العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 31-03-2010, 05:30 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي مفردة الجرح منطلق لـمـآرب أخرى ــ أحمد بن مبارك الربيح

مفردة الجرح منطلق لـمـآرب أخرى

أحمد بن مبارك الربيح


يقول الأستاذ جاسم الصحيح في قصيدته ( الحسين في زمن المسرحيات ):
هاك جرحي مثل الكواكب عاري
........................سطعت في سمائه أفكاري
لم أرقق حقيقتي بالمجازات
........................أنا العظم.. لعنة الجزار
من هنا.. من أناملي ينبت الرفض
........................وينمو في هيئة الأظفار
فافتح الجرح تبتدئ قصة الريح
........................وألقاك في مهب الحوار (1) :


صدر مؤخرا بنهاية سنة 1429هـ، كتيب خواطر حسينية للأستاذ عيسى مبارك الربيح، يحمل عنوان: ( انفراد الجرح بالخناجر )، وهي مفارقة لفظية تحاول أن تقارب بين موطن الألم ( الجرح ) وموقف العزة والشموخ، والكتيب في مجمله ينحو هذه الجنبة تقريبا، بداية مع العنوان حتى النفس الثامن عشر من نفثاته الحسينية.

والكاتب يتوكأ غالبا على عصا الجرح ومشتقاته، فلا تكاد تفتح صفحة من الكتيب أو على أقل تقدير فاصلة إلا وفيها نصيب لتلك المفردة، وعلى سبيل المثال: ( السلام على جراح الحسين ) ص 2، إلى ... ( حامل الجرح ) ص 3، ( وانفتح الجرح ) ص 5، ( ليرسموا جرح الحسين ) ص 19، ( أذان الجرح ) ص 56، ( خاتمة الجرح ) ص 70 ... ).

لذا فالورقة هذه تسعى لملاحقة مفردة ( الجرح )، وكيف صاغها الكاتب وصيرها ثيمة تختزل خواطره الحسينية تلك، وهل استفاد الكاتب من هذه اللفظة في توظيف المعاني التي يطمح إليها في كشف أبعاد أدبية تستقي إبداعها من ثورة الحسين (ع) الخالدة، وهل التقت تلك الأفكار والرؤى مع الخطوط العامة التي تستخلص منها أهداف تلك الثورة ونتائجها ؟!.

وقبل أن نبدأ مع الكتيب، سنأخذ جولة لغوية واصطلاحية لمفردة ( الجرح ) لفتح آفاق قد تخدم في استنتاجاتنا لاستعمال الكاتب لها.

الجرح: في اللغة كما في اللسان: الفعل، جرحه يجرحه جرحا: أثر فيه بالسلاح، وجرحه: أكثر ذلك فيه. والاسم الجرح، بالضم والجمع أجراح وجروح وجراح.

والجراحة: اسم الضربة أو الطعنة، والجمع جراحات وجراح، على حد دجاجة ودجاج. ورجل جريح من قوم جرحى، وامرأة جريح، ونسوة جرحى كرجال جرحى. وجرّحه: شدد للكثرة، وجرحه بلسانه: شتمه. وجرح الشيء واجترحه: كسبه. وجوارح الإنسان: أعضاؤه وعوامل جسده كيديه ورجليه، واحدتها جارحة (2) .

والجرح: الشق في البدن، أما الشق في الوجه والرأس فهو شجة.

أما الجرح: الطعن بما يمنع الاعتداد أو القبول، ومنه جرح الشهود لرد شهادتهم (3 ) .
والجراحة بالكسر: الجرح، وصنعة الجراح، وفرع من الطب يكون العلاج فيه كله أو بعضه قائما على إجراء عمليات يدوية مبضعية (4) .

والجرح: شق يخترق الجلد ويصل إلى الأنسجة الناعمة التي تحته كالأغشية المخاطية، والعضلة (5) .
أما بالنسبة إلى الكاتب فقد طرق مفردة ( الجرح ) في أغلب فصول الكتيب على النحو الآتي:

1.وانفرد الجرح بالخناجر:

"وانفتح الجرح..." هناك كانت البداية التي فجرت القضية، وكأنما جاء هذا الحدث نتيجة إرهاصات سابقة وتراكمات من الأحداث العصيبة وتقيحات عاشها المجتمع المسلم بعيد وفاة الرسول الأعظم (ص)؛ لإعادة المجتمع إلى الجاهلية وإلى عفنها لترتع جراثيم العصبية، فكان لابد لهذا الجسد أن ينتفض قبل أن يتسمم بالكامل بـ "الأحقاد الجاهلية"، فيصاب بـ"وصمة عار وفضيحة".

يحاول الجرح أن يتسع ويتسع ليستوعب كل هذه التغيرات وينكس كل أعلام الجاهلية التي رفعتها بنو أمية شعارا لها.

وأخالف الكاتب هنا بأن الجروح الموزعة على صدر الميدان لم تكن بذرة لجرحه، بل هي التي استزرعت دمها لتصاغ جميعها في النهاية إلى جرحه، فالأصحاب والأهلون صرعوا قبله، فكان جرحه خاتمة الجروح ( روحي له الفداء ).

2. أوراق سوداء لتقويم:

رؤية سوداء تتناول الجانب المأساوي، "وجرح ينبثق" يجدد الأعوام بالحزن تحت "خيمة عزاء وندبة لأيام الحسين"، وكأنما الكاتب افتتح العِبرة المتمثلة في الثورة على الجاهلية الأموية، وألحقها تباعا بالعَبرة الساكبة التي تفرض دمعها على كل عاشوراء وكل كربلاء، إذن الجرح ليس مجرد أوراق تقويم نمزقها، بل هو طقس الاغتسال بدموع الحزن للدخول إلى العام الجديد على اسم الحسين.
"العام يصرخ يريد سنة الستين للهجرة، ليلبس أيامه بخضرة النبوة"، هذا المقطع لم يكن دقيقا في تحديد السنة والتي هي الواحد والستون للهجرة، وكذلك خضرة النبوة لم يكن انعكاسها موفقا على الأيام.

3. قافلة الحسين.

4. عرس الصحراء:

في هذا المقام تبدأ مقدمات الصلاة الحسينية إيذانا ببدء الرحلة، فقد "أذنت الجراح: حي على كربلاء"، مبينة الهدف الأسمى الذي ثار من أجله الإمام الحسين (ع) المتمثل في الصلاة، والمتضمن: القرآن، والحج، والصوم والجهاد.

هذه الصلاة الحقيقية التي من شأنها أنها ( تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) (6) ، المتمثليْن في الذئاب "التي تمزق القرآن وتنهش أجنحة الخيام الملائكية"، وبفضل هذا الجرح الوحيد المعلق على سور الزمن "لاقت حتفها بطعنتها البائسة".
أما بالنسبة إلى "الاخضرار النابض بالحزن والدمعة"، فليس له محل من الإعراب في ظل هذا التوجه الروحي في الصلاة الحسينية.

5. يوم يمتد كأبدية:

هنا بدأت الصورة ترسم من جرح الحسين (ع)، وتتوضح معالم اللوحة الخالدة الأولية: رمال، سماء، وطن، أطفال، والتي كانت "صامتة" فتنفست جراح الحسين من "غرس العزة والكرامة"، وقطفت ثمارها فكان صوتها ( أمة ) هدم صروح الشيطان.

تتناغم جميع عناصر اللوحة وتتكامل حينما كتب الحسين الملحمة بجراحه، وهي كتبتها أو رسمتها بكلماتها أو بألوانها، في يوم واحد اختصر الخلود الكربلائي في نوري ( الحسين وزينب ).
ونلحظ هنا أن النهاية لا تتسق مع المضمون الأولي الذي بدأ به الخاطرة، فهو مثلا يقول: " يا ( جرح الحسين ).. كيف أدرْتَ هذا اليوم.. ليكون المدار، وأنت المحور ؟!"، ويختم بقوله: " أفيقي يا جراح فينا.. وضمّدي جرحنا الذليل، وكسرنا العليل.. ".

وهذه ملاحظة عامة نلمسها في أغلب الخواطر، فغالبا ما يجنح الكاتب إلى الحزن والذل والانكسار في الأخير بصورة تخفف من جرعة الفيض الكبريائي الكربلائي الذي بدأ به.

6. الحسين وحيدا:

شيئا فشيئا يتحسس الكاتب الأسباب، ويشق عن غبارها الآن من خلال سبره للداخل، فمضافا إلى ما كان عليه المجتمع من ارتضاء الظلم والسير في ركابه كسبب خارجي، هناك أيضا اختبائتنا "بما تبقى لدينا من جحور الذل والهزائم"، كسبب داخلي من باب محاسبة الأنا الجمعية.

إلا أن الصورة هنا شبه غائمة، فالكاتب يسقط كل ما حدث للحسين (ع) علينا، فنحن من ترك الحسين وحيدا، ونحن حبسنا الماء عليه، ونحن من شق قلبه...، ونتساءل هنا: هل إغراق الدموع والصراخ والعويل كافٍ لهذا الإسقاط غير المبرر والمعمم كذلك، فأنت لا تدرك المعنيين بهذا الإسقاط إلا من حينما تصل: فلسطين، والعراق، ولبنان. وحتى هؤلاء المسئولين عن ويلات تلك البلدان غير محددين، فهل هو الشارع العربي، أم المجتمع الإسلامي، أم الحكام ؟.

لقد علق الكاتب إسقاطاته على ما درجنا على ترديده: ( يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما )، ولكن الرابط ضبابي التوجيه، فهل هو خاص فتوضع الحروف على النقاط، أم هو عام فيندرج المتفرج والرامي والرافض في سلة الخيانة، وهذا فيه هضم واضح حتى للجيل، الذي حكم عليه مسبقا بأنه سيقتل الحسين من جديد، ويبقى الحسين وحيدا من جديد، ربما كان هذا من قبيل إياك أعني واسمعي يا جارة، ربما.

7. خاب ظنك أيتها الطعنة:

قطع الكاتب شوطا لا بأس به، وهو لمّا يزل يستعرض الجرح، وكأن عوامل التجلط ليس لها أدنى تأثير عليه، فهو لن يجف وسيسيل كطوفان نوح، وهنا عودة لتمزيق الوهم المكثف على الطعنة، وأنها ليست ذات بال قدام هذا النزف المقدس حتى لو غاصت فيه، فستركس خناجرها حد الصدأ.
وتبدو هنا فترة في تركيز الكاتب، فهناك أفكار صيغت أكثر من مرة، وتجاور لفظي زائد عن الحاجة، ففكرة شق رداء النبوة مكررة عند تلاوة النبوة، وغرابة في صورة "دورتنا الدموية هي لخيول الحسين"، وألفاظ مثل: السكون، النوم، الذل الخنوع، وبعدها: ذل، خنوع، خضوع، جاءت هكذا بلا تركيز.

8. يوم ولد فيه كل لحظة جرح:

امتداد لما تقدم، ولكن بصورة مشرقة ومتقنة إتقان خياطة كربلاء كسوة لكعبة الحسين، ميلاد الجراح هنا تأخر، فهو قد ولد منذ أن انفتح الجرح في الفاصل الأول، إلا أن الكاتب تلافى ذلك بدعوى تناسل الجراح مؤكدا هزيمة الطعنة/ الموت المحتم، أمام الميلاد الخالد.

9. دموع تسقي عطش الجرح:

رسالة واضحة وصريحة يقدمها الكاتب هنا إلى الآخر، كون القاسم المشترك بينه مع "الجيوش الجرارة" في كربلاء هو محاربة المحرم، وكأنما الوضع مصداق لقوله تعالى: ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ) (7) ، فالآخر الآن يعيد "الحقد على الحقد والحرب فوق الحرب"، من غير أن يستفيدوا مما وقع فيه قومهم، فها هم يسيئون قراءة "حروف الجرح" بالعناد وبصنمية يزيد، وبالطبع ستكون نتيجتهم ذاتها: العودة إلى المشنقة المنتظرة " على أحر من هزيمة".

في نهاية المطاف يقدم الكاتب نصيحته للآخرين من خلال الدموع، فهي تعبر عن لحظة الاعتراف، وتكشف الحقائق: حقائق "الثورة والانتصار والخلود".

10. ليت فلسطين كربلاء:

ضمن الإطار السابق يتمنى الكاتب على فلسطين السير في ركاب كربلاء؛ "ليضاء الجرح بفتح قريب"، ويلقي على كاهلها الثقل الكبير لرموز التضحية والفداء: العباس، الأكبر، القاسم، العقيلة، الأطفال، ليكونوا القدوة على كافة الأصعدة، كل فيما عرف عنه من جانب مضئ.

وبقدر الاستضافة الكربلائية التي قدمها الكاتب لفلسطين، بقدر ما عتب على "الليالي الطويلة المسلوبة" و"الخريف المجنون" الذي لن ينفك إلا بصبح كربلائي قريب.

11. العراق الجديدة/ القديمة:

يتسع الجرح والألم مجددا، مثلما كان قديما ليصل إلى زمن البدء من العراق بعد أن انطلق من العراق، ولكنها انطلاقة بائسة تتأرجح بين كفتي الكرب والبلاء، فالجراحات تنزف ولا من مضمد/ أو حسين آخر، ليس فيها إلا "يزيد ينسل اليزيديين"، وهذا إسقاط غريب، فهل يقصد الكاتب العدو الأجنبي المحتل، أم المتواطئين مع هؤلاء الغزاة، فالسلالة محلية كما هو واضح هنا !.

تتكثف كل المعاني السلبية وكلمات الهوان والصغار في المشهد العراقي لدرجة أن النخيل الذاوية تهزأ من تاريخه في حضن سيدها الموت، لا لشيء إلا لتكون بذورا للجراح، "للحظة الخلاص المنتظرة" من الحسين الجديد، والكربلاء الجديدة.

12. لبنان الحسين الجديد:

13. جرح يسيل من سلالة الجرح:

ذكرنا فيما سلف أن الكاتب تولد للجراح فكرة التناسل على مستوى المعنى والشخوص، وقد أسقط على ذلك أفكارا وأشخاصا لما بعد كربلاء حتى عصرنا هذا، حتى تكوّن لكربلاء/ الجرح سلالة: ( أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء % تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (8) .
وارتباطا بالجرح العراقي في نسخته الحديثة أعلاه، يبرز دم شهيد المحراب الحكيم ملطخا بأيدي الخيانة ذاتها التي لا تتورع عن هتك "أستار الكعبة" وتلوثها بدم الكرار والحسنين من جديد، يستعرض الكاتب بصورة خاطفة إلى محاولات الاغتيال التي تعرض لها السيد قبل ذلك، ويفسرها على أنها ليست شخصية بقدر حلول الهدير الحيدري والإباء الحسيني في الدور الذي كان يتقلده، لقد "حصدوه مع جده الحسين" و "مع جده الكرار"، ومجددا يقع التفكير نفسه لطيور الظلام في الشرك ذاته، فهم لم يعلموا: أن القتل لهم عادة وكرامتهم الشهادة، ويظل يفتح هذا الجرح من جديد "يكمل الحروف إلى آخر سطر، بعد الفتح والانتصار".

وهنا ملاحظة بسيطة، فالكاتب يشير إلى "السبعين كما حصدوها مع جده الحسين"، وأظن أن الرقم يحتاج إلى فك شفرة في الهامش، فما المقصود به وإلى ماذا يشير ؟.

14. آذان الجرح:

لاشك أن الحق أبلج ولا يعلى عليه، إلا أنه في الوقت ذاته يحتاج إلى إعلام يستكنه زواياه المختبئة خلف زيف المتشدقين، ليخرج الصوت رغم الضجيج، صوت الحسين الخالد الدكتور الوائلي، وما من شك أن حنجرة الشيخ قد مسرحت للأجيال "المنابر بكواكب السماء" لنصف قرن من "الاعتكاف عند الجرح"، لا لشيء إلا لتعيد استزراعها ملحمة في النفوس الأبية، بعد أن تقمصت الآذان تدعو إلى الصلوات والطقوس الحسينية.

ولا شك أن الجزاء من جنس العمل، فالخلود الذي تشرف بالحسين، ها هو يلقي بردة الوفاء على اسم الوائلي وعلى صوته الهادر الحاضر وعلى منبره الدائم، ليتحد "مع الحسين وجرحه".
وكما هو ملاحظ على الكاتب فيما سلف، هنا مثال آخر للتراكيب غير الناضجة والتي تحتاج إلى إكمال الجزء المفقود، فهو يقول:
"نصف قرن تحمل الجرح، وتخمره بالأبجدية..."، "فمزقتهم حروفك صليبا تلو الآخر"، فأنت تحتاج هنا كمتلقي إلى عصف ذهني حتى تصل إلى المحصلة التي يرمي إليها الكاتب !.

15. بل أحياء:

في المقطوعة الشعرية تتراص الحزم الضوئية لتكشف عن الشهادة كمبدأ يبزغ من خلال جراح الصبح "فوق جباهم" و "فوق دمائهم" أي الشهداء، الصبح الذي يعني بداية صحو ليوم جديد على أنقاض درب عبدته النحور حينما " سقط الشهيد على الشهيد".
إذن هنا إجمال للجرح في معنى الشهادة، وإجمال للشهادة في جرح الحسين، فمنه المبتدأ وإليه المآب، وكل ما لدى الشهداء من دماء وحياة ما هي إلا قطرة من بحر الجرح الحسيني، وهنا تتخذ الشهادة أهميتها وخلودها.

نأخذ على هذه المقطوعة الشعرية أنها لا تكاد تفرق عن أصل الخاطرة إلا بالرصف الشعري، وكأن أسلوبها قريب إلى الخاطرة أكثر منه إلى اللحظة الشعرية والتدفق الشعوري، وكان ينبغي له أن يدرجها ضمن الخيال السردي في قالب الخاطرة، فليس لها محل من الإعراب، بمعنى أنها لا تقدم ولا تؤخر شيئا في السياق العام للخاطرة، وهذه مجرد وجهة نظر.

16. خنجر في مواجهة الشهادة:

تتشكل علامات نهاية المشهد في صورة أخرى، وتتبدى خيوط ستارة الإقفال من خلال "قيامة الشهادة"، وتستجمع الصور التي تفك رموز العقدة والتكثيف السابق على النتائج المستفادة. فالخنجر "يقبر في اليد التي رمته"، والضلوع " تتفرع أغصانا تلو الأغصان"، واخضرار "يمتد للآفاق".
نهاية محزنة دراماتيكية عند "حديقة النبوة وجناح الزهراء وحنجرة الكرار" مع التحفظ للحنجرة هنا، فهي غير متناسقة مع الصور التي قبلها، إذ كيف لهذه الحنجرة أن "تظلل الأجساد الزاكية"، ولكن ختامها شرر يلسع المقبض المرتجف الممسك بالخنجر/ الخيانة، ولات حين مناص، حتى التمني لا يجدي نفعا بـ "يا ليتني كنت ترابا" بالنسبة إلى الخنجر، والذي ربما يتحدث عن شخص ما، أو ربما عن "غزاة النار والاحتراق"، فالكاتب جعل الرابطة مفتوحة العقد هكذا.

17. جراح في حضرة الموعود:

تنزل الستارة شيئا فشيئا، تخفت الأضواء على جلد الذات ونوم السيوف "في متاحف العصر الحديث"، إلا من بصيص من انفتاح، وحسيس من حرف، ونجاوى من إلهام لسيد هذا الزمن المقهور، الإمام الموعود ووارث الجرح والذي على يده المباركة سيقوّم ما اعوجّ فينا من جراح وما ظل منه في مسيره، حتى لو لم يبق من الدنيا إلا ساعة من جراح.

18. خاتمة الجرح فاتحة النصر والخلود:

مثلما انفتح الجرح في البداية، ها هو الآن في نهاية المطاف والستار يسدل ينفتح كذلك، ويخترق السارق/ الخنجر وتنتصر الفضيلة.

مشكلة الذين طعنوا جرح الحسين أنهم نسوا أو أنساهم الله أن يغلقوا الجرح، "فظل يسيل وينهمر كمطر"، " ويجوب شوارع الكون وبراريها وبحارها وآفاقها". فكان الصباح وكان الشمس بل كان الموسيقى الكونية التي أخذت تصهل "في كل ميادين التاريخ". وهذه قمة الخلود، وصدق الشاعر الوائلي إذ يقول في قصيدة ( أبا الشهداء ):
تمجد قوم بالخلود وإنني
........................رأيت بمعناك الخلود مخلدا (9)

وخلاصة الورقة ونهاية ملاحقتها تنتهي إلى أن الكاتب تنوعت استعمالاته لمفردة ( الجرح )، وطرق عديدا من المعاني التي يريدها، أو التي سحبها على حسب ما تقتضيه الخاطرة، قد يكون قد بالغ في بعض المعاني، إلا أن ذلك راجع إلى انطلاق خيال الكاتب وتجنيحه إلى ما هو محسوس أو إلى ما وراء ذلك، وإن كان ذلك مغطى باللف والنشر المشوش.

ويمكن لنا أن نجمل تقسيمات الجرح حسب استخدام الكاتب كمعانٍ في عدة أنواع، وذلك حسب طريقة الأحداث وكمية التشخيص إلى ثلاثة (10) :

1. جرح نظيف:
وهو "النزف المجيد" الذي هدر من جرح الإمام الحسين (ع)، وهو جرح لا يحتوي على أي نوع من الجراثيم المرضية، بل على العكس ففيه مضادات حيوية حياة دم الشهيد، ولا يسبب أي مضاعفات رغم عدم التئامه، حيث يعتبر كنهر يمد شرايين الحياة بالعطاء والخلود، حاله حال جروح العمليات الجراحية، التي تبرر قسوة مبضع الجراح في سبيل التخلص من العلة المرضية واستئصال الورم السرطاني الخبيث الذي سوف يمتد ليحرق اليابس قبل الأخضر، ليخرج "الجرح مبجلا بالانتصار" بعد تلك العمليات.

ويندرج تحت هذا التصنيف عدة أمثلة من الجراح، منها: " الجرح الوحيد/ الأمة من الجراح الثائرة" والذي ظل "معلقا على سور الزمن".

وفلسطين الجريحة كذلك لكن شريطة أن تحمل كربلاء في جرحها "ليضاء الجرح بفتح قريب".
والعراق حينما "تتسع جراحاتها وآلامها وتمتد خيام الحزن في بقاعها".

وسليل الجرح الشهيد الحكيم هو الآخر وضع "الجرح على كفيه" ليظل مفتوحا إلى آخر سطر، والشيخ الوائلي جرح سجد لدعاء الحسين، وأخيرا مضمد الجراح الكسيرة السيد المنتظر (عج).

2. جرح ملوث:
يحتوي على عدد من الجراثيم المرضية، يتمثل في أولئك الرعاع الذين ساروا في ركاب الظلم، وأعانوا عليه، وعادة ما يكون هذا الجرح نتيجة الحوادث والبلاءات التي تمحص، وذلك حسب الوصف الذي ذكره الحسين (ع) في خطبته:

( فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما، إن الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون ) (11) .

ومن المصاديق الأخرى لهذا الجرح: سيوف الحقد التي نحرت الزهور فتلوث الجرح منها فهي غير معقمة الخطو. والطعنة الخائبة ذات الخناجر الصدأة هي كذلك ملوثَة وملوثِة، وبحسب تعبير الكاتب "الطاعن المطعون" أو "النازف المنزوف" فالمقصود هنا من الجرح هو جرح الطعن/ الخيانة. كذلك الذين "يحاربون خريطة الجرح: كربلاء، بكومات الجيوش الجرارة" مثال آخر، والخنجر الذي كان في مواجهة الشهادة والذي تورط بالطعن واشتبك بالجرح النظيف"، لكنه غرق في تلاطم السيل الدموي"، "فنسيه الزمن".

أولئك جراح لم تجد المعالجة فيها، فظلت تحت وطأة الجرثمة تأكل لحمها بأضراسها.

3. جرح متقيح:
يحتوي على عدد كبير من الجراثيم المرضية التي تؤدي إلى تلف الخلايا البشرية المجاورة للجرح، ويحتوي هذا الجرح على خراج هو الظلم والاستبداد، وعادة ما يستغرق فترة أطول لكي يلتئم، وقد يؤدي إلى الوفاة والموت بشكل وبائي، وهذا الجرح الوحيد ليس له تطبيق إلا في الصنمية اليزيدية "وصنمية كل اليزيدين" ، والتي كانت منشأ لكل تلك المصائب التي جاءت في الجرح الملوث، وعدت على الجرح النظيف، ( وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (12) .

هذا والحمد لله رب العالمين.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

الهوامش:

(1) أعشاش الملائكة، المؤلف: جاسم الصحيح،ص 231، الطبعة الأولى 1425هـ، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ــ لبنان.
(2) لسان العرب، المؤلف: ابن منظور، الجزء: 2، ص 422 ــ423، سنة الطبع: محرم 1405هـ، الناشر: نشر أدب الحوزة، قم ــ إيران.
(3) معجم ألفاظ الفقه الجعفري، المؤلف: الدكتور أحمد فتح الله، ص 140، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1415 ــ 1995م، المطبعة: مطابع المدوخل ــ الدمام.
(4) المعجم الوسيط، المؤلف: د. إبراهيم أنيس ورفاقه، ج 1، ص 115، الطبعة:2، 1392هـ مجمع اللغة العربية.
(5) المبادئ الأساسية في التمريض، المؤلف: أحلام فرج ورفيقاتها، ص 288، دار السلام الطبعة الأولى 1414هـ.
(6) سورة العنكبوت، آية رقم (29/45).
(7) سورة الانشقاق، آية رقم (19).
(8) سورة إبراهيم، الآيتان (24 ــ 25).
(9) الديوان الثاني من شعر الشيخ أحمد الوائلي، ط1، دار الكتاب الإسلامي، بيروت لبنان.
(10) أخذ التصنيف على حسب كمية الجراثيم ضمن أنواع الجروح عن كتاب: المبادئ الأساسية في التمريض، المؤلف: أحلام فرج ورفيقاتها، دار السلام، ط.1، 1414هـ، ص 288.
(11) تحف العقول، المؤلف: ابن شعبة الحراني، ص 245، ط الثانية ــ 1404هـ، مؤسسة النشر الإسلامي ــ قم المشرفة ( اسطوانة مكتبة أهل البيت "ع" ).
(12) انفراد الجرح بالخناجر، المؤلف: عيسى مبارح الربيح، ط1، 1430هـ
(13) سورة التوبة، آية (32).

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 08:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد