العودة   منتديات الطرف > الواحات الإسلامية > ۞ ۩ ۞ الواحة الإسلامية ۞ ۩ ۞




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 05-05-2013, 08:56 AM   رقم المشاركة : 21
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 17

صعوبة إدارة الناس في مقام العمل


بالإضافة إلى البعد النظري و صعوبة إدراك خفايا قواعد إدارة الناس وقيمومتهم، كذلك الأمر ليس بهيّن في مقام العمل والتنفيذ. فلو كنا قد عرفنا جميع قواعد إدارة الناس عن طريق الوحي، هل بإمكاننا أن نتصدّى لتطبيقها وهل نستطيع أن ندّعي أنّ لنا الكفاءة والقدرة على إدارة أنفسنا؟
لقد ثبت في القسم السابق ضرورة «علم» الإمام وحاكم المجتمع، وهنا تثبت ضرورة «عصمته». لنفرض أننا وقفنا على جميع غوامض أبعاد الإنسان وأحطنا بقواعد إدارته وقيمومته بمدد من الله، أي أدركنا كنه حقيقة العدل والإنصاف مثلا، ولكن هل تطبيق هذه القواعد على أرض الواقع وفي خضمّ إدارة المجتمع أمر هيّن؟ من يستطع أن يطبق العدل بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حتى على نفسه؟ فلا ضمان على تحقق هذا العدل إلّا الضمانات الدينية التي تسدّد وليّ الله وإمام الناس على أن يقيم هذه الأطروحة باستعانة قوّته الروحية.

الضمان على إمكان إدارة الناس

الدليل الثالث على ضرورة تدخل الله في السيطرة على السلطة المركزية هو القداسة التي لا تنفكّ عن «أمر الله». إن هذه القداسة بنفسها تمثل ضمانا على إمكان إدارة الناس وقيمومتهم. يعني أن هذه القداسة هي التي تمهّد الأرضية للحكومة الولائية أن تمارس الحكم وهي التي تمنحها الشرعية. فلو حصل رجل كفوء وقادر على إدارة المجتمع لِما أعطاه الله من القوة الروحيّة العالية، وكان قد أخذ برنامجَه لإدارة المجتمع من الله، يبقى لا يزال محتاجا إلى تدخّل الله في سبيل إمكان حكومته على الناس، وذلك بأن يأمرهم الله باتباعه.
لنضرب مثلا؛ إن التحكيم في ساحة كرة القدم أمر صعب جدا. ومن هذا المنطلق قد وضعت قوانين دقيقة جدا للتحكيم لا يمكن تغييرها بسهولة (العامل الأول). ومن جانب آخر، تطبيق هذه القوانين على الساحة بحاجة إلى حضور حكّام متمّرسين قد جمعت فيهم الإحاطة بالقوانين، والحيادية أثناء التحكيم (العامل الثاني). ولكن إذا لم تكن في البين جهة مركزية عليا تفرض بوجوب إطاعة الحكم في ساحة المباراة، هل يبقى ضمان على تنفيذ أحكام الحَكَم في الساحة. فلابدّ من وجود «اتحاد» قوي لكرة القدم، ليكون ضمانا على تنفيذ جميع القوانين والبرامج (العامل الثالث).
حصيلة الكلام: هناك ثلاث ضرورات تقتضي تدخل الله في السيطرة على السلطة المركزية. بعبارة أخرى، هناك ثلاثة أدلة تحكم بضرورة خضوع المجتمع الإنساني لولاية الله وقيمومته المباشرة أو غير المباشرة. الدليل الأول: هو أن الإنسان معقّد في تركيبته وأبعاده، وعليه فإدارة هذا الإنسان عملية معقدة صعبة جدا، ولا يقوى عليها سوى الله، إذ هو الذي يستطيع أن يضع برنامجا كاملا لإدارة الناس وقيمومتهم لأحاطته بجميع هذه الأبعاد. الدليل الثاني: لابدّ لهذا الإنسان الذي يتصدّى لإدارة المجتمع أن يحمل بتسديد الله بين جنبيه قوة روحية عالية ليكون قادرا على تنفيذ هذه القانون بشكل صحيح. الدليل الثالث: ولا بدّ أن يوجّه الله أمرا للجميع على اتباع وليّه، وإلّا فسوف لا يكون أيّ ضمان على اتباع أمره في المجتمع وفسح المجال لحكومته.

الفصل الثالث: منهج الولاية في فرض القوّة

إن مجمل الأبحاث التي أشير إليها لحدّ الآن قد أوصلتنا إلى هذه النتيجة: بمقتضى النظام التسخيري الذي أحاط بجميع أبعاد حياة الناس، لابدّ من تسلّط بعض الناس على بعض. ومآل هذا التسلّط بطبيعته هو إلى تبلور القوة بين الناس. فهنا قد يطغى بعضهم ويمارسون الظلم والعدوان على الآخرين. ففي سبيل الحيلولة دون هذا الظلم والطغيان الذي قد يؤدّي إليه النظام التسخيري بطبيعة الحال، لابدّ من وجود سلطة مركزية قويّة لتشكّل ضمانا على تطبيق قواعد هذا النظام التسخيري بشكل صحيح، وتؤمّن راحة الحياة المصحوبة بالاطمئنان في خضمّ هذا النظام التسخيري.
لقد وقفنا في الفصل السابق عند ضرورة تدخّل الله سبحانه في عمليّة مراقبة هذه السلطة المركزية. وقلنا هناك: من خلال استقراء تجربة الإنسان في الحكم وإدارة البلاد منذ آلاف السنين، ونظرا إلى الظروف التي نعيشها في عالمنا اليوم، نجد ضرورة تدخّل الله في عمليّة إدارة الناس ليكون هو الحاسم في حلّ أزمات هذا الموضوع. فكما تشاهد أيها القارئ العزيز، لقد جرّتنا مقدمات منطقيّة وعقليّة إلى هذه النتيجة وهي التي ألجأتنا إلى البتّ بضرورة تدخّل الله، فلم ننطلق إلى هذه النتيجة من وحي الأدلّة النقليّة والدينيّة.
على أيّ حال إنّ النموذج الذي يطرحه الله سبحانه لإدارة المجتمع ومراقبة هذا النظام التسخيري هو نموذج «الحكومة الولائيّة». نحن لازلنا لم ندع منهجنا في البحث، فسننطلق لدراسة أساليب الولاية في إدارة المجتمع بالمنظار العقلاني. طبعا باعتبار أنّ «الولاية» هي مفهوم إسلاميّ أو دينيّ، فلا بدّ لنا أن نتطرّق إلى بعض التعاليم الدينية ونستند أحيانا إلى بعض المعارف النقلية، كما قد نشير إلى بعض مصاديق سلوك الإمام الخميني (ره) وسماحة السيد القائد (حفظه الله) في عمليّة إدارة البلد، ولكن سوف نأتي بهذه المصاديق أو المعارف الإسلامية كمؤيّد لما ننتهي إليه عبر دراستنا العقلية في الموضوع، وليس هدفنا الآن في هذه العجالة أن نثبت نظريّة «ولاية الفقيه» أو ندعو لقبولها.
في هذا الفصل ومن أجل التعرّف الأكثر على خصائص الحكومة الولائية، نتطرق بادئ ذي بدء إلى منهج الولاية في استخدام «أدوات القوة»، ثم نذكر أسباب منهج الولاية هذا في استخدام أدوات القوة، وبعد ذلك نعرّج على موضوع علاقة الولاية بـ«استقلال» الناس في إطار شبهة سوف نطرحها، ثم ننهي الموضوع في آخر المطاف بمدى علاقة «الحرية» بالولاية.

يتبع إن شاء الله...

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-05-2013, 07:38 AM   رقم المشاركة : 22
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 18

استخدام الولاية لأدوات السلطة على نطاق محدود


لابدّ لأي حكومة ومن أجل أن تتسنى لها إدارة شعبها وتحافظ على بقائها أن تستخدم خمس أدوات نسميها «أدوات السلطة». وهي: القوة القهرية والثروة والقانون والإعلام والعمل السياسي. نحن في هذا الفصل سوف نقف عند شأن هذه الأدوات في الحكومة الولائية وندرس نطاق استخدام الوليّ وقائد المجتمع لها. وفي سبيل اتضاح الحدود المعترف بها عند النظام الولائي في استخدام هذه الأدوات، لابدّ لنا أن نقارن أحيانا بين الأنظمة المتمظهرة بالديمقراطية الحاكمة على ما يسمّى بالبلدان المتطورة الغربية.
قبل الخوض في هذا البحث ينبغي أن نؤكد هنا بأن كلّ ما يدعو إلى الفخر والشرف في مفهوم الولاية إنما هو راجع إلى أسلوب الولاية في استخدام هذه الأدوات. يعني لا ندّعي أن الولاية لا تستخدم هذه الأدوات إطلاقا، بل ما ندعيه هو أنها لا تتعاطاها على سبيل الطغيان وبلا نطاق. فمن أجل اتضاح المعنى، لا بأس قبل الخوض في تفاصيل البحث، نلقي نظرة على الآية 112 من سورة هود المباركة التي أشار إليها النبي (ص) بأنها السبب في مشيبه. [1]
في هذه الآية المباركة، أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه بالاستقامة: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَن تَابَ مَعَكَ وَ لَا تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير). إنها في الواقع تبيّن منهج الولاية في عملها وحركتها. يقول الله سبحانه للنبيّه استقم كما أمرت، ومعنى هذه الاستقامة هو أن يكون النبيّ بصدد إكمال العمل الذي شرع به ويعدّ خطّته في سبيل استمرار هذه الحركة ودوامها. ولمن نال شيئا من السلطة هناك مئات الأساليب تتاح له حتى يستعين بها على إبقاء دولته ودوام حكومته، أما في هذه الآية يقول الله سبحانه ليس لك إلا أن تستمرّ على أساس ما أمرتك به.
من أجل اتّضاح المراد من «كما أمرت» افترضوا معلّما مندوبا من قبل وزارة التربية والتعليم إلى إحدى القرى لكي يتكلم مع أبناء القرية ويقنعهم بأي نحو كان على تأسيس مدرسة ودراسة أبنائهم فيها. بطبيعة الحال لم يعبأ به أحد في بادئ الأمر، ويزعم الجميع أنه إذا انشغل أبناؤهم بالدراسة سوف لا يعينونهم في المشاغل والأعمال، وقد يواجهونه بشدّة، ولكنه كان يتعامل معهم بالرأفة والتواضع، وبذلك استطاع أن يأخذ مأخذه في قلوبهم وينشئ المدرسة. وبعد مضيّ نيّف من السنين يبلغ عدد طلابها إلى مئتين طالب مثلا. فافترضوا بعد مضي عشر سنين من حصوله على المنصب والقدرة في تلك القرية، يأتي رجل من قرية أخرى ويبادر بشتمه والاستهزاء به، فإذا واجهه هذا المعلم بنفس تلك الابتسامة التي كان يواجه بها أبناء القرية في أيامه الأولى، فقد اتخذ موقفه بمقتضى «کما أمرت». أما إذا عاف ابتسامته الأولى وراح يواجهه بطريقة أخرى، فإنما قد طغى ولم يعمل بمقتضى «کما أمرت».
وكذلك الأمر بالنسبة للولاية، فلابدّ لها أن تمارس الولاية مثل هذا المعلم. فحتى لو كانت الولاية قادرة على استخدام ما ناشته يدها من أدوات في سبيل تعزيز حكومتها، بيد أنها ملزمة باستخدامها ضمن النطاق المسموح لها من قبل الله، وهو نطاق احترام كرامة الناس. ثم في ذيل هذه الآية يخاطب الله نبيه (ص) وأتباعه بقوله «ومن تاب معك» ويمنعهم من الطغيان؛ «ولا تطغوا»، ما يدلّ على أن قوله «کما أمرت» يحكي عن الاستقامة التي لا يصحبها طغيان.
إن استطعنا أن نجسّد منهج الولاية في إدارة المجتمع لجميع أهل العالم، سوف يتلهّف جميع الناس في مختلف أرجاء العالم إلى هذا المفهوم. وبالمناسبة إن سبب مظلومية جميع أولياء الله على مرّ التاريخ راجع إلى أسلوب استخدامهم لأدوات القوة. و سوف يظهر إمام زماننا (عج) بعد ما يأمن المظلومية بالرغم من استخدامه لأدوات القوة على نطاق محدود.

1ـ القوة القهرية

واحدة من أدوات القوة التي هي في متناول الحكّام ليديروا بها المجتمع هي سياسة القوة واستخدام القوة القهرية. طبعا أصبح هذا الأسلوب اليوم غير ممكن للاستخدام الواسع. اليوم حتى أشرس الطواغيت لم يعد قادرا على استخدام هذه الأداة بلا قيد وحدود. كان استخدام هذا الأسلوب أيسر سابقا. ففي الأزمنة الماضية كان إذا تمرّد أحد على رأي الملك يلقى بيد الجلّاد، أما الآن فباتت هذه الأساليب غير ميسورة. طبعا لا تزال بعض الحكومات تتعاطى هذا الأسلوب بلا أيّ حدّ وقيد حفاظا على أريكتها، أمّا في ما يسمى بالبلدان الديمقراطية الغربية، فلم يعد الاستخدام المطلق لهذا الأسلوب أمرا متعارفا.
ولا شكّ في أن الولاية لن تستخدم هذه الأداة بلا قيد وحدود، كما أن في صدر الإسلام لم يتعاطَ النبيّ (ص) ولا أمير المؤمنين (ع) هذه الأداة على نطاق غير محدود. فباعتبار أن هذا الموضوع ليس محلا للنزاع ولا ينادي به أحد في عالمنا اليوم، نكتفي بذكر مثال واحد عن سيرة حكومة أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
بعد هلاك يزيد، تآمر مروان بن الحکم على «معاوية بن يزيد» واتكأ على أريكة الحكم. وبعد فترة من الزمن وعندما قُتل مروان على يد زوجه، تقلّد الخلافة ابنُه «عبد الملك». فعيّن عبد الملك حجاج بن يوسف الثقفي واليا على العراق. فكانت قد خرجت في تلك الفترة بعض الاحتجاجات ضدّ الحكومة في «رامهرمز»، بيد أن أهل الكوفة لم يكونوا مستعدّين لمواجهة المحتجّين وكانوا قد تخلفوا عن جيش مهلّب ورجعوا إلى الكوفة. فاتّجه الحجّاج صوب الكوفة وارتقى منبر الكوفة منذ وصوله مباشرة فخطب بأهلها وقال: «...إني لأرى رؤوساً قد أينعت و حان قطافها , و إني لأنظر إلى الدماء بين العمائم و اللحى... إن أمير المؤمنين عبد الملك نشر كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عوداً و أصلبها مكسراً, فوجهني إليكم...» إلى أن قال: «و الله لتسقيمن على سبيل الحق أو لأدعن لكل رجل منكم شغلاً في جسده أو لأهبرنكم بالسيف هبراً يدع النساء أيامى , و الولدان يتامى...». بعد ثلاثة أيام من خطبته جاءه رجل كبير وقال له: "إني شيخ كبير عليل، وهذا ابني حنظلة وليس في بني تميم رجل أشدّ منه ظهرا وبطشا فإن رأيت أن تخرجه مكاني فافعل». فأمر الحجاج بضرب عنقه فضربوا عنقه. بعد ذلك تطايرت عصاة الجيوش إلى جيش مهلّب ولم يتخلف عنه حتى رجل واحد. شاهد الكلام هو أنه ألم يستطع أمير المؤمنين (ع) أن يستخدم هذا الأسلوب في تجييش الجيش ضدّ معاوية؟ فلا شكّ في أن أمير المؤمنين (ع) كان يعرف نفسية أهل الكوفة جيدا،[2] بيد أن الولاية لا تستخدم أيّة أداة من أدوات القوّة بلا قيد وحدود.

يتبع إن شاء الله...

[1]شرح نهج‌ البلاغة لابن أبي الحدید، ج11، ص213.
[2] حيث قال لهم أمير المؤمنين (ع) في كلام يخاطب فيه أهل الكوفة: «عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم، وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا، وعاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا، ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف، وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي...» (الاحتجاج، لأحمد بن علي الطبرسي، ج1، ص256)

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 13-05-2013, 08:16 AM   رقم المشاركة : 23
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 19

2ـ الثروة

واحدة أخرى من أدوات القوة التي أصبح لها اليوم دور مهمّ جدا في المعادلات الجارية في العالم، هي الثروة أو بعبارة أخرى المكنة الاقتصادية. إن استخدام هذه الأداة على نطاق غير محدود أمر مشروع ومعترف به لدى الرؤية المادية الغربية. فبمقتضى هذه الرؤية لابدّ من صرف الأموال أحيانا في سبيل تسيير بعض الأهداف. وتارة لابدّ من قطع الرواتب والأجور في سبيل إرغام الناس على الطاعة. بيد أن في الرؤية الولائية لا ينبغي استخدام هذه الأداة بلا عنان وعلى نطاق غير محدود.
فعلى سبيل المثال لم يقطع أمير المؤمنين (ع) راتب الخوارج من بيت المال، مع أنهم لم يكونوا يعترفوا بحكومته (ع) وكانوا يبلّغون ضدّه بكلام سامّ. ولكن بالرغم من اعتراض بعض أصحاب أمير المؤمنين، لم ينفكّ الإمام عن مداراة الخوارج والتعامل معهم كباقي أفراد المجتمع ما داموا لم يشهروا السيف، وكان هذا التعامل الكريم في الوقت الذي لم ينقطع فيه عداء الخوارج تجاه أمير المؤمنين.
في زمن الخليفة الثاني وبعدما جاءت غنائم الانتصار على إيران إلى المدينة، استشار الخليفة بعض الشخصيات ليحدّد سياسة التوزيع. فقال له رجل: إني رأيت سياسة توزيع المال عند العجم (الفرس والروم) حيث إنهم فتحوا سجلّات وقد خصصوا لكل فرد من المجتمع حصّة بحسب مقامه وموقعه. فاستحسن الخليفة الثاني هذا الرأي وأمر بإنشاء دواوين، فبدأ بتقسيم بيت المال على أفراد المجتمع على أساس موقعهم وشأنهم.[1] فهو أوّل من اتخذ سياسة التمييز في تقسيم بيت المال في تاريخ الإسلام. فعندما سئل عن سبب ذلك قال: «إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه رأى في هذا المال رأيا ولي فيه رأي آخر...» [2]دون أن يتطرق إلى سنّة رسول الله (ص). كما أن العقل أيضا يحكم في ظاهر الأمر بالتبعيض في سبيل حفظ الحكومة، بيد أنّ المنهج الولائي في إدارة المجتمع يأبى مثل هذا التبعيض ويخالفه بشدّة.
وبالمناسبة، يعتبر المحللون للأحداث التاريخية أنّ أحد أكبر أخطاء أمير المؤمنين (ع) بعد خلافته، هو سياسته الاقتصادية! حيث كان أمير المؤمنين (ع) يعطي طلحة والزبير من بيت المال بقدر ما يعطي عتقاءهما من العبيد. فمن الطبيعي أن لا يطيق هذه العدالة والمساواة من تمتّع بامتيازات كبيرة في المجتمع الإسلامي لمدة مديدة. هذا هو الأمر الذي أجّج حرب «الجمل» ما جرّأ معاوية على شنّ حرب «صفّین» والتي تمخّضت منها معركة «نهروان». يعني لو كان الإمام منذ البداية لم يتشدّد في مراعاة العدل والمساواة لما حدثت ولا واحدة من تلك المعارك. فهل لابدّ أن نفهم هذه الظاهرة تحت عنوان ضعف تدبير أمير المؤمنين (ع) أم هناك حقيقة أخرى وراءها؟
الحقيقة هي أنه تبدو إدارة المجتمع على أساس الدقائق التي تلتزم بها الولاية، أمرا غير ممكن وهي تقتضي رشد الناس. وبهذا السبب نفسه لم يظهر إمام العصر (عج) بعد. وهل يقدر أحد على مراعاة ذرّة من عدل أمير المؤمنين (ع)؟ ينقل في زمن السلسلة الصفوية التي كان ملوكها قد رفعوا راية التشيع واتباع أمير المؤمنين (ع)، استولى عمّال الحكومة في إحدى مناطق البلاد على أرض رجل، ومهما حاول صاحبها أن يسترجع حقّه لم يصل إلى نتيجة. إلى أن أوصل نفسه إلى قصر حاكم تلك المنطقة فحضر في مجلسه وأخذ يتحدّث بأعلى صوته عن عدل أمير المؤمنين (ع). فاستغرب الحاكم من فعل الرجل والتفت إليه بعد ختام المجلس وسأله هل لك مشكلة؟ فطرح مشكلته. فأمر الحاكم بإعادة أرضه إليه، ولكن طلب منه أن لا يبالغ بالحديث عن عدل أمير المؤمنين (ع). استغرب الرجل وقال له: «ألم تعتبروا أنفسكم من أتباع علي (ع)». فأجابه الحاكم: «بالتأكيد، ولكن قل لي كم سنة حكم علي (ع)». قال له الرجل: «خمس سنين». فقال الحاكم: «هنا القضية؛ فبسب عدل أمير المؤمنين لم تزدد حكومته عن خمس سنين. ونحن لا نريد أن نحكم بهذا القدر. نحن نريد أن نحكم الناس إلى ما شاء الله، ولهذا لا يمكننا أن نقيم دعائم الحكومة على أساس عدل علي (ع)».
طبعا إن الولاية تستخدم الأدوات الاقتصادية في سبيل تسيير أهدافها، ولكن هناك قيود كثيرة أمامها ولا يقوى على مراعاتها إلا من كان أهلا للولاية. فعلى سبيل المثال في أحكامنا الدينية هناك عنوان باسم «تأليف القلوب». ومعناه هو أن الحاكم الإسلامي له أن يعطي بعض أموال الزكاة والخرائج الإسلامية للراغبين عن الإسلام في سبيل تأليف قلوبهم إليه. ولكنّه لا يخلو من القيود والضوابط ولا تمارس الولاية هذا الحكم دون أن تلاحظ الحدود والقيود أبدا. وحريّ بنا أن نفتّش عن أسرار الولاية في مصاديق مراعاتها لهذه القيود والحدود.

يتبع إن شاء الله ...

[1] فتوح البلدان، ص436
[2] کتاب الخراج، ص53 و 54

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21-09-2013, 08:25 AM   رقم المشاركة : 24
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 20

3ـ القانون

إحدى الأدوات التي يستخدمها السياسيون والحكام اليوم في جميع أرجاء العالم بلا أيّ حدود ونطاق، هي «القانون». إنها سياسة لا يستقبحها أحد، بينما استخدام القانون على سبيل الإفراط أمر قبيح وغير صحيح شأنه كشأن استخدام القوّة بلا عنان ولا حدود. صحيح أن القانون محترم، ولكن لا يحقّ لأحد أن يسيطر على أفعال الناس ويرغمهم على تغيير سلوكهم بفرض القوانين بما يفوق عن حدّ اللزوم.
أحد الحدود الموجودة في عملية وضع القوانين، هو إعطاء الفرصة للناس لتحسين سلوكهم. صحيح أن وضع القانون أمر لابدّ منه، ولكن لا ينبغي أن نسلب فرصة إصلاح الذات من الناس، في مسار تنفيذ القانون أو فرضه. لا يحقّ لنا أن نعمد على إصلاح السلوك الاجتماعيّ برمّته عن طريق فرض القوانين المتشدّدة. لا ينبغي أن نطلق عنان القانون في جميع شؤون المجتمع، بل لابدّ أن نكل كثيرا من التعاملات الاجتماعية إلى «الأخلاق».
إذا تشبّع المجتمع بالقانون، تموت الأخلاق فيه. فليس المفترض هو أن ندفع الناس إلى مراعاة الأعراف الاجتماعية مهما بلغ الثمن وحتى لو كان ذلك على حساب سلب اختيارهم الذي يمثل وجه تمايزهم عن الحيوانات. إن القوانين المتشدّدة وإن كانت قد تحقّق نظم المجتمع، بيد أنّها سوف تترك أثرها التدميري في ثقافة المجتمع وأخلاقه العامّة.
نجد في بلاد الغرب قد وضعوا القوانين لكلّ شيء، ويحسبون هذه الظاهرة حسنا لهم. في المقابل، تجد الناس يطبّقون القوانين بدقّة. فهل مجرّد العمل بالقوانين، كقوانين المرور يدلّ على كمال الشعوب الغربية؟ في بعض البلدان الغربية، إن خالف أحد قانون المرور، مثل أن يقف في مكان محظور الوقوف فيه، يغرّم بما يقارب سعر سيّارته. فبطبيعة الحال لن يسمح أحد لنفسه أن يقف في أماكن حظر الوقوف، ولكن هل يدلّ هذا على فضل وكمال؟ ففي الحقيقة قد سلبت قوّة الاختيار من الناس بهذه القوانين المتشدّدة، وهذا هو الذي نستنكره ولا نرضى به. طبعا إن هذا الكلام لا يعني الدفاع عن حالة عدم القانون، كلا، فكما ذكرنا مسبقا، لابدّ من وجود القانون، بيد أنه لا ينبغي أن يتمّ استخدام هذه الأداة على نطاق واسع غير محدود.
وحري بالذكر هنا أن القوانين الشديدة ليست بضمان دائم لتحقيق الهدف والمطلوب. فعلى سبيل المثال هل يمكن في مجال القضايا الثقافية كقضية الأسرة وحقوق المرأة، أن يرغموا الرجال على مراعاة حقوق النساء عن طريق فرض القوانين الشديدة؟ فهل قد استوفت المرأة الغربية جميع حقوقها وهل قد باتت تشعر بالسعادة في حياتها بعد هذا الكمّ الهائل من القوانين التي وضعت لحماية المرأة في الغرب؟ إن حلّ معضلة «تضييع حقوق المرأة في الأسرة» بحاجة إلى طرقه الثقافية ولابدّ من الحديث عنها بالتفصيل في مجال آخر، أمّا الشيء الواضح هو أن طريق حلّها ليس تكثير القوانين.
كذلك في مجال الاقتصاد، نحن بحاجة إلى قوانين واضحة تنظّم العلاقات والمعاملات الاقتصادية في إطار منضبط، ولكن إن التنمية الاقتصادية وفكّ العقد الاقتصادية لم تنجز عن طريق فرض القوانين وحسب. فعلى سبيل المثال، دائما ما كنا نشاهد ازدياد أسعار الفواكه في الأيام الأخيرة من السنة، ومهما كانت الدولة تفرض أشكال القوانين في سبيل حلّ هذه المشكلة، لم تزل مشكلة غلاء الأسعار باقية في مكانها. إلى أن قرّرت الدولة أن تسيطر على الأسعار من خلال استخدام طبيعة السوق نفسه، أي إيجاد وحفظ التعادل بين العرض والطلب. ولهذا نرى منذ كم سنة أن الدولة تشتري الفواكه من الزرّاع قبل أشهر من انتهاء السنة، ثم توزعها في السوق بالسعر المناسب. فبهذه السياسة انحلّت مشكلة ازدياد الأسعار بشكل تلقائي.
وكذلك الأمر في مجال التعليم والأوساط العلمية، حيث إن كثرة القوانين والمقررات لا تؤدي إلى التطوّر العلمي. فلا يمكن تنمية القابليات العلمية لدى الطلاب عن طريق تصعيب القوانين التعليمية. فعندما تكثر القوانين والمقررات التعليمية، تصبّ طاقات الطلاب والأساتذة في مراعاة القوانين وتلبية إلزامات المقررات، وحينها لا يبقى لهم شعور بالمسؤولية تجاه ارتقاء المستوى العلمي والدراسي.
وكذلك الأمر في باقي المجالات. فإن أدركنا هذه الحقيقة وهي أن القانون شيء جيّد أما كثرته فلا، عند ذلك نستطيع أن ندرك ونحلل سبب تساهل النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) في فترة حكمهما. فمن كان هدفه هو إصلاح المجتمع، لا يبالغ باستخدام القانون أكثر من اللزوم.
أصبحنا اليوم مع الأسف نقلّد الغرب في كثير من شؤوننا الاجتماعية، دون أن ندرس مدى صحة هذه القوانين من الناحية الإنسانية. فعلى سبيل المثال هل من الصحيح إنسانيا أن نعاقب الموظف الذي تأخر عن زمن دوامه ولو بدقيقة واحدة ونخصم من راتبه، ونشجّع الموظف الذي حضر الدوام في وقته بلا تأخير ومرّر بطاقته في الجهاز، ونعطيه راتبه بالكامل؟ وأساسا هل يؤيد الدينُ نظامَ الثواب والعقاب المباشرين هذا، الذي لم ينفكّ عن حياتنا منذ الطفولة في المدرسة الابتدائية وقد رسخ في وجودنا وكياننا؟ هل هذا الأسلوب التربويّ صحيح؟ بهذا الأسلوب يمكن تربية الحيوانات أيضا! ولكنه كم يُبعد الإنسانَ عن إنسانيته. إنها من القضايا التي لم نقف عندها مع الأسف، وإنما قلدنا النماذج الغربية فحسب. طبعا هذا الكلام لا يعني أن يصبح الجميع أحرارا في عدد ساعات دوامهم. كلا، لابدّ للجميع أن يلتزموا بالنظم والترتيب، ولكن الكلام هو هل من الصحيح أن ننظم الموظفين عن طريق نظام تمرير البطاقة وما يصحبه من العقاب والثواب؟
كما ذكرنا في الأبحاث المسبقة، لا نجد هذا الكمّ الهائل من القوانين في حكومة صاحب العصر والزمان (عج). فعندما يَرشُد الناسُ جميعا لا داعي حينئذ إلى هذا الكمّ من القوانين. كما لو التزم جميع الناس في زماننا هذا بالأحكام الدينية، لا داعي بعد ذلك إلى كلّ هذه القوانين بشأن المرور أو أن يقف شرطي في كلّ مفترق طرق. إذا رشد الناس جميعا بعد ذلك لا يسمح أحد لنفسه أن يتعدى على حقوق غيره. وهذا ما سوف يحصل في زمن حكومة صاحب العصر والزمان (أرواحنا له الفداء) إذ يندر ارتكاب الجرائم والمخالفات بسبب رشد المجتمع بشكل عام. سوف لا نحتاج إلى هذا القدر من القوانين بسبب ارتقاء معرفة الناس بماهية المخالفات والذنوب. ولهذا السبب حتى وإن تمّ وضع القوانين في ذلك المجتمع، لا شكّ في أنها لن تزيد عن الحدّ المطلوب.

يتبع إن شاء الله...

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21-09-2013, 08:35 AM   رقم المشاركة : 25
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 20

3ـ القانون

إحدى الأدوات التي يستخدمها السياسيون والحكام اليوم في جميع أرجاء العالم بلا أيّ حدود ونطاق، هي «القانون». إنها سياسة لا يستقبحها أحد، بينما استخدام القانون على سبيل الإفراط أمر قبيح وغير صحيح شأنه كشأن استخدام القوّة بلا عنان ولا حدود. صحيح أن القانون محترم، ولكن لا يحقّ لأحد أن يسيطر على أفعال الناس ويرغمهم على تغيير سلوكهم بفرض القوانين بما يفوق عن حدّ اللزوم.
أحد الحدود الموجودة في عملية وضع القوانين، هو إعطاء الفرصة للناس لتحسين سلوكهم. صحيح أن وضع القانون أمر لابدّ منه، ولكن لا ينبغي أن نسلب فرصة إصلاح الذات من الناس، في مسار تنفيذ القانون أو فرضه. لا يحقّ لنا أن نعمد على إصلاح السلوك الاجتماعيّ برمّته عن طريق فرض القوانين المتشدّدة. لا ينبغي أن نطلق عنان القانون في جميع شؤون المجتمع، بل لابدّ أن نكل كثيرا من التعاملات الاجتماعية إلى «الأخلاق».
إذا تشبّع المجتمع بالقانون، تموت الأخلاق فيه. فليس المفترض هو أن ندفع الناس إلى مراعاة الأعراف الاجتماعية مهما بلغ الثمن وحتى لو كان ذلك على حساب سلب اختيارهم الذي يمثل وجه تمايزهم عن الحيوانات. إن القوانين المتشدّدة وإن كانت قد تحقّق نظم المجتمع، بيد أنّها سوف تترك أثرها التدميري في ثقافة المجتمع وأخلاقه العامّة.
نجد في بلاد الغرب قد وضعوا القوانين لكلّ شيء، ويحسبون هذه الظاهرة حسنا لهم. في المقابل، تجد الناس يطبّقون القوانين بدقّة. فهل مجرّد العمل بالقوانين، كقوانين المرور يدلّ على كمال الشعوب الغربية؟ في بعض البلدان الغربية، إن خالف أحد قانون المرور، مثل أن يقف في مكان محظور الوقوف فيه، يغرّم بما يقارب سعر سيّارته. فبطبيعة الحال لن يسمح أحد لنفسه أن يقف في أماكن حظر الوقوف، ولكن هل يدلّ هذا على فضل وكمال؟ ففي الحقيقة قد سلبت قوّة الاختيار من الناس بهذه القوانين المتشدّدة، وهذا هو الذي نستنكره ولا نرضى به. طبعا إن هذا الكلام لا يعني الدفاع عن حالة عدم القانون، كلا، فكما ذكرنا مسبقا، لابدّ من وجود القانون، بيد أنه لا ينبغي أن يتمّ استخدام هذه الأداة على نطاق واسع غير محدود.
وحري بالذكر هنا أن القوانين الشديدة ليست بضمان دائم لتحقيق الهدف والمطلوب. فعلى سبيل المثال هل يمكن في مجال القضايا الثقافية كقضية الأسرة وحقوق المرأة، أن يرغموا الرجال على مراعاة حقوق النساء عن طريق فرض القوانين الشديدة؟ فهل قد استوفت المرأة الغربية جميع حقوقها وهل قد باتت تشعر بالسعادة في حياتها بعد هذا الكمّ الهائل من القوانين التي وضعت لحماية المرأة في الغرب؟ إن حلّ معضلة «تضييع حقوق المرأة في الأسرة» بحاجة إلى طرقه الثقافية ولابدّ من الحديث عنها بالتفصيل في مجال آخر، أمّا الشيء الواضح هو أن طريق حلّها ليس تكثير القوانين.
كذلك في مجال الاقتصاد، نحن بحاجة إلى قوانين واضحة تنظّم العلاقات والمعاملات الاقتصادية في إطار منضبط، ولكن إن التنمية الاقتصادية وفكّ العقد الاقتصادية لم تنجز عن طريق فرض القوانين وحسب. فعلى سبيل المثال، دائما ما كنا نشاهد ازدياد أسعار الفواكه في الأيام الأخيرة من السنة، ومهما كانت الدولة تفرض أشكال القوانين في سبيل حلّ هذه المشكلة، لم تزل مشكلة غلاء الأسعار باقية في مكانها. إلى أن قرّرت الدولة أن تسيطر على الأسعار من خلال استخدام طبيعة السوق نفسه، أي إيجاد وحفظ التعادل بين العرض والطلب. ولهذا نرى منذ كم سنة أن الدولة تشتري الفواكه من الزرّاع قبل أشهر من انتهاء السنة، ثم توزعها في السوق بالسعر المناسب. فبهذه السياسة انحلّت مشكلة ازدياد الأسعار بشكل تلقائي.
وكذلك الأمر في مجال التعليم والأوساط العلمية، حيث إن كثرة القوانين والمقررات لا تؤدي إلى التطوّر العلمي. فلا يمكن تنمية القابليات العلمية لدى الطلاب عن طريق تصعيب القوانين التعليمية. فعندما تكثر القوانين والمقررات التعليمية، تصبّ طاقات الطلاب والأساتذة في مراعاة القوانين وتلبية إلزامات المقررات، وحينها لا يبقى لهم شعور بالمسؤولية تجاه ارتقاء المستوى العلمي والدراسي.
وكذلك الأمر في باقي المجالات. فإن أدركنا هذه الحقيقة وهي أن القانون شيء جيّد أما كثرته فلا، عند ذلك نستطيع أن ندرك ونحلل سبب تساهل النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) في فترة حكمهما. فمن كان هدفه هو إصلاح المجتمع، لا يبالغ باستخدام القانون أكثر من اللزوم.
أصبحنا اليوم مع الأسف نقلّد الغرب في كثير من شؤوننا الاجتماعية، دون أن ندرس مدى صحة هذه القوانين من الناحية الإنسانية. فعلى سبيل المثال هل من الصحيح إنسانيا أن نعاقب الموظف الذي تأخر عن زمن دوامه ولو بدقيقة واحدة ونخصم من راتبه، ونشجّع الموظف الذي حضر الدوام في وقته بلا تأخير ومرّر بطاقته في الجهاز، ونعطيه راتبه بالكامل؟ وأساسا هل يؤيد الدينُ نظامَ الثواب والعقاب المباشرين هذا، الذي لم ينفكّ عن حياتنا منذ الطفولة في المدرسة الابتدائية وقد رسخ في وجودنا وكياننا؟ هل هذا الأسلوب التربويّ صحيح؟ بهذا الأسلوب يمكن تربية الحيوانات أيضا! ولكنه كم يُبعد الإنسانَ عن إنسانيته. إنها من القضايا التي لم نقف عندها مع الأسف، وإنما قلدنا النماذج الغربية فحسب. طبعا هذا الكلام لا يعني أن يصبح الجميع أحرارا في عدد ساعات دوامهم. كلا، لابدّ للجميع أن يلتزموا بالنظم والترتيب، ولكن الكلام هو هل من الصحيح أن ننظم الموظفين عن طريق نظام تمرير البطاقة وما يصحبه من العقاب والثواب؟
كما ذكرنا في الأبحاث المسبقة، لا نجد هذا الكمّ الهائل من القوانين في حكومة صاحب العصر والزمان (عج). فعندما يَرشُد الناسُ جميعا لا داعي حينئذ إلى هذا الكمّ من القوانين. كما لو التزم جميع الناس في زماننا هذا بالأحكام الدينية، لا داعي بعد ذلك إلى كلّ هذه القوانين بشأن المرور أو أن يقف شرطي في كلّ مفترق طرق. إذا رشد الناس جميعا بعد ذلك لا يسمح أحد لنفسه أن يتعدى على حقوق غيره. وهذا ما سوف يحصل في زمن حكومة صاحب العصر والزمان (أرواحنا له الفداء) إذ يندر ارتكاب الجرائم والمخالفات بسبب رشد المجتمع بشكل عام. سوف لا نحتاج إلى هذا القدر من القوانين بسبب ارتقاء معرفة الناس بماهية المخالفات والذنوب. ولهذا السبب حتى وإن تمّ وضع القوانين في ذلك المجتمع، لا شكّ في أنها لن تزيد عن الحدّ المطلوب.

يتبع إن شاء الله...

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-09-2013, 12:16 PM   رقم المشاركة : 26
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 21

4ـ الدعايات

واحدة أخرى من الأدوات التي تستخدم في مسار إدارة المجتمع، والتي بات استخدامها على قدم وساق في عالمنا اليوم، هي «الدعايات». «الدعايات» هنا تشمل أساليب واسعة من نشر المعلومات والحرب النفسية والإفشاء واستخدام الفن وغيرها. فباعتبار أن جميع الحكّام وفي جميع الأنظمة الحكومية يتعاطون هذه الأداة على نطاق واسع وبلا أيّ حدود، ومن جانب آخر، في سبيل اتضاح البون الشاسع بين نموذج الحكومة الولائية وباقي النماذج، حري بنا أن نقف عند هذا الموضوع بمزيد من التفصيل.

الفاصل المميز بين نشر المعلومات وبين الإفشاء

الهدف من نشر المعلومات في أجواء المجتمع السياسية في الرؤية الولائية هو إعطاء الرؤية الصحيحة للشعب في سبيل ازدياد قدرة تشخيصه. فلا يوافق المنهج الولائي على إعطاء المعلومات الجزئية والتفصيلية التي قد تأخذ منحى «الإفشاء». وهذا هو منهج القرآن، حيث إنه عندما يريد أن يعرّف المنافقين، يكتفي ببيان خصائصهم ويكل تشخيص المصاديق إلى المؤمنين. وقد اعتمد نفس المنهج النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) في حكومتهما. فبرأيكم أما كان يستطيع النبي (صلى الله عليه وآله) أن يفضح المنافقين الذين كانوا حوله بأسمائهم وقد جاءت عشرات الآيات في بيان خصائصهم وبذلك يصون المجتمع الإسلامي من شرّهم؟ فلا شك في أنه كان قادرا على ذلك، أمّا هل كان هذا الموقف لصالح المجتمع الإسلامي؟ أولم يشكّل هذا الموقف حاجزا أمام نموّ وتطور المجتمع الإسلامي؟
فعلى سبيل المثال في قضيّة محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) بعد معركة تبوك، قد اطلع النبي (صلى الله عليه وآله) على مؤامرة المنافقين عن طريق الأمين جبرئيل وأبطل مؤامرتهم. وقد كان قد عرف حذيفة بعض المنافقين في تلك الواقعة حيث إن النبي (صلى الله عليه وآله) قد ذكر له باقي أسمائهم ولكن عهد عليه أن لا يذيع بأسمائهم بين الناس.[1] فليس القرار في المجتمع الذي خضع للحكومة الولائية أن تسيّر فيه جميع الأمور عن طريق الإفشاء والفضيحة. إذ في مثل هذه الأجواء قد يكفّ بعض الناس عن الذنوب خوفا على سمعتهم، ولكن هل هذا الأسلوب يخدم حركة رشد المجتمع؟
كما ذكرنا سابقا، حتى القرآن لم يفضح المنافقين بشكل مباشر. طبعا كان يشخّصُ الناسُ في موارد كثيرة مصداق الآيات عن طريق شأن نزولها، ولكن لم يكن دأب القرآن هو تسيير حركة الدين عن طريق إفشاء المنافقين وفضحهم. لقد أشار القرآن إلى أن المنافقين كانوا يخافون من نزول سورة تفضح نفاقهم،[2] ولكن لم تنزل سورة بهذه المواصفات قط. حتى أن سورة «المنافقون» قد اكتفت بذكر خصائص المنافقين ولم تصرّح باسم أحدهم.
لن تعتمد الولاية على نشر المعلومات بدلا عن بصيرة الناس. فإنها تحاول تسيير الأمور من خلال إعطاء الرؤية الصحيحة للناس وتصعيد بصيرتهم. طبعا لا يرفض المنهج الولائيُّ أداة الإفشاء برمّتها، ولكن ليس الإفشاء بالأسلوب والمنهج الرئيس لكي يتعاطاه في كل شيء. فمن دأب الولي هو أن لا يصرح بكل شيء ويعطي الفرصة للناس حتى يرشدوا ويدركوا بعض الحقائق وذلك بسب احترامه لوعي الناس وعقلهم. ولهذا السبب نفسه نجد سماحة السيد الولي قد أشار بعد أحداث عام 88ش. في لقائه بعدد من النخبة العلميّة إلى أنه لم يصرّح بكثير من الحقائق.[3]
لعلّ هذا هو أحد أسباب عدم التصريح باسم أمير المؤمنين (عليه السلام) وباقي أئمة أهل البيت (عليهم السلام). طبعا هناك أوجه أخرى ذكرت لهذا الأمر من قبيل «صيانة القرآن عن التحريف» ولكن نحن الآن بصدد التركيز على هذا الوجه بالذات. فعلى أساس هذه الرؤية ليس من المفترض أن يصارح اللهُ عبادَه بكل شيء. إنه قد خلقنا بشرا ومنحنا العقل والقدرة على التفكير، ولهذا لم يصارحنا بكل شيء احتراما لفكرنا وعقلنا. فلابدّ للإنسان أن يسعى ويجاهد بنفسه في سبيل إدراك بعض الحقائق. هذا هو معنى احترام مقام الإنسان. نحن نعتقد أنّ الشعوب اليوم تعيش أيام جهلها ولا تشعر بكثير من مصاديق الظلم فلا تعتبرها ظلما من الأساس.

استخدام الدعايات بنطاق محدود

بسبب ضرورة الالتزام بهذه الحدود نجد أن النشاط الإعلامي في المجتمع الإسلامي ليس بعمل هيّن. النشاط الإعلامي واستخدام وسائل الإعلام لا يخلو من دقائق كثيرة ولا يصلح لها كل غاد ورائح. فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة القاصعة: «وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذِّهْبَانِ وَ مَعَادِنَ الْعِقْيَانِ وَ مَغَارِسَ الْجِنَانِ وَ أَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ السَّمَاءِ وَ وُحُوشَ الْأَرَضِينَ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلَاءُ وَ بَطَلَ الْجَزَاء».[4]
إن العمل الإعلامي محدود بنطاق محدّد و فيه دقائق كثيرة يجب الالتفات إليها. فعلى سبيل المثال قد جرت العادة في إنتاج الأفلام والمسلسلات المرتبطة بأئمتنا الأطهار (عليهم السلام)، أن يميّز الإمام عن غيره بهالة من النور، وهذا ما يتناقض تماما مع خطبة القاصعة. إذ بهذا التمييز الواضح يقف ابني الصغير في حيرة من أمره متسائلا: «هل کان المؤمون العباسي أعمى بحيث لم ير نور وجه الإمام الرضا عليه السلام». وغدا عندما يظهر الإمام صاحب العصر والزمان (عج) قد يتساءل مستغربا: «لماذا هذا الرجل مثلنا، ولم تحط بوجهه هالة من النور كما كان الإمام الرضا (عليه السلام)؟».

يتبع إن شاء الله...


[1]المغازي، ج3، ص1045.
[2]«يحَْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنزََّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فىِ قُلُوبهِِم» (التوبة،64).
[3]«لا تتصوروا أن الكلام الذي تقوله مؤسسة الإذاعة و التلفزيون هو كل الكلام، لا، هناك الكثير من الكلام. ليس كل ما يشعر به الإنسان لا بد و أنه قاله أو يستطيع أن يقوله. هناك الكثير من الكلام.» (لقائه بالنخبة العلمية: 28/10/2009).
[4]نهج البلاغة، الخطبة 192، (خطبة القاصعة).


 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-10-2013, 09:21 AM   رقم المشاركة : 27
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 22

صحيح أن الله قد أنزل مع رسله البينات والمعاجز في سبيل إيمان الناس بهم، بيد أنه لم تكن تلك المعاجز بدرجة من الوضوح حتى تُغني الناس عن التفكير أو ترغمهم على الإيمان بسلب اختيارهم. نحن نجد هذه الحقيقة واضحة كلّ الوضوح في سيرة نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله). فعلى سبيل المثال لقد نقل المفسرون في شأن نزول سورة الكهف المباركة أنّ مشركي قريش أرسلو رسولين إلى يهود المدينة ليستفسروهم عن رسالة النبي (صلى الله عليه وآله). فأجابهم اليهود أن اسألوه ثلاثة أسئلة، فإن كان رسولا من قبل الله فعلا سيجيبكم عنها، وإلا فلا. فعندما طرح مشركو قريش الأسئلة الثلاثة على النبي (صلى الله عليه وآله)، استمهلهم يوما وقال لهم سأجيبكم غدا، ولكن تأخّر نزول الوحي خمسة عشر يوما. فتمسك المشركون بهذه الذريعة لتكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله).[1] أو كانوا يقولون في مواقف أخرى: إن كان هذا الرجل رسولا من قبل الله حقا، فلماذا لا ينزل عليه ملك يثبت أحقيته.[2] طيّب، فيا ترى أما كان الله قادرا على إنزال الوحي في حينه بلا تأخير، وألم يكن قادرا على إنزال ملك ظاهر على النبيّ وبذلك يرغم كلّ المخالفين على الإيمان؟ إنه كان قادرا بالتأكيد، ولكن لم يكن الله بصدد فرض الإيمان على الناس رغما على اختيارهم.
فبرأيكم هل أن هذه الأفلام والمسلسلات التي تحاول تجسيد حضور الشيطان بين الناس قد أصابت المنهج الصحيح؟ قد يبرر البعض أمثال هذه المسلسلات قائلا: «إن تجسيد الشيطان مدعاة لانتباه الناس وحذرهم». ولكن ألم يقدر الله على تجسيد الشيطان وإظهاره ما يدعو الناس إلى الانتباه والحذر؟ وقد يقول البعض: «على كلّ إن تأثير هذه المسلسلات تأثير إيجابي». ولكن حقيقة الأمر أنها لا تترك أثرا إيجابيا أبدا. إذ إن هذه البرامج تجعل عقل الإنسان في عينه. ولو كان الله بصدد إنجاز هذا المشروع لما خلق الإنسان ولاكتفى بخلق البهائم. حيث إن عقول البهائم في أعينهم وأنوفهم؛ يشتمّون ما حولهم فكلما مرّوا على طعام يأكلونه وإلا فيمرّون عنه. أما الإنسان فمن شأنه أن يدرك الشيطان بعقله لا بعينه.
إن عملية استخدام الدعايات وجميع العوامل المؤثّرة على الإنسان بشكل عام لابدّ أن تخضع لحدود معيّنة. لقد خاطب الله رسوله في القرآن الكريم: (وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى‏ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلين).[3] على أساس ما قاله العلامة الطباطبائي في تفسيره، المقصود بالآية في هذه الآية هو آية سحرية ترغمهم على الإيمان بسلب اختيارهم، وهذا ما لا ينسجم مع حكمة الله إذ أراد لهذه الدنيا أن تكون دار الاختيار وأن تجري الدعوة إلى الحق وقبولها على مجرى الاختيار.[4]

الغرب واستخدامه المطلق للدعاية والإعلام

لقد بات الغرب يستخدم الدعايات بشكل فضيع؛ حيث إن الدعايات و الحرب النفسية أصبحت تمثّل أهم عناصر نجاح الحكام والسياسيين في الغرب. فليس لعمالقة الإعلام الغربي اليوم شأن ودور غير إقناع الجمهور على السياسات العامة للحكّام. ومن جانب آخر نحن نعلم جميعا من هم أصحاب وسائل الإعلام وشركات الدعايات.
مهما ضيّق الله سبحانه نطاق استخدامه لوسائل الدعاية والإعلام احتراما لعقول الناس، نجد الغربيين قد تعاطوا هذه الأدوات على نطاق واسع غير محدود دون احترام لعقول الناس وإدراكهم. ثم يعتبرون فعلهم هذا «فنّا». هناك دروس جامعية أنشأوها في سبيل تعليم أحدث أساليب خداع الناس بالفنّ والدعايات، فيتعلم الطلاب عبر هذه الدروس أساليب خداع الناس من أجل ترغيبهم لشراء بضاعة أو إدلاء الصوت لصالح مرشح.
إن إنتاجات «هوليوود» السينمائية من أبرز مصاديق هذه الحقيقة. فإن هذه الأفلام السينمائية لا تحترم إنسانية المشاهدين. إن احترام الإنسان هو أن لا تخدعه بالفنّ حتى وإن كنت ترمي إلى هدف صحيح. هذا هو دأب الإسلام، حيث إنه يأبى استخدام الفنّ في سبيل خداع الناس وجرّهم إلى الصراط المستقيم، بينما ما يمارس في الغرب اليوم هو استغلال الفنّ في سبيل خداع الناس وإغوائهم إلى متاهات ومهالك. لاحظوا مدى البون الشاسع بيننا وبينهم. الإسلام يرفض الخداع حتى وإن كان ذلك في سبيل جرّ الناس إلى الله ورسوله، بينما في الغرب يستخدمون شتى أساليب الإغراء والخداع ليدفعوا الناس إلى قعر مستنقعات الفساد.
تنطوي جميع الأفلام المنتجة في العالم على أثر ظاهريّ يعيه أكثر المشاهدين، بيد أنه لا تقتصر آثارها إلى هذا الحدّ، فإنها تضمّ بين لقطاتها أثرا لاشعوريا يخفى عن أغلب المشاهدين. وإنّ الأمر الخطير جدا هو ما يتركه الفيلم من آثار على لاشعور الإنسان. الآثار اللاشعورية هي التي تدفع أكثر منتجي الأفلام إلى تقبّل أعباء الإنتاج وصرف المبالغ الباهضة والأوقات المديدة. وحري بالذكر أن بعض هذه الآثار الخفية قد خفيت حتى عن منتج الفيلم نفسه. فلم يرمِ المخرج إلى هذا الهدف الخفيّ، ولكن تجد الفيلم يترك الأثر على روح المشاهد من حيث لا يشعر، ومن دون أن يهدف إليه المخرج. فينبغي أن تكون هذه الحقيقة بمثابة صفارة الإنذار لتمنعنا عن مشاهد أيّ فيلم بكل بساطة.

يتبع إن شاء الله...

[1] تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏8، ص: 57.
[2] «وَ قَالُواْ لَوْ لَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَک» (انعام،9).
[3] الأنعام، 35.
[4] العلامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج7، ص64.


 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 26-10-2013, 05:02 PM   رقم المشاركة : 28
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 23

كيف تتعامل مع من دخل بيتك دون إذنك؟ فهذا ما يفعله منتجو الأفلام إذ يقتحمون قلوبنا وينالون منها ما يشاؤون دون استئذان. إن الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية تدخل في نفوسنا بلا استئذان ثم تقوم بتغيير ما نرغب به وما نهواه. فمن هذا المنطلق نحكم على الغرب بالتخلّف والرجعية. إنّ من الهمجية أن يتلاعبوا بأهواء الناس ورغباتهم كيف ما يشاؤون وبلا استئذان. هل تتصورون أن مقتضى طبيعة الناس قد جعلتهم يميلون إلى الفحشاء والفجور بهذا القدر؟ الواقع هو أن الإنسان الغربي قد خرج عن طوره الطبيعي بعد ما تلاعبوا برغباته، وإلا فالإنسان بطبيعة حاله لا يحمل مثل هذه الرغبة الشديدة إلى الإباحية الجنسية والأخلاقية. إن حبّ الأسرة والأولاد والأب والأم مودع في فطرة جميع الناس، بيد أن الغربيين قد تلاعبوا بهذه الفطرة أيضا. لقد فقدت الأسرة معناها الحقيقي في الغرب، ما أدى إلى تولّد نسبة عالية من أولاد الحرام في أمريكا والبلدان الأوروبية، إذ لم يولدوا نتيجة زواج رسمي. ولهذا تجد في دوائر الغرب يتمّ تسجيل الأولاد على أساس نسبتهم إلى أمّهاتهم، إذ آباء كثير منهم مجهولون. فما معنى هذه الظاهرة؟ هل لها معنى غير انحطاط الأسرة وعلاقة الوالدين بالأولاد وبالعكس؟
بودّي أن أشير إلى هذه الحقيقة بين القوسين، وهي أن من شأن بعض هذه الأفلام أن تسلب منّا إسلامنا أيضا. فعلى سبيل المثال، لعلكم شاهدتم في بعض المسلسلات البوليسية والجنائية أن يجعلوا الدور الرئيس في المسلسل لفتى وفتاة جميلين رشيقين، فيمثّلان معا في دور واحد ومهنة واحدة كإطفاء الحريق أو إسعاف أو أن يكونا شرطيين أو عاملين في المعدن وما شابه ذلك. فيمارسان عملهما معا بلا أية مشكلة أو إحراج. وهذا كذب على الجمهور. فإنّ مثل هذه المشاهد لا تحدث في مكان حتى في الغرب. ونتيجة أمثال هذه اللقطات هو أن يتبادر في أذهاننا هذا السؤال وهو إذا يستطيع الناس أن يعملوا ويتعاونوا معا بهذه البساطة والسهولة دون أية مشكلة، فما الداعي من هذه التعقيدات والأوامر الصعبة التي يفرضها الإسلام بشأن علاقة المرأة مع الرجل؟ إذن لا خير في الإسلام.

5ـ العمل السياسي

واحدة أخرى من أدوات إدارة المجتمع، هي «السياسة» أو بعبارة أخرى «العمل السياسي». لقد أضحت السياسة في عرف الأوساط الدولية بمعنى الحيل السياسية وما يجري ما وراء الكواليس من إجراءات. ولم تكن هذه النشاطات غير مذمومة لدى العرف الدولي وحسب، بل تعتبر إحدى نقاط القوة في الرجل السياسي هو أن يكون قادرا على حلّ المشاكل عن طريق التفاوض والتواطؤ خلف الستار. بيد أنّ هذه الفكرة مرفوضة لدى رؤية الإسلام والمنهج الولائي في إدارة المجتمع.
كان المجتمع يتّهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه خير مبارز ولكن لا علم له بالسياسة! وفي المقابل، كان يعتبر معاوية سياسيا محنّكا لما يمارسه من دجل ومكر وخديعة. وذلك بسبب أن في النموذج الذي ترسمه الحكومة الولائية، لا يحقّ للحاكم أن يستخدم العمل السياسي والإجراءات الخفيّة السياسية أكثر مما تسمح له القواعد والقيم.
طبعا ومما لا شكّ فيه، لا ينبغي أن يطّلع جميع الناس على أخبار وأسرار المجتمع تماما، إذ لابدّ من كتمان بعض الحقائق وتسيير بعض الأمور بالخفاء، ولا سيما ما يرتبط بأمن البلد وحفظ كيان المجتمع، ولكن لا يعني هذا هو أن يكون الحاكم مطلق العنان في تسيير جميع المطالب والأهداف عن طريق التفاوضات السياسية خلف الستار، حتى وإن كان أمره وهدفه لصالح الشعب؛ وهذا أمر عجيب. ليس للحاكم أن يحقق مآربه عن طريق الضغط والتفاوض وراء الكواليس، حتى وإن كان مآل غرضه لصالح الناس.
فعلى سبيل المثال إن ارتفع سعر بضاعة ما بسبب احتكار بعض التجّار، أو فيما إذا حدثت مشكلة سياسية أو اجتماعية في المجتمع نتيجة مواقف غير أخلاقية لبعض السياسيين، لابدّ للحاكم هنا أن يسعى لحلّ الأزمة، ولكن لا يحقّ له أن يتفاوض أو يتواطأ مع المحتكرين أو السياسيين بمنأى عن أنظار الشعب وأن يطالبهم بحلّ المشكلة إزاء منح بعض الامتيازات لهم. فبالرغم من أن الحاكم لا يبحث وراء أية مصلحة شخصية من خلال هذه المفاوضات، ولا يقصد سوى خدمة الشعب، ولكن مع ذلك لا يحق له هذا العمل. وهذه من دقائق الحكومة الولائية.
إن عملية العزل والنصب من أبرز مصاديق العمل السياسي. ولكن لا يحقّ للحاكم أن يمارس ذلك بغض النظر عن القيم والأحكام الإسلامية. فعلى سبيل المثال في أحداث عام 78ش. (1999م.) في مهجع جامعة طهران،[1] زار بعض مسؤولي النظام سماحة السيد الولي وطلبوا منه أن يعزل رئيس شرطة طهران. فسألهم سماحة السيد الولي هل كان مقصرا في هذه الأحداث؟ فقالوا: كلا، ليس له أي تقصير في هذه القضية، ولكن لابدّ من عزله في سبيل تهدئة الأوضاع. فقال سماحة السيد الولي: «إن لم يكن الرجل مقصّرا فلا أستطيع أن أعزله. وإن فعلت ذلك، فكيف تستطيعون بعد هذا أن تقتدوا بي في الصلاة؟». لعلّه لو كان سماحة السيد قد عزل رئيس شرطة طهران آنذاك، لانحلت مشاكل كثيرة، خاصة وكانت إحدى أهمّ مطالبات الطلاب المحتجّين هي عزل رئيس الشرطة في طهران، ولكنه لم يقدم على ذلك، إذ كان يرى ذلك مغايرا للعدل. هذا هو أحد الحدود التي لابدّ من أخذها بعين الاعتبار في مسار العمل السياسي.

يتبع إن شاء الله ...

[1]. في 09/07/1999 اقتحم مهجعَ طلاب الجامعة بعض الشباب المدنيين باسم حركة التعبئة، بعد ما كان بعض طلاب الجامعة قد خرجوا محتجين على إغلاق صحيفة سلام، فشن هؤلاء المدنيّون هجوما على طلاب الجامعة كما تعدّوا على أموالهم وأصابوا بعض الطلاب بجروح. إن هذه المبادرة السيئة التي لقت استنكار سماحة السيد القائد آنذاك، وقعت ذريعة بيد بعض الطلاب المغرّر بهم ليقيموا احتجاجات وإضرابات في الشوارع المحيطة بالجامعة لعدة أيام وبتحريض ودعم الأعداء الأجانب وقيادة بعض عملائهم في الداخل، ويخوضوا مواجهات مع قوات الشرطة. وأخيرا انتهت هذه الأزمة ببيان سماحة السيد القائد التاريخي في تاريخ 14/07/1999م.

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-10-2013, 08:35 AM   رقم المشاركة : 29
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 24

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يمارس العزل والنصب كذلك، ولم يكن مجتنبا عن أيّة مبادرة سياسية، ولكن لم يتجاوز الضوابط والحدود في جميع حركاته السياسية، وهذا ما كان يثير عجب أصحابه ومقرّبيه. من أبرز مصاديق التزامه بهذه الحدود هو عزل معاوية من ولاية الشام في أوائل أيام خلافته. فقد جاء بعض كبراء المدينة ووجهائها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وحذّروه عن ذلك. وكان تحليلهم هو أن الرؤية السياسية تقتضي أن لا تحرّك ساكنا في هذه العجالة، فأبقه في منصبه كيما تتّسق عرى حكومتك ويأخذ البيعة لك، ثم اعزله إن بدا لك.[1] ولكن لم يكن عليّ ممن يفدي الحقّ لبعض المصالح.
كما كان معاوية نفسه يعرف منهج علي الولائي. ولهذا عندما جاءه رسول أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الشام، أخّره وأبطأ عليه بالتفاوض حتى يجيّش جيشه لمواجهة أمير المؤمنين (عليه السلام). فكان قد اعترض على أمير المؤمنين (عليه السلام) بعض أصحابه كمالك الأشتر بأنّ رسولك غير كفوء لهذه المسؤولية وقد خدعه معاوية لتجهيز جيشه. وعندما رجع رسول أمير المؤمنين (عليه السلام) عاتبه مالك ما أدّى إلى مغادرته للعراق وترك نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام).[2]
إن حدود استخدام الأساليب السياسية عويصة ومعقدة جدا، فلا يقدر على تشخيصها والالتزام بها كل إنسان. ومن جانب آخر أولئك الذين يعجزون عن فهم هذه الحدود الدقيقة والحسّاسة، يعجزون عن تحليل مواقف الحاكم وسلوكه بطبيعة الحال. فعلى سبيل المثال في أيام انتصار الثورة الإسلامية، مع أن الإمام (ره) كان يعرف حزب «نهضة الحرية» جيدا، بيد أنه نصّب المهندس بازركان لتأسيس الدولة المؤقتة. وبعد سنين من تلك الأيام وفي رسالته المعروفة بشأن عزل المنتظري قال: «والله لم أكن موافقا على رئاسة وزراء بازركان منذ البداية».[3] أو في قضية رئاسة بني صدر بالرغم من أن الإمام (ره) لم يكن موافقا على رئاسته ـ بشهادة نفس هذه الرسالة التي مرّ ذكرها ـ ولكن بعد ما تمّ انتخابه من قبل الناس، بقي مدافعا عنه إلى آخر لحظة، وحتى قد منحه قيادة القوى العسكريّة، ولم ينفك الإمام عن دعمه لبني صدر بالرغم من اعتراض عدد كبير من المؤمنين وأنصار الثورة الحقيقيين. هذه هي تلك الرموز الخفية التي إن كشف الستار عنها تقدر على جذب شعوب العالم إلى مفهوم الولاية.

السبب في استخدام الولاية لأدواة القوة في نطاق ضيّق

1ـ مراعاة كرامة الناس

كما أشير إليه في الأبحاث الماضية، إن أحد أسباب استخدام الولاية لأدواة القوة في نطاق ضيّق، هو مراعاة كرامة الناس واحترام عقلهم وإدراكهم. فإذا أراد الوليّ أن يستغلّ صلاحياته كلّها لتسيير جميع مآربه، فيقتضي ذلك أن يتجاهل إدراك الناس وإحساسهم. فمن هذا المنطلق ومن أجل احترام كرامة الناس، تقوم الولاية برسم حدود لاستخدام أدوات القوة.
لا شكّ في أن هذه الكرامة ستهان حين استخدام القوّة القهرية في نطاق واسع ولا داعي لتبيين هذه الحقيقة. إذ لو اُرغم أحدٌ ما بفرض القوّة على فعل خاص أو تبنّي رأي خاص فقد هتكت كرامته. بيد أن هذه الحقيقة غير واضحة في استخدام باقي أدوات القوة على نطاق واسع غير محدود. ولعلّ كثيرا من الناس لا يدركون إهانة كرامتهم إثر تعاطي هذه الأدوات على نطاق واسع.
إن هذه الظاهرة لواضحة كلّ الوضوح في مجالي القانون والدعايات. ففي كثير من البلدان تمّ تنظيم ظواهر البلد وحياة الناس عن طريق وضع مختلف القوانين، وقد تروق مظاهر البلد المنتظمة لدى بعض الناس. بيد أن أبناء هذا البلد نفسه والمشاهدين الأجانب قد غفلوا عن هذه الحقيقة وهي أن هذا النظم هو نتاج سحق كرامة الناس.
وكذا الأمر بالنسبة إلى الدعايات والإعلام. فعندما تُمسخ رغباتُ الناس ونزعاتهم نتيجة قصف دعايات الإعلام، قد لا يتبادر لأحد في بادئ الأمر أن أهينت كرامته، ولكن في الواقع لا يحقّ لأحد أن يتلاعب برغبات الإنسان دون إذنه. فأولئك الذين يمارسون هذا الفعل عن طريق الأساليب الدعائية في الواقع يتجاهلون كرامة الناس.
إن عقول الناس وإدراكاتهم من أهمّ الأمور المحترمة في مسار إدارة المجتمع على أساس المنهج الولائي. فلن تسحق الولاية كرامة الناس أبدا، حتى وإن كلّف هذا الاحترام وجودها وموقعها في المجتمع. تقتضي الرؤية الولائية أن يعي الناس بأنفسهم كثيرا من القضايا والحقائق ويتخذوا القرار الصائب ويسلكوا الطريق الصحيح باختيارهم. ومن هذا المنطلق لن تستخدم الولاية أدواتها وقواها على سبيل الإطلاق وبلا حدود.
كما مرّ في الأبحاث الماضية، مقتضى حياة الإنسان هو أن تتبلور في الجتمع بعض القوى، ففي سبيل أن لا تأخذ هذه القوى منحى الظلم والطغيان، لابدّ من وجود قوة مركزية لكي تسيطر على جميع هذه القوى المتبلورة في المجتمع. وقلنا في سبيل أن لا تتورط هذه القوة المركزية بالظلم، لابدّ أن تكون معينة من قبل الله. الولاية هي القوة المركزية التي لا أنها لا تظلم الناس فحسب، بل إنها تحترم الناس وتحافظ على كرامتهم بدرجة عالية جدا.

يتبع إن شاء الله...

[1] مروج الذهب، ج2، ص355.
[2] وقعة صفين، ص60.
[3] صحیفه امام، ج21، ص331.

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 30-10-2013, 09:58 AM   رقم المشاركة : 30
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 25

2ـ السعي لهداية الناس

ليس الهدف الرئيس في الحكومة الولائية هو تأمين أولى الاحتياجات البشرية، بل الهدف والغاية من تشكيل الحكومة الولائية هي إيصال الناس إلى الله عز وجل. طبعا لا شك أن تحقيق هذه الغاية القصوى سيوفّر الغايات والأهداف المتوسطة والابتدائية من باب الأولى.
فباعتبار أن الهدف الرئيس للولاية هو إيصال الناس إلى الله، فلهذا لن تسمح لنفسها في هذا المسار أن تستعمل أدوات القوة على نطاق واسع وبلا حدود. لابدّ للناس أن يصلوا إلى الله باختيارهم وبإرادتهم. بعبارة أخرى لن يفرض الوليّ شيئا على الناس في سبيل هدايتهم ولن يستعمل أدواته بشكل غير محدود.
النقطة المهمة التي لابدّ من الالتفات إليها هو أنه أيّة حكومة لا تهدف إلى إيصال الناس إلى الله فهي حكومة ظالمة. أية حكومة وقوّة تتبلور في المجتمع وكان هدفها غير إيصال الناس إلى الله فمآلها الحتمي هو الظلم. بعبارة أخرى لا يمكن أن يترأس حاكم غير إلهيّ على حكومة ثم نتوقّع منه أن يراعي كرامة الناس.
لا سبيل لحياة الإنسان إلى الطمأنينة والاستقرار إلا أن يكون اتجاهها ومنحاها إلى الله. فإن لم يكن اتجاهها إلى الله، لعلها تعيش في فترة أو في مكان ما يسمّى بحالة الراحة والاستقرار، بيد أنها وفي آخر مطافها ستنتهي إلى الظلم. ليس لأحد سوى عبّاد الله أن يوفّر للناس الكرامة والحريّة والرفاه والعدل. ومتى وصل الناس إلى هذه النتيجة عندها ينبغي أن نترقب ظهور المنقذ (عج). إن دأب عبّاد الله الحقيقيين هو أن يهدوا الناس إلى السعادة والهدى باختيارهم وإرادتهم، فلا يدفعون في هذا المسار أحدا رغما على إرادته.
لقد أشارت الزهراء سلام الله عليها إلى هذه الحقيقة عندما زارتها نسوة المدينة. فقالت لهم في مطلع حديثها: «ما الذي نقموا من أبي الحسن». ثم بدأت تبيّن لهم هذا المعنى وهو أنه صحيح أن عليّا قد شدّد على نفسه ولزم الحياة الصعبة في سبيله الذي يمضيه إلى الله، بيد أنه لن يلزمكم ما ألزم به نفسه. إنه سيأخذ بأيديكم إلى شاطئ الهدى ويدلّيكم على عين المعارف الإلهية من دون أن يضيّق عليكم أو ينغّض حياتكم. سوف يعاملكم برفق وتسامح حتى تختاروا درب الهدى باختياركم وإرادتكم؛ «وما نقموا والله منه الا نكير سيفه ونكال وقعته وشدة وطأته وقلة مبالاته بحتفه وتنمره في ذات الله و تالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله و مالوا عن المحجّة اللائحة و زالوا عن قبول الحجّة الواضحة لردهم إليها و حملهم عليها و لسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه و لا يكل سائره و لا يمل راكبه و لأوردهم منهلا نميرا صافيا رويّا فضفاضا تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه...».[1]
محصل الكلام: من هذا المنطلق لابدّ للقوة المركزية (الولاية) أن تضيّق نطاق استخدامها لأدوات القوة وذلك لسببين: الأول هو الحفاظ على كرامة الناس وهو أمر مرتبط بالأسلوب والمنهج؛ والثاني هو السعي لهداية الناس، وهو مرتبط بالهدف والغاية. وبالمناسبة، إن الالتزام بهذين المعيارين، له علاقة مباشرة بحبّ الناس ومعنويتهم. فعندما نرى مدى اهتمام الأولياء الربانيين بكرامة الناس، تمتلئ قلوبنا حبّا ومودة لهم، وعندما يلتزم هؤلاء الأولياء بالهدف الرئيس وهو إيصال الناس إلى الله، تتبلور وتزدهر المعنوية في القلوب.
عندما يتشرف الإنسان في حرم الإمام الرضا (عليه السلام) ويزور أهل البيت (عليهم السلام)، تتصف هذه الزيارة والعلاقة بجانبين؛ فإنها علاقة حبّية ومعنوية في وقت واحد. هناك يتصل الإنسان بالله اتصالا معنويا، لماذا؟ لأن أساس الإمامة والولاية هي حركة تسوق الإنسان إلى الله. ومن جانب آخر، يعيش الإنسان في حرم الإمام الرضا (عليه السلام) علاقة الحبّ والمودّة مع الإمام. وسبب هذا الحبّ هو أن الإمام يحترم الإنسان ويهتمّ بكرامته.

استقلال الناس تحت لواء الولاية

كما مرّ سابقا، إن الولاية بمعنى القيمومة على الناس وإدارتهم. وهذا التعريف الصحيح قد وجّه لها تهمة كبيرة على مرّ الزمان وهي أن مقتضى دورها هو سلب استقلال الناس. إن الله قد خلقنا أحرارا مستقلّين، بيد أن الولاية بصدد المسك بزمام أمورنا والقيمومة علينا، ومعنى ذلك هو سلب استقلالنا. فمن جانب يودّ الإنسان أن يتكئ على نفسه ومن جانب آخر تشيرون عليه أن يكون تبعا للولاية متكلا عليها.
بالرغم من أنّ الولاية تقود الناس وترأسهم مع حفظ كرامتهم وهذا ما قد سبب مظلوميتها على مرّ التاريخ، ولكن مع ذلك تتعرض دائما لتهمة أنها تلقي بظلالها على استقلال الناس. فانطلاقا من أهمية هذا الموضوع، حريّ بنا أن نقف عنده في بعض النقاط بشأن علاقة الولاية مع استقلال الناس.

يتبع إن شاء الله...

[1] «مَا الَّذِي نَقَمُوا مِنْ أَبِي الْحَسَنِ...» الاحتجاج علی اهل اللجاج، ج1، ص108

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 31-10-2013, 09:45 AM   رقم المشاركة : 31
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 26

الولاية تؤمّن استقلال الناس؛ لا تراعيها

يسأل البعض هل أنّ الولاية تراعي استقلاليتنا أم لا؟ أو كم هي تحترم حدود استقلالنا؟ فبدلا من الإجابة عن هذا السؤال نقول إن هذا السؤال خاطئ من أصله. إذ إن الولاية هي التي تؤمّن استقلال الناس؛ فلا يأتي الاستقلال من قِبَل مصدر آخر حتى نسأل الولاية هل أنّها تحترم هذا الاستقلال أم لا.
إن حكمة وجود الولاية هي أن تراقب هذا النظام التسخيري المضطرب كيلا يعتدي على الناس أحد. ومن أبرز مصاديق الاعتداء هو سحق استقلالية الناس. فلا تسمح الولاية لأحد أن يستغل مواهبه الإلهية ليسخّر الناس أكثر ممّا أذن الله له؛ أي يتعدى بذلك على استقلاليتهم. فمن هذا المنطلق لابدّ أن نقول أساسا إن الولاية جاءت لتكون ضمانا لاستقلاليّة الناس.
والمعنى الخاطئ الآخر الذي قد يستنبط من مفهوم الولاية هو أنه إذا كان ولي الله مولانا وقيّمنا، فلا داعي بعد لتفكيرنا، إذ إن الولاية سوف تفكّر وتتخذ القرار بدلا عنا، وليس شأننا عندئذ سوى أن نقول سمعا وطاعة وننفّذ ما صدر عن الولي من أوامر. نعم، من يخضع تحت لواء الولاية سوف يتولّاه الولي، ولكن ليس هذا بمعنى سلب مسؤولية التفكّر والتعقل من الناس.
مثله كمثل الأب المتمكّن الثريّ القادر على توفير كل ما يحتاج إليه ابنه، ولكن مع ذلك يرسل ابنه للسوق ويشير عليه بتعلّم مهنة ويقول له: «اذهب واختر عملك ومهنتك بنفسك، وأنا كذلك أدعمك وأحميك». فهذا الأب غير عاجز عن إعطاء رأس مال ضخم لابنه، ولكن يريد لابنه أن يعتمد على نفسه. ولعلّ الولد يخطأ في اختيار العمل، ولكن يراقبه الوالد من بعيد وبعد ما عرف الابن بخطأه قد يأخذ الأب بيده وينجّيه من ورطته. فهنا قد أعطى الوالد لابنه الفرصة للتفكير واتخاذ القرار واختيار العمل بنفسه. وكذلك الأمر في علاقتنا بالولاية فإنها تشبه هذه العلاقة. فمع أن الولاية تدعمنا وتحمينا ولكن ليس معنى هذا الدعم هو سلب استقلالنا والتفكير بدلا عنّا.
على أيّ حال إنّ تهمة «سلب استقلال الناس» الموجّهة للولاية بعيدة كل البعد عن الإنصاف. فهي تشبه في لؤمها ما إذا أخرجت نقودا من جيبك لتنفق بها على سائل فقير، ثم يتهمك الشرطي بأنك قد سرقت هذه النقود من الفقير! كم هي تهمة مؤلمة؟! هذه هي حكاية الولاية مع هذه التهمة. إن دور الولاية هي أن تراقب معادلات المجتمع وتحافظ على استقلال الناس، ثم يتهمها البعض بأنها تهدّد استقلالهم.

الولاية تؤمن ثلاثة أنواع من الاستقلال

إن سبب ظلامة أولياء الله هو اهتمامهم بتأمين استقلال الناس. فلأنهم قد صبّوا معظم اهتمامهم في سبيل الحفاظ على استقلال الناس قد تعرضوا لأشد التهم والافتراءات. فلم يكسبوا بمقاومتهم هذه في سبيل صيانة استقلال الناس إلا التعرّض لأنواع الظلامات. وما أشدّها من ظلامة على شخص صرف كلّ اهتمامه من أجل حفظ استقلال الناس، ثم يُتّهم بعدم مراعاتها. على أي حال إن الولاية تؤمّن ثلاثة أنواع من الاستقلال فنشير إليها تاليا:

1ـ الاستقلال العقلي

أهمّ أبعاد استقلال الإنسان هو استقلاله في الفكر والإدراك والعقل والإحساس. وكما سبق ذكره في الأبحاث السابقة، إن الولاية تؤمن هذا البعد من أبعاد الاستقلال بروعة بالغة. لماذا لم يأتنا الإمام المنتظر (عج) في منامنا ولم يرشدنا عند حيراتنا وترددنا في مفترقات الطرق؟ لماذا لم يرسل الله ملائكته ليرشدونا ويهدونا؟ لأنه لابدّ أن نعيش حالة الاستقلال العقلي. يجب أن نختار ونتخذ القرار بأنفسنا لنرتقي ونتطور ونرشد في سياق هذه القرارات. إن نتيجة هذا الاستقلال لصالحنا حتى وإن عثرنا وسط الطريق، إذ بهذه العثرات نحصل على التجربة والخبرة لتكملة المسير في هذا الدرب.
وليس هذا بمعنى أن الله لا يعين عباده قطّ وقد تركهم سدى فانشغل عنهم بشغل آخر! كلا، فقد جعل الله للناس رسلا ظاهرة وباطنة ليهتدوا بهم، ولكن بعد كل هذا، الشخص الذي يجب أن يتخذ قراره ويختار طريقه في آخر المطاف هو الإنسان نفسه. فعلى سبيل المثال أحد نماذج احترام الله لاستقلال الناس العقلي، هو عدم ذكر اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) في القرآن. فإذا أراد الإنسان أن يتلو القرآن بعقله، يجد أن جميع آيات القرآن تشير إلى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولكنه إذا أراد أن يتلوه بعينه وحسب، لا شكّ في أنه لن يعثر على اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) في القرآن. وقد أراد الله منا أن نستخدم عقولنا. فلو كان المفترض هو أن لا تستخدم الناس عقولهم فما الفرق بينهم وبين البهائم؟
لا شكّ في أنّ منهج الولاية في اهتمامها بالاستقلال العقلي للناس مما يزيد من صعوبة التكليف وتعقيده. وذلك لأن الولاية قد لزمت على نفسها أن لا تصرح بكثير من الأوامر، فيتعين على أنفسنا أن ندركها ونعيها وحدنا، كما أنها لا تصارحنا بكثير من التفاصيل والجزئيات فلابدّ لنا أن نتوصل إليها وندركها.
تريد الولاية مطيعا تابعا، ولكن لا تابعا أعمى. فلو كانت الولاية بصدد تربية أتباع عُمْي لكانت قد عالجت جميع المشاكل لحد الآن. إنها ليست بصدد إدارة قطيع غنم، بل تريد أن تتولى مجموعة أناس مثقفين وفاهمين. تريد الولاية مجموعة من الأشخاص الذين يشخّصون تكليفهم من دون أن يوجّه الوليّ لهم أمرا.

يتبع إن شاء الله ...

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02-11-2013, 08:46 AM   رقم المشاركة : 32
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 27

2ـ الاستقلال العاطفي

النوع الثاني من الاستقلال الذي تؤمنّه الولاية هو الاستقلال العاطفي. إذ لن تحاول الولاية قطّ أن تكسب قلوب الناس ومشاعرهم عبر الطرق الغريبة. فكل ما مرّ في موضوع «الدعايات» وضيق نطاق استخدام الولاية لأدوات الدعاية، لابدّ أن يؤخذ هنا بعين الاعتبار أيضا. فلا تجذب الولاية أحدا عن طريق أساليب الأفلام السينمائية الغربية. نعم، بالتأكيد إنّ جذابيّة الولاية وجمالها بمكان من الشدّة بحيث بمجرّد أن تعرّض أحد لإشعاعات وجودها يمتلئ حبا وعشقا لها، بيد أن الولاية نفسها لن تبالغ في جذب الناس إلى نفسها.
وهذه كرامة أخرى من كرامات الولاية. إذ يسعى الحكّام ورجال السياسة في جميع أنحاء العالم أن يستخدموا شتى الأساليب والأدوات في سبيل كسب قلوب الناس وجرّها إليهم، وعادة ما يشرعنون استخدام أساليب التضليل والخداع في هذا المسار. أما الولاية فلا تكتفي بعدم التضليل فحسب، بل حتى تخفي كثيرا من الحقائق التي تؤدي إلى ازدياد حبّ الناس لها. فعلى سبيل المثال كان ينفق أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) على الأيتام والفقراء، ولكنّهم كانوا يخفون إنفاقهم في ظلام الليل فلم يطّلع أحد على سيرتهم إلا بعد استشهادهم.
مما لا شك فيه، كل واحد منا إذا شاهد وجه الإمام الحجة المنتظر (عج) سيتضاعف عشقه إليه آلاف الأضعاف، ولكن لن يحدث هذا الأمر ببساطة. فإذا أردنا أن نزداد عشقا وحبّا لإمام الزمان (عج) وأهل البيت، ليس لنا بدّ سوى أن نتردد بقلوبنا على بيوتهم ومشاهدهم حتى تتبلور هذه العلاقة ومن ثم تشتدّ وتستفحل. أما الإمام نفسه فلا يقدم على أمر خارق في سبيل إسعار نار الحبّ في القلوب. فليس القرار أن تتمّ تربيتنا كما تربّى الدلافين. نعم، يمكن تربية الدلفين وتدريبه على أداء كثير من الأعمال عن طريق قانون الثواب والعقاب المباشر. فلو كان الأمر كذلك أن بمجرد أن قمنا بعمل صالح تنفتح علينا آفاق من الألطاف الرحمانية أو يتجلّى في قلوبنا نور إمام العصر (عج)، فما الفرق حينئذ بيننا وبين الدلفين؟
يجب أن يعي الناس مفهوم الولاية بأنفسهم، ويعشقونها لما يدركونه من معنى الولاية، لا أن ينجذبوا إليها لما تحظى به من جذابيات ظاهرية. لقد كانت الثقافة السائدة بين أبناء الحجاز في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) هو سيادة الشيخ الكبير على المجتمع، إذ كان الناس يحترمون الشيخ احتراما بالغا. وفي تلك الظروف والأجواء الثقافية رفع النبي (صلى الله عليه وآله) يد علي (عليه السلام) ونادى: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه». ومن المعلوم أن الخضوع لولاية رجل شاب في المجتمع الذي تسود فيه ثقافة الشيخوخة ليس بهيّن. وهذا هو أحد مصاديق مراعاة استقلال الناس العاطفي. إن منهج عمل الولاية هو أن لو اهتدى أحد بهداها وفاز بالجنان، ترفع رأسها بين يدي الله وتقول: إنه قد اهتدى إلى الجنة وأصاب الاختيار بنفسه، فلم اضطره إلى الطاعة بسلب استقلاله.
لم تكن الولاية بغنى عن استقلال الناس العاطفي، وهناك أمثلة كثيرة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال بعد مضيّ خمس سنين من حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) باتت تأخذ ولايته موقعها واعتبارها الاجتماعيّ بين الناس. فرفع الله عليّا (عليه السلام) في تلك الظروف وأخذه إليه وأصبح الناس أمام امتحان جديد وهو طاعة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، مع أنه لم يكن يحظى بنفس موقع أمير المؤمنين (عليه السلام) الاجتماعي. ولكن ليس القرار هو أن يخضع الناس للولاية لما تحظاه من موقع اجتماعي. لقد تعرض الناس حينها لامتحان صعب شديد وقد أتتكم أنباؤهم.
فاقضوا أنتم واحكموا؛ هل قد خطر هذا القدر من احترام الناس إلى قلب أحد من مفكري الغرب؟ هل تراعي واحدة من البلدان الغربية حرية شعبها واستقلاله إلى هذه الدرجة؟ هذه هي الجوانب الدولية من بحث الولاية التي إذا عرضت على الناس وأدركوها سوف يعشق ويتلهف الجميع لهذا المفهوم النيّر.

3ـ الاستقلال العملي

النوع الآخر من الاستقلال الذي تؤمّنه الولاية هو الاستقلال العملي. الاستقلال العملي بمعنى أن لا يخضع أحد لسلطة ما بسبب فقره وفاقته. من أهداف الولاية هو أن لا يخضع أحد لسلطة غيره من الناس ما يؤدي إلى سلب استقلاله بسبب عدم تأمين احتياجاته الأولى. فلعل بعض الناس قد خرجوا بهذه النتيجة عقلا وهي أن لا ينبغي الخضوع لسلطة أحد، كما لا يحملون أية علاقة قلبية تجاه صاحب تلك السلطة التي خضعوا لها، بيد أنهم في مقام العمل خضعوا لسلطته بعد ما وجدوه قادرا على سدّ بعض احتياجاتهم.
وهذا يمثل جانبا آخرا من روعة الولاية. تسعى الولاية لإثراء الناس واكتفائهم الذاتي. إنها تسدّ حوائج الإنسان الأوليّة، لئلا يخضع أحد لسلطة غيره بغية تأمين احتياجاته. فإنها حتى وإن سدّت حاجة الإنسان لا تمنّ عليه وتقول له: «أنا الذي سددت حاجتك فاخضع لولايتي عليك.» كلا، إنها تقول: «لقد سددت حاجاتك في سبيل أن تحصل على الاستقلال العملي وتختار ولاية من شئت. فاذهب وتأمّل واختر من شئت وليا عليك».
وهذا هو سبب توصيات سماحة السيّد الوليّ المؤكدة على المسؤولين بالمحرومين والمستضعفين. إن ما يصبو إليه سماحة السيد هو أن لا يفقد أحد دينه بسبب فقره. لماذا كان يسعى أمير المؤمنين (عليه السلام) لاستئصال الحرمان؟ لماذا لايزال يعطي الإمام الرضا (عليه السلام) حوائجنا؟ لماذا لايزال أئمتنا (عليه السلام) يقضون حوائجنا المادّية والجسديّة؟ لأنهم يرون من تكليفهم هو أن يمنحونا الاستقلال العملي. وأهمية الاستقلال العملي هي أنه يزيل أرضية الخضوع والركون للظلم.
ولهذا السبب سوف تظهر بركات السماء والأرض في زمن ظهور الإمام الحجة (عج).[1] وفي الحقيقة سوف تنهض السماء والأرض لنصرة الإمام المنتظر (عج). لأنه بصدد إقامة حكومة عالمية يتبعه فيها جميع أهل العالم. فمن أجل تحقيق هذا الأمر لابدّ أن يكون الناس في فسحة ورفاه مادّي، كي لا يضطروا إلى الخضوع لسلطة أحد سواه في سبيل سد احتياجاتهم.
حصيلة الكلام: على رغم تهمة «عدم مراعاة استقلال الناس» التي كانت ولا تزال تستهدف الولاية، إن الولاية هي التي تؤمّن ثلاثة أنواع من الاستقلال؛ الاستقلال العقلي والاستقلال العاطفي والاستقلال العملي. وإنّ تأمين هذه الأنواع الثلاث من الاستقلال بحاجة إلى قوّة مطلقة. فمن هذا المنطلق قد منح الله هذه القوّة المطلقة المركزية للولاية ليتسنّى لها التفوّق على جميع القوى الأخرى في مسار توفير الاستقلال للناس.

يتبع إن شاء الله ...

[1]. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَ يَعْمَلُ بِسُنَّتِي وَ يُنْزِلُ اللَّهُ لَهُ الْبَرَكَةَ مِنَ السَّمَاءِ وَ تُخْرِجُ لَهُ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا وَ تَمْلَأُ بِهِ الْأَرْضُ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً» [کشف الغمة، ج2، ص472].

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-11-2013, 05:58 PM   رقم المشاركة : 33
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 28

تحقق «الحريّة» الحقيقيّة في ظلّ الولاية

إن جسّدنا معنى الولاية الحقيقي لأهل العالم، سوف يرحّب بها الناس بكل سهولة. إنهم يعيشون اليوم حالة الجهل المطلق تجاه أسرار الولاية. فلا يستطيع أكثر أهل العالم أن يتصوروا تلك الكرامة التي يحظون بها في ظلّ الحكومة الولائية. إذا استلمت الولاية زمام الأمور، سوف تبالغ في مراعاة كرامة الناس ما قد يتمّ ذلك على حساب مصلحتها ومنصبها. فحتى لو أدت مراعاة كرامة الناس إلى مظلوميتها تبقى على منهجها هذا ولن تعدل عن مراعاة كرامة الناس.
لقد أصبح الحديث عن «حقوق الإنسان» اليوم متداولا بين قدم وساق. وبهذا الخطاب نفسه يمكن جذب قلوب أهل العالم إلى الولاية. بإمكاننا أن نوطّئ للمهديّ سلطانَه عبر موضوع «حقوق الإنسان» نفسه. فلابدّ من إيصال هذه الحقيقة إلى الناس وهي أنّ حقوق الإنسان أوسع نطاقا مما يتصوّرون. لابدّ أن يقال لهم إذا أرادت الحكومة أن تراعي حقوق الإنسان، يجب عليها أن تحترم كرامتكم وحريّتكم أكثر من أيّ شيء آخر.
لقد أصبح شعار «الحريّة» من أهمّ ما يدّعيه الحكّام والرؤساء اليوم. وخلافا لما تدّعيه أكثر البلدان الغربية المتمظهرة بالحضارة والحداثة، تُسحَق حريّة الناس في الغرب أكثر من أي مكان آخر في العالم وتذهب حرية الشعوب ضحيةً لمطامع أصحاب رؤوس الأموال ورجال السياسة.
لا تقوى أيّة حكومة في العالم على مراعاة حريّة الناس بدرجة ما تراعيها وتحافظ عليها الحكومة الولائية. فخلافا للدعايات والطبول التي قرعها الغربيون ضدّ الولاية بأنها تسلب استقلال الناس وتضيّق نطاق حريّتهم، إن الحكومات الغربية هي التي استعبدت واسترقّت الناس بسلب استقلالهم، بيد أنها تدسّ في نفوس شعوبها الشعور بالحرية والاستقلال عبر عمالقة الإعلام وقصف الدعايات.
فإن توقّف الإعلام عن نشاطه في بلاد الغرب حتى لفترة قليلة، أو التزم أمراؤهم بشعار تعدد الأصوات واقعا وسمحوا بسماع باقي الأصوات كما ينادون به في إعلامهم، حينها يتضّح أن هل ستبقى حكوماتهم على حالها أم لا؟ فعلى رغم الشعارات التي يهتفون بها في الغرب، تكوّن هناك أكبر مجتمع أحاديّ الصوت، فلا تسمح مافيا الإعلام لأي أحد له رأيٌ مخالف أن يتنفس. ومن أبرز نماذج هذه الحقيقة هو قانون منع التحقيق وإبداء الرأي بشأن واقعة «هولوکوست».[1]
طبعا إنهم ومن أجل التعتيم على هذه الحقيقة قد اتخذوا أسلوبا خاصا. إنهم قد سلّطوا الأضواء بدعاياتهم وبرامجهم على مواطن الفسحة وما يسمّى بالحرية كالحريّة الجنسية، الأمر الذي يلقي الشعورَ بالحرية في نفوس الشعوب، وبذلك وضعوا حاجزا يمنع الناس عن الالتفات إلى مواطن فقدان الحريّة. هذا بالإضافة إلى أن أبناء الغرب يفتقدون الحرية حتى في مثل هذه النماذج من الحرية الظاهرية. فهل ترون أن أبناء الغرب يعيشون الحريّة المطلقة بالنسبة إلى القضايا الجنسية؟
هل تتصورون أن الشعوب الغربيّة أحرار في المسائل الجنسية؟ هل تعتقدون أن الشعوب الأوروبية والأمريكية قد أقبلوا على هذا الفساد الجنسي عن حرية واختيار؟ فواقع الأمر هو أن مراكز القوّة والثروة في الغرب سلبوا حرية الشعب الغربي في هذا المجال فدفعوه واضطرّوه إلى الإباحية الجنسية عبر الدعايات والحرب النفسية الواسعة. فقبل ما تهيمن الصهاينة عبر وسائلهم الإعلامية على المجتمعات المسيحية، كانت النساء المسيحيات محجبات بحجاب كامل كما كان للعفاف والحياء شأن وموقع خاص لدى جميع الناس.
فإن خليّ المجتمعات الغربية ومشيأتهم هل سيتجهون صوب الفساد؟ ليس كذلك واقعا. إذ تُدَس الحوافز والدوافع للفساد حتّى في أوّليّات وضروريّات قضاياهم وشؤونهم. فإن كان المجتمع حرّا في واقع أمره فلماذا كلّ هذا الجهد الجهيد في سبيل الهيمنة الإعلامية على الرأي العام؟ إن كان حرّا في الواقع، فليسمحوا للناس أن يختاروا بأنفسهم. إنهم يعلمون أن الإنسان بطبيعة حاله يكره الخلاعة والفساد، وعليه فلو خفّفوا قليلا من زخم دعاياتهم، يبتعد الناس عن الفساد، فإن ابتعدوا عنه تظهر فيهم بوادر الصحوة، والصحوة تقتضي مطالبتهم للاستقلال الروحي والنفسي. وإذا بلغ الناس هذه المرحلة لا يبقى عندئذ لأصحاب رؤوس الأموال من الصهاينة الذين سيطروا بمخالبهم الاخطبوطية على جميع البلدان الغربية بل جميع العالم، أي بدّ سوى النزول من أريكة القدرة.

يتبع إن شاء الله...

[1]. «هولوكوست» هي كلمة يونانية بمعنى الحرق الكامل للشيء حتى لا يبقى من أثر. وتصطلح اليوم هذه العبارة لوصف حدث تاريخي مختلق وهو حرق ستة ملايين يهودي في المحرقة على يد هيتلر في أيام الحرب العالمية الثانية. في أوائل الثمانينات من القرن العشرين أعدّ بعض أعضاء الوكالة الصهيونية الدولية مسوّدة لقانون وبعد ذلك أقرّ في يوليو 1990 في فرانسة، وبموجبه أصبح «أي تشكيك في قضية «هولوکوست» من التشکیک في أصل إبادة اليهود في الحرب العالمية الثانية، أو في وجود غرف الغاز أو حتى أقل تشكيك في كميّة ضحايا اليهود البالغ ست ملايين قتيل، فهو جرم، وكلّ من خالف هذا القانون وشكّك في أحد هذه المواضيع الثلاثة يحكم عليه بالسجن شهرا إلى سنة ودفع غرامة تتراوح بين ألفين فرانك إلى 300 ألف فرانك». بعد ذلك تمّ التصويب على هذا القانون بضغط من أمريكا وإنكلترا وفرانسا والوكالة الصهيونية. حيث أصبح التشكيك في قضية هولوكوست بشتى أنواعه وتجاه أي بعد وأجزاء هذا الحدث التاريخي المزعوم، جرما في أوروبا، حتى وإن كان التشكيك نتاج دراسة موثقة مستدلّة.

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-11-2013, 02:39 PM   رقم المشاركة : 34
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 29

من قال أنّ في الغرب حرية؟ إن الشعوب الغربية تتعرض لأنواع الضغوط. إنهم يُدفَعون و يساقَون رغما على إرادتهم إلى كثير من الأعمال والنزعات وحتى الأفكار والقناعات، حتى وإن كانوا على غير علم بهذا الإجبار. كيف تُمنَع الفتيات المحجبات في فرنسا من لبس الحجاب وستر شعرهن، مع أن الدستور الفرنسي يحكم بحرية الناس في اختيار زيّهم؟ فأية حريّة هذه؟ تعيش الشعوب الغربيّة تحت قصف الدعايات والضغط النفسي ولكن يلقون إليهم بأنهم أحرار. الولاية هي المصدر الوحيد الذي يمنح الاستقلال والحرية النفسية للناس. فإن اتجه الناس في الحكومة الولائية إلى الله، قد اتجهوا بأنفسهم، أما في الحكومات الغربية إذا اتجه الناس صوب الخلاعة، لم يتجهوا وحدهم بل دُفِعوا إلى هناك.
الولاية هي القوّة الوحيدة التي لا تفرض قوّتها على هوية الناس واستقلالهم وأفكارهم بشكل مطلق ولا تفرض عليهم شيئا. الفرق بين الولاية وباقي الحكومات هي أن الولاية ليست ممن يفرض رأيه بالقوّة، بينما باقي الحكومات فيفرضون آراءهم بشكل أو بآخر، فبعضهم يفرضون رأيهم بالعنجهية والقوة القهرية، وبعض عن طريق وضع القوانين المتشددة، وبعض آخرون عن طريق أساليب الدعاية والحرب النفسية. فمتى ما أدركت الشعوب هذه الحقيقة وهي أن يفرض عليها كل شيء من الرؤى والرغبات والأفكار وأسلوب الحياة وأرادت أن تتحرّر من هذه الهيمنة، عندها تحدث المعركة الأخيرة، وهي الحرب بين يدي إمام العصر(عج).
أكثر دور الولاية هو السيطرة على القوى لا العقول والأفكار والمشاعر. فكما مرّ ذكره سابقا بما أن في خضمّ النظام التسخيري تتبلور قوى مختلفة، تأتي الولاية كقوة مركزية كي تسيطر على هذه القوى ولا تسمح بظهور التعاملات الظالمة في داخل هذا النظام التسخيري. ليس دور الولاية هو مراقبة الناس، بل الناس أحرار، وحريتهم أكثر بكثير مما يصوّر في الغرب. كما أن في القرآن الكريم لم يكن الله عدوا للمذنبين، بل هو عدوّ للظالمين الذين يسوقون الناس إلى الفساد والذنوب.
التلقي الخاطئ الذي يحمله كثير من الناس تجاه الولاية اليوم هو أنهم يتوقعون منها أن تمارس الأعمال الخدمية، في حين أن هذه الأعمال ليست في نطاق وظائفها. ما أريد من الولاية هو أن تكون على رأس هرم القوى كقوة مركزية لتمنع من قصد الاعتداء على الآخرين في المجال السياسي أو غيره. أما الخدمات الأخرى فهذه مسؤوليتنا وشأننا في المجتمع. الخدمة التي تقدمها الولاية لنا إنما هي المحافظة على الحرية في أجواء المجتمع.

الفصل الرابع: مظلومية الولاية


عندما يجري الحديث عن الولاية، ينتقل الذهن مباشرة إلى أبرز مصاديق الولاية وهم النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار(عليهم السلام). ومن جانب إن حياتهم قد ملئت بالظلامات التي تجرعوها في مختلف مراحل حياتهم. من هذا المنطلق لعلّ أحد المفاهيم التي لا تنفكّ عن مفهوم الولاية في ذهن الإنسان هو مفهوم «المظلومية». نحن في هذا الفصل نصوّر بادئ ذي بدء كيفية ظلامة الولاية مع كونها في موقع القوة المركزية، بعد ذلك ننتقل إلى دور خواص المجتمع في تحمل هذه الظلامة، وفي النهاية سوف نقف عند أسباب مظلومية الولاية إن شاء الله.

مظلومية الولاية في موقع القوة المركزية

عندما تقع القدرة المركزيّة بيد أولياء الله، تراعى كرامة الناس في مقام فرض القوة بأروع صورها كما تؤخذ هداية الناس بعين الاعتبار في مقام تحديد الغاية من القوة؛ الأمر الذي يتسبب بطبيعة الحال إلى مظلومية الحكومة الولائية وغربتها. وهذه تمثل إحدى أروع صور الولاية. إن كون الإنسان قادرا على دفع المظلومية عنه ولكنه لا يستخدم قوته مراعاة لكرامة الناس فيستقبل الظلامات بإرادته، فهذه من أروع صور الولاية التي يعجز الكثير من الناس حتى عن تصورها.
لو كان أهل المدينة يعرفون أن عليّا(عليه السلام) هو الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يأخذ بأيديهم ويوصلهم إلى الغاية، للتفّوا حوله ولاستلمها أبو الحسن(عليه السلام)، ولكن عندما جهلوا هذه الحقيقة وأعرضوا عنه لم يستخدم العنف في سبيل هدايتهم.
وفي زمن النبي(صلى الله عليه وآله) أيضا كانت أمثال هذه المظلوميات. قد يتصور البعض أنه بما أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد نجح في مشروع تشكيل الحكومة واستلم القوة المركزية في إدارة المجتمع الإسلامي كما أنه نشر الإسلام إلى خارج نطاق جزيرة العرب ودعا حكام إيران والروم ومصر إلى الإسلام، إذن لم يتعرّض لأية مظلوميّة. في حين أن تشكيلة الحكومة الولائية تقتضي أن لا تنفك عنها المظلومية. يعني إذا أراد ولي المجتمع الديني أن يلتزم بقواعد وأصول الحكومة الولائية فلابد له من أن يُظلَم. إذ إن أساس الحكومة الولائية هو كرامة الناس ولم يبلغ الناس إلى هذه البصيرة إلا في زمن حكومة الإمام المهدي(عج) العالمية حيث إنهم سوف لا يسببون مظلومية وليهم حتى وإن بالغ في مراعاة كرامتهم.

يتبع إن شاء الله...

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21-11-2013, 08:21 AM   رقم المشاركة : 35
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 30

إن مشاهد وصور مظلومية نبينا

الأعظم(صلى الله عليه وآله) في أوائل أيام بعثته وحتى في أوائل سنيّ هجرته من الكثرة والشهرة بمكان بحيث قد لا نحتاج إلى ذكرها. ولكنه كان لم يزل يتلقى الظلم حتى في آخر عمره الشريف وبعدما شكل حكومة إسلامية قوية وكان على رأس هرم القوة في المجتمع. فعلى سبيل المثال في السنة السادسة بعد الهجرة التي خرج فيها النبيّ من المدينة بقصد أداء العمرة، لم يتيسّر له الذهاب واضطرّ إلى إمضاء معاهدة «صلح الحديبية» مع مشركي قريش، فاعترض بعض الأصحاب على النبيّ ما أدى إلى تشكيك بعضهم في رسالته(صلى الله عليه وآله) كما ورد في التاريخ.[1] أفلم يعلموا أن بعد ما يأمر النبي(صلى الله عليه وآله) بأمر، ليس لمؤمن ومؤمنة أيّ سبيل بعد إلا التسليم وامتثال أمره.[2] أيّة ظلامة أكبر من أن يخالف البعض أمر النبي(صلى الله عليه وآله) بل يشكّك في رسالته مع أن الله قد أمر صريحا بطاعته.
كما يمكننا أن نستشهد بمحاولة اغتيال النبيّ(صلى الله عليه وآله) التي أشرنا إليها في الأبحاث السابقة. أليست من المظلومية أن يحاول بعض من انتحل عنوان صحابة النبيّ لاغتياله وقتله، ولكنه لم يستطع أن يصرّح باسمهم ويفضحهم أمام الناس مراعاة لكرامتهم؟ مع الأسف إن أمثال هذه الأحداث كثيرة في تاريخ الإسلام و التي اضطر النبي(صلى الله عليه وآله) فيها إلى تحمّل المظلومية في سبيل رشد الناس وتكاملهم. ولعلّ ظلامات النبي(صلى الله عليه وآله) أكثر إيلاما من ظلامات أمير المؤمنين(عليه السلام).

دور الخواص في تقليل مظلومية الولاية

إذا أرادت الولاية أن تراعي كرامة الناس ومع هذا تستقيم دعائم حكومتها، لابدّ لخواص المجتمع وأصحابها المقرّبين أن يتلقوا مظلومية الولاية بأنفسهم. يعني أن لخواص ومقربي الولاية في الحكومة الولائية دورا مهمّا جدا في الحفاظ على كيان الحكومة وازدياد قوتها.
هذا هو السبب الذي جعل كثيرا من المسلمين في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله) يحقدون على علي(عليه السلام).[3] كان ذنب علي(عليه السلام) هو أنه أدّى وظيفته كجندي بأحسن وجه. فأي طعنة أرادوا أن يوجّهونها للنبي(صلى الله عليه وآله) كانوا يوجهونها لعليّ(عليه السلام) وكان عليّ يستقبلها برحابة صدر. كان ذنب علي(عليه السلام) هو أنه كان ينفّذ حديث النبي(صلى الله عليه وآله) ببالغ الدقّة حيث كان يهدّد سلوكه هذا سمعة باقي الأصحاب الذين لم يمتثلوا كلام الرسول(صلى الله عليه وآله) بهذا الشكل.
ففي سبيل نفض غبار المظلومية عن وجه وليّ الله، يتعيّن على أنصاره ومقربيه أي خواصّ المجتمع أن يجعلوا نفسهم كبش الفداء تجاه الولاية. في أوائل الثورة الإسلامية في إيران كان الشهيد بهشتي يتلقّى بنفسه كل ما كان يتوجّه للإمام من مظلومية وغربة. كانت مظلومية الشهيد بهشتي من الشدة بمكان بحيث كان يهتف بشعار «الموت لبهشتي» حتى بعض أنصار الثورة ومقلّدي الإمام(ره). ولهذا قال الإمام(ره) في حقه بعد استشهاده: «إن سبب لوعتي على هذا الرجل شيء يهون عنده استشهاده، وهو مظلوميته في هذا البلد».[4]
لابدّ لخواصّ المجتمع أن يتقوّون على تحمّل المظلومية. لابدّ لهم أيضا أن يتحمّلوا المظلومية بالرغم من قدرتهم وقوتهم. ويعني هذا أن لا ينبغي لهؤلاء أن يستخدموا أدواة القوة بلا حدود. وأحد أسباب لوعة مظلومية خواص المجتمع هو أنهم قادرون على ردع الظلم عن أنفسهم عبر الأساليب التي في متناولهم، بيد أنهم يدعونها ولا يستخدمونها حفاظا على كرامة الناس.
فعلى سبيل المثال كان المنازع السياسي الرئيس للشهيد بهشتي، رئيس الجمهورية الحين يعني السيد بني صدر. ولكن لم يكن يسمح لأحد في الجلسات أن يغتاب بني صدر، حتى كان يشجع الآخرين بصراحة أن يشيروا إلى إيجابيات رئيس الجمهورية ولا يعدلوا عن الإنصاف في نقده.[5] فبعدما قرّر بني صدر على الهروب من إيران وكان متواريا في ملجأ، وبينا أن كان يبحث قوات الثورة عن بني صدر، ألقوا القبض على زوجه فبشّروا الشهيد بهشتي بأنا ألقينا القبض عليها وهذا ما سيضطرّ بني صدر إلى التسليم. فبالرغم من كل التهم الذي افتراها بني صدر على الشهيد بهشتي، ارتعد الشهيد غضبا وقال: «لا یحقّ لنا أن نلقي القبض على امرأة بريئة وليس لها ذنب سوى أنها زوج بني صدر وزوجها ملاحق بسبب خيانته للبلد». فأمر بإطلاق سراحها فورا.[6]

يتبع إن شاء الله...

[1]سیرة الحلبية، باب صلح الحديبية، ج2، ص706.
[2]«وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبيناً»(احزاب،36)
[3] قال الإمام الحسن(عليه السلام) في حضور معاوية وجمع من أتباعه عبر ذكر مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام): «أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ(ص) فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ(ص) فَقَالَ عَلِيٌّ مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ يُبْكِينِي أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ لَكَ فِي قُلُوبِ رِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي ضَغَائِنَ لَا يُبْدُونَهَا لَكَ حَتَّى أَتَوَلَّى عَنْک؟» [احتجاج علی أهل اللجاج، ج1، ص273].
[4] صحیفه امام، ج14، ص519.
[5] «حزب الجمهورية الإسلامية، أقوال، حوارات ومقالات» الكتاب باللغة الفارسية تحت عنوان «حزب جمهوری اسلامی؛ گفتارها، گفتگوها، نوشتارها»، ص 112.
[6] مركز آثار وأفكار الشهيد الدكتور بهشتي، نقلا عن آية الله موسوي الأردبيلي: www.beheshti.org

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-11-2013, 03:32 PM   رقم المشاركة : 36
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 31

عوامل مظلومية الولاية

مع أن السبب الرئيس في مظلومية الولاية هو مراعاة كرامة الناس واحترام إدراكهم وإحساسهم، بيد أنه يمكن إضافة عوامل أخرى تتسبّب إلى مظلومية الولاية أو أنها تشدّد مظلوميّتها. فنضيف في هذا القسم خمسة عوامل مع إمكان إضافة عوامل أخرى.

1ـ قلة الأنصار من خواصّ المجتمع

كما ذكرنا سابقا، إذا أرادت أن تحكم الحكومة الولائيّة دون أن يتعرض وليّ الله للظلم، لابدّ أن يعمل الخواصّ وأنصار الولاية بوظيفتهم بأحسن وجه. ولكن المشكلة الموجودة في هذا المسار هي قلّة وجود الأنصار من الخواصّ في المجتمع الولائي. بعبارة أخرى، بما أن موقع الخواصّ في المجتمع الولائي له اقتضاءاته الخاصة من التضحية والمعرفة العالية، لذلك لا يرغب بهذا الموقع كثير من الناس. طبعا قد يُحسب بعض الناس من خواصّ المجتمع ولكنّهم لا يقومون بوظيفتهم، فلا نعتبرهم ضمن الخواصّ في هذه النظرة. الخواصّ في المجتمع الولائي هم أولئك الذين يعملون بتكليفهم تجاه الولاية.
وعلى مرّ التاريخ كان الأولياء الربانيّون يعانون من قلّة الأنصار والمضحّين من الخواصّ والمقرّبين. فحسبنا أن نلقي نظرة إلى حياة أولي العزم من الأنبياء حيث كانوا خير عباد الله في زمانهم. ولكن مَن منهم كان يحظى بأنصار خلّص يتلقّون الظلامات بدلا عنه؟ وحتى في زمن نبينا(صلى الله عليه وآله) كم من أصحابه كانوا يعملون بوظيفتهم مثل ما كان أمير المؤمنين(عليه السلام) لرسول الله(صلى الله عليه وآله)؟
وكذلك كانت هذه الحقيقة ظاهرة في زمن أمير المؤمنين(عليه السلام). فكم كان لأمير المؤمنين رجال من أمثال مالك الأشتر وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر؟ فلو كان أمثال طلحة والزبير قد سعوا لتعزيز دعائم حكومة أمير المؤمنين(عليه السلام) بدلا عن معاداته، لتغيّر مجرى التاريخ بأسره.
لا يستطيع كلّ واحد أن يدخل في زمرة خواصّ المجتمع الولائي. فمن خلال بعض الروايات نفهم أن الإمام الحجة(عج) سوف يتشدّد مع فئتين من الناس؛ الفئة الأولى هي أعداؤه والفئة الثانية الخواصّ وأنصاره المقربون[1] فبالرغم من أن الإمام سوف يتشدّد على أنصاره المقربين كثيرا ولكن مع ذلك سوف يحظى بثلاثمئة وثلاثة عشر ناصرا مضحيا يمتثلون أوامره كالأمة المطيعة لسيدها.[2]
إن نتيجة قلة الخواص في المجتمع الولائي هي مظلومية الولاية بطبيعة الحال. ففي حال عدم وجود أنصار يتلقون ويستقبلون جميع الظلامات التي توجّه للولاية بتضحيتهم، سوف لا تجد الولاية بُدّا إلا أن تتلقى كل هذه الظلامات بنفسها دون أن تشكوا لأحد معاناتها. فلابدّ للخواص أن يفدوا بأنفسهم كيما يحموا الولاية عن المظلومية. كما كان أمير المؤمنين(عليه السلام) لرسول الله(صلى الله عليه وآله). فإذا كان لابدّ من أن يسقط أحد من أعين الناس وتمجّه القلوب، كان أمير المؤمنين(عليه السلام) هو الذي يسبق الرسول(صلى الله عليه وآله) لأداء هذا الدور ويكفيه المؤونة. وكما فعلت الزهراء(سلام الله عليها) من أجل علي(عليه السلام). فما قامت به الزهراء(سلام الله عليها) في واقع الأمر هو أنها فدت بروحها حفاظا على حرمة علي وعزته(عليه السلام).

2ـ وهن أتباع الولي من عامة الناس

إن الوليّ يتشدد على نفسه في الدين بيد أنه لا يتشدد على الناس.[3] ولهذا فلا ينبغي لعامة الناس أن يكدروا علاقتهم مع الوليّ الرباني وبذلك يمهّدوا أرضية مظلوميته. ولكن ما يجري في الواقع هو أن لعامة الناس دورا كبيرا في مظلومية الولاية. أساسا إذا حظى الناس جميعا بالوعي الصحيح تجاه مفهوم الولاية وموقعها بعد ذلك لا يسمحوا لخواص المجتمع بأن يتهاونوا بتكليفهم تجاه الولاية. إن مطالبتهم الشعبية تدفع خواص المجتمع إلى أداء ما عليهم بشكل صحيح.

يتبع إن شاء الله...

[1].لا حاجة بشرح شدة إمام العصر(عج) مع أعدائه، أما في شدته مع أصحابه وأنصاره فهناك روايات وردت في هذا المعنى. ومن جملتها هي الروايات التي تشير إلى جواب أئتمنا(عليهم السلام) لأصحابهم حينما كانوا يأملون الظهور والفرج، فكانوا يشيرون إلى مصاعب ذاك الزمان وشدة المعاناة التي تفرض على أصحاب الإمام آنذاك. فعلى سبيل المثال: «عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) بِالطَّوَافِ فَنَظَرَ إِلَيَّ وَ قَالَ لِي يَا مُفَضَّلُ مَا لِي أَرَاكَ مَهْمُوماً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ نَظَرِي إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ وَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ هَذَا الْمُلْكِ وَ السُّلْطَانِ وَ الْجَبَرُوتِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكُمْ لَكُنَّا فِيهِ مَعَكُمْ فَقَالَ يَا مُفَضَّلُ أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا سِيَاسَةُ اللَّيْلِ وَ سِيَاحَةُ النَّهَارِ وَ أَكْلُ الْجَشِبِ وَ لُبْسُ الْخَشِنِ شِبْهَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِلَّا فَالنَّارُ فَزُوِيَ ذَلِكَ عَنَّا فَصِرْنَا نَأْكُلُ وَ نَشْرَبُ»(الغيبة للنعماني، ص287)
[2].قال الإمام الصادق(عليه السلام): هُمْ أَطْوَعُ لَهُ مِنَ الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا».(بحار الأنوار، ج52، ص308).
[3]. إشارة إلى كلمة السيدة الزهراء (س) عندما زرنها نسوة المدينة وقد مرّ ذكرها في الفصل السابق.(احتجاج علی اهل اللجاج، ج1، ص108)


 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 26-11-2013, 12:47 PM   رقم المشاركة : 37
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 32

لابدّ لعامة الناس أن يدركوا دقائق الأمور التي لابدّ للولاية من مراعاتها. فإذا ما عرف الناس ضرورة بعض الأعمال التي يمارسها وليّ الله في المجتمع، هذا بنفسه يشكل أرضيّة لمظلوميّة الولاية. وهذه كانت مشكلة الخوارج مع علي(عليه السلام). فقد اشتدّ خلافهم مع أمير المؤمنين(عليه السلام) لكونهم عرفوا أن الإمام كان على علم من خطأهم منذ البداية ولم يمنعهم، فأصروا عليه أن تب من خطيأتك. فكيف يفهمهم أمير المؤمنين(عليه السلام) بأني احترمتكم في موقفي هذا وراعيت كرامتكم وما أردت أن أفكر وأقرّر بدلا عنكم... . لقد قال الخوارج: «َ قَدْ كَانَتْ مِنَّا زَلَّةٌ حِينَ رَضِينَا بِالْحَكَمَيْنِ فَرَجَعْنَا وَ تُبْنَا فَارْجِعْ أَنْتَ يَا عَلِيُّ كَمَا رَجَعْنَا وَ تُبْ إِلَى اللَّهِ كَمَا تُبْنَا وَ إِلَّا بَرِئْنَا مِنْك‏» [1]. ولكن رفض أمير المؤمنين(عليه السلام) أن يتوب من ذنب لم يرتكبه وهكذا حدثت معركة نهروان.
ليس من دأب الولاية أن تفكر بدلا عن الناس وتعالج جميع المشاكل بنفسها. كما لبعض الناس الآن توقعات لا مبرّر لها من الولي الفقيه. يقولون ألم يعلم السيد القائد بالمشاكل؟ ثم أليس قادرا على حلّها أو إصدار الأمر بحلّها؟ فلماذا لا يدخل الميدان بنفسه ولم يعالج المشاكل كلّها؟ فيتوقعون أن الوليّ الفقيه يفكر ويبرمج بدلا عن الناس ويعالج جميع المشاكل برمّتها. وهذا ما لم يقم به حتى النبي(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام).
يتوقع كثير من الناس أن تجلس الولاية في منصب الدكتاتور العادل وترتّب جميع الأمور بنفسها بشكل مباشر. بينما ليس من تكليف الوليّ أن يعالج مشاكل الناس التي سبّبوها لقلة بصيرتهم. فعلى سبيل المثال إن لم يبلغ الناس في مجتمعنا، هذا الوعي الذي يجعلهم ينتخبون أتقى الناس للنيابة في المجلس أو لمنصب رئاسة الجمهورية، وبعدم بصيرتهم هذه يعطون مناصب البلد لأشخاص غير أكفياء، لماذا يجب على الوليّ الفقيه أن يتحمل مسؤولية خطئهم ويدفع ثمنه؟
إن في أمر الولاية تعقيدا وغموضا كثيرا. إنها تحارب في موطن لا يعرف حكمتها أحد، وتصالح في موطن آخر لا يفهم السبب أحد. وهذا لا يعني أنها تقوم بما يخالف العقل والحكمة، كلا؛ ولكن باعتبار أن أكثر الناس يقفون على ظواهر الأمور فحسب، تخفى عنهم حكمة بعض مواقف الولاية. وعندما جهل أكثر الناس ضرورة بعض ما يقوم به الوليّ، سوف يعترضون عليه بطبيعة الحال أو يقدمون له النصائح والإرشادات عن شفقة وحرقة قلب، ما يؤدي إلى عدم امتثال أمره وهذا يعني مظلومية الولاية.
فعلى سبيل المثال كان إمامنا الراحل(ره) يتخذ بعض المواقف، فلو كان الناس على غير بصيرتهم وقتئذ، لكان ردّ فعلهم ما يؤدي إلى مظلوميّة الإمام. فبعد ما حكم الإمام(ره) بهدر دم سلمان رشدي، اضطرت الجمهورية الإسلامية إلى دفع ثمن باهض في ذلك الوقت. حيث فرضت البلدان الغربية بعد ذاك الحكم عقوبات اقتصادية واسعة على إيران. فماذا كان لو لم يعِ الشعب الإيراني ضرورة هذا الموقف من قبل الإمام وكانت تخرج احتجاجات الشعب من مختلف أرجاء البلد؟ هل كانت تؤدي إلى نتيجة غير مظلومية الإمام(ره)؟ أنا أعتقد أن كلّ التوفيقات والنجاحات التي عشناها في تاريخ الجمهورية الإسلامية كانت بسبب ثقة الناس بالولاية.
يتصور بعض الناس أن بمجرد أن يظهر الإمام صاحب الزمان(عج) سوف تضمحل جميع المشاكل تلقائيا. نعم، سوف تنهض في زمانه السماوات والأرض بنصرته وإعانته وسوف تنفض السماء والأرض بركاتها، ولكن إذا كان القرار هو أن يقضي الله مع وليّه على مشاكل العالم برمتها، فما الداعي من هذا الصبر والانتظار؟! ولو كان الأمر كذلك لكان المفروض أن يحسم الموضوع رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو أمير المؤمنين(عليه السلام) منذ الأول. إن أحد أهمّ أسباب نجاح صاحب الزمان(عج) في حركته الإصلاحية العالمية في الواقع هو ازدياد وعي الناس وبصيرتهم.
ما هي جذور مظلومية أمير المؤمنين(عليه السلام)؟ وقوف عامة الناس عن مواكبته. كان قد أوشك أمير المؤمنين(عليه السلام) في معركة صفين على إنهاء حكومة معاوية، فمن الذي منعه وطالبه باسترجاع مالك؟ عامة الناس. من الذي ترك الإمام الحسن(عليه السلام) وحيدا؟ عامة الناس. من الذي قتل الإمام الحسين(عليه السلام)؟ عامة الناس. وهكذا فالإمام المنتظر(عج) قد صبر كل هذه السنين الطوال ليبلغ عامة الناس إلى البصيرة الكافية ما تجعلهم يواكبون الولاية أينما ذهبت. فمن هذا المنطلق إنّ زعْمَ أن سوف تخفّ عواتق عامة الناس في زمن الظهور عن الوظيفة والتكليف وليس عليهم وقتئذ سوى أن يقضوا أيّامهم تحت ظل صاحب العصر والزمان(عج) برغد وهناء، لزعْمٌ باطل تماما.
عندما يسمع كثير من الناس أبحاث الولاية عن بعد، يتصورون أنّ الولاية تتوقع من الناس أن يتبعوها اتباعا أعمى، كلا فإنها بحاجة إلى وعيهم وإدراكهم الصحيح. إذا عرف الناس حقائق الأمور سوف يتبعون الولاية تلقائيا. فإذا أراد الناس أن يتبعوا الولاية من دون فهم وتعقل، عند ذلك تحاول الولاية بسياستها وامتحاناتها أن يسقط غير أولي الفكر والبصيرة من الناس حتى وإن اتبعوا الولاية اتباعا أعمى.

يتبع إن شاء الله...

[1].وقعة صفین، ص514.

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-12-2013, 04:30 PM   رقم المشاركة : 38
الكلمة الطيبة
طرفاوي بدأ نشاطه






افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 33

3ـ مظلومية الولي في مواجهة طلاب السلطة

في خضمّ إدارة المجتمع على أساس منهج الولاية قد تقف فئات أخرى من الناس أمام ولي الله. إحدى هذه الفئات هي «طلّاب السلطة». إن طلّاب السلطة في الواقع هم أولئك الذين ينافسون الولاية في قوّتها المركزية حسدا.
كما أشار الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة وهي أن البعض يحسدون الناس لما آتاهم الله من فضله؛ (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظيماً).[1] فتشير هذه الآية إلى أن الله قد منح إبراهيم وآل إبراهيم النبوّة والإمامة على الناس من فضله، وقد حسدهم بعض الناس.
وقد وردت رواية عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال فيها: «نحن المحسودون».[2] كما روي نفس هذا المضمون عن الإمام الصادق(عليه السلام). [3]
عندما تمسك الولاية بزمام القوّة المركزية وتستلم مسؤولية هداية الناس صوب الكمال، يعارضها أولئك الذين يرون أنفسهم بمستواها في إدارة المجتمع، فيحسدونها على ما آتاها الله. وبما أنه ليس من منهج الولاية أن تستعمل ما في متناولها من أدوات على نطاق واسع لا حدود له، تضحى مظلومة بطبيعة الحال.

4ـ مظلومية الولي في مواجهته للنفعيّة

الفئة الأخرى التي تعارض الولاية هي «النفعيّة». إن هؤلاء لا يبالون إلا بمصالحهم. لا يهتمّ هؤلاء بالرئيس الحاكم في البلد، بل إنما يهتمّون بمصالحهم وحسب، وبما أنهم يرون الولاية حاجزا كبيرا بينهم وبين مصالحهم فيعادونها.
فعلى سبيل المثال لابدّ أن نحسب طلحة والزبير جزء من هؤلاء النفعية، فلأنهم شعروا بالخطر على مصالحهم في ظل حكومة أمير المؤمنين(عليه السلام) خرجوا عليه وناوءوه. وحتى معاوية كان من النفعيين أيضا. فلو كان أمير المؤمنين(عليه السلام) غاضّ الطرف عن معاوية وفاسح له مجال اللعب بالدنيا وأموالها في قصر الخضراء، لما همّ معاوية بتجهيز الجيش ضدّ أمير المؤمنين(عليه السلام) أبدا.
وحريّ بنا أن نشير هنا إلى الفرق بين طلّاب السلطة والنفعية. إن طلاب السلطة يطلبون الرئاسة والسلطة في المجتمع حسدا لأولياء الله، فلا يبالون كثيرا بالمصالح المادّية. فإن جاءكم خبر بعض الخلفاء أن كانت حياتهم حياة الزهد ولم ينالوا من بيت المال أكثر مما ناله سائر المسلمين فلا عَجَب. إنّ نفسيَة طلّاب السلطة هي أنّهم يحسدون أولياء الله على منصبهم ولا يبالون بعد ذلك بالمصالح المادّية، خلافا للنفعيّة الذين لا يبالون إلا بمصالحهم.
وكذلك اليوم فإن شاهدتم أحدا قد لزم حياة الزهد والاعتزال ولكنه يعادي الولاية، فليس عداؤه هذا من وحي النفعيّة بل إنما ذلك من منطلق طلب السلطة والحسد.

5ـ فقدان المعنوية

السبب الآخر من أسباب مظلومية الولاية هو سبب معنويّ بحت. ولا علاقة له بكون الإنسان من الخواصّ أم من العوام أو أنه حسود أو نفعي. إن عشق وليّ الله والحبّ الشديد له بحاجة إلى مستوى معنوي راق. إن أفول المعنوية في المجتمع مدعاة لانخفاض مستوى حب الناس وعشقهم للولاية، سواء أكان فقر المعنوية في المتدينين أو المتظاهرين بالديانة أو في غيرهم ممن لا يتظاهرون بالدين. من مؤشرات مستوى المعنوية في المجتمع هو مدى احترام الناس إلى غيرهم ومستوى حياة القيم الإنسانية في المجتمع، فإن هبط مستواها يهبط عشق الناس وحبهم للولاية، أو بعبارة أخرى يزداد مستوى الظلم لها.
ولا علاقة لهذا الأمر بالترف أو طلب السلطة أو النفعية، فعندما تنخفض المعنوية في قلب الإنسان، يحقد بعد ذلك على الولاية وكلّ ما يدور في فلكها. وكان عدد كبير من الخوارج من هذا النمط؛ كانوا متدينين ومتكبرين؛ كانوا يتلون القرآن ومعجبين بأنفسهم. فإن سمعتم أنّ عددا ممن ينادي بصاحب الزمان(عج) قُبَيل الظهور سوف يصبح من أعدائه بعد الظهور فلا عَجَب. إذ لعلّهم كانوا ينادون باسم إمام الحجة(عج) عن كبر وترفّع. يعني أنهم يتحدثون عن صاحب العصر(عج) لكونهم لا يعيرون اهتماما لأيّ أحد. ومن الطبيعي أن يصبح هؤلاء ممن لا يعير اهتماما للإمام المهدي(عج) بعد ظهوره.
إن حبّ الوليّ والوقوف إلى جانبه بحاجة إلى معنوية؛ سواء أكان الإنسان من الخواصّ أم من العوام. ومن هذا المنطلق لابدّ أن نعتبر أحد أسباب مظلومية الولاية هو فقر المعنوية في المجتمع. إن تحليل مدى علاقة فقر المعنوية بمظلومية الولاية بحاجة إلى مجال آخر ولكن في هذه العجالة نشير إلى هذه العلاقة بشكل موجز:

يتبع إن شاء الله...

[1] نساء،54.
[2] الاحتجاج علی اهل اللجاج، ج1، ص160.
[3] أصول الكافي، ج1، ص206.

 

 

الكلمة الطيبة غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 05:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد