01-04-2010, 05:10 PM | رقم المشاركة : 1 |
منتدى السهلة الأدبي
|
تجديد الخطاب الديني بين الحقيقة والأوهـام (2) ـ جابر بن عبدالله الخلف
ص 7 يقول المؤلف: ( في خضم العنصرية والطائفية والقبلية والفوضى بزغ نور الإسلام.. ). مصطلحا العنصرية والطائفية مصطلحان محدثان، قال في المعجم الوسيط (1) العنصرية: تعصب المرء، أو الجماعة للجنس ( محدثة )، ورادفت الموسوعة الحرة بين العنصرية، وبين التمييز العرقي. وفي المعجم الوسيط أيضا (2) الطائفية: التعصب لطائفة معينة ( محدثة ). العنصرية، أو ( التمييز العرقي ) هي: الأفعال والمعتقدات التي تقلل من شأن شخص ما كونه ينتمي لعرق، أو لدين. والطائفية هي التعصب لأفكار ومعتقدات تنتسب في الأصل إلى دين معين، دون آخر , أو مذهب دون آخر. ليس من الدقة العلمية إسقاط مصطلحات ( محدثة ) أو معاصرة على فترة زمنية سابقة، فهذه مفاهيم ومصطلحات لها أبعادها اللغوية والدلالية، وفي زمن بزوغ الإسلام لم تتبلور أصلا، فكان يكفي استعمال القبلية والفوضى على اعتبار أنها أوضح الظواهر الاجتماعية لذلك العصر. ص 8: ينقل المؤلف في مواضع عدة من الكتاب من ( مذكرات مستر همفر )، وهي ـ حسب ما يتداول ـ مذكرات جاسوس بريطاني أوفدته وزارة المستعمرات البريطانية إلى العالم الإسلامي عام1710م، وكيف أن هذا الجاسوس كان يعمل من أجل هدم قواعد الإسلام. هذه المذكرات هي محل نقد ونظر، وقيل إنها منشورة عن ( دار الكتاب الصافي ) في القاهرة، وقد نشرت في دور نشر أخرى، وقد ترجمها الدكتور (ج). (خ)، ويظل السؤال مشروعا: مَنْ يكون المستر همفر هذا، وما قيمة مذكراته من الناحية العلمية، وهل هذه المذكرات وثيقة علمية يعتمد عليها، وما هو مصدرها الأصلي، وأي دار طبعتها الطبعة الأولى، بلغتها الأم ؟ ويبقى القارئ متحيرا كيف يعتمد المؤلف على النقل من ( مذكرات )، وهي مجرد مذكرات، لم يعلم مؤلفها، أو هو بالأحرى هو مجهول الهوية، ولا يعلم من هو مترجمها، ولا أي دار طبعتها، ولا مصدرها الأصلي، فكيف يتم اعتماد مقولاتها في كتاب يتعلق بالتجديد في الخطاب الديني ؟!! إن هذه المذكرات مجهولة المؤلف والمترجم، وهي في مضمونها تدخل في مضمار السجال المذهبي، فليس من المنطق العلمي اعتماد مقولاتها، باعتبارها مذكرات مجهولة الهوية والمصدر، فهي مذكرات قد حُشيت لَغْوًا وكِذّابَا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش: (1) المعجم الوسيط: 2/631. (2) المصدر السابق: 2/571.
|
01-04-2010, 05:16 PM | رقم المشاركة : 2 |
منتدى السهلة الأدبي
|
رد: تجديد الخطاب الديني بين الحقيقة والأوهـام (2) ـ جابر بن عبدالله الخلف
ص 8: يقول المؤلف: ( تلويث ذهنية الفرد المسلم بالشبهات والإشكالات.. )، وفي ص 10 يضيف المؤلف: ( فأوردوا سيلا من الشبهات، وبقيت في أذهان الشباب من المثقفين.. ومن تلك الشبهات ما يسمى بـ (تجدد الخطاب الديني).. وهذا العنوان من العناوين المطاطية، والتي لها عدة تفسيرات ).
يُعرف الجرجاني في كتاب التعريفات ص 65 ( الشُّبْهة ) بقوله: ( هو ما لم يتيقن كونه حراما أو حلالا ). الواضح من تعريف الجرجاني بأن الشبهة مصطلح فقهي، ويتعلق بما لم يتقن من حليته أو حرمته، فإذا كان الأمر كذلك أصبح مباحا، فكل شيء لم تقطع بحرمته فهو لك مباح، ومنه ما يسمى بـ ( تجدد الخطاب الديني ). إن محاكمة مفهوم ( تجديد الخطاب الديني ) بمقاييس فقهية أراه جناية مزدوجة على الفقه والفكر معا، فكان حري بالمؤلف أن يحاكم المفهوم بمعايير معرفية، وآليات فكرية اشتغل عليها مفكرون كبار، ولفهم مصطلح (تجديد الخطاب الديني) هناك مدارس متعددة، ولا ينبغي الزج بالفقه أو مصطلحاته في ما ليس من مجاله. ولم يوقفنا المؤلف على مفهومه هو ( للشبهة )، وهل كل شبهة أو إشكال من الممنوعات، فكم شبهة كانت وراء نظرية، وكم إشكال كان سببا في إنجاز كتاب أو موسوعة !؟ ومن قال بأن ذهنية جمهور الشباب هي قابلة للشبهات والإشكالات وحسب ؟! إن الذهنية الفتية هي قابلة أيضا للتساؤل والتجاوز، فليس من الضروري ممارسة الوصاية الفكرية على الأذهان، وإنما الضروري هو طرح الأفكار والآراء، وذهنية الشباب هي حتما قادرة على هضمها وتجاوزها ولو بعد حين. ص 11: تساءل المؤلف عن ما هو المراد بـ ( تجدد الخطاب الديني ) ؟ ثم طرح عدة تفسيرات، وذكر منها: 1. تغيير بعض الأحكام الشرعية بما يتلاءم ومتطلبات العصر. 2. تغيير جميع الأحكام الشرعية. 3. تجديد الاجتهاد في الرأي دون المساس بالنصوص الشرعية من القرآن والسنة، بحيث لا يمس الثوابت. 4. السماح لبعض المختصين في التدخل في الأحكام الشرعية. 5. تجديد الخطاب مع الطرف الآخر. ثم تحدث المؤلف في الصفحة نفسها عن حتمية ( تحديد منهجية للبحث )، وذلك من خلال ( تحديد اتجاه دين المحاور )، والتعرف على ( هويته الدينية )، وما لم نحدد اتجاه المحاور فإن البحث سيكون عقيما. وفي ص 13: فنحن حينما نريد أن نجيب شخصا، أو نحاوره لا بد أن نعرف ( انتماء هذا الشخص الديني)؛ حتى يمكننا أن نتحاور معه. لقد طارت نفسي شُعَاعًا وضياءً وسرورا حينما أكد المؤلف على ضرورة ( تحديد المنهجية )، فهذا ضرورة فكرية مهمة، ولكن بهجة المعرفة قد تلاشت حينما ربط المؤلف منهجية البحث بالانتماء الديني للمحاور. في هذه الصفحة كثير من المغالطات الفكرية، وأهمها وأعجبها وأغربها تعليق ( منهجية البحث ) بتحديد دين المحاور وهويته واتجاهاته وانتمائه الديني. ثم ما المشكلة في تغيير الأحكام الشرعية، أو في تجديد الاجتهاد إذا كان هذا سيخدم الإنسان، فـ ( الأحكام الشرعية ) ليست هي ( شرع الله )، وإنما هي ( اجتهاد الفقيه )، وربما أصاب الفقيه، وربما أخطأ، وعليه يكون تغييرها، أو تجديدها ضرورة، وليست شبهة. ص 13 يقول المؤلف: ( وبما أننا نبحثُ عن ما يسمى بـ ( تجدد الخطاب الديني )، وأنه لا بد أن يتجدد الدين، فلا بد أن يكون هذا القائل ممن يدّعي الإسلام، ويريد أن يجدد في الدين، فالبحث معه يكون بعد إقراره بالدين، وبنبوة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ولسنا بصدد البحث مع من لا يدعي الإسلام. ومن يعتقد بنبوة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لا بد وأن يعترفَ ويقر بأهم مصادر التشريع، وهي الكتاب والسنة ). في كتابه تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام يقول السيد حسن هادي الصدر ( ت 1354هـ ) في ص 5: ( المعروف بين المسلمين أن الله عز وجل يُقيّضُ لهذا الدين على رأس كل مئة سنة من يجدده ويحفظه، ولعل المدرك في هذا ما أخرجه أبو داود في صحيحه بسند ( صحيح عند القوم ) رفعه إلى رسول الله (ص)، قال: إن الله يبعث لهذه الأمة عند رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها. وقد أورد ابن الأثير هذا الحديث في كتاب النبوة، من كتابه جامع الأصول في أحاديث الرسول، ثم أورد في شرح غريب هذا الباب كلاما ذكر فيه المجددين، فعدَّ ممن جدد في مذهب الإمامية على رأس المئة الأولى محمد بن علي الباقر، وعلى رأس المئة الثانية علي بن موسى الرضا، وعلى رأس المئة الثالثة أبا جعفر محمد بن يعقوب الكليني، وعلى رأس المئة الرابعة الشريف المرتضى. قلتُ ( والقول للسيد حسن هادي الصدر ): ( لعل أمر المجددين ثابت مطرد جديد بالتصديق والإذعان... ). إنَّ المنادينَ بالتجديد إنما يرمون إلى تجديد الخطاب الديني وآلياته، ويسعون إلى إحياء أمر الدين، وتنقيته مما عَلِقَ به من مفاهيم وعادات وتقاليد خاطئة، وليس هم ممن ( يدّعي الإسلام ) بالضرورة، ولا شك في أنهم ( يُقرّون بالدين )، ويعتقدون بـ( نبوة النبي الأعظم )، ويعترفون بـ ( أهم مصادر التشريع )، وليسوا دائما من ( الخارجين ) عن هدي الإسلام، وإن منهم العلماء والفقهاء والمفكرين.. !! إن الفرق كبير بين مفهوم ( الدين ) بوصفه شريعة سماوية منزلة من السماء، وبين مفهوم ( التدين ) بوصفه فهما بشريا لنصوص الدين، ومعانيه، ومقاصده، فالتجديد يكون في البـشري المتغير كالاجتهادات والآراء، وليس في الوحي المنزل من السماء.
|
01-04-2010, 05:18 PM | رقم المشاركة : 3 |
منتدى السهلة الأدبي
|
رد: تجديد الخطاب الديني بين الحقيقة والأوهـام (2) ـ جابر بن عبدالله الخلف
في ص 16: شرع المؤلف في المبحث الأول، وهو حول ( النبوة )، في الفصل الأول تحدث عن الهدف المنشود وهو ( السعادة )، وقدم الكاتب تفصيلا حول نظريات السعادة، ومنها نظرية الفلاسفة اليونانيين القدماء، ونظرية النمو المادي.. وغير ذلك.
في هذا الفصل كلام جيد حول السعادة ونظرياتها، ولكن يظل القارئ مسمّرا في تساؤلاته المستمرة: ما علاقته كل ذلك بخطاب التجديد الديني ؟ لماذا لم يطرح الكاتب في مستهل الكتاب مفهوم التجديد كما يراه هو، ويقدم تعريفه الذي يتبناه، ويطرح النظريات المتعلقة به ؟ وليس من الضروري إطالة الحديث الطويل العريض عن السعادة ونظرياتها، فهذا درس أخلاقي له مجاله الآخر. وإذا كان هذا الفصل عبارة عن مقدمات وتمهيد، فلا شك أنها مقدمات طويلة، وليست من البناء المتين لفكرة الكتاب، وهي ( تجديد الخطاب الديني )، الذي هو تجديد في المنهج والأسلوب واللغة والوسائل. ص 19: في الفصل الأول من المبحث الأول تحت عنوان الهدف المنشود ( السعادة ) أورد المؤلف ذكر مثال على أن الغنى ليس سببا للسعادة، وهو ما ذكره السيد الخوئي في معجم رجال الحديث في ترجمته لأبي ذر الغفاري، وسيلاحظ القارئ على منهجية النقل، وطريقة الإحالة الملاحظات الآتية: 1. نقل المؤلف الخبر بالمعنى دون النص مع عدم الدقة في النقل من معجم رجال الحديث، وبعد الرجوع إلى الجزء الرابع، من ص 167 حسب إحالة المؤلف حيث حذف الكاتب إسناد الخبر الذي نقله السيد الخوئي، وأيضا قال المؤلف: ( بأن أحد الخلفاء أرسل إليه عطاء فجاء الرسول بالعطاء )، وفي معجم رجال الحديث: ( أرسل عثمانُ إلى أبي ذر مَوْلَيين له، ومعهما مِئَتَا دينار )، وفي نقل الخبر تغيير وحذف يبدو أنه بغرض الاختصار، ولكنه كان اختصارا مخلا وموهما. 2. نقل السيد الخوئي في ترجمة ( جندب بن جنادة ) في الجزء الرابع برقم 2385 مجموعة من الأخبار والروايات، ومنه الخبر الذي نقله المؤلف، وقد علق السيد الخوئي على هذه الروايات بقوله: ( وهذه الروايات، وإن كانت أكثرها ضعيفة، إلا أن في استفاضتها غنى وكفاية، على أن فيها ما هو قوي السند ). ولا نعرف هل الخبر الذي نقله المؤلف من الروايات الضعيفة، أو أنها قوية السند . 3. أحال المؤلف على معجم رجال الحديث، فقال: ما ذكره السيد الخوئي في ترجمته لأبي ذر الغفاري. أما في معجم رجال الحديث فترجمته بعنوان: ( جندب بن جنادة )، وهذا يصعب عملية البحث والمراجعة على القارئ، وهذه النقطة بالذات هي نموذج واحد من عـشرات على خلل منهجي في أسلوب الإحالات والنقل من المصادر الأخرى. ص 23: نقل المؤلف من كتاب المجازات النبوية حديث ( فرب مركوب خير من راكبه )، وفي هذا النقل عدة ملاحظات : 1. كان حري بالمؤلف نقل الحديث من كتب الحديث المعروفة، فكتاب المجازات النبوية ليس كتابا متخصصا في نقل الأخبار والأحاديث، وإنما هو اختيارات للشريف الرضي من أحاديث تحتوي على مجازات بلاغية، ويعلق عليها، ويوضحها، ويجليها مهتما بما فيها من المجاز. 2. اختصر المؤلف الحديث، ولم يشر إلى ذلك، ومُتَمِّمُ الخبر من المجازات النبوية ص 283، تحقيق طه عبدالرؤف سعد، ط 1971م، حديث رقم 355: يقول الشريف الرضي: ( ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام، وقد مر على قوم وقوفٍ على ظهور دوابهم ورواحلهم يتنازعون الأحاديث، فقال عليه الصلاة والسلام:" لا تتخذوها كراسيَّ لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فربَّ مركوبٍ خيرٌ من راكبه" ). ص 28: ( فإن ( العلم ) يستطيع أن يسيطر على كل شيء إلا الإنسان وغرائزه، ولا يمتلك السيطرة على هذه الغرائز إلا ( الدين ) وحده فإنه الذي يتمكن أن يمسك زمام الإنسان ). وفي ص 37 يقول المؤلف: ( الإسلام بنى سنته الجارية وقوانينه الموضوعة على أساس الأخلاق، وبالغ في تربية الناس عليها؛ ليكون تنفيذ القوانين على عهدتها، فهي مع الإنسان في سره وعلانيته، تؤدي وظيفتها، وتعمل عملها أحسن مما يؤديه شرطي مراقب، أو أي قوة تبذل عنايتها في حفظ النظام ). إن الإنسان من التعقيد في تصرفاته وسلوكياته بحيث يحتاج إلى منظومة من العلم والدين والأخلاق والقوانين والتربية؛ كي تحكم سلوكه، وتضبط تصرفاته، وليس فقط بـ ( الدين )، والتأمل في حال المسلمين يؤكد هذه المقولة، فما يمتلكه المسلمون من خزين التدين لم يمنع من استفحال الغرائز، وانتشار المعاصي المدنية وغيرها؛ وذلك لغياب منظومة الأخلاق العملية، والقوانين المدنية، وانتشار الخرافة، وتغييب العقل أو تعطيله.
|
01-04-2010, 05:20 PM | رقم المشاركة : 4 |
منتدى السهلة الأدبي
|
رد: تجديد الخطاب الديني بين الحقيقة والأوهـام (2) ـ جابر بن عبدالله الخلف
ص32: ( فتجده أعقل العقلاء، ونابغة في العقل، أو أستاذا في الجامعة، أو دكتورا عظيما، ولكنه يقف أمام البقرة، ويعبدها أليس هؤلاء عقلاء ؟ نعم إنهم عقلاء، ولكن أثرت في حكم العقل تلك المعتقدات ).
في محاضرته ( منهج الاختلاف عند الإسلاميين بين الرؤية والموقف ) يتساءل الأستاذ محمد العلي: ( ما هو الاعتقاد ؟ ثم يجيب بقوله: الاعتقاد هو أي فكرة تسيطر على إنسانٍ ما، بحيث يهتم بها، وتدفعه إلى السلوك وفقا لها، وقد لا يستطيع تفسيرها، أو تفسير اعتقاده بها )، ويضيف قائلا: 1. إن الفكرة العقدية تملك السيطرة على معتنقها. 2. إن هذه السيطرةَ دافعةٌ للسلوك. 3. إن الفكرة لا يستطيع معتنقها تفسيرا لها. ثم يتساءل الأستاذ العلي، ويقول: هل الاعتقاد معرفة ؟ ويجيب بقوله: أول من تصدى للإجابة على هذا السؤال هو أفلاطون، وعنده أن الاعتقاد ليس معرفة؛ لأنه قد يكون صادقا، وقد يكون كاذبا، والمعرفة لا تكون إلا صادقة، فإذن الاعتقاد ليس معرفة. ثم يتساءل الأستاذ العلي قائلا: هل الاعتقاد إرادي ؟ ويجيب: هناك من يرى أن الاعتقاد فعل عقلي، وهناك من يرى أنه فعل إرادي. والمقصود بالإرادة هنا ذلك النزوع المرتبط بالعاطفة، وهو ما حدده الفيلسوف البرغماتي وليم جيمس حين أطلق مصطلح ( إرادة الاعتقاد )، ويعني به: ( التسليم باعتقادات لا يستطيع العقل أن يبرهن على صدقها، ولكنه يقبلها مع ذلك لعدم تناقضها لديه ). إن نظرة واحدة على الواقع، وعلى التاريخ، توضح أن الرأي الثاني ( الاعتقاد فعل إرادي مرتبط بالعاطفة ) هو الأكثر صوابا؛ ذلك لأن ( المقلدين جميعا، في كل زمان ومكان، ومن جميع الأديان والإيديولوجيات ،لم يصلوا إلى اعتقادهم عن طريق العقل، بل عن طريق العاطفة، إن أكثر الناس يُساقون إلى الفعل بعواطفهم، ورغائبهم، ومنافعهم، لا بأفكارهم وعقولهم ). يقول بعض الفلاسفة: ( نحن لا نريد ما نتيقن، بل نتيقن ما نريد )، ويقول الشيخ محمد عبده: ( أكثرهم يعتقد فيستدل، وقلما نجد منهم من يستدل ليعتقد ) انتهى . إذن ( الاعتقاد ) أمر مرتبط بالعاطفة والمحاكاة والتقليد عند أصحاب الأديان والمعتقدات والإيديولوجيات، وليس للعقل أو النبوغ أو الأستاذية دخل في صياغة منظومة الاعتقاد، وكذلك هو حالُ مَنْ ( يقفُ أمامَ البقرةِ ويعبدُها ) ! وليس المعنى تبرير هذا الاعتقاد أو تحسينه، وإنما المقصود إن عُبّاد البقر هم كغيرهم في ما يتعلق باعتقاداتهم، فلديهم منظومة من التبريرات والبراهين التي تتصالح مع اعتقاداتهم. ص 34: في الفصل الثالث من المبحث الأول دار حديث المؤلف في 39 صفحة حول العقبات التي تعترض القانون الوضعي، وهي ( الضمانات الإجرائية )، و( الفراغ الديني )، و( عدم الهدفية )، ثم عرّج المؤلفُ على تعارض المصالح في القوانين الوضعية ص35، ثم أخذ المؤلف في طرح تفصيلات مسهبة حول بناء ذات الإنسان من الداخل من ص36 ـ ص39، والعقوبات الدنيوية، والعقوبات السماوية والعقوبات الاقتضائية، وعقوبة البعد الروحي والمعنوي من الله، ثم الحديث حول تفصيلات أخرى مسهبة، ثم الحديث عن البلاء والابتلاء والمصائب والامتحان الإلهي، وأن في ذلك مصلحةً للفرد والمجتمع، ثم الحديث عن العامل الإيماني والذاتي في الإنسان، ثم التسليم الجسمي والفكري والقلبي، ثم الحديث عن بعث الرسل، ويتخلل كل ذلك نقولٌ كثيرة، وأقوالٌ لبعض المفكرين الإسلاميين والعلماء والفقهاء من أمثال: السيد محمد حسين الطباطبائي، والسيد عبدالأعلى السبزواري، والسيد روح الله الخميني، والشيخ مرتضى مطهري، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والشيخ جوادي آملي، والشيخ جعفر سبحاني، والسيد محمد باقر الصدر، وآخرون غيرهم. وعلى هذا الفصل تدور أسئلة كثيرة مهمة ومقلقة، أوجزها في الآتي: • دوران الحديث حول موضوعات ومسائل يجد القارئ صعوبة في إيجاد رابط بينها، وبين مفهوم ( تجديد الخطاب الديني ) بوصفه عنوانا للكتاب. • تجاهل المؤلف إيراد أقوال، أو نصوص لمفكرين من أصحاب النظرية الوضعية، وكان حريٌّ به طرحَ آرائهم بنصوصها من مصادرهم، وتناول القانون الوضعي من منابعه، فكل ما يفعله المؤلف هو نقل ملخصات لأفكار ومقولات لا يعلم من هو قائلها. • يحاول المؤلف إجراء مقارنة بين القانون الوضعي، وأحكام الشريعة الإسلامية، وكوني لست خبيرا في المجالين إلا أنني أتساءل: كيف يمكن فهم هذه المقارنة مع اختلاف منابع القانون الوضعي عن منابع القانون الإسلامي، وتناسي أن هناك فروقا جوهرية بين التجربة البشرية، والوحي الإلهي، وتناسي أن القانون الوضعي من مصادره العرف، وتجارب الأمم الأخرى، والدين، والمعتقدات، وتناسى المؤلف أيضا أن الإسلام قد أخذ ببعض القوانين الوضعية التي تتلاءم ومقاصده، وخير دليل عدم رفضه لبعض الشرائع المتبعة عند العرب قبل الإسلام، بل أخذ بها؛ لأنها لا تتناقض مع مقاصده وهديه. ص44: يقول المؤلف: ( أوجب على كل فرد مراقبة الآخرين لو أخلوا بواجب، أو اقترفوا محرما، حيث أوجب على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وجعل الساكت عن الأمر بالمعروف مأثوما.. ) في هذا القول نظر، لم يدعُ الإسلام إلى مراقبة الآخرين، ولم يوجب ذلك على أحد، كما أنه لم يوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( على كل فرد ). ففي منهاج الصالحين، يقول السيد الخوئي( ) : ( يجب الأمر بـ ( المعروف الواجب )، والنهي عن المنكر وجوبا كِفَائِيًّا؛ إن قام به واحد سقط عن غيره، وإذا لم يقم به واحد أثم الجميع، واستحقوا العقاب )، وقد وضع العلماء لذلك شروطا ينبغي على الآمر والناهي إتباعها، والالتزام بها. ومن مقولات الفصل الثالث من المبحث الأول، ص 44: ( السلطة التنفيذية في الإسلام، ليست طائفة متميزة في المجتمع، بل تعم جميع أفراد المجتمع، فعلى كل فرد أن يدعو إلى الخير، ويأمر بالمعروف، وينهى على المنكر، وهذا الضمان مفقود في القوانين الوضعية؛ لأن كل إنسان يتحمل ما عمله، ولا شأن له بالآخرين ). أن يتحمل الإنسان مسؤولية ما عمله فهذا مما يدعو له الإسلام، فعلى ( كل إنسان ( أن ) يتحملَ ما عمله، ولا شأن له بالآخرين )، وهو مما تعمل به القوانين الوضعية، وهي فكرة ( وضعية ) صائبة، وسلوك حضاري دعت له الديانات. أما أن تكون السلطة التنفيذية في يد ( جميع أفراد المجتمع )، و( على كل فرد أن يدعو إلى الخير )، و( يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر ) فهذا تأصيل للوصاية الاجتماعية، وإعادة لتأسيس الـشرطة الدينية، التي ما زال ( المجتمع ) في السعودية يكافحُ من أجل التخلص منها، وتنادى التربويون إلى إحلال قوانين التربية المدنية، والأخلاق الإسلامية العملية، والالتزام بمبادئ الإسلام الأصيلة دون وصاية أو رقابة من الشرطة الدينية، أو العسس الليلي، أو البوليس النهاري.
|
01-04-2010, 05:23 PM | رقم المشاركة : 5 |
منتدى السهلة الأدبي
|
رد: تجديد الخطاب الديني بين الحقيقة والأوهـام (2) ـ جابر بن عبدالله الخلف
ص 65: أورد المؤلف ذكر الفيلسوف الألماني الشهير هيكل، ونقل عبارته التي تقول : ( إن النزاع والشر ليسا خياليين ولا سلبيين، وإنما هما أمران واقعيان، ويشكلان سلما للخير والتكامل، وقد نقلها الكاتب من كتاب العدل الإلهي ). حسب الموسوعة الحرة الفيلسوف الألماني اسمه ( جورج ويلهلم فريدريك هيغل )، وعاش في الفترة ( 1770م ـ 1831م )، ويختصر بـ فريدريك هيغل، ورسم اسمه بـ( هيكل ) هكذا حسب ما ورد في الكتاب ليس رسما دقيقا، فقد يوقع القارئ في الوهم بأسماء عربية كبيرة، مثل: محمد حسين هيكل، صاحب رواية زينب، أو محمد حسنين هيكل المفكر السياسي المعاصر. ص 69 تحدث المؤلف عن أثر الإيمان في صناعة الثقة والاطمئنان والتفاؤل بالمستقبل، وهذا قول في غاية الصواب، ثم تحدث في ص70 عن الانتحار، وكان مما قال: ( ولذا تجد الانتحار عند مَنْ لم يؤمن بالدين أكثر من غيرهم بكثير؛ نتيجة للإحساس باليأس والقنوط من صلاح البشرية؛ لأنهم اعتمدوا على العوامل المادية والظاهرية ). يلاحظ على هذا الكلام عدة ملاحظات: أ ) تغييب دور مراكز الإحصاء المتخصصة، والدراسات العلمية المتعلقة بالانتحار في غالب الدول العربية والإسلامية إلا ما رحم الله، وأكثر الاعتماد يكون على إحصائيات صحفية ربما تكون غير دقيقة، ولم يشر المؤلف إلى أي شيء من ذلك. ب ) إغفال نسب الانتحار إلى عدد السكان. ج ) في لقاء مع الدكتور ميسرة طاهر في قناة mbc، بتاريخ الثلاثاء 13/6/1429هـ، ذكر أن: ( 35% من حالات الانتحار تكون بسبب أمراض نفسية وعقلية؛ كالاكتئاب والفصام والإدمان، وأن نسبة الانتحار تقل بين المتزوجين، وبين من لهم أطفال، وأن محاولات الانتحار تكون أكثر بين الإناث، وحسب الأمم المتحدة 90% من حالات الانتحار بسبب الكآبة. وأضاف أما موضوع الوازع الديني فيحتاج إلى تفصيل ). د ) حسب قناة دبي، برنامج قلم رصاص، للإعلامي القدير الأستاذ حمدي قنديل، بتاريخ الجمعة 13/3 /1429هـ، فقد ذكر في قائمة الإحصائيات في البرنامج: 109 حالة انتحار في السعودية خلال عامين. هـ ) ذكر الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي، في لقاء معه بقناة الجزيرة ، في برنامج بلا حدود: أن العجز واليأس والإحباط مشكلات نفسية تؤدي إلى العنف والعدوان والقلق النفـسي والاكتئاب والرتابة والخنوع واللامبالاة، وأشار إلى العنف تجاه الذات، وذكر أن سبب الانتحار في البلاد المتقدمة هو ( الاكتئاب )، أما السبب في البلاد النامية والفقيرة هو ( النواحي الاجتماعية والاقتصادية )، وذكر مذيع البرنامج الأستاذ أحمد منصور دراسات عن مـصر في عام 2007م، وذكر منها إحصائيات منشورة في صحيفة القدس العربي عن إقدام 55 ألف مصري على الانتحار، ونجحت 4000 آلاف حالة ممن أقدموا فعليا. و ) حسب صحيفة الحياة، 16/3/2009م ( ارتفعت محاولات الانتحار في الأردن ليصل إلى 400 حالة في 2008م بحسب إحصائيات صدرت عن المركز الوطني الأردني للطب الشرعي. ويرجع كثيرون أسباب الانتحار إلى الظروف الاجتماعية، والمعاناة العاطفية، فيما يعتقد استشاري الطب النفسي الدكتور محمد حباشنة أن 90% من حالات الانتحار في الأردن سببها الاضطرابات النفسية، وأن نسبة الانتحار لدى المصابين بالاكتئاب تراوح بين 15% ـ 20% من إجمالي الحالات، فيما تبلغ نسبة الانتحار للمصابين بالفصام العقلي بين 10% ـ 15% .. ). خلاصة القول: إن أسباب الانتحار كثيرة منها اجتماعية واقتصادية ونفسية، وليس فقط (عدم الإيمان بالدين )، وهذه مشكلة كبيرة لها أسبابها الكثيرة والمعقدة، لا يمكن اختزالها في غياب الوازع الديني وحسب. إن انتشار حالات العنف في الدول الإسلامية، ومنه ( العنف تجاه الذات ) و( تجاه الآخر ) يعطي مؤشرا قويا على أن السبب ليس غياب الإيمان، وإنما هناك أسباب أخرى لم يوليها المؤلف اهتمامه وعنايته. ص 70 نقل المؤلف نصا من كتاب ( الإنسان ذلك المجهول )، تأليف ألكسيس كاريل، ولم يـشر إلى الطبعة، أو اسم المعرّب في إحالته، وقد راجعت النص في الكتاب بتعريب شفيق أسعد فريد ص 54، وقد لاحظتُ تصحيفا في لفظتين: نقل المؤلف ( للنظرية الأولى )، وفي الكتاب الأصلي ( للنظرة الأولى )، ونقل المؤلف ( نحن المراقبون )، وفي الكتاب الأصلي ( نحن المراقبين )، منصوبة على الاختصاص. ص 71 تأثر الكتاب بألفاظ البحث الحوزوي، مثل قول المؤلف: ( لا قصور في المقتضي، وإنما القصور في القابل )، ومثل قوله ص55: ( فإن بعض الأمور تترتب على المقدمات ترتب المعلول علته )، وقوله ص23: ( كما قال المناطقة النتيجة تابعة لأخس المقدمات )، وقوله ص 12: ( إثبات الصغريات على نحو الاستقلال )، وهذه التعبيرات تشيع في الكتاب، وهذا أمر طبيعي لا ضير فيه باعتبار أن المؤلف من طلبة العلوم الدينية، ومن الطبيعي أن يتأثر بالمناخ الحوزوي في التعبيرات والألفاظ، ولكن بعد صدور الكتاب كان حري بالمؤلف أن يتخفف من الأسلوب الحوزوي في التعبير ـ قدر الإمكان ـ كي تصلَ الفكرةُ للقارئ في سهولة ويسر. • تكرر وقوع المؤلف في الكتاب ببعض الملاحظات النحوية، مثل: ص62 ( إن لنا تصديقان )، والصواب ( تصديقين )، وكذلك في ص63 ( إن لنا تصديق )، والصواب ( تصديقا ).. وهكذا !! • ينقل المؤلف ( أحيانا ) نصوصاً، ولا يذكر المصدر، وقد تكرر ذلك في عدة مواضع من الكتاب، مثل قصة الشيخ الأنصاري ص40، وعبارة ابن سينا ص 48، وعبارة السيد السبزواري ص49 ، وعبارة الأستاذ مرتضى مطهري ص55 ، وعبارة آية الله جوادي آملي ص60. • يستشهد المؤلف بأخبار وأحاديث كثيرة، ولكن لا يعلم مدى صحتها، ووثاقتها، ولا يدرى هل هي صحيحة أو ضعيفة، وهذا أمر غريب في بحث ( حوزوي أكاديمي )، والمؤلف على إطلاع تام على صرامة البحث العلمي سواء في الحوزة العلمية أو الجامعة، ومثال ذلك الحديث المنقول من كتاب بحار الأنوار 90/378، في ص 44: ( لتأمرن بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليسلطنَّ الله شراركم على خياركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم ). في كتابه مشرعة البحار 2/476 يقول الشيخ محمد آصف محسني: ( وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وفضلهما (97 :68) المعتبرة من رواياته ما ذكرت برقم 5 و 25، ومتنه محتاج إلى توجيه، واعلم أن روايات الباب أكثر من تسعين، فيصح أن نقسمها إلى ثلاث أو أربع طوائف.. وليس في بقية أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رواية معتبرة سندا ). وقال المحدث الألباني ( عن الحديث السابق ): الحديث ضعيف. هوامش: 1. أصل هذا الكتاب هو محاضرات ألقيت في الأحساء، ثم قدمت إلى رئاسة المركز الإسلامي للحوزة العلمية في قم؛ للحصول على أطروحة الماجستير بعنوان ( تجديد الخطاب الديني بين الحقيقة والأوهام ). 2. الحلقة الثانية توقفتْ عند نهاية المبحث الأول من الكتاب ص73، ربما أُتَمِّمُ بقية القراءة في حلقات تابعة إن شاء الله.
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|