العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 01-04-2010, 09:53 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي سدرة إيليا ــ جابر بن عبدالله الخلف

سدرة إيليا

جابر بن عبدالله الخلف


الخميس 6/2/1431هـ صباحا ..

أخبرني (متمم مكارم الأخلاق) قائلا: بأن ما كنتَ تسميها (سدرة إيليا) قد أجتثت من فوق الأرض ، لقد رأيتهم يقطّعون أوصالها على مرأى الناس ومسمعهم ، كان ينقل لي الخبر مجردا من كل توابعه وتداعياته ؛ ولذا جاء الخبر صقيلا كحد سيف صقيل .

أما أنا فقد أزعجني الخبر ، وأغضبني هذا (الفعل) الذي اعتبره إعلان حرب من جانب واحد دون مبرر ؛ ولذا اتخذتُ قراري بكتابة هذه اليومية على أنغام موسيقى (الريكي) !

اجتثاث شجرة من الأرض يعادل اعتداءً مماثلا على طبقة الأوزون ، وبلدية الأحساء أو أمانتها لم تدرك خطورة الأمر ووحشيته على الإنسان والحيوان والبيئة حتى الآن ، وربما تدرك ، ولكن لا يعنيها الأمر ، وربما يعنيها الأمر ، ولكنها لا تهتم ، وربما تهتم من الهم ، ولكن ليس من الاهتمام .

لن أخوض حربا ضد من اجتثها كما قلت سابقا ، ولكنني سأستعيد قراءة إيليا أبي ماضي مرة أخرى .. !! وسأحكي حكايةً:

كنت منذ أكثر من خمسَ عشرةَ سنة أخرج منذ الصباح الباكر جدا في أيام الصيف ولياليه أقرأ ديوانَ إيليا أبي ماضي تحت ظلال هذه (السدرة) ، وكانت حينها نبتة يانعة غضة ريانة كنت أدعم ساقها بعود من أعواد الأرض ، وأحمي حماها من عاديات الأيدي ، وأسقيها .. راضيا مطمئنا مبتهجا سعيدا ، وكانت السدرة حينها نبتة صغيرة جدا لم يبلغ طولها عشرة سنتيمترات ، وبعد مرور هذه المدة افترعت السماء والأرض ، فصارت شجرة باسقة مرتفعة شاهقة تملأ العين جمالا ، والأذن تغريدا ، والقلب اخضرارا ، واليد (كنارا) !!

وكانت بعد أن استطالت ، وامتطت صهوة الفضاء ، وأصبحت مثل حارسة الحي ، وأضحت دليلا مرشدا لكل من يسأل عن أهل الدار ، وباتت أغصانها مركبا للعصافير ، وأخذت تنشر ظلالها في كل مكان ، فكنت أرى (أبي) في وقت المساء ينثر حكاياه هو وأصحابه في فيئها الظليل ، وكانت (أمي) إذا أرادت الخروج من البيت تتكئُ على جذعها ؛ حتى تستقر قدماها في الأرض .

ولأنني كنت مدمنا حينها على قراءة ديوان إيليا أبي ماضي (الجداول) و(الخمائل) و(تبر وتراب) في ظلها ارتبطت عندي هذه السدرة بإيليا أبي ماضي ؛ ولذا أسميتها (سدرة إيليا) ، فكنت إذا رأيت (السدرة) في بياض النهار ، أو سواد الليل أتذكر (الجداول) و(الخمائل) و(التبر) و(التراب) ، وهذا ـ على ما أظن ـ ما يسميه إيفان بافلوف بالارتباط الشرطي .

كثيرا ما كانت تطرح بين (الإخوان) فكرة قطعها ، لأنها كانت تؤذيهم بحفيفها في الصيف ، وبأوراقها في الخريف ، وكثيرا ما كنت أعترض على هذا الاقتراح ؛ متذرعا ببعض الأعذار التي لا تغني ولا تشبع جوع رغبتهم في الاقتصاص منها ، وكنت أقول لهم: أن تؤذيك شجرة بحفيفها وبأوراقها وبتغريد عصافيرها وقت الأصيل خير لك من أذية عوادم السيارات وضجيجها وهدير محركاتها الذي لا يبقي ولا يذر ، فقد تصالحنا مع عوادم السيارات ، وضجيج (المواطير) .. فلماذا لا نتصالح مع ضجيج الشجر .

وكنت أقول لهم أيضا بأنني قرأت في أحد الكتب عن دولة القرامطة في هجر قديما بأنهم إذا أرادوا تعبيد الطرق ، وشق الشوارع من أجل مرور الناس والدواب كانوا لا يتعرضون للأشجار ، بل كانوا ينحرفون عن الشجرة يمينا أو شمالا إذا ما اعترضتهم في الطريق ؛ تحاشيا من سبة قطعها .

كنت أقول لهم هذه لفتة إنسانية من أجل رخاء الإنسان ، والحفاظ على البيئة الخضراء ، وازدهار الطبيعة لم يتوقف عندها التاريخ إجلالا .

ولكن للأسف ينشغل التاريخ أحيانا بنشاز هنا ، أو نشاز هناك ، والأمر كله لله على هذا (النشاز) في ملكوته !!

يبدو أن (تخرصاتي) و(خيالاتي) و(خزعبلاتي) لم تُلاق أذنا مصغية ، ولن أقول: أذنا واعية !! لأنني أعلم بأن قطع (السدرة) كان له مبرراته ، ولكن كان بالإمكان تهذيبها وتشذيبها وتثقيفها بدلا من قطعها واجتثاثها وانتزاعها من الأرض .

أن تتعود العين على رؤية شيئا أخضر في بيئتنا يعد إنجازا بحجم اكتشاف مَجرة ، وهذا ما كنتُ أعنيه من قراءة (الخمائل) و(الجداول) و(التبر) و(التراب) تحت ظلال تلك الشجرة .

كما أنني أعلم بأن من اتخذ قرار قطعها لم يكن يدرِ بأنها تعني لي شيئا مهما ، وإلا لما أقدم على قطعها ؛ لن أكون أنانيا .. ولن أحتج .. ولن أفعل أي شيء سوى استعادة (جداوئل) إيليا أبو ماضي و(خمائله) و(تبره) و(ترابه) مع شيء من الغضب والانزعاج ، ومع شيء كثير من الصمت والصيام على طريقة سيدنا المهاتما غاندي !!

كانت سدرة فاردة جناحيها في الفضاء ، وكانت تعلمني الطيران في الصباح ، وتدربني على الهدوء والسكينة في المساء .

السّدْرُ في اللغة: شجرة النبق (بكسر الباء وسكونها) ، وأجود نبق يعلم بأرض العرب نبق هجر ، والسدر نوعان بري ، وهو الضال ، ومائي وهو ما ينبت على مسائل المياه في الأراضي الزراعية .
والسدرة رمز ديني ، وتاريخ إنساني عريق ، قال تعالى:{ ولقد رآه نزلة أخرى . عند سدرة المنتهى . عندها جنة المأوى . إذ يغشى السدرة ما يغشى } 14ـ 16/النجم ، وقال تعالى:{ وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود } 28/ الواقعة .

ومن سوء طالع (سدرة إيليا) أنها اجتثت من الأرض في وقت ازدهارها من السنة في 21/1/2010م ، حيث موسم القطاف في شهر يناير .

أتذكر أثناء سفرنا للعراق ، زرنا أنا والشيخ حسن بسن مقبرة الغري في النجف عام 2003 م ، التقينا هناك بشيخ طاعن في الهم واقف عند قبر ، أذكر أن اسم عشيرته (القوّام) العبيدي ، وهم أسرة يمنية نزحت إلى العراق منذ أكثر من 400 سنة حسب ما قال لنا ، سألناه عن عمله فقال لنا: عملي هو احتفار القبور ، وأنا الآن واقف على باب قبري أقرأ لنفسي القرآن قبل موتي ، وقد غرستُ (نَبْقَةً) هكذا قالها ، وكان يعني (سدرة) ، فقلنا له: لماذا ؟ فقال: حتى يستظل تحتها من يريد أن يقرأ القرآن لسكينة روحي بعد موتي ! فداخلني العَجَب والدَّهَشُ من بين يديَّ ومن خلفي من هذه العزيمة الماضية ، والهم البتار !!

سألته: ماذا تتمنى في حياتك الآن ؟ فقال: أتمنى أن يخفف اللهُ عني سكرات الموت !! فما زال العجب والدهش آخذا بتلابيبي حتى الآن ، تذكرتُ هذا الموقف على هامش قطع (سدرة إيليا) !!

بعد صلاة الظهر خرجتُ كي أرى ما حدث ، وفوجئتُ أن الأمر لم يكن اقتطاعا ولا انتزاعا ولا اجتثاثا ، بل كان نوعا من التشذيب والتهذيب .. فاكتشفتُ أنني استسلمتُ لأوهامي ؛ فشكرا للأوهام التي دفعتني للكتابة !!

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16-09-2010, 12:55 AM   رقم المشاركة : 2
ازهار الصادق
طرفاوي بدأ نشاطه







افتراضي رد: سدرة إيليا ــ جابر بن عبدالله الخلف

حقا انها كتابه جميله من ايادي كاتب مبدع .................

اشكرك اخي الكريم على ابداعك والاروع منه هو استمرارك بالكتابه .................
ازهار الصادق

 

 

ازهار الصادق غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 08:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد