الفصل الثاني والعشرون
والأخير
مر الوقت ولينا تتوقع إن راكان موجود مع الشباب ومتجاهلها وهي ما تعرف إنه من بعد النقاش الجاف اللي بينهم طلع من البيت ولا رجع . كانت السماء وقت العصر تتجمع فيها غيوم كثيفة تبشر بالمطر اللي تحمله ومع ذلك ما أمطرت وقرروا البنات يتمشون في الجبل القريب منهم لكن لينا خافت إن راكان يجيء فجأة ويتكرر نفس النقاش اللي صار اليوم و اعتذرت من البنات إنها أخذت كفايتها اليوم بعد ما طلعت مع عمها ولأنها جلست كان من الطبيعي تكون شمس رفيقتها. صارت الساعة تقترب من ثمانية مساء و لينا ما تعرف وين راكان؟ و أسعدها إن البنات بعد ما عرفوا أن أبو راكان مسوي سمرة وعشاء الليلة دخلوا المطبخ متحمسات و كل وحدة تجهز الحلى المفضل عندها أو تجهز شاهي أو قهوة لأن عدد الشباب كثير. كان الجو مرح لكنه ما سلاها عن همها الثقيل اللي يربط قلبها و انتبهت فجأة على صوت شمس المرتفع وهي تقرب منها وتضحك وبيدها سلطانية فيها دقيق وقالت
" لينا لا يفوتك قلنا لعايشه لا تسوين شيء نبغي نقهرها قامت و قالت أنه كيف ما تصلح وظافر موجود أما بنات أخر زمن! "
أبتسمت لينا لعايشه وقالت :- " صدق شوشو اللي تقوله شمس؟ "
عايشه وهي تحرك الملعقة اللي في يدها :- " ليه فيها شيء يا ناس حرام عليكم ما سويت شيء أصلا هدفي بريء "
نورة :- " لا صادقة الحين واضحة البراءة عندك لا واضحة "
لينا :- " ما عليك منهم وش كان المثل يقول أفضل وسيله للوصول إلى قلب الرجل معدته هو كذا المثل صح يا شمس؟ "
شمس:-" ألحين بدال ما تقهرينها معنا توقفين معها؟ "
لينا :- " يارب يجي يوم وأشوف كيف تسوون ؟ "
عايشه :- " لا لينا المفروض تسألينهم ليه كلهم في المطبخ شوفي مسوين زحمه "
فاطمة:- " لا حبيبتي أنا هنا أسوي عشاء لأمي لأن معها سكر وبعدين أحنا بنسري بعد العشاء ؟ "
شمس اللي لازالت و اقفة جنب لينا قالت :- " يا خسارة كان ودي تسمرون معنا للفجر. وأنتي نوال بتروحون اليوم مع أهل عمك سعيد؟ "
نوال :- " قلت لأبوي أني ما ودي أروح بس رفض عشان عيادته"
لينا قالت وهي متوترة لأنها ما تبغى تطلع من جو البنات الحلو اللي يستر عذابها:- " بنات إن رحتو أنتم من بيبقى أجل في البيت؟ "
سحر:- " يا بنت الحلال مصير الحي يتلاقى "
شمس :- " طيب قولوا لأبوكم تجلسون لصبح ونمشي كلنا من البيت مع بعض مرة وحدة "
ألتفتت لينا لشمس باستنجاد:- " حتى أنتم بتروحون ؟ "
شمس :- " أيه بس ما عليك يا شيخه كثر الله خيرك أنتي اللي كنت سبب جمعتنا الحلوة وبعدين حتى وإن رحنا روحي أنتي كلمي شهر العسل اللي خربناه "
لينا ما تبغى تتذكر مصدر ألمها وحزنها فقالت لشمس :- " شمس الدقيق حقك وش فيه؟ كأني شفت سوسة لا يكون الدقيق مهوب زين تفضحينا "
قربت شمس السلطانية منها وبدت تحرك بأصبعها فيه وتدور وقالت :- " وين ما أشوف شيء ؟ "
قربت لينا وجها منها وقالت :- " لا تحركين بقوة تضيع هزي السلطانية "
لما هزت شمس السلطانية قربت وجهها مرة ثانيه بعد ما اعتدل مستوى ارتفاع الدقيق ولا انتبهت لسحابة الدقيق اللي جت على وجهها لأن لينا نفخت بقوة في السلطانية حتى علق الدقيق في وجه شمس وقالت بمزح وهي تضحك رغم الألم
" خليك عشان ثاني مرة تعرفين تفلسفين علي "
أرتفع مستوى ضحك البنات في المطبخ ولا انتبهوا لراكان اللي واقف عند الباب وفيه يده الدله والفناجيل إلا بعد ما قال:- " في قهوة جاهزة ؟ "
الكل ألتفت له ومع إن لينا ما تبغي بس كان لازم تناظر له حتى ما تثير شك البنات. أبتسم لها ابتسامه صغيرة ما تذكر لكنها أثرت فيها وتركها تشتغل باللي في يدها وتتجاهل مفعولها اللي قدر يجمع دمعها في عينها ورمشت بسرعة حتى تخفيها. جاوبت فاطمة راكان و قالت
" ما عاد بقى شيء عمي وتخلص خمس دقايق بس وأنزلها من النار "
حط راكان اللي في يده على الطاولة المتزاحمة بالأواني وجلس على الكرسي وهو يقول لشمس
" وش في وجهك كأنك طالعة من قبر ليكون شايفه الجني الأزرق وأنا ما ادري؟ "
ضحكوا البنات حتى لينا ما قدرت تمسك نفسها لما سمعت تعليقه وشافت وجه شمس اللي يغطيه الدقيق ومتعلق على حواجبها ورموشها وفمها الأحمر يظهر بشكل ملحوظ يوم قالت
" أتوقع أني أقرب شيء للمهرج بس وش عليك زوجتك ترسم وأنت تعلق "
ضحكوا البنات أكثر وهم يشوفونه يرفع حواجبه ويبتسم ويسألهم عن القصة فقالوا له وما تغيرت ابتسامته وكانوا يتوقعون يسمعون تعليق ثاني لكنه سأل فاطمة
" خلصتي يا فاطمة؟ "
" شوي بعد "
نوال كانت تغسل الفناجيل لكن فيه فنجالين ملتصقين في بعض وما قدرت تفصلهم فقالت للبنات وهي تبذل مجهودها
" بنات أحد يشوف لي صرفه مع ذا الفناجيل؟ "
تبرعت أكثر من وحده تفصلهم لكن راكان قال
" عطوني أشوف "
عايشه :- " لا الله يخليك أرحم الفناجيل لا تتكسر بين أصابعك, بعدين من وين نجيب فناجيل ثانية للجيش اللي ينتظرك"
راكان يمزح عشان يلفت انتباه لينا :- " لا حرام عيوش ظلمتيني أنا اللي كلي لطف و رقه أكسر الفناجيل صحيح أعصب بس اللي في القلب غير "
البنات يبتسمون له فقالت عايشه وهي تعبث في إذنها :- " أنا شكلي ما نظفت أذني اليوم أنت أكيد قلت عيوش مهوب عايشه؟ "
لما لاحظ الدهشة في عين الكل قال :- " شوفوا بما إن الليلة أخر جمعه لنا وخسارة إن أسماء ما هي فيه لكن اللي تقدر تفصل الفنجالين لها جائزة "
البنات مسوين حلقة حوله وهم متحمسين فقالت شمس
" وشي الجائزة طيب تستاهل الواحد يتعب عليها ولا لا ؟ "
" يرضيكم ألف ريال للي تفكهم "
تحمسوا البنات أكثر و استندت لينا على الدرج اللي وراها وسألته حتى ما يستغرب أحد سكوتها الطويل
" ما فيه شروط للعبة؟ يعني يصلح مثلا إننا نستخدم أداه مساعدة ؟ "
أبتسم راكان لأنها تكلمت مع إنه يدرك اللي داخلها وقال يرد عليها
" لك تستخدمين أي شيء تبينه بس على شرط واحد بدون أي خدش أو كسر والمحاولة لمرة وحدة بس إذا فشلتوا خلاص انتهت اللعبة وتخلفوا على الألف. من تبغى تبدأ؟ "
تراجعت لينا وتركت البنات يحاولون وعلقت شمس بعد ما فشلت:-" هو ما قال ألف إلا لأنه عارف إنها ما راح تنفك أنا من شفته قلبها في يده وأنا حاسه "
لينا بابتسامه شاحبه:- " بدري أجل ليه جربتي؟ "
شمس و هي ترفع أكتافها بمزح :- " حب استطلاع "
لينا وهي تشاركها ضحكة قصيرة :- "يبلغ أطلعي منها بالرخيص يا شمس "
وقفت شمس ولينا يعلقون على البنات ويراقبون وجه راكان اللي يضحك على البنات ومن أدواتهم وحده استخدمت ملعقة والثانية سكين صغير وراكان يربكهم ويقول
" لا ينكسر الفنجال ولا ما فيه ألف "
بعد ما انتهوا البنات ولا أحرزوا أي نتيجة قال راكان :-" خلاص جربتو كلكم ما فيه أحد بقي؟ "
شمس:-" باقي لينا ما جربت"
راكان تأمل التعب اللي في وجهها وقال بلطف:-" هاه لينا تبين تجربين؟ "
لينا:-" لا أنا ما أبغى الألف فما له داعي أجرب "
راكان يمزح:-"أجل الحمد لله اللي رجعت الألف لي "
وطلع من جيبه محفظته وسحب ألف ريال وخلاهم يشوفونها ثم رجعها للمحفظة وردها لجيبه البنات صرخوا على لينا اللي دفعوها دفع تقول لراكان
" لي محاولة ولا خلاص ضاعت الألف؟ "
عقد ذراعه على صدره وسند ظهره للكرسي وقال وهو يبتسم لها
" لا ما ضاعت تو، تبين تجربين؟ "
" من باب التحدي بس؟ "
" وإذا فزتي وش بتسوين؟ "
" نتقاسم أنا والبنات الألف "
" أجل لك شرط أنتي لأن محاولتك كانت متأخرة، إذا خسرتي وش تعطيني؟ "
" أعطيك ألف "
راكان يمازحها:-" حظي حلو بعشي الشباب عليها "
أخذت لينا الفنجالين وسحبتهم لكن ما فيه فايدة وقلبتها في يدها شوي وجت في رأسها فكرة. بعدت لينا البنات وهي تمشي لثلاجة وأخذت ماء بارد كان على وشك يتجمد وصبته في الفنجال العلوي وكانت تخاف تجربتها تفشل لأن الكل يشوفها و راكان يربكها بتعليقه. أخذت الماء الساخن اللي جهزته فاطمة عشان تصلح الشاهي وصبته في سلطانية صغيرة وأمسكت الفنجال العلوي بأطراف أصابعها وغمست الفنجال السفلي في الماء الحار اللي في السلطانية انتظرت فتره بسيطة ثم شدت الفنجال بهدوء عشان ما تدخل يدها في الماء الحار وحركته لكن ما طلع. حست بدمها بارد و يتجمد عروقها و من الخوف شدت الفنجال أقوى من قبل وفجأة طلع. صرخوا البنات وهم يصيحون على راكان ويقلون
" طلع ألألف طلعها بنتعشاها أحنا مو أنتم "
شمس من تفاعلها عانقتها فانتبهت لينا لدقيق اللي جاء على وجهها وبدت تضحك وهي تتجاهل أحداث اليوم كله في الجو الصاخب ولا انتبهت إلا وقت راكان سكتهم وقال
" ما شاء الله أرخميدس على غفلة كيف فكرتي كذا؟ "
لينا رفعت رأسها له وهي تحس بغياب شخصيتها وقالت بهدوء
" أبد الفنجال الأول اللي فوق بيتقلص من البرودة واللي تحد بيتمدد من الحرارة وبيكون في مسافة تسحب منها الفنجال "
ضحكوا البنات وهم يذكرون إن تخصصها علمي فقال راكان وهو يبغي يطول الكلام معها بعد ما حس بتوترها وترددها :-" أجل برأي البرفسورة لينا كيف لصقوا من ألأول؟ "
لينا حست بحزنها يظهر في وجهها فاختارت تمثل دور الفيلسوفه حتى تخفيه:-" هاذي حاجة بديهية ما يبغى لها ذكاء تبغى بس تفكير, طبيعي بيكون واحد من الشباب شرب من الفنجال وتركه حتى برد واحد ثاني خلص بعده بفترة وكان فنجاله حار ومجرد حطيت الفنجال البارد على الحار والثاني فقد حرارته تقلص ولصقوا في بعض بس "
ألتفت راكان لفاطمة وهو يضحك :- "خلصت القهوة بأخذها و أنحاش قبل يقطعن ثوبي و يأخذن فلوسي كلها "
ما طول راكان معهم أخذ القهوة ونزل الألف على الطاولة اللي حلفت لينا يتقاسموها بينهم .
بعد ما انتهى العشاء أمطرت السماء وقطعت الكهربا عن البيت والمزرعة وكان هذا الشيء معروف عندهم وكانوا عاملين احتياطاتهم لها الشيء. جت شمس عند لينا وهمست في أذنها في الظلام
"لينا لا تتكلمين تعالي معي "
تبعتها لينا وهي تمرر يدها قدامها حتى ما تصدم في شيء. مشت روى شمس حتى وصلوا عند باب صغير جانبي يفتح على المزرعة. وقفن شوي عند الباب المفتوح يتكلمن عن المطر والظلام اللي يلفهن ثم قالت شمس
" تروحين معي يا لينا؟ "
" وين؟!"
" للمشتل "
"في ها الوقت طيب أستني لين المطر يوقف"
" ما ينفع لو المطر وقف يمكن ننكشف "
ضحكت لينا بكآبه وقالت
" ننكشف! ولو إننا في فلم، بعدين وشو ها الشيء المهم اللي تبينا نروح له ولا ننكشف؟ "
" بتعرفينه الحين تعالي معي وبما إننا متشاركين في كل شيء ما راح أسمح لك تتركيني "
" شمس المطر قوي بتروح فيها ملابسنا "
" فيه مثل يقول ليس المرء بثيابه "
" ما اختلفنا بس اللي بنغرق ثيابنا عليه يستاهل؟ "
" المثل يقول لا مكسب بدون مجازفة "
لينا وهي تفكر بيومها التعيس قالت
" شمس أنت تنوين تخربين يومي هذا مضبوط "
" المثل يقول إذا ما خربت ما عمرت "
ابتسمت لينا للظلام اللي يشابه شعورها بداخل أعماقها وقالت تضحك تسلي عن نفسها "شوفي أنا مستعدة أرمي نفسي في المطر بس لا تقولين المثل يقول "
طلعوا للمطر وكل وحدة تمسك يد صاحبتها ومشوا لجهة المشتل وكان فيه وهج نور على بعد مسافة من المشتل. قالت لينا
" شمس وش هذا النور؟"
" الحين بتعرفين "
لما قربوا من المشتل و ألتفتت لينا لنور اللي يجي من مسافة من وراء المشتل شافت الغرفة الزجاجية والشباب جالسين فيها وهم مشغلين تريك ينور عليهم بدل الكهربا اللي انقطعت. جلست شمس وأتبعتها لينا وهي تسند نفسها للمشتل بسبب الهواء وقالت
" شمس أخاف يشوفنا راكان ولا واحد من الشباب "
" ما يقدرون التريك يجهر عيونهم "
جلسوا شوي ساكتين فقالت لينا :- " شمس أي واحد فيهم محمد؟ "
شمس:-" شفتي اللي جالس جنب راكان من يمين هذا محمد "
رجعت بصرها لشخص اللي جنب راكان كان شخص تميل بشرته للبياض ملامحه فوق المتوسط واضح أنه طويل و جسمه نحيف. مافيه شيء يثير الاهتمام لكن تكمن جاذبيته في شخصيته, طريقته في الكلام كانت هادية ولاحظت لينا أن طريقة نظراته تشابه طريقة راكان لكن بشكل أنعم و اهدأ لأن في عينه ابتسامه مرحه بعكس راكان اللي في طريقة نظرته النقد. فجأة جاها صوت شمس
" لينا في سؤال شخصي إذا ما بغيتي تجاوبين بكيفك "
لينا ردت وكل الشباب اختفوا من عينها عدا راكان
" لا اسألي وأنا أجاوبك "
شمس كانت على وشك تتكلم بصراحة لكن قالت تمهد
" وش رأيك في راكان ؟ "
ابتسمت لينا و احتبست دموعها في عيناها وقالت
" شخص نادر وإن كان عصبي لكن عندي أمل أنه بيتغير مع الوقت وحتى إذا ما تغير شخصيته تعجبني و أبغاه يبقى على ما هو عليه "
" يا قلبي هو متغير من أخذك ما لاحظتي؟! حتى إنه جاء وجلس معنا في المطبخ ودلع عايشه أتوقع بعد ثلاث سنوات ما راح نعرفه "
بسبب كلام شمس تركت لينا دموعها تختلط مع المطر اللي خف قوة سقوطه وقالت
" على فكرة أنا متأكدة أنك كنت بتسألين إذا أنا أحب راكان؟ ما أدري ما عندك في قاموسك حق اللغة العربية كلمة أكثر من الحب "
" للحب ستين أسم ذكرها أبن القيم ولا أتوقع أني أقدر أستثني من ها شيء لكن ولا تزعلين فيه مثل يقول كل رجل وله ثمنه "
ابتسمت لينا لأن شمس ما تركت كلمتها المثل يقول وحست في الظلام أن شمس تبادلها الابتسام. فجأة حست بيد شمس فوق كتفها وهي تقول
"أنا فرحانه لأنك تحبينه وصدقيني انه يستاهل انك تتعبين عشانه"
مضى من الوقت فترة وهن تاركات اللي يحسن فيه داخلهن تفهمه الطبيعة من حولهن عن طريق صمتهن والمطر يحتضنهن والهواء البارد المنعش يتسلل ويكشف الهم بقلوبهن. أخيرا قالت شمس
"لينا أتوقع يوقف المطر بعد نص ساعة خلينا ندخل و نأخذ حمام ونغير ثيابنا وإذا سألونا البنات وين كنا بنقول نتمشى في المطر "
لينا ما ودها تدخل وتترك المكان تبغى تصير لحالها وتجلس تفكر وتترك لدموعها الخيار فقالت لشمس
" شمس تقدرين تدخلين داخل لحالك؟ "
" وأنتي؟ "
" أنا بدخل المشتل شوي وألحق فيك بعد دقايق "
ما جادلتها شمس وراعت شعورها أنها تبغى تكون لوحدها بسبب النغمة الحزينة اليائسة اللي في صوتها وبحكم معرفتها بلينا أدركت إن وجودها معها ما راح يساعدها لكن حذرتها
" طيب, بس لا تتأخرين أخاف يوقف المطر ويرجعون الكهربا ولا عاد تقدرين تدخلين و تظلين في ها البرد "
" أوكي"
انتظرت لينا حتى بعدت شمس ثم مشت حول المشتل حتى لقت الباب. أفتحته و ناظرت لداخل المشتل ومشت بخطوات خفيفة ويدها تلمس الباب اللي قبل ما تصكه بهدوء تكفل الهواء أنه يدفعه بقوة ويصدر صوت. جربت تفتح الباب مرة ثانية عشان تطمأن فا فتح معها و رجعت صكته وهي ما تشوف زين حتى اعتادت عينها على الظلمة وقدرت تشوف الورد الموجود صحيح إنها ما تبين تفاصيلها لكن تشوف هيئتها وهيكلها وتشم عطرها. جلست القرفصاء قدامها ومدت يدها تلمس نعومة الورد وتركت لخيالها يحكي لها قصة معاناتها. لينا تتعب عقلها تحاول تقدر تفتش عن شيء ممكن تفكر فيه وتقدر تعالجه لكن ما فيه شيء ممكن تصلحه أبد زواجها كان غلطة وحتى لما ندمت على فكرة انتقامها وتخلت عنها توقعت إنها بتخليه زواج ناجح لكن ظهور خيال وحدة ثانية تشغل تفكيره يزعجها و كونها ما تفهم غير إنه تزوجها بالغصب لأنه محتاج بس لأسم زوجه ينسفها من جذورها ويخفيها من الوجود. شافت لينا بداخلها إنها ضايعه بدون أهلها عزوتها . وسمحت لنفسها تبتسم رغم الألم وتمسح وجهها وهي تتذكر أخوانها ضحكة ناصر المرحة و ابتسامه أحمد الهادية تذكرت لعبهم بالحوش قبل يوم زواجها وتذكرت لمسة ناصر الأخوية لما مسك يدها وسندها ألين دخلت السيارة وكأنه يذكرها لا تنسى أنه قوتها لو احتاجته. مسكت رأسها وهي تتمنى تكون مع ناصر عشان ترجع شخصيتها قوية مثل أول وفجأة قطع حبل أفكارها إنها سمعت صوت الباب اللي وراها يفتح ويقفل مرة ثانية فقفزت واقفة والتفتت خايفه لكنها شافت راكان يقول بصوت هادي
" لينا؟ "
" أيه "
قرب منها بخطوة فتراجعت تلقائيا خطوة وراء وقال
" وش فيك ليه جايه هنا؟ "
لينا مرتبكة وتخاف يشك إنها جايه عشان تشوف الشباب ثم قفز لمخيلتها عبد الله وخافت أكثر ينحصر شكه فيه فقالت بسرعة عشان تقطع تفكيره
" حبيت أمشي في المطر ثم قررت أدخل المشتل"
" ما أظنك جيتي المشتل من قبل فا وش عرفك مكانه؟ أنا متأكد إن شمس كانت معك "
" أيه تمشينا أنا وشمس وبعدين هي رجعت وأنا دخلت المشتل بس غريب إنك تجي للمشتل في مثل ذا الوقت والسماء تمطر؟"
" سمعت ضربة خفيفة للباب المشتل و جيت أشوف إذا كان مفتوح"
لما عم الصمت والهدوء بينهم توترت لينا وقالت
" أنا لازم أرجع البيت "
" ليه؟"
كان صوته أقرب للهمس و لأنه كان بعيد عنها ما قدرت تبين ملامحه ما قدرت تشوف غير ثوبه الأبيض و تشخيصة أشماغة فقالت أقرب شيء لذهنها عشان تهرب منه
" الجو بارد وملابسي غرقت من المطر عشان كذا لازم أرجع وأغيرها "
قرب منها حتى وقف قدامها وبدون ما يتكلم لفها بذراعه و ضمها له حتى وصل الماء اللي عالق في ملابسها لصدره ثم قال
" تحسين بالبرد الحين؟ "
" راكان الله يعافيك ما عندي وقت للي تسويه "
كان نبض قلبها أسرع مما تخيله راكان اللي قال يهديها
" ودي أكلمك عشان اللي صار اليوم ؟ "
هزت رأسها تعارضه وقالت
" اللي صار أنتهي وما عاد فيه شيء نقوله "
" لا فيه. صح أني كنت منفعل بس لا تلومني يوم قالت لي شمس عصبت بشكل ما تتخيلنه وتضايقت لدرجة أني كنت بألحقكم بس خفت أجرح أبوي "
حست لينا بقهر داخلها لأنه قدر يسيطر على أعصابه عشان أبوه ولا قدر معها هي فقالت من حر ما بداخلها وهي تحاول تفلت من بين ذراعه
"راكان خلاص أنا ما عاد يهمني شيء اللي تبيه سوه بكيفك بس أتركني خلني أروح "
" لا يا لينا حنا للحين ما انتهينا وعلى اللي صار اليوم أنا أسف و..."
قاطعته لينا بسخرية وهي تشرق بدموعها
" أنت أسف! إن شاء الله بصدقك الحين أنا! مشكلتك إنك قاعد تلعب معي نفسه اللعبة مرتين وتبيني أصدقك....مثل أمس! يوم أخذتني من البيت وبعد ما تراضينا اتفقت معي....اتفقت معي أننا نتكلم في أي مشكلة بينا بهدوء واليوم عرفت إنك ما أنت قد كلمتك! "
ضغط عليها أكثر وضمها له وهو يحس بجسمها الضعيف يرتجف من عصبيتها وعطرها الناعم يملئ أنفه وصدره وقبل رأسها يهديها لأنها كان تبكي وتحاول تبعد عنه لكن قدام قوته كرجل ما حركت منه شبر. ما تكلم وتركها تبكي وتشهق ولأن ما لها مكان تهرب له دفنت وجهها في صدره وتحاول تحتمي فيه منه. لعل الجانب الطيب اللي فيه يحميها من عصبيته و بعد ما هدت قال راكان
" نقدر نتكلم الحين؟ "
لينا بتعب
" في أيش؟ "
" على اللي سويتيه اليوم "
لما سمعت لينا الضمير يرجع لها أكتفت بس باهه فيها كل معاني عذابها فقال
" اليوم كلنا غلطنا أنتي غلطت وأنا غلطت معك بعد، فخلينا نبدأ من جديد ونتناقش "
" ما فيه فايده حتى لو اتفقنا الحين بيجي يوم و نتهاوش فيه عشان كذا سو أنت اللي تبيه وتركني أروح "
ضغط عليها عشان تسمعه وقال
" ما صارت حياة زوجية إذا ما اتفقنا يا لينا. أنا من تزوجتك و أنا قاعد أحاول أغير من نفسي وطبعي عشانك! أول شيء طلبتيه مني وكان صعب على طبعي أني أعتذر لشمس ومع هذا قلت معك حق لأني غلطت واعتذرت، عمري ما جلست مع قريباتي من قبل ومع هذا ضغطت على نفسي وحاولت أتكيف لأني قلت لينا لها وجهة نظر مقبولة في الموضوع، ما أذكر أني في يوم دلعت وحدة من البنات لكن اليوم قدرت! ما تلحظين أني أحاول أغير من نفسي للأحسن عشان أكبر في عينك وأنت ولا تهتمين! "
" كيف ولا أهتم؟ أنت تغيرت للأحسن أنا معك في ها الشيء لكن مهوب معي أنا يا راكان؟! "
" هذا أنا ضامك بعد كل مشكلة و أقول سامحيني "
لينا مختنقة بدموعها وقالت
" على أيش ولا أيش راكان؟! أنا ماني قادرة أنسى كيف تزوجتني ولا أنا قادرة أبعد عن ذهني أنك متعلق في نجلاء بنت عمك وإن ما كانت هي فأنا أحس أنه فيه وحده ثانيه تشغل تفكيرك "
" لحظة لينا الليلة أبعد كل هذا من ذهنك بس خلينا نخلص من سالفة طلعتك اليوم "
" أنا ودي أعرف وش اللي مزعجك بالضبط أني طلعت من البيت ولا أني طلعت مع أبوك؟ "
"ألاثنين كونك تطلعين من غير ما تقولين لي وكأنك أنتي الرجال مهوب أنا! شي ما ينسكت عليه صح ولا لا؟ "
" أيه بس أنا قلت لك أني ...."
حط يده على فمها وقال
" أكمل، أعرف أنك قلتي لأبوي وهو ما قال لي لكن مستقبلا ما تطلعين لين تسمعين مني أني أقول لك روحي وأنا صدقيني ما راح أقصر عليك لو تبيني أوديك لأخر الدنيا أوديك بس ما تروحين من غير ما أعرف سليم إلى هنا؟ "
قالت وهي تحاول تسطير على الشهقة اللي اعترتها بسبب البكاء
" بس حتى أحس أن عصبيتك كانت أكبر من الموضوع كان ممكن تقول لي وأنا ما راح أختلف معك في ها النقطة وأقول لك أني من اليوم ما أطلع إلا بعلمك "
كان لاف ذراع حولها وبذراعه الثانية يدلك كتفها بنعومة ولما سكتت قال
" أنا معك عشان كذا أنا أقول لك أني غلطان بس أنا صار لي موقف قبل أتخرج من الكلية وتذكرته يوم عرفت أنك طلعتي مع أبوي للمراعي وفي أرض خاليه من الناس وما فيها أحد غير الراعي وأبوي رجال كبير ما يقدر يدافع عن نفسه فكيف يدافع عن اللي معه و خفت يصير لك شيء فعقلي طار من رأسي ولا عاد قدرت أفكر ولما جيتي كنت على أعصابي وصبيت كل حرتي وخوفي فوق راسك "
قال كلمته وهو يدف رأسها برأسه بلطف وما ملكت لينا وهي تتذكر الحادثة اللي قالتها لها شمس إلا أنها تتعلق فيه وهي تحس بصداع ولأنها خافت ينتبه راكان إنها تعرف بالموضوع قالت له وهي تتمساك
" وش هو الموقف اللي صار لك؟ "
" لا لا, لا تشغلين نفسك فيه موقف سخيف ما ينذكر انتهى من زمان ولا هذا وقت أني أقوله، المهم الحين خلصنا من ها السالفة "
" مدري وش أقول لك يا راكان غير أسفه أني طلعت من دون ما تعرف "
" الحمد لله معناه خلصنا. نجي الحين للكلام اللي قلتيه بنسبة لنجلاء أنا تاركها من تخرجت من الثانوي ولأن أهل الديرة يزوجون عيالهم بدري درست في أرامكوا كله عشان ما يتدخل أحد في زواجي وإلى الآن أقول لك أنا ما أعرف عن نجلاء غير إنها بنت عمي"
سكت شوي ثم تابع
" إذا عندك أي شيء في خاطرك تبين تسألين عنه اسألي "
" أنا سمعت إنها هي البنت اللي مسمينها لك "
" كانت وخلصنا من موضوعها من زمان"
" يعني ما فكرت تخطبها مرة ثانية بعد ما تخرجت؟ "
" ولا حتى بهاجس مر علي ليه مهبول أنا أخطب وحده و أشوفها ثم أتركها وأرجع لها مرة ثانية "
" كم عدد البنات اللي خطبتهم؟ "
" أنا ما سألتك كم واحد خطبك؟ "
" لأنك تعرف من شمس أنه ما أحد خطبني قبلك "
" في هاذي صدقتي عموما أنا ما أتذكر كم عددهن لأني كنت حاط صفات الله يعلم بها لكن اللي أذكر أني ما خطبت أي بنت من سنتين "
" وليه تزوجتني؟ "
سألها راكان وهي تحس أن سؤاله له أعماق
" وأنتي برايك ليه؟ "
حست لينا إنها رجعت لمنطقة وعرة من جديد فقالت
" أنا مدري أنا اللي أسألك "
"أنا بقول لك بس أبغى أعرف وش اللي في داخلك عني أو بالأصح وش سمعتي عني؟ "
لينا مترددة فقال بصوت فيه نبرة ناعمة
" قولي أي شيء وزي ما تبين عشان أشيله من مخك ونرتاح يا لينا"
" ما دري راكان....سمعت إنك ما تزوجت من وحده من برى الجماعة إلا بسبب إن الناس بدت ترفض تزوجك بناتها لأنهم يخافون منك وإنك تزوجتني عشان توقف كلام أهل الديرة عنك"
راكان و نبرته قست
" لينا أنا ما يهمني كلام أحد "
لينا في صوتها شك
" طيب وعلى كثر ما خطبت طول ها السنين ما لقيت البنت اللي تناسبك؟ "
" ولا حتى أذكر صورة وحدة منهن بعد الشوفة. أجل عشان كذا كنت تشكين في سبب زواجنا "
لينا بصوت مقطوع
" راكان ليش تزوجتني؟ أنا أذكر من زمان إن شمس قالت لي أنك ما تتزوج وحدة من غير ما تشوفها أما أنا ملكت علي من غير تشوفني تقدر تقول لي ليه ؟ "
ريح رأسها على صدره وقال
"تبين الصدق؟ أقسم بالله لأقول لك كل شيء إذا جاوبتي على شيء واحد. أنتي تهتمين لي يا لينا؟ "
سحبت لينا نفس عميق وهي خايفة من مواجهته فرفع رأسها له بعد ما اعتادت عينه على الظلمة ولأنه قريب منها قدر يشوف عيونها وبريقها وكمل
" أنتي تحبيني يا لينا؟ "
لينا تتهرب من أجابته
" راكان من تزوجتك كل شي عندي تغير حتى شخصيتي أحس إنها ضعفت أول إذا اتخذت قرار ما أغيره والحين متردده وأغير قراري أكثر من ثلاث مرات ما أدري أحس بشيء غريب فيني أحس أني ضايعه ما أقد أفكر... أنا ما أعرف من أنا! "
" لا أنتي للحين منتي ضعيفة يا لينا أنا متأكد إنك ما بديتي تفكرين زي كذا إلا بعد ما جينا الديرة "
" وش عرفك؟ "
" أول كنتي تجادلني تناقشيني وأحيانا تستفزيني بس بعد ما جينا هنا صرت تسمعين من اللي حولك كلام وتحسين إنك غريبة بسبب نظرات بعض البنات ولأنهم حطوا فكرة ما تتحملينها في رأسك ما عاد تعرفين وش الشيء اللي صح "
قالت بتردد
" لا مهوب كذا أنا كنت أفكر بعد ما جينا هنا...كنت أفكر فيك ....صرت بعيد عني وأقدر أفكر أي إنسان أنت ولأني عرفت أني ما أقدر أعيش من دونك ما صرت أعرف وش أسوي وخفت أنك تكون متعلق في وحده ثانيه "
أبتسم راكان وقال
" يعني تحبيني؟ "
شافت نفس النظرة الغريبة اللي ترعدها فا هزت رأسها له وهي تغالب دموعها لأنها خايفة من اعترافها لكن ما تخيلت إن راكان يضمها له بقوة حتى إنها لقت صعوبة في تنفسها وقال يهمس في أذنها
" وأنا أحبك وأموت فيك ومجنون عليك بعد "
لما رجع وناظر لها عرفت أن النظرة الغريبة في بريق عينه الالكترونية ما هي غير نظرة عشق كانت تجهل رسالتها وما تفهمها بعد كذا قال لها راكان
" الحين لازم تعرفين أنا ليش تزوجتك من غير ما أشوفك؟ "
حبست لينا أنفاسها فأخذها راكان من يدها وقرب من عامود داخل المشتل وجلس وهو يسند ظهره عليه وجلس لينا جنبه و ذراعه حول أكتافها ومسك رأسها وريحه على كتفه وقال
" خليك مرتاحة كذا وأنا بقول لك السالفة من البداية. قبل سنتين قلت لأمي وأبوي لا يتعبون نفسهم ويدرون لي على بنت لأني ما أبغى أتزوج وبصراحة كنت أكذب عليهم "
قاطعته لينا " بس هم يقولون أن أمك وأبوك تعبوا منك "
راكان " لا ما هو صحيح أنا أعرف أني تعبتهم وهم يشكون مني لكن ابدا ما وقفوا وهم يدورون لي بنت إلا لين قلت لهم ولأن أمي دايما تشكي مني بدوا الناس الفاضين يقول أن ابوي و أمي تركوني لأني فضحتهم المهم أنا قلت لا يخطبون لي لأن وقت الحفل اللي سوته شمس بعد ما تخرجت من الثانوي كنت جايب لها الحلى اللي طلبته ولأن باب المطبخ كان مفتوح شفتك عندها "
سمع صوت شهقة ناعمة صادره من حلقها فقال
" لا تقاطعيني خليني أكمل, طبعا أنا شفتك شفت ذيك البنت الريم على قولتهم ولا عاد أمرحت الليل يا رجال نام من هنا من هنا ما فيه، مر علي أسبوع وأنا ما أذكر غير أنتي يوم تذكرت كل شروطي عرفت إنها ما تسوى شيء عندك وقتها أتوقعت أنك سحرتيني "
لينا تضحك من طريقته وهو يتكلم و لأنه داعب أنفها بأصبعه و كمل
" تسلم لي ذا الضحكة وصاحبتها يا رب. المهم أنا أعرف طبيعة شمس وكنت أسألها عن مزح من اللي احتفلت معها؟ وهي وقتها مسويه ذكية كانت تقول لي بنت ما تعرفها بس أنا أصلا خلاص حفظت الاسم أول ما سمعتها تناديك. و عرفت من شمس أن أبوك ما يزوج أحد من برى قبيلته فضاق صدري ولأني عرفت من عبد الله مكان بيتكم ومن هو أبوك صرت أروح أصلي بنفس المسجد عشان أعرفه؟ ومن فضل الله علي أن أبو سلمان عزمني على العشاء و...."
" معليه راكان ما ودي أقاطعك بس من أبو سلمان؟ "
"هذا واحد رجال يعرف أبوي وأبوك المهم هو عزمني على العشاء وتقابلت مع أبوك هناك وعرفني لأنه كان يشوفني في المسجد بس مع هذا ما صار بينا أي احتكاك وهذا اللي خلاني أنقهر زيادة حسيت إن الدنيا بتضيع مني لو زوجك أبوك من غيري وبعدها كلمت أبو سلمان أني ودي في بنت أبو الوليد وقال لي نفس كلام شمس إن أبوك متعصب لقبيلته فا طلبت منه يحاول و لو يسأل أبوك بس سؤال واحد أنه لو جاه رجال مشهود له بالرجولة لكن من قبيلة ثانية يزوجه؟ والله ما قصر أبو سلمان تقهوى معه وجاني وهو يقول لي أن الرجال ما يوافق. أما لو تعرفين وش صار لي حسيت وقتها أني بجن ما دخل مخي إن في وقتنا هذا للحين فيه أباء متعصبين ومن وقتها وأنا أصلي وأدعي أن الله يرزقني بحل لمشكلتي. مر علي سنة وأنا على حالي حتى عرفت من أبو سلمان أن أبوك متوهق في دين بسبب زواجه وإن الناس تطالبه و يمكن تشتكيه وقال لي أنه يدور دينه من أحد وسألني إذا كان عندي وقتها بصراحة جت الفكرة في رأسي ولأني موظف من زمان وراتبي ضخم كان عندي فلوس مدخرها في البنك وبعضها أستثمرها, قلت لأبو سلمان يعرض على أبوك أنه يتدين مني ويسكت الناس ثم يسددني أنا بعد سنة وفعلا صار أبو سلمان واسطة بينا وجاب رجال ثاني عشان يصيرون شهود واعتمدنا الأوراق وراح أبوك بعد ما أخذ رقم جوالي وجلست سنة كاملة وأنا أحلم وخطط وكنت خايف أنه يدق علي ...."
قاطعته لينا وهي ما هي مصدقة
" أنت قاعد تضحك علي؟ "
"إذا ما أنتي مصدقتني أدق الحين على أبو سلمان وتسمعينه بنفسك وترى ما يعرف بسالفة غيره لأني أمنته ما يقول لأبوي "
" ولو أنه قال لأبوك وش بيصير؟ "
" يلوي ذراعي ويكسر رقبتي ويخرب اللي أنا سويته وينهي صبر سنتين في غمضة عين و بيقول أن اللي سويته ما يسويه رجال, أنا أعرف فعلا أن اللي سويته مع أبوك ما هو رجولة بس وقتها أصلا أنا جنيت ما عاد أعرف كيف أفكر. المهم مرت السنة وأبوك ما سدد و جيت وكلمته والباقي أنتي تعرفينه "
" وكنت واثق أنه بيزوجك؟ "
"يعني من ناحية الفلوس لا أما من ناحية أنه يشوفني رجال عرفت أنه بيقبل فيني لأن أبو سلمان كان يسعى لي عنده حتى تأكدت بس مع هذا كنت خايف وكل ليل أتهجد حتى أخذت كلمة أبوك و قلت له أن اللي صار أبيه بينا ولا يعرف به أحد. أنا ما أدري وقتها شلون فريت السالفة ومن برى مسوي رجال وثقة وأنا كل قطعة من داخلي تنتحب والحمد لله وافق وجبت أبوي وخطبنا رسمي وهو ما يعرف بالموضوع "
تنهد راكان وريح رأسه على العامود فقالت لينا
" طيب أفرض إن وقتها أبوي ما وافق كنت بتروح ترفع قضيه زي ما قلت لي؟ "
ضحك راكان و استغربت منه فقال
" لا تذكريني أنتي يوم جيتي في المجلس بغيت أفقد أعصاب وأقوم أضمك قدام أبوك بس لحقت على عمري في اللحظة الأخيرة و فكرة أني أرفع قضية كان كله كلام فاضي بس أنا كنت أضغط على أبوك فيه ولو رفض كنت بقبل باللي معه لين تتيسر أموره "
" أنت تتكلم وأنت صادق؟ "
" أنا حلفت أقول لك الصدق وبعدين أنا قلت لك أني أشوفها ما هي من الرجولة أني أرفع عليه قضية وأنا اللي دينته و عارف وضعه الشيء الثاني ما راح أتحمل الألم اللي بتحسين فيه و أكون أنا السبب "
" بس أنت تحملته يوم أبوي ضربني عشانك "
حنى رأسه لها وقال
" كان أكبر عذابي وقتها لكني قطعت عهد أسعدك وأعوضك قد ما أقدر "
"ليه ما قلت لي كل هذا من قبل كان غيرت أسلوبي معك؟ "
حط يده على خدها وهو يلاعب اذنها وقال
" لأني عارف أني أضيع أخر فرصه لي. أنتي من كلام شمس إذا كان لي أحكم من كلامها إنك مع طيبتك إلا إنك مندفعه وما تخلين أحد يتوطا لك على طرف واللي يجرب تأخذين حقك منه وزود وكنتِ وقتها تكرهيني ولا تعطيني وجه فلو قلت لك كرهتيني أكثر وهذا الشيء أنا ما أبغيه "
لينا تفكر في كل كلمه قالها ولمست فيها الصدق وهي تشعر من كلامه بمدى حبه الكبير لها لأنه لو كان شخص ثاني كان ممكن استسلم قدام عصبية أبوها القبلية ونسى أمرها ودور له على وحدة ثانية. أما راكان فكان عنده الإرادة و العزم والحب عشان يصبر سنتين ومع هذا كان ما يثق في النتيجة ومستعد ما يأذي ابوها لو رفضته. تولد في ذهنها سؤال فضولي جديد وقالت لراكان
" كيف كنت تشوفني بعد الزواج؟ "
"أممم كنت تحرقين دمي أحيانا زي ملابسك اللي جهزتها بذوق بسم الله عليك عن سابق إصرار وترصد "
ضحكت لينا من كلامه في حين أبستم وكمل كلامه
" بس وين مهوب علي أخذتك السوق و تورطت فيك يوم سفهتيني بين الناس بس قلنا ما عليه حبيبتنا و تدلع وش بسوي بعد "
لما ضحكت قال يمازحها
" لا تصدقين بغيت أجن أول مرة يسفهني أحد بس بصراحه يا لينا الأسبوع اللي في الرياض كان أحسن عندي من يوم كنا في جدة ومكة وأبها "
" أش معنى يعني؟ "
" لأنك وقتها كنت تعانديني تناقشيني تتكلمين يعني كان فيه اتصال بينا أما في جدة ومكة ماعاد صرتي تتكلمين مع أني أشوف في عيونك أنك تضحكين علي وأسوأ شيء يوم جينا لأبها صحيح أنك ما عاد تتجاهليني لكن كنت هادية حزينة كئيبة ما كنت أصدق تجتمعين مع البنات عشان أشوفك تضحكين "
لينا مع الحوار الطيف اللي بينهم هدت نفسيتها و حست بانشراح وإنها بترجع للينا القديمة لكن مع حبها لراكان, فعلقت على كلامه
" يعني ما كنت حلوة؟ "
راكان يمزح
" تقدرين تقولين بس هاه من يوم و رايح لا عاد أسمعك تقولين راكان ولا تقولين لي أنت مثل ما تقابلنا أول مرة ما أبغى أسمع غير كلمة يا حبيبي يا عمري يا قلبي "
ثم ضحك و ضحكت معه لينا وهي تحس بقلبها بيطير من صدرها لفرط سعادتها وبشكل مفاجئ أرجعت تبكي من الفرحة اللي ما قدرت تتحملها فضمها راكان وقال
" ما راح أقول لك أني ما أبغى أشوف دموعك مع أني ما أحبها لكن لك الحق يا لينا تبكين أعرف أنك تعبتي معي كثير فنزلي كل أدموعك على صدري لين ترتاحين."
كانت ضمة دافيه من زوجها الشخص اللي ما كانت تشترط فيه غير أنه يكون حنون لكن الآن تعرف أنه مع حنانه عاطفي و رحيم ولين ومتفهم ويحس فيها. هدت وهي تحس أنها في قمة سعادتها و تمنت لشمس اللي كانت السبب بعد الله في معرفة راكان فيها إنها تتسبب في سعادتها. قالت
" راكان ...."
" هاه وش قلنا حنا يا قلبي؟ "
" أوكي خلاص أسفه حبيبي بس كنت بكلمك عن موضوع شمس ومحمد "
" ما يحتاج تذكريني محمد ولد خالة أبوي وأخوي و شمس خالتي و موضوعهم كان يشغلني لأني كنت متعذب قبلهم و حاس فيهم ولا تتوقعين أني ما أعرف باللي تفكر فيه شمس أو أي وحده من قريباتي "
لينا وهي تمسح دموعها بيدها
" كيف تعرف وأنت ما تجلس معهم كثير؟ "
" ما أجلس معهم بس أسأل عنهم أتفقد أمورهم وبقول لك سر ما قلته لأحد أنا أقراء في كل الكتب اللي تتعلق بلبنات نفسية طبية تربوية وهذا اللي ساعدني أفهمهن وترى على فكرة حركتك أنتي وشمس كاشفها أنا من زمان "
" أي حركة؟ "
"أمس لما دخلت عليكم وغيرتم السالفة فجأة "
" لا تقول ..."
" ما هو علي يا حلوة كل حركاتكم عارفها وبذات أنتي وشمس قولي لي السالفة كانت عني ولا عن محمد؟ "
لينا بعدت عنه شوي وشد هو ذراعه حولها
" أنت مو طبيعي شكلي جالسه مع خيالي كيف خمنت؟ "
" مدري أحس أني صرت خبير بوجيه العاشقين "
" أجل ليش ما قلت محمد وبس ليه حطيت نفسك في السالفة ؟ "
" يعني خمنت و عطيت نفسي أمل بس تدرني الليلة هاذي أسعد يوم في حياتي "
"يعني ما أنت متضايق مني على الأيام اللي راحت ولا أنت زعلان من اللي صار اليوم "
" أبدا اللي راح ما استغربته منك وما كان إلا العشم في بنت خالد أما الزعل فالحياة لا بد يكون فيها مشاكل والمهم عندي حتى لو تخاصمنا أننا نتصالح في كل مرة زي الحين "
لينا تمازحه
" أجل من بكرة بدور لي على مشكلة ترفع ضغطك "
رفع راكان يده لأذنه يمازحها
" لا يا حبيبتي لا ، أبغى منك تعوضيني عن الأيام اللي راحت كلها, توعديني؟ "
لينا بحياء أستعذبه وأستشفه من صوتها الناعم
" أوعدك "
" أوعدك كذا حافي قافي "
ضحكت من بين دموعها
"لا عاد راكان أنت كذا تحرجني "
" ما عليه الليلة سماح لكن بكره يوم جديد لنا يا قلبي, أقول شكل المطر على وشك يوقف "
" معناه لازم أدخل قبل ترجع الكهربا للمزرعة "
وقف راكان وسندها حتى وقفت. كانت تحاول توقف عن البكاء وهي تضحك لكن اللي بداخلها أكبر من إنها تتحمله مشاعرها وطبيعتها. مسك راكان طرف أشماغة وقربه من وجهها عشان يمسح دموعها فقالت
" لا راكان بتخرب شماغك ولا عاد تقدر تروح لشباب "
أبتسم وهو يقول
" الشباب مهوب أهم منك عندي يا روحي "
مسح وجهها بلطف بالغ ما توقعت أنه يظهر من يده القوية وبعد ما جفف وجهها بالكامل ضمها لها وقرب وجهه من وجهها وأطبق شفايفه على شفايفها و قبلها قبلة حب وحنان واحترام لكن الجديد في الأمر أن لينا بادلته نفس الحب والحنان والاحترام وهي تلف رقبته بذراعه و تشم ريحه عطره تتغلغل إلى صدرها وضمته لها أكثر وهي تخاف عليه و تسأل الله في داخلها أنه يحفظه لها ويحفظ حبهم العمر كله لكن في شيء أشغلها فقالت له
" راكان توعدني تسوي اللي يقدرك ربي عليه و تجمع شمس ومحمد مرة ثانية أبغى شمس تعيش معه مثل اللي أنا فيه الحين"
" أوعدك يا روحي "
ورجع يضمها له و يتغني في إذنها بأجمل كلماته اللي نظمها في أحلامه عنها و ما كان راكان يطيق أنه يترك لينا تبعد عنه بعد ما عرف إن إرادة كرجل و إخلاصه في حبه جمعه بالإنسانة اللي يعشقها واللي بادلته الحب نفسه و مع أنه ما فكر يبعدها عنه ولا أنتبه لشيء غيرها وهو غارق في عالمهم اللي جمعهم فيه رباط الزواج المقدس بين الورود اللي تحفهم بعطرها في مشتلهم الصغير إلا أنه لازم يرجعون للبيت لأنه لابد لعجلة الحياة أن تدور واللي تستمر في دورانها السليم متى ما وجد إرادة رجل وحب شريف ...
النهاية
قلب الجبل
::
لتحميل الرواية بصيغة txt : اللهم صل على محمد وآل محمد