناقش في سيرة العلماء بأنهم بشر غير معصومين، أو في سيرة المعصومين بأن ما يروى عنهم منقولات لا تفيد علماً، فهل باستطاعة أحد أن يناقش في كتاب الله سبحانه وتعالى؟
ألا نجد بوضوح أن القرآن يتعامل مع الغيب بخلاف تعاملنا معه؟
وإليك بعض النماذج القرآنية:
* عن عرش بلقيس وإحضاره في أقل من لمح البصر، قال تعالى:
(قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقويّ أمين * قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك, فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر, ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم . * قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين * قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين).(15)
فهل إحضار عرش بلقيس من مسافة بعيدة، وبهذه السرعة أشد غرابة, أم انتقال إنسان من مكان إلى مكان بإذن الله بطيّ الأرض؟
*وعن السمكة الميتة التي اتخذت سبيلها في البحر سرباً حين لامسها ماء الحياة, يقول الله تعالى:
"فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا*فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا * قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت, وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره, واتخذ سبيله في البحر عجبا". الكهف 61-63
وعن نبي الله عيسى – على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام – يقول تعالى:
"ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله, وأبريء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله, وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم, إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين".(16)
وعن البقرة التي أُمر بنو إسرائيل بذبحها فذبحوها وما كادوا يفعلون, يقول تعالى "وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون".(17)
فإذا كان الله سبحانه يجعل خاصية الإحياء تارة في الماء, وطوراً في لحم البقرة, فما الغرابة في أن يصل عبد صالح من عباد الله إلى مرتبة يستطيع فيها إحياء الموتى بإذن الله تعالى، حتى إذا لم يكن نبياً مثل عيسى عليه السلام؟
وإذا كان الإخبار بالغيب – الذي يُطلع الله عباده الذين ارتضى عليه – ممكناً لنبي الله عيسى عليه السلام، فلماذا لا يكون ممكناً للآخرين من غير الأنبياء؟
وما الدليل على أن ذلك كان على يديه لخصوصية النبوة؟
عندما نقرأ قصة عن توسل أم بالإمام الحسين عليه السلام, وشفاء ولدها الحي، أو حياة ولدها الميت(18) فهل ترانا نتذكر لحم بقرة بني إسرائيل؟!
وعندما نقرأ عن تواصل بين روح طاهرة لأحد الأخيار، وبين أرواح الأموات، فهل نتذكر حديث القرآن الكريم عن العالم الآخر، عن جنته والنار، عن حسابه وعقابه، وملائكته وصراطه، عن كل هذا العالم المتماسك الذي هو لبّ الحياة في مقابل قشر الحياة وظلها الذي نعيش؟
ولماذا نصرّ على إنكار ذلك، أو على الأقل على إخفائه في قعر تفكيرنا, في حين أنّا نجد القرآن الكريم يتناول هذه الأمور بكل وضوح وبمنتهى الإسترسال؟
قال تعالى: " أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه, قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم, قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه, وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس, وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً, فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ".(19)
* وعن أهل الكهف: " ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً ".(20)
* وعن نبي الله سليمان وعلمه منطق الطير والنمل:
" وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين * وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون * حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكاً من قولها وقال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ, وأن أعمل صالحاً ترضاه, وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين * وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين * لأعذبنّه عذاباً شديداً أو لأذبحنّه أو ليأتينّي بسلطان مبين * فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به, وجئتك من سبأ بنبأ يقين * إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزيّن لهم الشيطان أعمالهم، فصدّهم عن السبيل فهم لا يهتدون".(21)
وكل كتاب الله سبحانه كذلك، ولو لم يكن إلا سورة النمل لكفى.
إذاً, لماذا نحرص على عدم طرح المغيبات على الناس، وهي عادةً أقل غرابة من نوم أهل الكهف ثلاثمائة وتسع سنين،ثم عودتهم إلى الحياة الدنيا، أو أقل غرابة من موت "الذي مر على قرية" مائة عام ثم بعثه وطعامُه لم يتسنّه، وحماره يتبدل من هيكل عظمي أو بقايه إلى ماكان عليه قبل قرن من الزمن! فإذا به قائم بالقرب منه.
ولماذا ننكر- دونما محاولة التثبت- ما يروى مثلاً من أن الإمام الرضا عليه السلام كلّم الغزال وضمنه لصياده؟
وهل الغزال دون النملة قابلية وقدرة على النطق؟
ولماذا لا نتصور إمكانية أن من الحيوانات من يحضر مأتم سيد الشهداء ويبكي لمصابه؟(22)
وهل هذا أكثر غرابة من قصة الهدهد كما يرويها القرآن الكريم؟ لقد مضى الهدهد في رحلة استطلاع توحيدية هادفة، وعبّر بكلامه عن حمل همّ رسالي! " وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله, وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل فهم لا يهتدون "!
قد يذهب أحدنا إلى بلاد الكفر فيبهره ما فيها من تقدم مادي، فيصرفه ذلك عن تقييم معتقدهم وانحطاطهم الخلقي، أما الهدهد فإنه لم يشغله الشأن المادي عن ملاحظة إسفاف المعتقد، فقال: " وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزيّن لهم الشيطان أعمالهم ".
بهذا المنطق السليم المتوازن يرفع الهدهد تقريره، ويقدم نتيجة استطلاعه!!
فهل أننا الآن في عرضنا لحقائق الإسلام نعتمد هذا المنهج القرآني الذي يتحدث عن عالم الغيب – على الأقل – بنفس اللغة التي يتحدث فيها عن عالم الشهادة، أم أن معظم الكتابات الحديثة بعيدة عن هذا، حريصة على أن تطرح من هذه الحقائق ما يتقبله الناس.
على أني أشك في أن الناس هم الذين لا يقبلون, لأنهم أشد صفاء وأنقى فطرة منا معاشر "المثقفين" من "حوزويين" وغيرهم!
نعم، المتأثرون بالفكر المادي الغربي هم الذين لا يتقبلون.
ومتى كان هؤلاء مقياساً يا ترى وفيهم مَن قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة؟ كما أن فيهم كمن حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها, ومن هم كالأنعام بل أضل سبيلا!
إلى متى ستظل أكثر الكتابات الإسلامية أسيرة بعض الأفهام الخاطئة؟ وإلى متى ستظل مواقفنا السياسية نابعة من فهم هؤلاء للنصر وأساليب الصراع مع الأعداء؟!
ألا نعلم أنّا بذلك نعمد إلى بحر متلاطم الموج هادر لندخله في أنابيب أفهام معوجّة, شوّهتها الذنوب وضيّقت مجراها كضيق صدور أصحابها, الذين هم كأنما يصّعّدون في السماء.
الحقيقة الصراح التي أريد التأكيد عليها، هي أن علينا بدلاً من عرض الإسلام كما نريد، بحجة أنه دين العقل والمنطق والواقع، أن نعرض الإسلام كما هو, ونثبت أنه دين العقل والمنطق والواقع.
ليس من المنطق في شيء أن نتجنّب هذه الحقائق القرآنية المتقدمة هنا, وأمثالها كثير جداً في كتاب الله سبحانه، ونعمد إلى ما لا يستغربه أحد فنبيّنه للناس, بل المنطق كله في أن نبين هذه الحقائق ونستدل على إمكانها ووقوعها.
ليس من المنطق في شيء أن نتحدث بخجل عن معجزات الرسول الأعظم وأهل بيته الأطهار وكراماتهم.
بل المنطق أن ندرسها كما ندرس كل حديث ورواية: ما صح سنده قبلناه، وعرضناه على الناس بالدليل والبرهان.
وقد يتصور البعض أن الفارق بين المنهجين بسيط, فالمنهج الأول يعرض حقائق الإسلام المقبولة ويترك المغيبات التي هي مثار جدل واستغراب.
والمنهج الثاني يعرض كلا النوعين من حقائق دين الله: المادية والغيبية.
قد يتصور هذا, ولكنه خطأ فادح، فعرض أي حقيقة إسلامية بمعزل عن قاعدتها الفكرية، يمسخها ويلغي كونها من حقائق الدين.
وقد لا يكون الأمر بهذه الخطوة باديء ذي بدء، إلا أن هذا الخطر يصبح واقعاً محتماً، عندما يعتمد العمل الإسلامي في بلد ما هذا النهج, وطيلة عقود من الزمن، وهذا ما نعاني منه في كثير من بلادنا الإسلامية.
إذاً, ليس عندنا نمطان من مفاهيم الإسلام: نمط غيبي ونمط مادي، فعالم الغيب والشهادة متداخلان في المفاهيم والحقائق كما هما في الواقع.
صلاة الليل والعبادة عموماً هي المنطلق للثورة على الطواغيت. الجهاد الأكبر هو قاعدة الجهاد الأصغر.
البكاء بين يدي الله سبحانه، هو الذي يبني روح الإستشهاد في المجاهد.
وذكر جوع يوم القيامة وعطشه، هو الذي يسهم في تعميق إحساسنا بآلام الفقراء.
الثواب، ورضوان الله تعالى، يدفعاننا إلى قضاء حوائج الناس. والأمل برحمة الله والخوف من عقابه هز وجل، يحملاننا على احترام الناس وعدم التعالي عليهم والتفرعن.
الإيمان الصادق هو الذي يلهب الثورة، ويجعل المجتمع متماسكاً أمام كيد المتجبرين وبطشهم.
بدعاء كميل، والإفتتاح، والندبة، وغيرها نعدّ أنفسنا لمواجهة أمريكا وإسرائيل وكل قوى الكفر.
وفي هذا السياق لابد من ذكر دعاء التوسل بالخصوص، حيث لايتسع له حتى الإنفتاح الثقافي المزعوم الذي يتسع حتى ل"ثقافة" أرسين لوبين" و "زورو" !
أليس مانقرأه في ليلة القدر حين نضع القرآن الكريم على الرأس دعاء توسل؟!!
فلماذا هذه الحرب الشرسة على قراءة دعاء التوسل، بالتستر بإرادة الباطل عبر إشاعة شبهة جاهلة مفادها أنه من وضع المحقق الطوسي!
وهل تنحصر صيغ التوسل بهذه الصيغة؟!
أوليس التوسل من الثوابت المتسالم عليها بين المسلمين؟!!
أليس في مفاتيح الجنان مثلاً دعاءان للتوسل خما غير الصيغة المذكورة؟
وماهي فتوى العلماء حول إنشاء الدعاء؟
ألا يكشف ذلك أن الموقف من دعاء التوسل يشي أو يفصح عن "منهجية" لاتمت إلى العلم والموضوعية بنسب ولا سبب؟
إن الإسلام كلٌّ واحد، وبناء متماسك, كل حقيقة من حقائقه جزء من ذلك الكل, ولبنة في ذلك البناء.
وعصب ذلك الكل، وماء ذلك البناء هو الإيمان بالغيب، فمن يحرص على عدم ذكر المغيبات. فهو في الحقيقة يحرص على تشويه الإسلام، دون أن يعلم، وكذلك من يحرص على الغيب كيفما كان دون تثبت ودون التزام الدقة والحذر, بحيث يدخل الخرافة في دين الله, فهو أيضاً يشوه الإسلام, وقد يكون لا يعلم، وربما علم.
لا تعني الدعوة إلى الغيب قبول كل ما يكتب في هذا المجال أو يقال, كما لا تعني رفض كل شيء لا تقبله عقولنا بحجة أنه خرافة, فعقولنا للأسف ليست نتاج الإسلام،، ولا نتاج المناخ العقلي السليم الذي يوصل إليه.، بل الغالب فيها أنها نتاج الجاهلية التي تربينا في أحضانها وعلى مفاهيمها وعاداتها.
بل تعني الدعوة إلى الغيب، أن نعيد النظر في موففنا النظري والعملي من المغيبات، فلا نعجل في الحكم عليها، متذرعين بأنها لا تتناسب مع الوعي الذي تشهده بلاد المسلمين, أو ما شابه من أعذار ليست إلا حُجُباً تحول بيننا وبين رؤية الحقيقة.
" ما طرق سمعك فذره في بقعة الإمكان " لا تقبله دون تثبت علمي، ولا ترفضه بدون دليل.
إن أخطر الحُجب ما يجعل صاحبه يعتقد أنه هو الإسلام, فما انسجم مع سليقته وذوقه فهو من دين الله، وما عداه فهو بدعة وخرافة.
" اللهم عرّفني نفسك, فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك ".
" اللهم عرّفني نبيّك, فإنك إن لم تعرّفني نبيك لم أعرف حجتك ".
" اللهم عرّفني حجتك, فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني".(23)
***
وطالما حذر الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه من هذا الخطر.
واعتبره السد الذي يعيق حركة المسلم كلياً، فلا يعود باستطاعته أبداً أن يتقدم أي خطوة على طريق الإيمان بالله تعالى وتهذيب النفس،
يقول عليه الرحمة والرضوان:
من جملة الأمور التي هي " سد " طريق الإنسانية, إنكار المقامات، وحصر جميع الأشياء (والحقائق) في الأمور التي نفهمها.
إذا تعمق إنسان بعض الشيء ولو لفظاً فإنه من وجهة نظر هؤلاء قد خرج من الدين.
الأساس الهام الذي ينبغي التنبه إليه هو أن كل ما في كلمات أهل المعرفة العلمية قد ورد ما هو أكثر منه وفوقه في أدعية أهل البيت عليهم السلام.
فإن أنكرتم هذه (الحقائق التي وردت في كلمات أهل المعرفة العلمية) فقد أنكرتم تلك (أقوال الأئمة عليهم السلام) ولو كنتم لا تعلمون،
وهذا الإنكار سد طريق الإنسانية، لا يدع الإنسان يتقدم ولو خطوة.(24)



الهوامش
(1) بحار الأنوار ج 105 / 86 و 87.

(2) النجم الثاقب 233- 234.

(3) السيد بحر العلوم / الفوائد الرجالية ج 3 / 320 و 321.

(4) مستدرك الوسائل ج 3.

(5) النجم الثاقب / 413.

(6) التنكابني / قصص العلماء / 171.

(7) النجم الثاقب / 412.

(8) أعيان الشيعة 2 / 71 ولاحظ 63 / 67 / 69.

(9) النجم الثاقب / 412.

(10) النهاوندي / العبقري الحسان / فارسي / باب المسك الأذفر – 128.

(11) يرى السيد الطباطبائي عليه الرحمة في تفسير الميزان أن الإنسان يكتسب قيمته من ارتباطه بالله سبحانه فإذا انفصل عنه عز وجل, فقد بدأ يفقد قيمته، فإذا وصل إلى حد إعلان الحرب على الله تعالى, جُرد من كل قيمة، واستُرق. ومن الواضح أن هذا يظهر قيمة الفكر في الرؤية التوحيدية، بحيث إن قيمة الإنسان تدور مدار الفكر السليم.

(12) قلت لبعضهم: لقد أقام نبي الله يوسف حكم مصر أربعة عشر عاماً على أساس منام، فقال: لمنامات الأنبياء شأن آخر. قلت: ولكن هذا المنام كان منام فرعون!

(13) ملاقات با إمام زمان / فارسي / ج 2 / 256.

(14) سمعت ذلك من تلميذه المرجع المقدس السيد الكلبايكاني في مقابلة أجرتها معه إذاعة طهران بتاريخ 11 شهر رمضان المبارك / 1406 للهجرة.

(15) النمل 39- 44.

(16) آل عمران49.

(17) البقرة 72 – 73.

(18) أورد الشهيد دستغيب قصة صحيحة في هذا المجال في كتابه القيّم " القصص العجيبة " الذي التزم بأن لا يورد فيه إلا ما تأكد من صحته.

(19) البقرة 259.

(20) الكهف 25.

(21) النمل 16-24.

(22) ورد هذا في قصة صحيحة ذكرها المحدث النوري في " النجم الثاقب " نقلاً عن المولى السلماسي, وهو من كبار العلماء ومن تلامذة السيد بحر العلوم.
(23) من أدعية زمن الغيبة وسنده معتبر. كمال الدين وتمام النعمة / 512, ومنتخب الأثر / 502.

(24) من خطبة للإمام قدس سره بمناسبة عيد الفطر السعيد.

 

 

 توقيع القابض على الجمر :
احضر مجلسك ياحسين خليني
خلها تجيبني الدمعه وتوديني
القابض على الجمر غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 12:39 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد