العودة   منتديات الطرف > الواحات الإسلامية > ۞ ۩ ۞ الواحة الإسلامية ۞ ۩ ۞




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 09-12-2010, 11:02 AM   رقم المشاركة : 21
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )



ملاحظة: سوف أوافيكم بالحلقة الرابعة والتي سيكون الحديث فيها حول برهان النظم بعد انتهاء الليلة الثالثة عشر من شهر محرم الحرام - إن شاء الله تعالى-.

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2010, 05:21 PM   رقم المشاركة : 22
الفتى النادر
طرفاوي مشارك






افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

أحسنت عزيزي طالب الغفران على المجهود ...

وفقك الله ....

متابع ....

 

 

الفتى النادر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 19-12-2010, 09:28 PM   رقم المشاركة : 23
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي الحلقة الرابعة

الحلقة الرابعة

إثبات وجود الله

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم


البرهان الثاني: برهان النظم أو النظام

سوف يكون الحديث في هذا البرهان حول النقاط التالية:-

1- تعريف برهان النظم.
2- شواهد قرآنية على برهان النظم.
3-الروايات وبرهان النظم.
4- مناظرات تتعلق ببرهان النظم.
5-أمثلة على برهان النظم.
6- إشكال وجوابه.



أولاً: تعريف برهان النظم:-

"أوضح الأدلّة على إثبات الله تعالى الذي يحكم به العقل ، ويقضي به الوجدان ، ويحسّه كلّ إنسان ، هو دليل النظم والتدبير .
فالجميع يرى العالم بسماواته وأراضيه ، وما بينهما من مخلوقاته ورواسيه من المجرّة إلى النملة . في خِلقة التكريم وسير التنظيم وتناسب عظيم .
فالإنسان نراه بأحسن كيفية، والحيوان نراه بالمواهب الفطرية، والنباتات والأشجار والأزهار والأعشاب نراها ذات المناظر البهيّة والخصائص النفعية ، وكذلك غيرها من الموجودات الاُخرى التي لا تعدّ ولا تحصى فيما بين السماء إلى أطباق الثرى .
نرى أجزاءها وجزئيّاتها مخلوقة بأحسن نظم ، وأتقن تدبير ، وأحسن صنع ، وأبدع تصوير .
ومن المعلوم بالبداهية لكلّ كبير وصغير ، ولكلّ ذي عقل وإحساس أنّ الإهمال لا يأتي بالصواب ، والخطأ لا يأتي بدقيق الحساب ، والإتّفاق لا يأتي بهذا العجب العُجاب .
فيحكم العقل بالصراحة ، ويذعن الوجدان بالبداهة أنّه لابدّ لهذا التدبير من مدبّر ، ولهذا التنظيم من منظِّم ، ولهذا السير الحكيم من محكِّم .
ويدرك جميع اُولي الألباب أنّه لابدّ لهذا النظام الدقيق من خالق حكيم ، ولابدّ لهذا التدبير العميق من مدبّر عليم خَلَقها وقدّرها وأدام بقاءها ، وأحسن خلقها وتدبيرها ، وهو الله تعالى شأنه وجلّت قدرته " ( العقائد الحقة - السيد على الحسيني الصدر).


" إذا تأمّل الإنسان من حوله فإنّه سيرى أنّ الكيان الماديّ لهذا العالم وأشكال أجزائه قد أُتقن صنعها ونُظّمت بشكلٍ دقيقٍ فألّف بين أجزاء الأفراد، وأوجد الانسجام بين الأفراد والتوازن بين الماهيّات بحيث يؤدي إلى الهدف والغاية من وجودها، ممّا يكشف عن أنّ وراءها موجداً عالماً وصانعاً مدركاً مختاراً.
إذاً، عندما نرى هذا النظم نوقن أنّ هذا العالم لم يوجد على نحو الصدفة، وبالتالي توجد علّة أوجدته بنظمه المتقن، فالنظم هو ما كان ناشئاً عن علّة مدركةٍ مختارةٍ وهادفةٍ" ( دراسات عقائدية – الشهيد مرتضى مطهري ).


ثانياً: شواهد قرآنية على برهان النظم:-

# قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } البقرة164.

# وقال تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } الزمر6.

# وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ{32} إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ{33}} سورة الشورى.

# وقال تعالى:{ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ{17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ{18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ{19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ{20}} سورة الغاشية.

# وقال تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ{33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ{34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ{35} سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ{36} وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ{37} وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ{39}} سورة يس.

ثالثاً: الروايات وبرهان النظم:-

•قال الإمام الصادق عليه السلام للمفضل بن عمر :"يا مفضل: أول العبر والأدلة على الباري جل قدسه تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه، فإنك إذا تأملت العالم بفكرك وميزته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه عباده، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وكل شئ فيها لشأنه معد، والإنسان كالمملك ذلك البيت، والمخول جميع ما فيه، وضروب النبات مهيأة لمأربه، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه، ففي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة، ونظام وملائمة، وأن الخالق له واحد وهو الذي ألفه ونظمه بعضا إلى بعض" ( بحار الأنوار للمجلسي عن الخبر المشهور بتوحيد المفضل).

•في كتاب الأهليلجة قال الصادق عليه السلام:" فنظرت العين إلى خلق مختلف متصل بعضه ببعض ، ودلها القلب على أن لذلك خالقا وذلك أنه فكر حيث دلته العين على أن ما عاينت من عظم السماء وارتفاعها في الهواء بغير عمد ولا دعامة تمسكها وانها لا تتأخر فتنكشط (أي تنقطع ) ولا تتقدم فتزول ، ولا تهبط مرة فتدنوا ولا ترتفع فلا ترى" ( تفسير نور الثقلين) .

•عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال:" ولو اجتمع جميع حيوانها: من طيرها، وبهائمها، وما كان من مراحها، وسائمها، وأصناف أشباحها، وأجناسها، ومتلبدة أممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت، وعجزت قواها وتناهت، ورجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنها مقهورة مقرة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضعف عن إفنائها " ( الإحتجاج للشيخ الطبرسي).

•سُئل أمير المؤمنين (عليه السّلام) عن إثبات الصانع ، فقال : « البعرة تدل على البعير ، والروثة تدل على الحمير ، وآثار القدم تدل على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ، ومركز سفلى بهذهِ الكثافة ، كيف لا يدلان على اللطيف الخبير » ؟ ( جامع الأخبار).

•وسُئل جعفر الصّادق (عليه السّلام) : ما الدليل على صانع العالم ؟ قال : « رأيت حصناً مزلقاً أملس لا فرجة فيه ولا خلل ، ظاهره من فضة مائعة ، وباطنه من ذهب مائع ، انفلق منه طاووس وغراب ونسر وعصفور ، فعلمت أن للخلق صانعاً » ( جامع الأخبار ).

•عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (الباقر ) عليه السلام في قول الله عزوجل:" (وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) قال: من لم يدله خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر والآيات العجيبات على أن وراء ذلك أمرا أعظم منه فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، قال: فهو عما لم يعاين أعمى وأضل" ( التوحيد للصدوق).


لبرهان النظم تتمة ،سوف أوافيكم بها في الحلقة القادمة – إن شاء الله تعالى - .

وفقكم الله

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-12-2010, 01:59 AM   رقم المشاركة : 24
سهيل
طرفاوي بدأ نشاطه
 
الصورة الرمزية سهيل
 







افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

أحسنت أخي طالب الغفران وجزيت خيرا

 

 

 توقيع سهيل :

Suhail
سهيل غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 22-12-2010, 09:20 AM   رقم المشاركة : 25
ابن الشهيد
مشرف الواحة الإسلامية وهمس القوافي
 
الصورة الرمزية ابن الشهيد
 







افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن أعدائهم

يعتبر برهان النظم من أوضح الأدلة على وجود الخالق عز وجل

أخي طالب الغفران شكرا جزيلا لك على هذه المعلومات القيمة والرائعة

 

 

 توقيع ابن الشهيد :
وطائفة منهم قد خطفهم الحسين منهم
ابن الشهيد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-12-2010, 06:27 PM   رقم المشاركة : 26
المنادي
طرفاوي نشيط جداً
 
الصورة الرمزية المنادي
 







افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآل محمد الأكرمين ،،، أخي طالب الغفران


بحث في منتهى الدقة ، لا سيما وأنه غني بجملة من الحجج والبراهين التي تزلزل قناعات الخصم ، حريّ بنا أن نعيد قرائته بإمعان وتدقيق بعد إنتهاء عرض حلقات هذه السلسلة الثرية إن شاء الله تعالى ، وقد هالني تعدد مصادر ومراجع البحث ، مما يجعل القارئ لا يمل الأسلوب ، ولا يشعر بتكرر الأفكار ..

واصل ، سددك الله ، وأثراك ..

فإنني (بفضل الله وتوفيقه)


متابع

 

 

 توقيع المنادي :
رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا ، وأكفني ما أهمني من أمر الدنيا والآخرة
المنادي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 30-12-2010, 01:08 AM   رقم المشاركة : 27
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي الحلقة الخامسة

الحلقة الخامسة

إثبات وجود الله

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم

البرهان الثاني: برهان النظم أو النظام

رابعاً: مناظرات تتعلق ببرهان النظم:-

# عن الإمام الصادق عليه السلام – لزنديق - قال له: أخبرني أيها الحكيم ما بال السماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد، ولا يصعد من الأرض إليها بشر، ولا طريق إليها، ولا مسلك، فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل لكان ذلك أثبت في الربوبية، وأنفى للشك وأقوى لليقين، وأجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبرا إليه يصعد الصاعد، ومن عنده يهبط الهابط.

قال عليه السلام: "إن كل ما ترى في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء، ومنها يظهر، أما ترى الشمس منها تطلع، وهي نور النهار، وفيها قوام الدنيا، ولو حبست حار من عليها، وهلك، والقمر منها يطلع، وهو نور الليل، وبه يعلم عدد السنين والحساب، والشهور والأيام، ولو حبس لحار من عليها وفسد التدبير، وفي السماء النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر، والبحر، ومن السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شئ، من: الزرع، والنبات، والأنعام، وكل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا، والريح لو حبست إياه لفسدت الأشياء جميعا، وتغيرت، ثم الغيم والرعد والبرق والصواعق، كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبرا يدبر كل شئ ومن عنده ينزل، وقد كلم الله موسى وناجاه، ورفع الله عيسى بن مريم، والملائكة تتنزل من عنده، غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك، وفيما تراه بعينك كفاية أن تفهم وتعقل" ( الإحتجاج ج2- الشيخ الطبرسي).

# علي بن ميثم مع ملحد:-
قال: وأخبرني الشيخ - أدام الله عزه - أيضا، قال: دخل أبو الحسن علي ابن ميثم - رحمه الله - على الحسن بن سهل وإلى جانبه ملحد قد عظمه والناس حوله. فقال: لقد رأيت ببابك عجبا! قال: وما هو؟ قال: رأيت سفينة تعبر بالناس من جانب إلى جانب بلا ملاح ولا حاصر. فقال له صاحبه الملحد وكان بحضرته: إن هذا أصلحك الله لمجنون! قال: قلت: وكيف ذلك؟ قال خشب جماد لا حيلة له ولا قوة ولا حياة فيه ولا عقل كيف تعبر بالناس؟ قال:
فقال أبو الحسن: وأيما أعجب، هذا أو هذا الماء الذي يجري على وجه الأرض يمنة ويسرة بلا روح ولا حيلة ولا قوى، وهذا النبات الذي يخرج من الأرض، والمطر الذي ينزل من السماء؟ تزعم أنه لا مدبر لهذا كله، وتنكر أن تكون سفينة تتحرك بلا مدبر وتعبر بالناس! قال: فبُهت الملحد (مواقف الشيعةج1-الشيخ
علي الأحمدي الميانجي ، نقلاً عن البحار: ج 10 ص 373).


خامساً: أمثلة على برهان النظم:-

آياته في خلق النحل:-

1 ـ حضارة النَّحل العجيبة! مع اتساع علم الحيوان وعلم الأحياء والدراسات المستفيضة للعلماء تم اكتشاف مسائل عجيبة وحديثة عن حياة هذه الحشرة الصغيرة أذهلت الإنسان بشدة، ولا يُصدِّق أبداً بأنْ يسودَ حياة النحل مثل هذا النظام والتدبير والتخطيط بلا أيِّ إحساس طبيعيٍّ.يقول أحد العلماء المختصين بعلم الأحياء ويدعى «مترلينغ» الذي كانت له دراسات كثيرة على مدى سنوات طويلة حول حياة النحل، والنظام العجيب الذي يحكم ممالكها يقول: «إنَّ الملكة في مدينة النحل ليست هي الزعيم كما نتصورها، بل هي كسائر أفراد هذه المدينة تخضع لسلسلة من القوانين والأنظمة العامة أيضاً».ثم يضيف: «نحن لا نعرف مصدر هذه القوانين وبأيّة طريقة توضعُ، ونحن ننتظر اليوم الذي نتوصل فيه إلى معرفة واضع هذه المقررات، إلاّ أننا نطلقُ عليه حالياً اسم «روح الخليّة»، ولا ندري أين تكمنُ «روح الخليّة» وفي أيٍّ من سكان الخلية حلَّت، إلاّ أننا نعرف أنَّ الملكةَ كالآخرين تطيعُ روح الخلية أيضاً»!.«إن روحَ الخليّةِ لا تشبه غريزة الطيور، ولا تعمل بآلية وإرادة عمياء، فهي تشخصُ تكليفَ كلِّ واحد من سكان هذه المدينة العملاقة حسب قابليته وتعطي لكلٍّ منها واجباً، فقد تأمُر مجموعةً ببناء البيت، وأحياناً تُصدر أمرَ الرحيل والهجرة»«والخلاصة أننا لا نستطيع إدراك أنَّ قوانين مملكة النحل التي توضع من قبل روح الخليّة هل ستطرح في «مجلس شورى» ويُصادقُ عليها ويتخذُ القرار بتنفيذها؟، ومَنْ الذي يُصدرُ أمرَ الحركةِ في اليوم المحدَّد»؟! (كتاب «النحل» تأليف «مترلينغ» ص 35 و 36 مع الاختصار).

إلاّ أنَّ القرآن الكريم أعطى جواباً لجميع هذه التساؤلات بتعبير جميل ودقيق جداً إذ يقول: (وَأَوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ)!وهو نفس التعبير الذي ذكرَهُ بخصوص الأنبياء((عليهم السلام))، صحيحٌ أنَّ هذا الوحي يختلف عن ذلك الوحي كثيراً، إلا أنَّ تناسقَ التعبير دليلٌ على أهمية العلم الذي أودعه الله لدى النَّحل، كي يدعو مفكّري العالم إلى دراسة أوضاعها.فمن المسلَّم به أنَّ بناء خلية النحل يجري بالهام إلهيٍّ، لأنَّها تبني تشكيلات سداسيّة منظمة واسعة من كمية قليلة من الشمع (حيث يمكن استغلال جميع زواياه ويكون مقاوماً أمام الضغط أيضاً) وتتكون بيوتها من طبقتين، وعندما تبني بيتاً في الجبال أو على الأشجار فهي تقتصر على هاتين الطبقتين إلاّ أنها تضيفُ طبقتين أُخريين في الخلايا الاصطناعية وبما يمكن استيعابه منها.ويتخذ قعر البيت شكلا هرمياً حيث يتألف من ثلاثة سطوح لوزية الشكل ويغور الرأسُ والأجزاء البارزة بكل طبقة في قعر الطبقة السفلى.وقد أثبتت التجارب أنه لو كان سطح الشمع مربع الشكل أو بأي شكل آخر وصُبَّ في قوالب اصطناعية ويُطلقُ النحل في داخله فسوف لا يرتضي مثل تلك الجدران الخاطئة، بل يرفع الجدران إلى الأعلى ويعيدها إلى وضعها الصحيح.لقد قاسَ أحد العلماء، قعر بيت النحل، فكانت زاويته الكبيرة تُقدرَّ بـ (109) درجات و (28) دقيقة، ثم طرحت هذه المسألة على مهندس ألماني كبير يُدعى «كنيك» كسؤال عام بأن لو أراد إنسان بناءَ هرم بأقلِ كمية من مواد البناء وبأكبر ظرفية بحيث يتشكل من ثلاثة سطوح لوزية فما مقدار زواياه؟.فقام بحلَّ هذه المسألة المعقدة بالاستعانة بحساب «ديفرانسيل» وكتب في الجواب، مائة وتسعة درجات وستة وعشرين دقيقة بدون علم منه بأنَّ هذا يرتبط ببيت النَّحل ومتفاوت معه بدقيقتين فقط.ثم تلاهُ مهندسٌ آخر يُدعى «ماغ لورن» فأجرى حسابات دقيقةً وتأكَّدَ بانَّ تلك الدقيقتين كانتا نتيجة لإهمال المهندس الأول، والجواب الصحيح كما فى عمل النحل»! (تفسير «أبو الفتوح الرازي» هامش المرحوم الشعراني ج 7 ص 123 «مع شيء من الاختصار»).

2ـ جمع رحيق الأزهار وصناعة العسل:
الأمر الثاني الذي استند إليه القرآن هو جمع العسل من رحيق الأزهار، وهو من المسائل المدهشة والمحيّرة حقاً.يقول بعض العلماء: يجب أن تسافر 50 ألف نحلة من أجل إعداد كيلو غرام واحد من العسل!.وتؤكد حسابات العلماء أيضاً أنه من أجل إعداد كيلو غرام واحد من الرحيق يجب أن يَمتصَ النحل سبعة آلاف وخمسمائة زهرة كمعدل ويستخرج رحيقها (وطبقاً لهذه المعادلة يجب امتصاص 5,7 مليون زهرة لاعداد كيلو غرام واحد من العسل!) ( «تربية النحل» ص 112).ولابد أن نعلمَ أيضاً أنَّ النَّحلَ يسافر يومياً حوالي17ـ24 مرة من أجل جمع رحيق الأزهار.ولا عجب أن نعلم أن النَحْلَ لم يَذق طعمَ الراحةِ طول عمره، وأنه لا يرى النومَ أبداً، فهو يقظٌ طول عمره! («تربية النحل» ص115).ومن أجل أن ندرك العَمَلَ المرهق لهذه الحشرة الكادحة يجب أن نقول أنَّهُ يتعين على النحل أن يسافر80 ألف مرة ذهاباً وإياباً على الأقل من أجل كل أربعمائة غرام من العسل الذي يَحصل عليه، ولو ربطنا هذا الذهاب والإياب معاً وقدَّرنا مسافةَ كلِّ مرة (كمعدل) بكيلو متر واحد، ستكون المسافة التي يقطعها النحل من أجل الحصول على أربعمائة غرام من العسل تعادل ضعفَ محيط الكرة الأرضية، أي أنَّ هذه الحشرة الكادحة تقطع مسافة ما يعادل ضعف محيط الكرة الأرضية من أجل جمع شراب يُصنعُ من أربعمائة غرام من العسل! ( «عالم الحشرات» (وفقاً لنقل عجائب الخلق ص 143)).ومن الضروري الانتباه إلى هذه النكتة وهي أنَّ معظمَ الأزهار لا تمتلك الرحيق باستمرار كي يستطيع النحل امتصاصه، بل إنها تقدّمُ رحيقها مرةً واحدةً في اليوم وفي ساعات معينة تتبع نوع الزهرة، فبعض الأزهار تعطي رحيقها صباحاً، وبعضها ظهراً، وبعضها الآخر بعد الظهر، والعجيب أن النَّحلَ يعرف هذه البرامج جيداً فيتوجه نحو الأزهار وفقاً لها تماماً فلا يذهب وقته هدراً! ( «الحواس الخفية للحيوانات» (تأليف فيتوس دروشر) ص 157 (مع الاختصار)).ويحقُ للإنسان أن يخجلَ عندما يشاهد هذه الأرقام والأعداد في مجال جمع العسل وعدد مرات الطيران وعدد الأزهار المستهلكة من أجل غرام واحد من هذه المادة الغذائية المهمة، ولكن لو فكَّر بإمعان في نفس الوقت بعظمة خالقِ هذه الحشرة الكادحة وتَحقَّقَ بعلمه وقدرته لخضع أمامه مؤدياً شكر هذه النعمة، ويُمكن أن يكون كل ذلك مقدمةً لهذه الغاية السامية.والنكتة الأخيرة التي يجب أن نذكرها ونغلقَ هذا الملف الكبير، هي أنَّ النحل علاوةٌ على امتصاصه للرحيق فهو مكلَّفٌ بجمع «الحبوب الصفراء» للأزهار المسماة «بولن» ومزجها مع العسل.ولهذه الحبوب آثار حياتية فائقة، فهي تحتوي على21 نوعاً من حامض الأمونيك وأنواع الزيوت، وهورمونات النمو، والسكَّر، والإنزيمات، كما تستخدم عصارة الحبوب تلك في معالجة الإلتهابات والأورام المزمنة التي تعجز المضادات الحيوية عن علاجها، كما أن لها آثاراً منشطّة أيضاً((الجامعة الاولى) ج 5 ص 57 الى 59 (مع الاختصار).وللأرجل الخلفية للنحل نشوءات كأسنان المشط يثير بها غبار الأزهار، ويصنع منه ذرات كروية، وهنالك أيضاً إلى جانب تلك النشوءات ما يشبه «السلّة» وآخر يشبه «الملقط» حيث يجمع ذرات غبار الورد هناك ويحفظها، وحينما يعود إلى الخليَّة يجلب معه بالإضافة إلى رحيق الأزهار كرتين صفراوين كإنتاج لعملهِ اليومي («نظرة على الطبيعة واسرارها» ص 127).

(نفحات القرآن ج2- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي).

آياته في تكوين الغيوم:-

1 ـ تكوين الرياح وفوائدها:
إنَّ مصدرَ حصول الريح هو الاختلاف في درجة الحرارة بين منطقتين مختلفتين من الارض، ويمكن تجربة هذا أثناء فصل الشتاء حيث يكون هواء الغرفة حاراً وفي خارجها بارداً، فلو وضعنا شمعتي إضاءة عند طرفي الباب العلوي والسفلي وفتحنا الباب قليلا سيتضح هذا الأمر جيداً إذ أنَّ الهواء البارد وبسبب ثقله يدخلُ من الأسفل والهواء الحار يخرج من الأعلى لخفّته ويجرُّ شعلةَ الشمع معه (إنَّ الهواء الحار يكون ممتداً و خفيفاً والهواء البارد ثقيلا ولو لم تكن هذه الصفة وتتوقف الرياح فأيُّ بلاء عظيم ينزلُ على الإنسان؟!).كما نعرفُ أيضاً انَّ للكرة الأرضية ثلاث مناطق، فالمنطقة الباردة (الأطراف القطبية)، والحارّة جداً (المناطق الإستوائية)، والمعتدلة (المناطق التي تتوسط هاتين المنطقتين).وهذا الاختلاف في درجات الحرارة على الأرض يُنتجُ انتقال الهواء من جهة إلى أخرى وأهمه الرياح التي تُسمى «الرياح القطبية» (وهي الرياح التي تهبُّ من القطب نحو المنطقة الإستوائية ولأنّها تكونُ باردةً فهي تسير مع الأرض)، والرياح «الإستوائية» (وهي الرياح التي تهبُّ من المنطقة الإستوائية نحو القطب وبما أنّها تكون حارَّة فهي تتحرك في طبقات الجو العليا)( اعجاز القرآن في نظر العلوم المعاصرة ص 65).فضلا عن أن ماء المحيطات لا يكون حاراً كحرارة السواحل أثناء شروق الشمس، إضافة إلى أنَّ ماء البحر يفقد حرارته ليلا أسرعُ مما يفقده الساحل، فهذا الاختلاف في درجات الحرارة بين ماء البحر والساحل يتسبب أيضاً في هبوب الرياح باستمرار من البِّر إلى البحر ومن البحر إلى البِّر أيضاً.وإضافة إلى كل هذا فانَّ كروية الأرض تؤدي إلى أن تقع بعضُ المناطق في مواجهة الشمس مباشرة (أثناء الظهر)، وأن تَشِّعَ الشمسُ على المناطق الأخرى بشكل مائل (أثناء الشروق والغروب)، فهذا الاختلاف في درجات الحرارة أحد أسباب حصول الرياح في مختلف المناطق أيضاً (وكذلك هناك عوامل معقّدة أخرى).وتتظافر هذه الأسباب في تحريك الرياح في سائر أنحاء الكرة الأرضية وتتزامن معها الفوائد الجمَّة التالية:

1ـ للرياح نصيبٌ مهمٌ في تكوين الغيوم بسبب هبوبها على المحيطات.
2 ـ إنَّ الرياحَ تصطحبُ معها الغيوم إلى المناطق الجافة واليابسة ولولاها لاحترقَ جانبٌ كبير من الكرة الأرضية بسبب الجفاف.
3 ـ إنَّ الرياحَ تلطِّفُ الجوَّ وتجلبُ الأوكسجين الضروري من المناطق البعيدة.
4 ـ إنَّ الرياحَ تأخذ معها التلوث حيث تساعد في تنقية الجو عن هذا الطريق.
5 ـ إنَّ الرياحَ تُقللُ من ضغط حرارة الشمس على أوراق النباتات، وتمنع الاحتراق، وبصورة عامة فإنها وسيلةٌ مهمةٌ لاعتدال الجو في بقاع الأرض.
6 ـ إنَّ الرياح تعصُر الغيوم وتُعدُّها لإنزالِ المطر.
7 ـ إنَّ الرياح تسوقُ الغيوم نحو طبقات الجو العليا، وبسبب البرودة وفقدان قدرة التشبُّع تتحول إلى قطرات مطر تهبُ الحياة.

2 ـ أسرار تكوين الغيوم وهطول الأمطار:
لا يخفى أنَّ الغيوم هي ذرّات بخار الماء، أو بتعبير أكثر دقة هي ذرات الماء التي انفصلت جزئياتها عن بعضها وتحولت إلى بخار، إنَّ التمعنَ في ما يخص تكوّن الرياح والأمطار يكشف لنا أسراراً لطيفةً عن هاتين الظاهرتين العجيبتين منها:

1 ـ إنَّ أغلبَ السوائل لا تتبخر إذا لم تصل إلى درجة الغليان، إلا أنَّ الماء من السوائل المستثناة حيث يتبخر في أي درجة من الحرارة، ولولا هذه الميزة في الماء لما تبخرت قطرة واحدة من ماء البحر، ولم تتكون الغيوم، ولم ينزل المطر ولاحترقت اليابسة من الجفاف.
2 ـ وهذا ما يجدر بالاهتمام أيضاً، فأثناء عملية التبخر يتبخر الماء الصافي فقط، وتبقى الأملاح والذّرات الأخرى التي فيه في مكانها، أي أن هناك عملية تصفية طبيعية كي ينالَ البشرُ المياهَ الصالحة.
3 ـ لو لم تكن الطبقات العليا من الجو أكثر برودة من الطبقات السفلى لما أمطرت الغيوم المضطربة في الجو أبداً، ولكن هذا الاختلاف في درجات الحرارة هو الذي يؤدي إلى نزول الأمطار، وكذلك لو كانت قدرة اشباع ذرات البخار متساوية في الهواء البارد والحار لما نزلت الأمطار، ولكن بما أنَّ الهواء البارد له قدرةُ اشباع ضعيفة فإنّه يُنزلُ البخار الذي تحول إلى ماء.
4 ـ إن الأمطار إضافة إلى توفيرها للماء الضروري لنمو النباتات، تقوم بغسل الأرض وتحمل الأوساخ معها نحو البحار.
5 ـ إنَّ الأمطار تُنّظفُ الجوَّ أيضاً، وتقوم بإنزال التراب والغبار والذّرات المعلَّقة في الجو التي تذوب فيها إلى الأرض، ولولا هطول الأمطار لتلوَّثَ الجو بعد مدة قصيرة واستحالَ التنفُس على الإنسان.
6 ـ إنَّ الأمطار تغسلُ صخور الجبال شيئاً فشيئاً، ليخرجَ منها التراب الذي يمكن استثماره، فتمتد السهول الواسعة على سطح الأرض.
7 ـ إنَّ الأمطار تحمل معها الأتربة الغنيّة من المناطق البعيدة وتنشرها في المزارع لتقويتها، كما يجلب جريان الماء معه أفضل الأسمدة الطبيعية للنباتات إلى بعض المناطق (كسواحل النيل).
8 ـ إنَّ الأمطار لا تهبُ الحياة في المناطق الجافة فحسب، بل إنَّ هطول الأمطار على البحار يُعتبر مؤثراً للغاية أيضاً، وليس أقل من تأثيره في المناطق اليابسة كما يقول بعض العلماء، لأنَّ سقوط الامطار في البحر يساعد على نمو النباتات الصغيرة في وسط أمواج المياه، حيث تكون طعاماً مناسباً جداً للأسماك والأحياء البحرية، وفي السنة التي يقلُّ فيها نزول الأمطار يسوء فيها وضع الصيد.
9 ـ إنَّ ارتفاعَ الغيوم عن سطح الأرض أكثر من ارتفاع أعلى نقاط الأرض ولهذا فلا تُحرم أيةُ بقعة من الاستفادة من ماء المطر.
10 ـ إنَّ العديد من أشجار الغابات والأعشاب الطبيعية والغذائية تنمو على الجبال الشاهقة، وهذا يدل على أنَّ الأمطار تقوم بإيصال الكمية اللازمة من الماء إليها، ولولا الأمطار لجفَّت جميعها.
11 ـ لو تأملنا جيداً بالسدود الضخمة التي أنشئَتْ في عصرنا هذا والتي تُؤمِّنُ جانباً مهماً من الطاقة الكهربائية في العالم، وتقوم بتشغيل المعامل العملاقة لوجدناها من بركات هطول الأمطار على المناطق الجبلية.
12 ـ إنَّ بعض ترشحات الغيوم تنزلُ إلى الأرض على هيئةِ جليد فتُخزَن في قمم الجبال كمصادر للمياه، وتقوم بمساعدة خزانات المياه الموجودة تحت الأرض أيضاً لأنها تذوب تدريجاً وتَنْفُذُ داخل الأرض، ولكن لو تساقط الجليد باستمرار بدلا من المطر فلا وجود عندئذ للكثير من المنافع التي ذُكرت أعلاه.
13 ـ الغيوم بحار معلقة في السماء، وما أعظمَ الإله الذي يُرسلُ كلَّ هذا الماء إلى السماء خلافاً لقانون الجاذبية، ويقوم بنقله بسهولة من نقطة إلى أخرى.
14 ـ بالإضافة إلى كل هذا فانَّ للغيوم تأثيراً ملموساً في خفض درجة البرودة شتاءً وخفض درجة الحرارة صيفاً.
15 ـ إنَّ الغيوم تحمل الشحنات الكهربائية المختلفة حيث تؤدي إلى وقوع الرعد والبرق، وعلى العموم فإنَّ هاتين الظاهرتين اللّتين نعتبرهما من الأمور العادية جداً نتيجة لأُنْسِنا بهما، مدهشتان ومليئتان بالأسرار، ويمكن مشاهدة آيات التوحيد العظيمة في أعماق أسرارهما، والوصول إلى عظمة تلك الذات المقدسة من خلال هذه الآيات العظيمة.

(نفحات القرآن ج2- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي).

ملاحظة1: من أراد المزيد من الأمثلة حول برهان النظم ، فليراجع الكتاب الآنف الذكر، ففيه الكثير من الأمثلة الجميلة والقيمة.

ملاحظة2: لم يبق من الحديث حول برهان النظم سوى الإشكال وجوابه ، وسوف أوافيكم به في وقتٍ لاحق - إن شاء الله تعالى -.

وفقكم الله

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 30-12-2010, 07:59 AM   رقم المشاركة : 28
سهيل
طرفاوي بدأ نشاطه
 
الصورة الرمزية سهيل
 







افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

سبحان الله والحمدلله ولا اله الا الله والله اكبر

أحسنت

 

 

 توقيع سهيل :

Suhail
سهيل غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 31-12-2010, 07:23 PM   رقم المشاركة : 29
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي إشكال وجوابه

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم


سادساً: إشكال وجوابه:-

الإشكال: إذا كان الدليل على وجود الخالق المدبر هو النظام السائد في الكون. فكيف يفسّر وجود بعض الظواهر غير المتوازنة العاصية عن النظام كالزلازل والسيول و الطوفانات ، فإنها من أبرز الأدلة على عدم النظام؟.

الجواب:للإجابة على الإشكال نذكر تحليلاً فلسفياً يحوي بياناً لأمرين ، هما:-

الأَمر الأَول ـ النَّظرة الضيّقة إلى الظواهر:-

إِنَّ وصف الظواهر المذكورة بأنَّها شاذّة عن النظام ، و أَنَّها شرور لا تجتمع مع النظام السائد على العالم أولا ، و حكمته سبحانهـ بالمعنى الأعم ـ ثانياً ، و عدله و قسطه ثالثاً ، ينبع من نظرة الإِنسان إلى الكون من خلال نفسه ، و مصالحها ، و جعلها محوراً و مِلاكاً لتقييم هذه الأمور. فعندما ينظر إلى الحوادث و يرى أنَّها تعود على شخصه و ذويه بالإِضرار ، ينبري من فوره إلى وصفها بالشرور و الآفات. و ما هذا إلاّ لأَنه يتوجه إلى هذه الظواهر من منظار خاص و يتجاهل غير نفسه في العالم ، من غير فرق بين من مضى من غابر الزمان و من يعيش في الحاضر في مناطق العالم أو سوف يأتي و يعيش فيها. ففي النَّظرة الأَولى تتجلى تلك الحوادث شراً وبليّة. ولكن هذه الحوادث في الوقت نفسه و بنظرة ثانية تنقلب إلى الخير و الصلاح و تكتسي خلق الحكمة والعدل و النَّظْم. و لبيان ذلك نحلل بعض الحوادث التي تعد في ظاهرها من الشرور فنقول :

إِنَّ الإِنسان يرى أنّ الطوفان الجارف يكتسح مزرعته ، و السَيْل العارم يهدم منزله ، والزلزلة الشديدة تُزَعْزِعُ بُنيانه ، ولكنه لا يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث و الظواهر من نتائج إيجابية في مجالات أُخرى من الحياة البشرية.

و ما أَشبه الإِنسان في مثل هذه الرؤية المحدودة بعابر سبيل يرى جرّافة تحفر الأرض ، أو تهدم بناءً مُحْدِثَةً ضوضاءَ شديداً و مُثيرة الغبار والتراب في الهواء ، فيقضي من فوره بأنه عمل ضار و سيء و هو لا يدري بأَنَّ ذلك يتم تمهيداً لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى و يعالج المصابين و يهيء للمحتاجين إلى العلاج وسائل المعالجة والتمريض.

ولو وقف على تلك الأَهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى ، ولَوَصَفَ ذلك التهديم بأنه خير ، و أَنّه لا ضير فيما حصل من الضوضاء ، و تصاعد من الأَغبرة.
إِنَّ مَثَلَ هذا الإِنسان المحدود النظر في تقييمه ، مَثَل الخفاش الذي يؤذيه النور لأنه يَقبض بصره ، بينما يبسط هذا النور ملايين العيون على آفاق الكون و يسهل للإِنسان مجالات السعي والحياة. أَفهل يكون قضاء الخفاش على النور بأنه شرٌ مِلاكاً لتقييم هذه الظواهر الطبيعية المفيدة؟ كلا ، لا.

الأمر الثَّاني ـ الظواهر حلقات في سلسلة طويلة:-

إنَّ النظر إلى ظاهرة من الظواهر ، منعزلة عن غيرها ، نظرة ناقصة و مبتورة. لأنَّ الحوادث حلقات مترابطة متسلسلة في سلسلة ممتدة ، فما يقع الآن منها يرتبط بما وقع في أعماق الماضي و بما سيقع في المستقبل ، في سلسلة من العلل و المعاليل و الأسباب و المسبَّبات.

و من هنا لا يصحّ القضاء على ظاهرة من الظواهر بحكم مع غض النظر عما سَبَقَها ، و ما يلحقها ، بل القضاء الصحيح يتحقق بتقييمها جُملة واحدة والنظر اليها نظراً كلياً لا جزئياً. فإِنَّ كل حادثة على البسيطة أو في الجو ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما سبقها أَوْ يلحقها من الحوادث. حتى أنَّ ما يهب من النسيم و يعبث بأوراق المنضدة التي أَمامك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما حدث أو سيحدث في بقاع العالم. فلا بد للمحقق أن يلاحظ جميع الحوادث بلون الإِرتباط و التَّشكل. فعند ذاك يتغير حكمه ويتبدل قضاؤه ولن يصف شيئاً بالشذوذ ، ولن يَسِمَ شيئاً بأَنَّه من الشرور.

إذا عرفت هذين الأمرين فلنأْتِ ببعض الأَمثلة التي لها صلة بهما:-

1 ـ إذا وقعت عاصفة على السواحل فإنها تقطع الأشجار و تدمر الأَكواخ و تقلب الأثاث ، فتوصف عند ساكني الساحل بالشر و البلية ، ولكنها في الوقت نفسه تنطوي على آثار حيويّة لمنطقة أُخرى.
فهي مثلا توجب حركة السُفُن الشِّراعيَّة المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الريح. و بهذا تنقذ حياة المئات من ركّابها اليائسين من نجاتهم ، و توصلهم إلى شواطئ النجاة ، فهي موصوفة عند ركّاب السفينة بالخير.


2 ـ إِنَّ الرياح و إِنْ كانت ربما تهدم بعض المساكن إلاّ أَنها في نفس الوقت تعتبر وسيلة فعالة في عملية التلقيح بين الإَزهار و تحريك السحب المولدة للمطر و تبديد الأدخنة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل التي لو بقيت و تكاثفت لتعذرت أَوْ تعسّرت عملية التنفس لسكان المدن و القاطنين حول تلك المصانع. إلى غير ذلك من الآثار الطيبة لهبوب الرياح ، التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة أو تكاد تنعدم نهائياً.


3 ـ الزلازل و إِنْ كانت تسبب بعض الخسائر الجزئية أو الكلية في الأَموال و النفوس ، إِلاّ أَنَّها توصف بالخير إذا وقفنا على أَنَّ علّتها ـ على بعض الفروض ـ جاذبية القمر التي تجذب قشرة الأرض نحو نفسها ، فيرتفع قاع البحر و يوجب ذلك الزلازل في مناطق مختلفة من اليابسة. فإنَّ هذا في نفس الوقت يوجب أَنْ تصعد مياه البحار و الأَنهار فتفيض على الأراضي المحيطة بها و تسقي المزارع و السهول فتجدد فيها الحياة و تجود بخير العطاء.

و يترتب على الزلازل آثار نافعة أُخرى يقف عليها الإِنسان المتفحص في تلك المجالات ، فهل يبقى مجال مع ملاحظة هذين الأَمرين للقضاء العاجل بأنَّ تلك الحوادث شرور و بلايا لا يترتب عليها أيّة فائدة؟.

إِنَّ عِلْمَ الإِنسان المحدود هو الذي يدفعه إلى أَنْ يقضي في الحوادث بتلك الأقضية الشاذة ، ولو وقف على علمه الضئيل و نسبة علمه إلى ما لا يعلمه لرجع القَهْقَرى قائلا : ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ) (سورة آل عمران : الآية 191). و لأذعن بقوله تعالى : ( وَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) (سورة الإِسراء : الآية 85). و قوله سبحانه : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (سورة الروم : الآية 7).

مصدر الإشكال وجوابه هو كتاب: الإلهيات على هدى الكتاب والسنة ج1 – الشيخ جعفر السبحاني.

سوف أكتفي بهذا المنقول حول هذا الإشكال لتناسبه مع برهان النظم ، وأما الحديث حول باقي الشرور والآفات ، فسوف أوافيكم به مفصلاً عند الحديث عن الأصل الثاني من أصول الدين وهو : العدل الإلهي – إن شاء الله تعالى - .

وفقكم الله

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-01-2011, 06:40 AM   رقم المشاركة : 30
سهيل
طرفاوي بدأ نشاطه
 
الصورة الرمزية سهيل
 







افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

أحسنت .. لدي سؤال أو اذا صح التعبير فهو استنتاج أتمنى أن يسع وقتكم الثمين للإجابة عليه.

من خلال قرائتي للظواهر التي تطرقت لها , استنتجت انها عناصر نظام وليست خارجة عنه لانها وضعت بمقادير وموازين من قبل الباري عز وجل " لا أسباب " فهل يصح هذا القول ؟

 

 

 توقيع سهيل :

Suhail
سهيل غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-01-2011, 08:23 PM   رقم المشاركة : 31
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهيل
أحسنت .. لدي سؤال أو اذا صح التعبير فهو استنتاج أتمنى أن يسع وقتكم الثمين للإجابة عليه.

من خلال قرائتي للظواهر التي تطرقت لها , استنتجت انها عناصر نظام وليست خارجة عنه لانها وضعت بمقادير وموازين من قبل الباري عز وجل " لا أسباب " فهل يصح هذا القول ؟


الأخ العزيز/ سهيل، بدايةً، أشكرك وجميع الإخوة والأخوات على طيب المتابعة وأتمنى أن تستفيدوا من هذه السلسلة .

بالنسبة لاستفسارك، فهو بحاجة إلى توضيح ، وذلك لقصوري عن فهمه، وأنا في الخدمة بعد أن يتم توضيحه.

فما فهمته من كلامك هو أن ما ذُكر من ظواهر فهي جزء من نظام كلي ، وهذا الكلام ليس عليه غبار وصحيح مائة بالمائة.

وأما عبارة " لا أسباب " ، فهي ما أود من جنابكم أن توضح لي مالذي تعنيه من خلالها.

وفقك الله وحرسك من كل سوء.

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-01-2011, 08:00 PM   رقم المشاركة : 32
سلمان الفارسي
شاعر وكاتب وباحث قرآني قدير






افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

أحسنت ياطالب الغفران وبورك فيك ولافض فوك ولا عدمك أهلوك ،تابع مابدأته من سطور ملؤها الحسن والمتعة العلمية .

 

 

سلمان الفارسي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2011, 12:34 AM   رقم المشاركة : 33
سهيل
طرفاوي بدأ نشاطه
 
الصورة الرمزية سهيل
 







افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

شكرا أخي طالب الغفران ... وأسف لوجود خطأ في طباعتي للكلمة فبدلا من أن أكتب لأسباب" أسباب ألهية" كتبت ( لا أسباب ) أجدد أسفي .

فالمقصود من سؤالي أن الظواهر التي ذكرتها ( البراكين , الزلازل ...ألخ ) هي تحدث بنظام إلهي دقيق ومحسوب فليست عاصية عن النظام وأن الله عز وجل العالم بالأسباب والعلل الحقيقية لتلك الظواهر .

وفقكم الله لكل خير

 

 

 توقيع سهيل :

Suhail
سهيل غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-01-2011, 01:32 PM   رقم المشاركة : 34
بومصطفى
طرفاوي مشارك







افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

أشكرك اخي العزيز على هذا الطرح الجميل
وأتمنى لك دوام التوفيق والسداد

 

 

 توقيع بومصطفى :
العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل
بومصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-01-2011, 09:06 PM   رقم المشاركة : 35
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي الحلقة السادسة

الحلقة السادسة

إثبات وجود الله

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم

البرهان الثالث: برهان التغيّر والحركة:-


•قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ{75} فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ{76} فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ{77} فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{78} إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{79}} سورة الأنعام.

•" برهان الحركة هو عبارة عن الاستدلال على الله عز و جل بحركة الأجسام ، الأجسام لا تخلو من حركة ، إما دائمة كحركة الأفلاك و النجوم و الكواكب و إما منقطعة ، مثل حركات أجسامنا الأرضية ، لكن لا يخلو جسم من حركة ، ولو من جهة حركة الأرض ، فإن للأجسام كلها حركة مع الأرض و إذاً لاشك في وجود حركة" ( سلسلة دروس في التوحيد ـ الدرس الرابع،موقع دار السيدة رقية للقرآن الكريم الإلكتروني).


•" فإنّا نرى العالم الكبير بجميع ما فيه متحرّكاً ، ويراه الجميع من الإلهيّين والمادّيين في تغيّر ، والكلّ يعرفه بحركة وعدم سكون ، ومعلوم أنّ الحركة تحتاج إلى محرّك وبديهي أنّ الأثر لابدّ له من مؤثّر ، لأنّ الحركة قوّة والقوّة لا توجد بغير علّة.
إذن فلابدّ لهذه الحياة المتحرّكة في جميع نواحيها من أعلاها إلى أسفلها ، بكواكبها وأراضيها وشمسها وقمرها ، وأفلاكها ومجرّاتها .. لابدّ لها ممّن يحرّكها ويديم حركتها ، وحتّى أجزاء العناصر الساذجة ثبت في علم الفيزياء أنّها تدور وتتحرّك حول مركزها بدوام .
ومن المعلوم أنّ القوّة والحركة لا توجد إلاّ بدافع ومحرِّك ، وهذا أمر بديهي يدركه كلّ ذي لبّ وشعور ، ويعرف أنّه لابدّ لهذه الحركات العظيمة والتحوّلات الدائمة من محرّك حكيم قدير .
فمن ترى يمكن أن يكون مصدر هذه القوّة وفاعل هذه الحركة ؟
هل المخلوقات التي نراها يعرضها الضعف وتحتاج بنفسها إلى المساندة ؟!
وهل يناسب أن يكون المحرّك غير الله القوي الخبير ؟
ولقد سُئِلَتْ امرأة بدويّة كانت تغزل الصوف بمغزل صغير عن دليلها على وجود الله تعالى ، فأمسكت عن تحريك المغزل حتّى توقّف فقالت : دليلي هو هذا التوقف ..
قالوا : وكيف ذلك ؟
فأجابت : إذا كان مغزل صغير لا يتحرّك إلاّ بوجود محرِّك ، فهل يمكن أن يتحرّك هذا الفلك الدوّار الكبير بلا محرّك له ؟" (العقائد الحقّة - السيد علي الحسيني الصدر ).


الآيات التي افتتحنا بها هذا البرهان من الشواهد المهمة والواضحة التي يستدل بها علماؤنا الأبرارعلى برهان الحركة ، لذا دعونا نلقي نظرة فاحصة على محتواها من خلال الإستفادة من توضيح تفسير علمائنا لها.

" تبيّن الآيات السابقة استدلال إِبراهيم من أُفول الكواكب والشمس على عدم ألوهيتها، فعندما غطى ستار الليل المظلم العالم كلّه، ظهر أمام بصره كوكب لامع، فنادى إِبراهيم: هذا ربّي! ولكنّه إِذ رآه يغرب، قال: لا أحبّ الذين يغربون: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ).
ومرّة أُخرى رفع عينيه إِلى السماء فلاح له قرص القمر الفضي ذو الإِشعاع واللمعان الجذاب على أديم السماء، فصاح ثانية: هذا ربّي: ولكنّ مصير القمر لم يكن بأفضل من مصير الكوكب قبله، فقد أخفى وجهه خلف طيات الأُفق.

هنا قال إِبراهيم: إِذا لم يرشدني ربّي إِلى الطريق الموصل إِليه فسأكون في عداد التائهين (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ).

عند ذاك كان الليل قد انقضى، وراح يجمع أطراف أستاره المظلمة هارباً من كبد السماء، بينما راحت الشمس تطل من المشرق وتلقي بأشعتها الجميلة كنسيج ذهبي تنشره على الجبل والوادي والصحراء، وما أن وقعت عين إِبراهيم الباحث عن الحقيقة على قرص الشمس الساطع صاح: هذا ربّي فإِنّه أكبر وأقوى ضوءاً، ولكنّه إِذ رآها كذلك تغرب وتختفي في جوف الليل البهيم أعلن إِبراهيم قراره النهائي قائلا: يا قوم! لقد سئمت كل هذه المعبودات المصطنعة التي تجعلونها شريكة لله: (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ).

الآن بعد أن عرفتُ أنّ وراء هذه المخلوقات المتغيرة المحدودة الخاضعة لقوانين الطبيعة إِلهاً قادراً وحاكماً على نظام الكائنات، فاني أتجه إِلى الذي خلق السموات والأرض، وفي إِيماني هذا لن أشرك به أحداً، فاني موحد ولست مشركاً: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)" (تفسير الأمثل ج4 – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي).

وهنا يذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ضمن تفسيره للآيات الآنفة الذكر الطرق الثلاثة التالية التي استطاع من خلالها إبراهيم الخليل عليه السلام إثبات وحدانية الله عز وجل، فيقول – أي الشيخ ناصر - :-

"1 ـ إِنّ الله المربي، كما يستفاد من كلمة «رب» لابدّ أن يكون دائماً قريباً من مخلوقاته وأن لا ينفصل عنهم لحظة واحدة، وعليه لا يجوز لكائن يغرب ويختفي ساعات طويلة، بنوره وبركته وتنقطع صلته كلياً عن الكائنات الأُخرى، أن يكون ربّاً وإِلهاً.
2 ـ إِنّ كائناً يغرب ويبزغ ويخضع للقوانين الطبيعية، لا يمكن أن يحكم على هذه القوانين ويملكها؟ إنّه هو نفسه مخلوق ضعيف يخضع لأوامرها وغير قادر على أدنى إِنحراف عنها ...
3 ـ إِنّ الكائن المتحرك لا يمكن إِلاّ يكون كائناً حادثاً، فقد أثبتت الفلسفة أنّ الحركة دليل على الحدوث، لأنّ الحركة ذاتها نوع من الوجود الحادث، وأن ما يكون في معرض الحوادث، أي يكون ذا حركة، لا يمكن أن يكون كائناً أزلياً وأبدياً (تأمل بدقّة)" (تفسير الأمثل ج4 – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي).

•أخيراً ،دعوني أنقل لكم هذين المثالين الجميلين اللذين ومن خلالهما نستطيع أن نجزم بوجود الحركة في كل جزء من أجزاء هذا الكون الفسيح:-

"1- حركة عالم الطبيعة بحسب علم الهيئة :

الـمحسوس في بدو النظر سكون الأرض , ولكنه قد ثبت في القرون الأخيرة وتبين بالعين والعيان حركة الأرض حركة موضعية على محورها الممتد بين قطبيها في كل يوم وليلة , وحركة انتقالية حـول الشمس في كل سنة , وما هو المحسوس في بدو النظر من دوران الشمس حول الأرض خطأ في الحس .

ثم ثبت في علم الهيئة حركة الشمس مع ما تدور حولها من السيارات بأجمعها , وأنها تسير بسرعة ( 250 ) كـيلومترا في الثانية , وبهذه السرعة تسير مسافة امتدادية لا دور فيها إلا مرة واحدة كل مائتي مليون سنة .
واكتشف بعضهم حركة الشمس إلى جانب نجمة ( نوجائى ) بسرعة20 كيلومترا في الثانية .
وقـد نطق القرآن بحركة الشمس حركة امتدادية , فقال تعالى : {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } (يس38)، فان الجريان إنما يطلق على الحركة الإمتدادية , ولو كان المراد الـحركة الدورية المحسوسة للشمس في كل يوم وليلة حول الأرض لقال : والشمس تدور , فهذه الآيـة مـن معجزات القرآن الكريم , حيث أنها غير منطبقة على ما كان عليه أهل الهيئة في الأزمنة المتقدمة من دوران الشمس حول الأرض , ولا على ما اتفق عليه علماء الهيئة طيلة القرون المتأخرة من سكون الشمس ودوران الأرض حولها , بل منطبقة على ما انكشف بعد ثلاثة عشر قرنا من زمن نزولها بالآلات الفنية الدقيقة .

2-حركة ذرات عالم الطبيعة : بحسب علم الفيزياء.

المعلوم في علم الفيزياء أن مفردات أجزاء العناصر الساذجة للأجسام التي تسمى ( مولكول – أي الجزيء- ) تعدادها في الأجسام المتعارفة في الميليمتر الواحد( ثلاثة ملايين ).
وقـد تـشكل كل مولكول من أجزاء تسمى ( آتم – أي الذرة- ) , وهو في اللغة اللاتينية بمعنى : جزء لا يتجزأ , ولـكـن علم الفيزياء قد نجح في تجزئته , ومعرفة الأجزاء المتكونه منها , وأن كل آتم قد تركب من أجـزاء كثيرة , هي على ثلاثة أصناف , صنف منها يسمى : الكترون , وهو في الصغر بحيث أن وزن واحـد مـن آتـم الـهايدروجين مع أنه أصغر أنواع آتم يساوي وزن ((2000)) الكترون ,وهذه الأجزاء الكثيرة للآتم تدور بسرعة شديدة حول مركزها على الدوام .
ومن هنا ثبت أن اجزاء عالم الطبيعة لا تزال في حال الحركة على الدوام" (براهين أصول المعارف الإلهية والعقائـد الحقة للإمامية - أبو طالب التجليل ) .

إلى هنا وصلتُ معكم إلى ختام الحديث حول برهان التغير والحركة.

وفقكم الله

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-01-2011, 11:36 AM   رقم المشاركة : 36
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي الحلقة السابعة

الحلقة السابعة

إثبات وجود الله

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم

البرهان الرابع: برهان الوجوب والإمكان ( الغنى والفقر) :-

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }فاطر15.
وقال تعالى: {... وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء ... }محمد38.
وقال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ }الطور35.
وقال تعالى: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ }الطور36.

في دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام:" كيف يُستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المُظهِر لك ؟ ".
وفي موضع آخر من الدعاء:" إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري ؟! ".

" عندما نرجع إلى وجودنا نجد أنَّ وجودنا برمّته في حالة إحتياج ولا يُلبى الإحتياج من الداخل ولذلك يجب رفع اليدين إلى خارج أنفسنا ، وكما يقول المثل ( من كان أغنى فهو أكثر إحتياجاً ) فكلّما تضاعفت قوّة الإنسان في الظاهر ( ماديّاً أو معنويّاً ) توسّعت دائرة إحتياجاته ، فالطير في الصحراء يكتفي بقليل من الماء والحبّ وعشّ مؤلّف من بعض الأوراق ، في حين تحتاج حياة سلطان مقتدر إلى الآلاف وهكذا في الحياة العلمية لمحقّق كبير بالنسبة لطالب مبتدىء .
وبملاحظة هذا الإحتياج وبإلهام باطني يدرك الإنسان أنّ لهذا العالم مُبدئاً غنيّاً إليه يتّجه الجميع لقضاء حوائجهم وهو الذي نطلق عليه ( الله ) تبارك وتعالى " ( نفحات القرآن ج3 – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي).

سوف يدور الحديث في هذا البرهان حول النقاط التالية:-

1-تعريف المصطلحات التالية: واجب الوجود – ممكن الوجود – ممتنع الوجود.
2-أمثلة توضيحية .
3- التسلسل وبطلانه.
4-الدور وبطلانه.
5-إشكال وجوابه.

أولاً: تعريف المصطلحات:-

-واجب الوجود:

و تعني ذلك الموجود الذي يكون وجوده ضرورياً دائماً و أبداً ، فلا يخلو من وجوده زمان أو مكان ، و لأنّ وجوده واجباً فهو موجود باستمرار، ولا يمكن تصوّر عدمه ، لأنّ الوجود نابع من ذاته ، وهو من صفاته الذاتية . ولأنّ العدم صفة عرضيه (طارئة)، والصفات العرضية لا يمكنها أن تلغي الذات ، لذلك لا يمكن للعدم أن يلغى وجوده سبحانه وتعالى ، لأننا فرضنا أنّ وجوده جلّ وعلا واجباً حسب التعريف . و لا يوجد شيئ في الكون (واجب الوجود) سوى الله سبحانه و تعالى ، لأنّه موجود منذ الأزل ، و لم يسبق وجوده العدم فيقال ما العلة في وجوده ، و لم يخل منه زمان فيقال متى وجد . وقد كان ولا يزال موجوداً قبل خلق الزمان و المكان . وهو الذي خلق الزمان و المكان فلا بدّ أن يكون موجوداً قبلهما .
ولما كانت الموجودات الأخرى بحاجة إلى خالق وموجد ، فلا بد أن يكون هذا الخالق موجوداً قبل كلّ موجود، ووجوده من ذاته لا من موجد آخر. فإنّ الوجود للموجودات صفة عرضية ، والصفات العرضية لا بدّ أن ترجع إلى من يتصف بها بالذات . فيكون وجوده سبحانه وتعالى ذاتيا.

-ممكن الوجود:

و يشمل هذا كلّ الموجودات في الكون من سماء و أرض و بحار و أشجار وملائكة و جنّ و أنس و حيوانات و غيرها . و تسمى ( ممكنة الوجود) لأنّ وجودها ممكن بمعنى أنّه ليس مستحيلاً . كما أنّ عدمها ممكن ، لأنّ وجودها ليس واجباً . فهي في حالة وسط بين الوجود و العدم . فإن وجد سبب لخلقها و إيجادها وجدت. و إن لم يوجد سبب لخلقها أو بقائها ظلت في العدم .
و الدليل على أنّ الموجودات (سوى الله سبحانه و تعالى) كلها (ممكنة الوجود) لأنّها لم تكن موجودة في يوم من الأيام ثُمّ وجدت بعد أن خلقها الله سبحانه و تعالى و أفاض عليها نعمة الوجود. فلو كانت واجبة الوجود لكانت أزلية سرمدية ، و نعلم بالبداهة أنّها ليست كذلك . فالإنسان و الحيوان و النبات لهم عمر محدود . و للمجموعة الشمسية عمر معين . و لخلق الكون زمن معين يقدره العلماء بحوالي 14 مليار سنة . إذن قبل ذلك لم يكن الكون موجوداً . و هذا يعني أنّ وجوده ليس واجباً ، بل ممكناً ، و لذلك أمكن إيجاده وإخراجه من حالة العدم إلى حالة الوجود.

-ممتنع الوجود:

و هي الأمور التي يمكن أن يتعقلها العقل و لكن يستحيل وجودها في الخارج مثل جمع النقيضين أو اجتماع المثلين في زمان و مكان واحد و بالشروط الأخرى لذلك. و هذه الأمور لا يمكنها أن تنعم بنعمة الوجود ، لأنّ وجودها ممتنع أي مستحيل و غير ممكن .
و من هنا يتبين أنّ الموجودات في الواقع هي على قسمين أمّا واجبة الوجود أو ممكنة الوجود ، و القسم الثالث ليس من أقسام الوجود، بل من الأمور التي يتعقلها العقل، ولكن يستحيل وجودها في الخارج .

مصدر التعريفات : مقالة في شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام بعنوان:" إثبات وجود الله سبحانه وتعالى:برهان الوجوب والإمكان " ،للدكتور السيد خليل الطباطبائي.

ثانياً: أمثلة توضيحية:-

هذه الأمثلة لتقريب المعنى وفقط.

مثال واجب الوجود: الأرقام 2و4و6 هي بالضرورة والوجوب من الأرقام الزوجية.
مثال ممكن الوجود:وجود عشرة أشخاص في قاعة ما، حيث أنه من الممكن أن يتواجد هذا العدد ومن الممكن ألا يتواجد.
مثال ممتنع الوجود: القول بأن الأرقام 2و4 و6 أرقاماً فردية ، وهذا الكلام ممتنع ومستحيل.

مصدر الأمثلة:شبكة المعارف الإسلامية الإلكترونية ،في موضوع بعنوان:" البراهين الفلسفيـّة والعقليـّة" ، بتصرف بسيط.

ثالثاً: التسلسل وبطلانه:-

التسلسل :هو عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل (الأسباب) و المعاليل الممكنة (المسبَّبَات) ، مترتبةً غير متناهية، و يكون الكل متَّسِماً بوصف الإِمكان بأَنْ يتوقف (أ) على (ب)، و الثاني على (ج)، و الثالث على رابع و هكذا دواليك تتسلسل العلل و المعاليل من دون أَنْ تنتهي إلى نقطة.

و باختصار: حقيقة التسلسل لا تخرج عن حدود تَرَتُّبِ علل (أسباب) و معاليل (مسبَّبَات)، تكون متناهيةً من جانب - أعني آخرها - و غيرَ متناهية من جانب آخر، أعني أوّلها (لها بداية وليس لها نهاية). و على ذلك، يتسم الجزء الأخير(ما وصلت إليه السلسلة) بوصف المعلولية (المسبَّبَية) فقط بخلاف سائر الأَجزاء، فإِنَّ كلا منها مع كونه معلولا لما فوقه (قبله)، علة لما دونه (بعده)، فالمعلولية (المسبَّبَية) وصف مشترك بين الجميع، سائدة على السلسلة و على أجزائها كلها بخلاف العلية (السببية) فهي غير صادقة على الجزء الأخير (ما وصلت إليه السلسلة).

بطلان التسلسل: إنَّ القضايا المشروطة إذا كانت غيرَ متناهية و غيرَ متوقفة على قضية مطلقة، لا تخرج إلى عالم الوجود. مثلا إذا كان قيام زيد مشروطاً بقيام عمرو، و قيامُه مشروطاً بقيام بكر، و هكذا دواليك إلى غير النهاية، فلن يتحقق القيام عندئذ من أي واحد منهم أَبداً - كما إِذا شرط الأَول إِمضاءَه للورقة بإِمضاءِ الثاني، و الثاني بإِمضاءِ ثالث و هكذا، فلن تُمْضَى تلك الورقة إلى الأبد - إلاَّ إِذا انتهت تلك القضايا إِلى قضية مُطْلَقَة بأَنْ يكونَ هناك من يقومُ أَو يمضي الورقة من دون أَنْ يكون فعلُه مشروطاً بشيء.

فهذه المعاليلُ المتسلسلة - بما أَنَّ وجودَ كلٍّ منها مشروط بوجودِ علة تتقدمه - تكون قضايا مشروطةً متسلسلةً غيرَ متناهية فلا تَخْرُجُ إلى عالم الوجود ما لم تصل إلى قضية مطلقَة، أَي إلى موجود يكون علةً محضةً و لا يكونَ وجوده مشروطاً بوجودِ علَّة أخرى، و عندئذ يكون ما فرضناه متسلسلا غير متسلسل، و ما فرضناه غير متناه متناهياً.
فقد خرجنا بهذه النتيجة و هي أَنَّ فَرْضَ عِلَل و معاليلَ غير متناهية، فرضٌ محال لاستلزامه وجود المعلول بلا علة. فيكون الصحيح خلافَه أَي انقطاع السلسلة ( الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل – الشيخ جعفر السبحاني ).

بقي الحديث عن نقطتين في هذا البرهان ، وهما: الدور وبطلانه والإشكال وجوابه، سوف أوافيكم بهما في الحلقة الثامنة – إن شاء الله تعالى -.

ملاحظة1: كل ما كُتب باللون الأحمر بين قوسين فهو توضيح من قبلي.

ملاحظة2: الإخوة والأخوات المتابعين، أُحيطكم علماً بأن الإستفسار مفتوح للجميع ، وحتى طلب التوضيح لأي نقطة غير واضحة ،سواءً في الحلقات السابقة أوما سيلحقها من حلقات.

وفقكم الله لكل خير

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-01-2011, 07:36 PM   رقم المشاركة : 37
وقلبي بحبك متيماً
طرفاوي بدأ نشاطه
 
الصورة الرمزية وقلبي بحبك متيماً
 






افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الشكر لك من أعماق القلب ولكن عندي ملاحظة وهي أن هناك فرق بين برهان الإمكان والوجوب وبين برهان الغنى والفقر فقد قال سماحة السيد كمال الحيدري ( حفظه الله ) في بيان برهان الغنى والفقر:
(( ويطلق على هذا البرهان أيضاً الإمكان الوجودي أو الفقري في قبال الإمكان الماهوي - برهان الإمكان والوجوب - )) معرفة الله ج 1 ص 356.
ثم يستمر السيد ( حفظه الله ) في بيان البرهان بيان فلسفي ويعرض آراء المدراس الفلسفية ثم يقول - وهنا الشاهد -(( فتلخص أن هنالك فروقاً أساسية بين برهان الإمكان والوجوب وبرهان الغنى والفقر على صعيد المقدمات وعلى صعيد النتائج )) ج 1 ص 358.
وأتنمى لك من الله سبحانه وتعالى التوفيق , وشكراً لك على هذا الموضوع , وأنا معجب بهذه السلسلة.

 

 

وقلبي بحبك متيماً غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-01-2011, 08:01 PM   رقم المشاركة : 38
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وقلبي بحبك متيماً
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الشكر لك من أعماق القلب ولكن عندي ملاحظة وهي أن هناك فرق بين برهان الإمكان والوجوب وبين برهان الغنى والفقر فقد قال سماحة السيد كمال الحيدري ( حفظه الله ) في بيان برهان الغنى والفقر:
(( ويطلق على هذا البرهان أيضاً الإمكان الوجودي أو الفقري في قبال الإمكان الماهوي - برهان الإمكان والوجوب - )) معرفة الله ج 1 ص 356.
ثم يستمر السيد ( حفظه الله ) في بيان البرهان بيان فلسفي ويعرض آراء المدراس الفلسفية ثم يقول - وهنا الشاهد -(( فتلخص أن هنالك فروقاً أساسية بين برهان الإمكان والوجوب وبرهان الغنى والفقر على صعيد المقدمات وعلى صعيد النتائج )) ج 1 ص 358.
وأتنمى لك من الله سبحانه وتعالى التوفيق , وشكراً لك على هذا الموضع , وأنا معجب بهذه السلسلة.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عزيزي/ وقلبي بحبك متيماً، بالنسبة لما ذكرتُه حول كون برهان الوجوب والإمكان وبرهان الغنى والفقر مرتبطان في المعنى ،فقد كان رأياً للشيخ ناصر مكارم الشيرازي -أدام الله بقاءه،- وقد أوضح سماحته في كتاب نفحات القرآن /ج3 الإرتباط بينهما ، حيث أن واجب الوجود لغناه عن غيره لا يكون بحاجة إلى موجد وأما ممكن الوجود فلفقره واحتياجه إلى غيره فهو بحاجة إلى موجد، ولعل هذا الكلام واضح في الربط بين البرهانين السابقين.

أشكرك على طيب المتابعة وعلى الملاحظة الطيبة الجميلة.

وفقك الله

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-01-2011, 08:08 PM   رقم المشاركة : 39
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي الحلقة الثامنة

الحلقة الثامنة

إثبات وجود الله

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم


البرهان الرابع: برهان الوجوب والإمكان ( الغنى والفقر) :-

رابعاً: الدور وبطلانه:-

" الدور عبارة عن كون الشيء مُوجِداً لشيء ثانِ، و في الوقت نفسه يكون الشَّيء الثاني موجداً لذاك الشيء الأَول. و هذا باطل لأنَّ مقتضى كونِ الأَول علة للثاني، تقدُّمُه عليه و تأخُّرُ الثاني عنه: و مقتضى كون الثاني علة للأول تقدُّمُ الثاني عليه. فينتج كونُ الشيء الواحد، في حالة واحدة، و بالنسبة إلى شيء واحد، متقدِّماً و غير مُتَقَدِّم، و متأخراً و غير متأخر. و هذا هو الجمع بين النقيضين، و بطلانه كارتفاعهما من الضروريات البديهية. فينتج أنَّ الدّورَ و ما يستلزمه محال.
و لتوضيح الحال نمثل بمثال: إِذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة و اشترط كلُّ واحد منهما لإِمضائها، إمضاءَ الآخر، فتكون النتيجة توقُّفُ إمضاء كلٍّ على إمضاء الآخر و عند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاةً إلى يوم القيامة، لما ذكرنا من المحذور.
و هاك مثالا آخر: لو أَراد رجلان التعاون على حمل متاع، غيرَ أَنَّ كلاًّ يشترط في إقدامه على حمله إِقدام الآخر. فلن يُحمل المتاع إلى مكانه أَبداً" ( الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل ج1 – الشيخ جعفر السبحاني ).

خامساً: الإشكال وجوابه:-

الإشكال: أنتم تقولون : أن لكل شي خالقا ومبدعا , إذا فمن خلق اللّه عزوجل ؟.
والـعـجـيـب هو أن بعض فلاسفة الغرب طرحوا هذه الأسئلة أيضا , مما يدل على مقدار تصورهم السطحي في المباحث الفلسفية وتفكيرهم البدائي .
يـقـول الـفيلسوف الانجليزي الشهير ( برتراندراسل ) في كتابه ( لِمَ لَمْ أكن مسيحيا؟ ) : ( كنت أعـتـقـد باللّه في شبابي , وكنت أعتقد ببرهان علة العلل كأفضل دليل عليه , وهو أن كل مانراه في الوجود ذو علة معينة , ولو تتبعنا سلسلة العلل لانتهت بالعلة الأولى , وهي مانسميه باللّه .
لـكـنـنـي تراجعت عن هذه العقيدة بالمرة فيما بعد , لأنني فكرت بأنه لوكان لكل شي علة وخالق , لوجب أن يكون للّه علة وخالق أيضاً ).

الجواب: عندما نقول : أن لكل شي خـالـقـاً ومـوجـداً ,نـقـصـد ( كـل شي حادث وممكن الوجود ) , لذا فهذه القاعدة الكلية صادقة فـقـط بخصوص الأشياء التي لم تكن من قبل وحدثت فيما بعد , لا بخصوص واجب الوجود الذي كان موجودا منذ الأزل وسيبقى إلى الأبد , فوجودٌ أزلي لا يحتاج إلى خالق , لكي نسأل عن خالقه قائم بذاته ولم يكن معدوما من قبل أبدا , لكي يحتاج إلى علة وجودية .
وبتعبير آخر : إن وجوده من ذاته لا من خارج ذاته , وهو لم يكن مخلوقا ,هذا من جهة , ومن جهة أخـرى كـان مـن الأفضل لـ ( برتراندراسل ) ومؤيديه أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال : لو كان للّه خـالـق فسيرد نفس هذا الإشكال مع الخالق المفترض , وهو : من خلق ذلك الخالق ؟! ولو تكررت هـذه الـمسألة وافترضنا أن لكل خالق خالقا لأدى ذلك إلى التسلسل , وبطلانه من الواضحات , ولو تـوصلنا إلى وجود يكون وجوده من ذاته ولا يحتاج إلى موجد وخالق آخر ( أي واجب الوجود ) , فذلك هو اللّه رب العالمين .
ويـمـكن توضيح هذه المسالة ببيان آخر وهو : أننا لو لم نكن من المؤمنين على سبيل الفرض وكنا نـؤيـد عقيدة الماديين , لواجهنا نفس هذا السؤال ,فبتصديقنا قانون العلية ( السببية ) في الطبيعة , وأن كل شي فـي الـعالم معلول لآخر , سيردهذا السؤال الذي واجهه المؤمنون باللّه تعالى وهو : لو كانت جميع الاشياء معلولة للمادة فما هي العلة التي أوجدت المادة إذاً ؟.
وسـيـضـطرون أيضا للقول : بأن المادة أزلية , وكانت موجودة منذ الأزل ,وستبقى إلى الأبد , ولا تحتاج إلى علة وجودية , وبتعبير آخر هي ( واجب الوجود ).
وعلى هذا الأساس نلاحظ أن جميع فلاسفة العالم سواءً الإلهيين منهم والماديين يؤمنون بوجود أزلي واحد , وجود لا يحتاج إلى خالق وموجد , بل كان موجودا منذ الأزل .
والـتفاوت الوحيد هو أن الماديين يعتقدون بأن العلة الأولى فاقدة للعلم والمعرفة والعقل والشعور , ويعتقدون بأنها جسم ولها زمان ومكان لكن المؤمنين يعتقدون بأن العلة الأولى ذات علم وإرادة وهدف , وهو اللّه تعالى وينزهونه عن الجسمية والزمان والمكان , بل يعتقدون بأنه فوق الزمان والمكان .
وجـميع الأدلة التي أوردناها سابقا في بحوث معرفه اللّه تعالى تؤيد هذه الحقيقة , وهي أن المُبديء الأول لهذا العالم ذو علم واطلاع غير محدود.
وعـلـيـه فـقد أخطا ( راسل ) في تصوره بأنه يستطيع التهرب من مخالب هذا السؤال بترك زمرة الـمـؤمـنـين والإلتحاق بالماديين , لأن هذا السؤال ملازم له دائما , حيث أن الماديين يعتقدون أيضا بقانون العلية ويقولون : بأن لكل حادثة علة معينة .
إذا , فـالطريق الوحيد في حل هذه المشكلة هو إدراك الفرق جيدا بين ( الحادث ) و ( الأزلي ) , وبـيـن ( ممكن الوجود ) و ( واجب الوجود ) , لكي نعلم أن الذي يحتاج إلى خالق هو الموجودات الحادثة والممكنة , أي أن كل مخلوق يحتاج إلى خالق , وماليس بمخلوق فلا يحتاج إلى خالق .

مصدر الإشكال وجوابه : نفحات القرآن ج4- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

سوف أكتفي بهذا القدر من براهين إثبات وجود الله عز وجل ، وسوف يكون الحديث في الأيام المقبلة حول التوحيد وأقسامه – إن شاء الله تعالى - .

وفقكم الله

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21-01-2011, 09:25 AM   رقم المشاركة : 40
سلمان الفارسي
شاعر وكاتب وباحث قرآني قدير






افتراضي رد: السلسلة العقائدية - التوحيد أولاً ( حلقات )

أحسنت وبارك الله فيك ،فما أعذب كلام علمائنا في التوحيد وأبحاثه،ولا غرو أن يكون كذلك ،كيف وقد نهلوه من كلام أهل البيت عليهم السلام ،وورد في الكافي عن
علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن جميل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول يغدوا الناس على ثلاثة أصناف: عالم ومتعلم وغثاء، فنحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء
قال الشيخ هادي النجفي:الرواية صحيحة الإسناد.انظر موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام ج7باب أصناف الناس في العلم .والله أعلم

 

 

سلمان الفارسي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 01:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد