01-04-2010, 01:18 PM | رقم المشاركة : 1 |
منتدى السهلة الأدبي
|
عدوى الحبِّ ــ حسن بن مبارك الربيح
عدوى الحبِّ حسن بن مبارك الربيح سأحاول أَنَّ أمرَّ على حالةٍ أسمِّيها: تراسل الحبِّ، أو بعبارةٍ أكثرَ دقَّة: عدوَى الحبِّ، وذلك من خلال وجهة نظر الشعراء قديمًا أو حديثًا. أغلبنا يتذكَّرُ بيت المنخَّل اليشكري الشَّهير: وأُحبُّها وتُحبُّني ............. ويُحبُّ ناقتَها بعيري إنَّ طريقته المضحكة في وصف حبِّه، تعكس تجربةَ ودٍّ عميقٍ متبادلٍ بينهما، لدرجة أنَّ بعيرَه وناقتَها قد أَلفا بعضَهما من كثرة زيارته لها، وطول المكث عندها، فكأنَّما هذا الودُّ المتبادل قد نقل العدوى إلى ما حوله من أحياء. أمَّا الأعشى فيصور لنا عدوى حبٍّ تنتقل من شخص واحد إلى آخر، لا من اثنين إلى اثنين كما هي عند المنخل، ولكنَّها عند الأعشى لا تصيب الآخر، فكأنَّ هذه العدوى ترجع إلى صاحبها فتزيده مرضًا: عُلِّقْتُها عَرَضا وعُلِّقَتْ رجلاً ......................غيري، وعُلِّقَ أخرى غيرَها الرجلُ وعُلِّقَتْه فتاةٌ ما يُحاوِلُها ......................من أهلِها ميِّتٌ يهذي بها وَهِلُ وعُلِّقَتْنيَ أخْرَى ما تُلائِمُني ...................... وأجْمَعَ الحُبُّ حُبًّا، كُلُّه خبَلُ وكلُّنا مغرَمٌ يهذي بصاحبه ...................... ناءٍ ودانٍ، ومخبولٌ، ومُختبِلُ هذه الشَّبكة المعقدة من الحبِّ سببها عدم البوح للمعشوق، بمعنى أنَّ العاشق يعيش الحبَّ مع نفسه فقط. يبدو أن مثل هذه الحالة تكررت لدى أكثر من شاعر، فلم يكن الأعشى الوحيد في هذا الحظِّ الَّذي يأتي ولا يأتي، فعديُّ بن الرقاع قال أيضًا: تَبِلتْكَ أُختُ بني لؤيٍّ إذ رمتْ ...................... وأصابَ نبلُك إذ رميتَ سواها وأعارها الحدثانِ منكَ مودَّةً ......................وأَعار غيرَك ودَّها وهواها وكذلك كثيّر عزّة يقول: ويعذبُ لي من غيرِها فأَعافُها ......................مشاربُ فيها، مُقنِعٌ لو أريدُها وأمنحها أقـصى هواي وإنّني ...................... على ثقةٍ من أنَّ حظِّي صدودُها ويقول آخر: جُنِنَّا على ليلى وجُنَّت بغيرنا ...................... وأخرَى بنا مجنونةٌ لا نريدُها وكيف يودُّ القلبُ من لا يودُّهُ ...................... بلى قد تريدُ النَّفسُ مَن لا يريدُها ونمرُّ في الكامل للمبرِّد على قصةٍ أقرب إلى التَّلهِّي منها إلى الواقع، ولكنَّ فيها شيئًا من حالات تراسل الحبِّ والانشغال بهذا التَّراسل، فقد كانت القصَّة تدور حول بيت نُصَيب: أَهيم بدعدٍ ما حييتُ، وإنْ أَمتْ ...................... أوكِّلْ بدعدٍ من يَهيمُ بها بعدي وقد علَّق المبرِّد: (فلم تجد الرواة ولا من يفهم جواهر الكلام له مذهبًا حسنًا، وقد ذكر عبد الملك لجلسائه ذلك فكل عابه، فقال عبد الملك: فلو كان إليكم كيف كنتم قائلين؟ فقال رجل منهم: كنت أقول: أهيم بدعدٍ ما حييت وإن أمت ...................... فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي! فقال عبد الملك: ما قلت والله أسوأ مما قاله، فقيل له: فكيف كنت قائلاً في ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال كنت أقول: أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت ...................... فلا صلحت دعدٌ لذي خلةٍ بعدي فقالوا: أنت والله أشعر الثلاثة يا أمير المؤمنين. لن أقف على مسألة أيهم أشعر وأيهم أسوأ قولاً؟، فتلك مسألة تعود إلى اختلاف نظرة كلِّ قائل في محبوبته، وهذا ما جعل الكاتبة الفلسطينية نسرين مغربي تقف موقفَ المدافع لبيت نُصَيب، وتكتب مقالةً كاملةً في إنصاف وجهة نظر نُصَيب في محبوبته، تحت عنوان "أَهيم بدعد"، فتقول: البيت لم يلق أي استحسان من قبل مثقفي ذلك الوقت, حرّاس القيم والمفاهيم السائدة, لسبب بسيط وهو أنه يتخلى عن المنطق الذكوري الشائع ويضع المرأة وسعادتها فوق حس الرجل التملكي, فهو بعد إعلانه الهيام الدائم لمحبوبته يقرُّ بأنَّ هذا الهيام عبارة عن خاصية داخلية ثابتة فيها, فهي تستحق أن تبقى مستهامة ومعشوقة طيلة حياتها, وليس طيلة حياة من يهيم بها, فهو مجرد عابر تعثر في طريقها ومن البديهي في حال غيابه أن تبقى محط إعجاب وهيام من الآخرين, لأنها قائمة بحد ذاتها. لكن كما أسلفت لم يلق هذا المنطق "الأعوج" استحسانا. ثمَّ تعلِّق على تعديل عبدالملك للبيت إلى ( فلا صلحت دعدٌ لذي خلة بعدي ): بعد هذه الفتوى الفحولية ومسح الجُوخ الجماعي الذي رافقها لأمير المؤمنين الناقد الحصيف, مقوّم كل اعوجاج, والباسط سلطته على رقاب المؤمنين والمؤمنات, كم بالحري رقبة "المفعوصة" دعد, أصلاً من تكون هذه الدعد لتبقى صالحة للحب والهيام بعده, يأتي بيت شعر "أمير المؤمنين" ليقول لها: "لقد انتهت صلاحيتك يا روحي بموتي, يجب إنزالك عن الرف لأنك أصبحت بضاعة فاسدة". لذلك من الطبيعي أن يشوهها بطريقته الخاصة ويدفنها معه, بقوله: فلا صلحت لذي خلة بعدي . ورغم هذا التخريج الجميل لبيت نُصيب من قبل الكاتبة، يبقى هناك مأخذ بسيط حول المفردة (أوكِّلْ)، ففيها سلب لاختيار المرأة، فالرَّجل هو الَّذي يختار من يهيم بعدها لا هي. بقي لنا أن نمرَّ على تراسل جميل يكون فيه الحبُّ متمازجاً مع كلِّ شيءٍ، فلم يكتفِ أمل دنقل بأن يكون عشقه مباشرًا وسطحيًا، بل يذهب في العمق: أعشق إسكندريةَ،.. وإسكندريةُ تعشقُ رائحةَ البحرِ،.. والبحرُ يعشقُ فاتنةً في .. الضِّفافِ البعيدةْ ! أمَّا عدوى الحبِّ عند محمود درويش، فهو الطَّرف المعدَى في المعادلة، ويستمر انتقال العدوى إليه حتى بعد أن يصاب من طرف ثالث ورابع وو..، معلِّلاً ضعف المناعة لديه، تعليلاً يتماشى ومرضَ القلب أمام غارات الفتنة عليه، يقول: فليس على الشَّاعر من حرجٍ إن كذب. وهو لا يكذبُ إلا في الحبِّ، لأنَّ أقاليم القلب مفتوحةٌ للغزو الفاتن. حسن الربيح
ذو الحجة 1430هـ
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|