العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 17-03-2010, 11:54 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي ( أبرز النسخ القرآنية عبر التاريخ ) عبدالله بن محمد الشريدة

أبرز النسخ القرآنية عبر التاريخ
استعراض لأهم النسخ القرآنية، من حيث قيمتها التاريخية، وجودة كتابها، وإخراجها الفني


يُعد فن إخراج المصحف الشريف من أهم الفنون الجميلة منذ القرن الأول الهجري وحتى العصر العثماني، حيث لم تكن الطباعة معروفة آنذاك، فكان المصحف الواحد يشترك في إخراجه مجموعة من الفنانين يعملون لأكثر من عام في زخرفته وتذهيبه وكتابة آياته بالخط العربي بأشكاله المختلفة،ومن ثمَّ تجليده تجليداً فاخراً.

وبالرغم من هذا الاهتمام الكبير إلا أن بعضاً منها فقط حصل على شهرة كبيرة وواسعة، فحفظت في مختلف المساجد والمتاحف ودور الكتب والمؤسسات، فمنها ما هو مكتمل النص القرآني من بدايته وحتى نهايته، ومنها ما وجد أجزاء منه فقط، وآخر لم يسلم منه إلا وريقات متفرقة.

ولعل المعرض القرآني الذي أقيم في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك عام 1387هـ بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً على نزول القرآن الكريم، في أكبر قاعة دار للكتب والوثائق القومية بجمهورية مـصر بالقاهرة، يعتبر هو أحد أفضل من اهتم وعرض المخطوطات القرآنية بالعالم الإسلامي، فقد ضم العديد من المصاحف منذ أيام النبي (ص) وحتى تاريخ إقامته (1)، يرجع بعضها إلى القرن الأول الهجري، كتب بعضها على جلد الغزال، والآخر كُتب على قطع عريضة من عظام الجمال، بينما تميزت المصاحف المملوكية المعروضة والتي خُطت بأروع الخطوط وزينت بالذهب الخالص بشيء من التميز من حيث الإبداعي الخطي والزخرفة السحرة.

ويمكننا أن نُقسم قيمة المخطوطة القرآنية إلى ثلاث أقسام:

القسم الأول: ما اكتسبت قيمتها وشهرتها من عظمة كاتبها ومقامه الديني ومكانته التاريخية.
القسم الثاني: ما اكتسبت قيمتها وشهرتها من مدى إتقان ودقة الخطاط الذي قام بكتابته.
القسم الثالث: ما اكتسبت قيمتها وشهرتها من روعة الإخراج الفني الذي تميزت به.

القسم الأول: مصاحف خلدها التاريخ لعظم شخصية من كتبها:

1.مصحف الخليفة الثالث عثمان بن عفان:

اكتسب مصحف الخليفة عثمان بن عفان قيمته كَونه المصحف الرسمي للدولة في عهده، حيث قام بإتلاف وإحراق المصاحف الموجودة لدى الصحابة آنذاك (2)، وأمر بنسخ مصحفه الذي تبناه وأرسلهُ إلى أمهات العواصم في ذلك الوقت، وعرفت هذه النسخ الست بـ ( المصحف الإمام ).

وقد كُتب على بعض النسخ بخط كوفيٍ قديم: ( إن هذا المصحف الشريف كتبه الإمام الشهيد ذو النورين أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إملاءً من أفواه الصحابة القُراء في عـصره، الذين أخذوا القرآن الكريم عن رسول الله (ص) ). ويعتبر هذا المصحف من أقدم المصاحف الموجودة حالياً، ويوجد منه عدة نسخ.

خمس نسخ منها بتركيا: أربعاً منها موجودة في مكتبة أمانة خزينة ملحقة بطوب قبو سراي في استانبول، مكتوبة بالخط الكوفي، وقد أُحيطت أسماء السور بزخارف ملونة ومذهبة، تقع إحدى هذه النسخ من المصاحف في أربعمائة وثلاثة عشر ورقة، بقياس 46×41سم، وفي كل صفحة ثمانية عشر سطراً.

النسخة الخامسة: موجودة بمتحف الآثار الإسلامية باستانبول، ظهرت على بعض حروفه حركات الإعجام(3) في شكل خطوط رفيعة، وقياس هذه النسخة 32.5×23.5سم.

النسخة السادسة: موجودة في المشهد الحسيني بالقاهرة، وتتضمن أثناء عشر سطراً في كل صفحة.

النسخة السابعة: موجودة في دار الكتب المصرية، وهي نسخة قديمة جداً، وتُعرف بمصحف عثمان.

النسخة الثامنة: والمعروفة بـ ( المصحف السمرقندي )، والموجودة بدار الكتب القيصرية بطرسبرج حتى عام 1918م، نُقلت في حفلٍ مهيب إلى ما يسمى بالنظارة الدينية،، ثم نقلت مرة أخرى إلى طشقند، وفي منتصف الستينيات أُهديت إلى الرئيس الراحل ( جمال عبدالناصر )، نـشرت جمعية الآثار القديمة المصرية خمسين نسخة مصورة عنها على يد الخطاط المصور الروسي بلوسافيكس.

والمصحف السمرقندي هذا مكتوب على الرق، بقياس 68× 53 سم، وعدد ورقاته 353 ورقة، وهو خال من النقط والشكل والتزيين ومكتوب بخط كوفي محقق رصين، وكل صفحة من صفحاته تحتوي على اثني عشر سطرًا.

النسخة التاسعة: عُثر عليها في إحدى أروقة جامع الأزهر، وتعتبر من أنفس النسخ، حيث تبيَّن بعد التدقيق والفحص الجيد أنها إحدى النسخ التي تكلم عنها المقريزي(4)، وهو نفسه المصحف المتواجد بين يدي الخليفة عثمان يوم استشهد، والمستخرج من خزائن الخليفة المقتدر، فأخذه أبو بكر الخازن وجعله في مسجد عمر بن العاص بمصر.

تم عرض هذه النسخة بالمعرض القرآني المصري بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً على نزول القرآن، وكان من أهم خصائص هذه النسخة ترتيب السور وتنسيقها، وهو مكتوب بخط كوفي قديم، تتسع فيه الصفحة لأثني عشر سطراً، مكتوب على ورق غزال مائلة للبياض، وحجمه كبير، ويلاحظ خلوه من النقط والشكل.

2.مصحف الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع):

توجد منه سبع نسخ محفوظة ومخطوطة بالخط الكوفي.
النسخة الأولى والثانية: موجودة بتركيا، إحداها موجودة بمكتبة نور عثمانية في إسطنبول، وهو مصحف مكتوب بالذهب، وأحرفه مسورة بمداد أسود على رَق مستطيل الشكل. أما الأخرى فموجودة في متحف طوب قبو سراي باستانبول، وعدد أوراقه مائة وسبع وأربعون ورقة، كل ورقة تحتوي على سبعة أسطر، بقياس 18×12.5سم، كتب الرق المبشور(5)، وهو مشكل باللون الأحمر والأخضر، كتب في آخره: وكتبه علي بن أبي طالب.

النسخة الثالثة: موجودة في مكتبة الإمام يحيى في صنعاء باليمن.

النسخة الرابعة: موجودة في مكتبة رضا رامبوا بالهند مكتوبة على 343 ورقة.

النسخة الخامسة والسادسة: موجودة في خزانة الإمام الرضا بمدينة شهد بإيران، النسخة الأولى منها مكتوبة على الرق، وقد أوقفها الشاه عباس الصفوي عام 1008هـ، وهي نسخة غير منقوطة، ولا مشكولة، ولا رؤوس آيات.

وأما النسخة الثانية للمصحف الشريف والتي تحتفظ بها خزانة الإمام الرضا بمشهد فهي نسخة مكتوبة على رقٍ أيضاً، مع وجود علامات الإعراب والإعجام بألوان مركبة، وقد ذهبت الصفحة الثانية والثالثة منها (6).

النسخة السابعة: موجودة في خزانة الروضة الحيدية بالنجف الأشرف، وقياسها 18×12سم، مكتوبة على جلود مصقولة، وبه شكل للحركات وعلامات للعشور، وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة أربعة عشر سطراً، كتبت أسماء السور فيها بماء الذهب، وجاء في آخرها ما نصه ( كتبه علي بن (أبو)
ـ كذا في النص ـ طالب سنة أربعين من الهجرة ).

3. مصحف الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع):

نسخة فيها نقص من أولها وآخرها موجودة في مكتبة دار الكتب الرضوية في مشهد، ونسخة ثانية مكتوبة بالخط الكوفي على جلود مصقولة، وموجودة في الروضة الحيدرية بالنجف الأشرف.

4.مصحف الحسن البصري:

نسخة بالخط الكوفي الدقيق على جلد غزال، غير منقط ولا مشكل ولم تكتب به أسماء السور ولا عدد الآيات، تحتوي الصفحة على ثلاثون سطراً، وحجمه صغير، في آخره النسخة: ( كتب بخط أبي سعيد الحسن البصري سنة 77 هـ )، وهو مجلد بغلاف من خشب الصنوبر، وفي أوائل آياته حليات ونقوش ذهبية، محفوظ بدار الكُتب في جمهورية مصر.

5.مصحف الإمام الصادق (ع):

نسخة مكتوبة بالقرن الثاني للهجرة بالخط الكوفي على ورق غزال، وهو مجلد بقطع من خشب الصنوبر.
في أوائل السور والآيات حليات ونقوش ذهبية، وهذه النسخة موجودة بمكتبة رضا رامبو بالهند، وهنالك نسخة أخرى محفوظة في دار الكتب المصرية.

القسم الثاني: مصاحف خلدها التاريخ لعظمة من قام بكتابتها خطياً:

1.مصحف الخطاط محمد بن علي بن الحسين والملقب بـ ( ابن مقلة ):


أبو علي بن محمد بن علي بن الحسين بن مقلة، ولد في بغداد يوم عام 272هـ، الوزير المشهور، لقبه ابن مقلة نسبةً لاسم أبيه ( علي ) كما يذكر ذلك ياقوت المستعصمي.

نبغ في الخط العربي وبلغ مرتبة عالية في فنه، إلى أن انتهت إليه جودة الخط وحسن تحريره، وضع القواعد المهمة في تطوير الخط العربي وقياس أبعاده وأوضاعه، ويعتبر المؤسس الأول لقاعدتي الثلث والنسخ، وعلى طريقته سار الخطاطون من بعده.

تولى أول أمره بعض الأمور الإدارية في الدولة فولي بعض أعمال فارس يجبي خراجها، ثم عاد إلى بغداد يخدم في بعض الدواوين، إلى أن عرفه أبو الحسن بن فرات، فرفع من قدره وحسن من أحواله، فعُرف واشتهر.

كتب رسالة بين فيها وجوه تجويد الكتابة، وضع فيها معايير لضبط حروف الخط العربي، فناسبها بشكل هندسي متقن ومجود، إن زادت عنها أو قصرت ظهرت عيوب وسماجة الخط واضحة للعيان.
كما أحكم خط المحقق، وأبدع في خط الرقاع وخط الريحان، وأنشأ خط النسخ، وأدخله في دواوين الخلافة، كونه وزيراً لثلاثة خلفاء(7).

ذكره الجياش في موسوعته(8) بقوله: ( خطاط بغدادي، مُبدع، اشتهر بأنه أكتب أهل زمانه في قلم الدفاتر والنسخ، وضُرب بخطه المثل. وُلِدَ في بيت علم وفن اشتهر بخطاطيه، أخذ الخط عن أبيه وعن إسحاق بن إبراهيم البربري، الأحول المحرر، فجوّده وتعمق فيه، حتى استطاع هو وأخوه أبو علي أن ينقلاه نقلة فنية عظيمة ).

وتحدث عنه ياقوت الحموي(9) فقال: ( وهو المعروف بجودة الخط الذي يضرب به المثل، كان أوحد الدنيا في كتبه قلم الرقاع، والتوقيعات، لا ينازعه في ذلك منازع، ولا يسمو إلى مساماته ذو فضل بارع ).

كتب ابن مقلة عدة مصاحف، نسخة موجودة في مكتبة رضا في رامبوا بالهند، وهي نسخة نادرة جداً بالخط النسخي القديم، كتبها في مائتين وخمسة عشر ورقة.

والنسخة الثانية كتبها عام 308هـ، وموجودة بدار الكتب المصرية، وهي نسخة محلاة بالذهب.
أما النسخة الثالثة فهي بالقلم الكوفي والنسخي معاً، وتحتوي على عدد ثلاثمائة وسبع وثلاثين ورقة، من الورق القديم جداً، وموجودة في متحف هراة بأفغانستان. توفي ابن مقلة في عام 328هـ.

2.مصحف الخطاط علي بن هلال الملقب بـ ( ابن البواب ):

هو أبو الحسن علي بن هلال المعروف بـ ابن البواب، ولد عام 350هـ، ويرجع لقبه إلى والده الذي كان يعمل بواباً ببيت القضاء ببغداد. قرأ القرآن الكريم وتفقه فيه، كما أتقن فنون اللغة العربية بشتى صنوفها على يد اللغوي الشهير عثمان بن جني، وكان تتلمذه بالخط العربي على يد التلميذ الأول للوزير ابن مقلة ابن أسد الخطاط المعروف آنذاك.

نشأ ابن البواب محباً للخط منذ نعومة أظفاره، وكان به ميل شديد وشغف خاص، ذاع صيته بعد إتقانه لقواعد ابن مقلة، فقلدها ثم جودها وحسنها وأبدع في أوضاع وأبعاد الحروف منها، فلما كُسيت طلاوة وجمالاً.

ابتدع خطاً جديداً أطلق عليه اسم الريحاني، فزادت منزلته عند من يعرفه، إلى الحد الذي وصفه أبو حيان التوحيدي بقوله: ابن البواب ( نبيٌ في الخط، أُفرغ الخطُّ في يده كما أوحي إلى النحل في تسديس بيوته ... ).

ويرى القزويني(10): إن ابن البواب ( عديم النظير في صنعته، لم يوجد مثله لا قبله ولا بعده في الكتابة العربية، .. ) ويقول: ( ... ثم أن البواب نقل طريقة ابن مقلة إلى طريقته التي عجز عنها جميع الكتاب، من حسنها وحلاوتها، وقوتها وصفائها، ولا يعرف لطافة ما فيها إلا كبَّار الكتاب، فإنه لو كتب حرفاً واحداً مائة مرة لا يخالف شيء منها شيئاً، لأنها قلبت في قالب واحد، والناس كلهم بعده على طريقته ... ).

ويقول عنه الذهبي(11): ( إنه ملك الكتابة )، ولقبه ابن الفوطي: بأنه ( قلم الله في أرضه )، ومدحه ابن الرومي الشاعر المعروف لحسن خطه وجماله بقوله:
ولاح هــلال مثل نون أجــادها...............بجاري النضار الكاتب ابن هلال

كتب ابن البواب حوالي أربعة وستون مصحفاً (12)، وأحد هذه المصاحف بالخط الريحاني، أهداه السلطان سليم الأول أهدى إلى جامع ( لا له لي ) في استانبول.

ويوجد بمتحف الآثار الإسلامية ببغداد مصحف آخر لابن البواب كتبه عام 1401هـ.
كما يحتفظ المستر ( جستر بيتي ) في مدينة دبلن بايرلندا بنسخة من مصحف ابن البواب، وهو مجلد صغير عدد صفحاته 286 صفحة، مقاسها 17.5× 13.5سم، وبكل صفحة 15 سطراً (13).


3.مصحف الخطاط ياقوت المستعصمي:

هو أبو المجد جمال ياقوت بن عبدالله الرومي المستعصمي البغدادي، الملقّب بـ ( قِبْلَة الكُتّاب )، خطّاط شهير وكاتب وأديب من أهل بغداد، رومي الأصل، كان مملوكاً فاشتراه الخليفة العباسي المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين، فنشأ ياقوت في دار الخلافة، وقد درّبه الخليفة على الخط وفن الكتابة.

أخذ دروسه الخطية على يدي الخطاط صفي الدين الكاتب وغيره من الخطاطين، ولكن الأصل في اكتسابه جودة الخط وحسنه يرجع إلى تدقيقه الطويل لخطوط ابن مقلة، وخطوط ابن البواب بصفة خاصة.

لقد كان لياقوت المستعصمي تأثير واسع تاريخياً وجمالياً في كتابة الحرف العربي، على نحو أسس فيه ببراعة نادرة مدرسته الخاصة في الخط(14).

حتى إذا ما ذاع صيته في أنحاء العالم الإسلامي(15) اجتمعت المواهب من حوله، لتتلمذ على أستاذها الأول في الخط، محاولين بذلك تقليده أو مجاراته في هذا التفوّق والإبداع، فهم إن لم يطمعوا في سبقه، وإنما يأملون السير على منواله.

ولم يكن ياقوت خطاطاً فحسب، ولكنه كان أديباً، وشاعراً، وحكيماً، فلقد برع في نظم الشعر فكان شاعراً، وأورد الأدباء وأصحاب الموسوعات الأدبية قصائد كثيرة له، كما كتب ياقوت عدداً من الكتب، حُفظت قطع من كتابته في مختلف البلدان، بالقاهرة، واستانبول، وباريس وغيرها.

برع أكثر ما برع فيه كتابته للمصاحف الشريفة (16)، فلقد كتب كثيراً من المصاحف التامة، والأجزاء التي تضم سورة أو عدة سور، وهي موجودة في كثير من المتاحف وبعض المساجد وخزائن الكُتب، منها مصحفان مكتملان بخط النسخ وخط الثلث، موجودة بخزائن الكتب في استانبول بتركيا.
توفي ياقوت المستعصمي ببغداد عام 698هـ.


4.مصحف الخطاط حسن رضا التركي:

حسن رضا هو أول الأسماء اللامعة في تجويده لخط النسخ لدى الأتراك العثمانيين خلال القرن الأخير. وقد عرف بصورة خاصة بكتابته للمصاحف الشريفة، والتي طُبعت عدة مرات، وكانت سبباً في ذيوع شهرته في شتى بلدان العالم الإسلامي.

ولد حسن رضا عام 1265هـ في حي أوسكودار في استانبول، وتعلم الخط على يدي يحيى حلمي أفندي.
تعلم خطي الثلث والنسخ على يدي الخطاط الكبير شفيق بك، وحصل منه على الإجازة، كما تعلم على يد مصطفى عزت أفندي أستاذ شفيق بك، فكانا هو وأستاذه زملاء درسٍ واحد. وبعدها انتقل لتتلمذ على يد الخطاط الكبير سامي أفندي، فلما كان عام 1296هـ أُحيل أستاذه الخطاط شفيق إلى التقاعد فعُين بدلاً منه معلماً للخط العربي.

وبعد افتتاح مدرسة الخطاطين في استانبول عُين أستاذاً لخط الثلث والنسخ، فلما بدأ بصره يكف ترك وظيفته فيها. كتب الخطاط التركي حسن رضا ثمانية عشر مصحفاً، بحجوم مختلفة، النسخة الكبير موجودة في متحف طوب قبو سراي باستانبول، كتب أحدها بهوامش تفسيرية باللغة التركية.
أصبح مصحف الخطاط حسن رضا المصحف الرسمي بدولة تركيا. توفي عام 1338هـ ودفن في استانبول.

5.مصحف الخطاط الحافظ محمد أمين الرشدي التركي:

مصحف الخطاط الحافظ محمد أمين الرشدي من المصاحف الجميلة، الرائعة التنسيق والتجريد، خطه الحافظ عام 1236هـ، وكانت كتابته بوصاية من والدة السلطان عبدالعزيز خان ابن السلطان محمود خان العثماني التي أهدته إلى مسجد مرقد الشيخ جنيد البغدادي عام 1278هـ، وحفظ بعدها بمكتبة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان.

وقامت وزارة الأوقاف بالعراق بتكليف خطاط العراق هاشم محمد البغدادي المتوفى عام 1393هـ بالإشراف على تنقيحه وإخراجه بالشكل الذي يليق به، فقام بالمهمة خير قيام، وأشرف على طباعته في ألمانيا حتى خرج على أكمل وجه وأتم إتقان.

ويعد هذا المصحف من أجمل المصاحف المطبوعة في العصر الحديث، وذلك لرقة أسلوبه في الإخراج، وعدم البذخ في تحليته بما لا يلزم، وقد نجح الخطاط الرشدي الذي نسخه على منهج الحافظ عثمان الشهير، وسار على أسلوبه في الهجاء، وعلى تقسيمته في توزيع الأجزاء والأحزاب والأرباع ونحوها، أما علاماته فهي على علامة الإمام أبي جعفر بن طيفور السجاوندي.

وانتهى عمل الطباعة فيه عام 1370هـ، وجرى تنقيح الضبط لقراءته ما يوافق رواية حفص ابن سليمان بن المغيرة الأسدي لقراءة عاصم بن أبي النجود.

ضمت الصفحة المستطيلة أحد عشر سطراً خطت الكلمات فيه بارتياح تام؛ لأن الخطاط لم يلتفت لتوزيع الصفحة لتكون نهاية آية، وإنما استرسل بالخط وجعل أكبر همه إخراج نسخة رائعة يقدمها للسلطان.

6.مصحف الخطاط الحافظ عثمان:

ولد الحافظ عثمان في استانبول عام 1052هـ، وقد حفظ القرآن الكريم وأتقن حفظه وهو صغير السن، فعرف باسم ( الحافظ عثمان )، بدأ يتعلم الأقلام الستة، فشرع يأخذها أولاً عن الخطاط الكبير درويش، غير أن الرجل قد وصل إلى سن الشيخوخة فلم يستطع أن يكمل معه دروسه، فأرسله للخطاط صويولجي زاد مصطفى، فتعلم منه وأصبح من أبرز تلاميذه، واستطاع الحافظ أن ينال الإجازة من أستاذه الجديد، وهو ما يزال في الثامنة عشر من عمره.

ثم توجه بعده إلى الخطاط الكبير إسماعيل أفندي، فأخذ عنه طريق الشيخ حمد الله بكل دقائقها، وابتداء منذ عام 1090هـ بالكتابة على نفس طريقة الشيخ، إلى أن تخلص منها وشرع يكتب بطريقته الخاصة.
ترك لنا أعمالاً كثيرة، منها خمسة وعشرون مصحفاً، وبعض الكتابات والأدعية المأثورة.

وقد طبعت هذه المصاحف ووزعت على مختلف بلدان العالم الإسلامي، مما كان سبباً في ذيوع صيته، فرجح مصحفه على بقية المصاحف، وانتـشر في الأقطار الإسلامية والعربية.

تحتفظ جامعة استانبول بمصحف بخطه النسخي البديع، وكذا مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة. كانت الطبعة الحجرية القديمة له غير نظيفة، وتمت طباعته مؤخراً بتركيا بنسخة نظيفة ورائعة، تباع بسعر عالٍ جداً.

توفي الحافظ عثمان عام 1110هـ، ودفن في حديقة تكيه سُنب أفندي في حي قوجه مصطفى باشا في استانبول.


7.مصحف حمد الله الأماسي، المعروف بـ ( ابن الشيخ ):

ولد الشيخ حمد الله في بلدة أماسيا عام 833هـ، ووالده هو الشيخ مصطفى دده، أحد المشايخ الذين يُدرسوُنَ العلوم الدينية، ولذا نرى أن الخطاط حمد الله الآماسي دائماً يكتب بتوقيعه ( حمد الله ابن الشيخ ) لأنه اشتهر بهذا اللقب في وقته.

تعلم في بلدة أماسيا الخط العربي جنباً لجنب مع العلوم الدينية، فأخذ عن الخطاط خير الدين المرعشي، والذي كان يكتب على طريقة ياقوت المستعصمي، كما دقق ومحص خطوط عبدالله الصيرفي، وكان بايزيد بن السلطان محمد الفاتح والياً على أماسياً آنذاك، فتعلم على يد الشيخ حمد الله، ليصبح أحد تلامذته .

وبعد وفاة السلطان محمد الفاتح اعتلى ابنه ( بايزيد ) العرش بعده في استانبول، فدعا الشيخ، فلبى الشيخ دعوته ورحل إلى استانبول، ليصبح المعلم الأول للخط العربي في السراى العثماني.

وبهذه الحادثة بدأت صحفة جديدة هامة في حياة الشيخ الفنية، وكان السلطان بايزيد الثاني يجله إجلالاً كبيراً، بحيث كان يمسك له الدواة وهو يكتب، ويجلسه في صدر مجلس العلماء، وأفصح له عن رغبته في أن يخرج بأداء جديد عن أسلوب ياقوت المستعصمي، وعلى ذلك قدم له أجمل خطوط ياقوت والمحفوظة في خزانة الـسراي ليقوم بفحصها ودراستها، فقام الشيخ بدراسة أسلوب ياقوت، حتى استطاع أن يبتدع لنفسه أسلوباً خاصاً ويشرع في الكتابة منتهجاً إياه.

أصبح الشيخ بعدها أُستاذاً في الأقلام الستة ـ خط الثلث والنسخ والمحقق والريحان والتواقيع والرقاع ـ .
قضى الشيخ حمد الله الأماسي عمره في كتابة العديد من المصاحف التي بلغ عددها سبعة وأربعين مصحفاً، مختلفة الأحجام، يوجد إحدى هذه المصاحف الشريفة في مديرية الآثار العامة ببغداد، طبع له إحدى مصاحفه بالطبعة الحجرية عام 897 هـ. توفى عام 926هـ ودفن في مقابر قرجة أحمد أسكودار باستانبول. توفي الخطاط الشيخ حمد الله في نهاية عام 926هـ.

8.مصحف الخطاط شوقي أفندي:

ولد الخطاط الكبير محمد شوقي أفندي في قرية سَيّدْلَر عام 1244هـ، ثم انتقل في صباه إلى استانبول، وكان إلى جانب تحصيله في المدرسة يذهب إلى خاله الخطاط الكبير محمد خلوصي أفندي، فتعلم على يديه خط الثلث والنسخ والرقاع، حتى حصل على الإجازة عام 1257هـ.

وكان الخطاط خلوصي أفندي هو أول من عُين حافظاً للكتب في مكتبة فوجه راغب المشهورة باستانبول، كما كان في الوقت نفسه معلماً صادقاً ملهماً في فن الخط، تخرج على يديه كثير من الخطاطين الكبار، ولأجل هذا قال لابن أخته محمد شوقي: ( هذا هو ما استطعت أن أعلمه لك في هذا الفن، وعلي أن أخذك إلى قاضي العسكر مصطفى عزت أفندي، وعليك أن تواظب على دروسه حتى تتقدم في الخط ).

ولكن الخطاط محمد شوقي رفض الذهاب إلى الخطاط قاضي العسكر مصطفى عزت أفندي، وإنما واظب على تعلم الخط من خاله حتى ظهرت على يديه طريقة أُخرى غير المألوفة وعرفت فيما بعد باسم: ( مدرسة شوقي ).

حظي الخطاط محمد شوقي أفندي بشهرة يستحقها، فكانت خطوطه على درجه عالية من الدقة والعناية، فَعُين الخطاط الخاص لتعليم أبناء السلطان عبدالحميد الثاني مدة عامين ونصف، أما وظيفته الأساسية فقد كانت خاط في ( قلم التحريرات بنظارة الحربية ).

كتبَ المصحف الشريف كاملاً مرة واحدة، لكن الأخبار الواردة أن المصحف فُقِدَ، عندما أنكر عامل التجليد الذي أودعه الخطاط محمد شوقي أفندي لديه لكي يتم تجليده، ولم يُعرف حتى الآن مصير هذا المصحف(17).

كما كتب الخطاط الكبير محمد شوقي أفندي أجزاء متفرقة من القرآن الكريم، إحداها جزء عم الذي أبدع في كتابته بخط النسخ أيما إبداع.

ويمتلك الخطاط المدني عبدالعزيز مصطفى أحد معاجزه التي كتبها، وهي عدة صفحات قرآنية كتبها شوقي أفندي بخط النسخ الدقيق، لا تتجاوز عرض الصفحة 5 × 8 سم، في كل صفحة ثمانية أسطر بمقاس قلم ربع ملي فقط، كل سطر لا يتعدى 5 سنتيمتر، تم تكبير بعض أسطرها، فظهرت جلية وواضحة، وكأنها خُطت بقلم كبير، لدقتها وروعة جريان الحبر في حروفها.

توفي محمد شوقي أفندي بشهر شعبان عام 1304هـ ودفن إلى جوار خاله ومعلمه خلوصي أفندي في مقبرة مركز أفندي في استانبول.

9. مصحف الخطاط عبدالله زهدي أفندي:

ولد الخطاط عبدالله زهدي أفندي في نابلس في فلسطين، ثم هاجر منها مع أبيه إلى دمشق، ثم رحل إلى تركيا، واستوطن في مدينة كوتاهية وبعدها توجه إلى استانبول.

تعلم الخط العربي في بداية مشواره على يدي راشد أفندي الأيوبي، إلا أن أستاذه الحقيقي هو قاضي العسكر مصطفى عزت أفندي، فهو من أحسن الخطاطين الذين اقتدوا به وجروا على طريقته في خط الثلث والنسخ.

وقد عمل الخطاط عبدالله زهدي معلماً للخط والرسم في مدرسة تعليم الخط ( مشقخانه ) الموجودة في جامع نور عثمانية. وفي المهند سخانه البرية الملكية، وكان صاحب ملكة خاصة في تقليد الخطوط.
وقيل أن السلطان عبدالمجيد أُعجب بنموذج خطه الثلث الجلي الذي كتبه من بين خطوط الخطاطين الآخرين فاختاره عام 1273هـ لكتابة خطوط الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة. كتب خلالها عدة آيات قرآنية، وأحاديث شريفة، ومدائح نبوية، بخط الثلث الجلي على رقبة القبة في المسجد النبوي، وعلى جدرانه على شكل شريط.

ويُعد الخطاط عبدالله زهدي أفندي صاحب أكبر قدر من كتابات الخط الثلث الجلي، حيث يزيد طول الشريط الكتابي الذي كتبه عن 2000 متر، منها 240 متراً على رقبة القبة.

ونظراً لأن الخطاط عبدالله الزهدي كان رساماً في نفس الوقت فقد اهتم كثيراً بالخطوط المتراكبة المتداخلة من الثلث الجلي، وأبدع الكثير من أشكالها الفتية، غير أنه لم يرع الأصول في تركيب الحروف بعضها فوق بعض، ولهذا يعسر على الإنسان العادي أن يقرأ الآيات الكريمة التي كتبها إلا إذا كان يحفظها من قبل عن ظهر قلب.

وهذه الخطوط غالبيتها موجودة، والآخر منها قد بدأ بالفعل طمسه وإعادة الكتابة عليه من جديد، وذلك لأنها كُتبت على الطريقة الإملائية الغير مُعترف بها بدار الإفتاء الرسمي بالمملكة العربية السعودية، ولن يمر وقتاً طويلاً حتى لا نكاد نرى منها شيئاً.

استقر الخطاط عبدالله زهدي أفندي بعد أن انتهى من الكتابات الخطية للحرم النبوي بمصر، وحصل فيها على لقب ( خطاط مصر الأول )، وأمضى بقية عمره في كتابة الخطوط للدوائر الرسمية، وفي إعداد اللوحات للمساجد والجوامع، وفي إقامة الدروس الخطي، إلى أن توفي بالقاهرة عام 1296هـ، ودفن بجانب الإمام الشافعي.

ترك الخطاط الكبير عبدالله زهدي أفندي مصحفاً واحداً، يُعد من المصاحف النادرة والثمينة، وهو بحوزة مواطن مصري، أبى إلا أن يبيعه على شكل أوراق متفرقة، كل ورقة تُباع مفردةً بقيمة ثلاثمائة دولار، ويُرجع بعضهم سبب ذلك أنه يخاف إن أخرج المصحف أن يتم مصادرته من قبل الحكومة المصرية، فلا يتنفع بثمنه.

القسم الثالث: مصاحف خلدها التاريخ لعظمة من قام بإخراجها فنياً:

1.مصحف السيدة خوند بركة:

السيدة خوند بركة، أم السلطان شعبان، وزوجة الأمير الجاي اليوسفي، والتي كانت إحدى أشهر سيدات العـصر المملوكي، وكانت تتمتع بالأبهة والفخامة، وإليها تنسب مدرسة أم السلطان شعبان، دفنت بالمدرسة التي أنشأتها مع أبنها السلطان شعبان بعد موته.

ويُعد المصحف الذي يعود إليها من أروع وأبدع ما يفخر به معرض دار الكتب المصرية من العصر المملوكي، حيث كُتب عام 775هـ بخط ريحاني، ومضبوط ضبطاً عادياً، والفواتح وكل رؤوس السور، وعلامات التجزئة، ومحلاة بالذهب واللازورد والأزرق الجميل، وحجمه من القطع الكبير إذ يتجاوز 75×50 سم طولاً وعرضاً.

2.مصحف السلطان قاوون والسلطان أولجايتو:

مصحف يعدُ من أروع المصاحف من ناحية التذهيب والزخرفة بجانب حسن الخط، وهو يحتوي على ثلاثين جزءاً، كل جزء مجلد على حده. وقد كُتب هذا المصحف بأجزائه عام 1313هـ، ويمتاز كل جزء بتنوع زخارفه، وفواتح السور مزينة باللونين الذهبي والأبيض على أرضية زرقاء، وكل جزء يفوق الآخر في تصميماته وزخارفه وتذهيبه.

3.مصحف مملوكي محفوظ باسم أرغنو شاه:

وهو من أروع المصاحف المملوكية، محفوظ بدر الكتب المصرية باسم أرغون شاه ومؤرخ بعام 1349م، ويضم المصحف ثلاثمائة وثمان وثمانين صفحة من الحجم الكبير، مقاس الصفحة الواحدة 50×70سم، وبكل صفحة أحـد عشر سطراً، مذهبة بشكل رائع لأوائل الحروف ونهاية الصفحات، وأواخر الآيات وبداية كل سور.
استخدمت فيه الزخارف المتشابكة المجدولة المزينة بأزهار اللوتس.


4.المصحف الهندي:

تحتفظ دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة بمصحف يعود إلى دولة الهند، وهو المصحف الذي أهدى من قبل نواب ولاية يطلق عليها في ذلك الوقت ( بهوبال ) عام 1950م، مكتوب بخط الثلث السطري، وتتخلل تلك السطور بخط دقيق ترجمةً للآيات الشريفة بالخط الفارسي، وهو مقسم على سبع أقسام، كل جزء على حدة.

القسم الأول وهو مجلد بغلاف من الفضة الخالص، ومطعم بالرقائق الذهبية والياقوتية. وغلافه مصنوع بالهند عام 1331هـ، ويزن طناً من الفضة، وهو أكبر مصحف متواجد بمصر حالياً والمحفوظ بدار الكتب بالقاهرة.

5.مصحف إمبراطور هندي:

مصحف كتبه إمبراطور هندي منذ حوالي 400 سنة، يزن 13 كيلو جرام، قياسه 39.51× 20سم.
تمت كتابته بخطوط ذهبيه وفضية، كل ورقة من هذا المصحف لها رائحة عطر مختلفة عن الأخرى, والخامة المصنوعة منها تلك الصفحات مقاومة للحريق.

6.مصحف السلطان برقوق بخط ابن الصايغ:

أنهى الخطاط الشهير عبدالرحمن الصايغ عام 801هـ كتابة المصحف الذي أمر به السلطان برقوق الشركسي، بعد عمل متواصل استغرق ستين يوماً فقط، وبقلم واحد لم يغيره، وهذا المصحف مكتوب بقلم الثلث الجلي وبشكل واضح ورائع وفريد من نوعه.

المصحف منقوش بالذهب والألوان الزاهية، ذات اللون الذهبي الرائع، الذي استخدم فيه الذهب الخالص والأزرق اللازوردي والأحمر الياقوتي، وتتخلل الألوان مساحات من البياض التي تضفي على الألوان عمقاً وجمالاً، أما الصفحة التي كُتبت بها سورة الفاتحة والصفحة التي بها بداية سورة البقرة فقد تمت زخرفتها بوحدات هندسية وأوراق نباتية تغطي الصفحتين الاستهلاليتين. تم وقف المصحف الشريف من قبل السلطان في مسجد برقوق بالنحاسيين، والذي يُعتبر تحفة معمارية فريدة في تراث العمارة الإسلامية. والمصحف حالياً متواجد بدار الكتب المصرية بالقاهرة.

7.مصاحف مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة (18) :

أتيحت لي فرصة الإطلاع على مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة، والتي بها آلاف من المصاحف الثمينة، والمُهداة من عامة المسلمين، ومن مختلف العصور إلى الروضة الشريفة بالمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، وهي بأقلام متنوعة، وبأساليب كتابية رائعة، بعضها مذهب تذهيباً غاية في الدقة والجمال.

وهذه المصاحف ذات أحجام مختلفة: منها مصحف يزن تقريباً 1540 كيلو جرام، ومكتوب على رق ومؤرخ بتاريخ 1240هـ، ومساحة صفحته 142.5×80 سم، وعدد أسطره في كل صفحة أحد عشر سطراً، وهو مكتوب بالخط الباكستاني.

كما يوجد بها مصحف مكتوب بالخط المحقق والريحاني، مساحة صفحته 55×89 سم وهو وقف سليم أغا بن الوزير محمد باشا عام 1014هـ، ولم يعلم كاتبه، وهو مصحف فذ من حيث جودة الخط وجمال الكتابة.

وبالمكتبة مصحف من ثلاثين ورقة فقط، تحتوي الورقة على واحد وأربعين سطراً بالنسخ الجميل.
ومن بين تلك المصاحف المحفوظة مصحف سيد عبدالله، وهو أحد تلاميذ الخطاط الحافظ عثمان، ويقال أن الخطاط الحافظ عثمان كان يفضله على نفسه بمجالسه الخاصة عندما يتذاكرون جودة الخط.

كذا يوجد مصحف للخطاط الكبير الشيخ حامد الآماسي، وربعة أخرى للخطاط إسماعيل حقي. كما للخطاط التركي الشيخ محمد عبدالعزيز الرفاعي مصحف بخط نسخ جميل، حجمه من القطع الكبير، ومذهب وبغاية الجمال والروعة.

كما أن بها مصاحف عديدة لمختلف الخطاطين الكبار والعظماء مثل: مصحف للخطاط الكبير مصطفى راقم، والحافظ عثمان، وعبدالقادر توفيق التركي، وغيرهم من الخطاطين.

ويتواجد بالمكتبة مصاحف ترجع إلى القرن الخامس الهجري، وبعضها غير مؤرخ وغير معروف كاتبه، وتحتاج هذه المصاحف إلى مزيد من الدراسة والبحث لإلحاق كل مصحف بعصره، بالنظر إلى أسلوب الكتابة ونوع الخط وطريقته في التجويد.

المصادر:
1.رحلة المصحف الشريف من الجريد إلى التجليد، حسن قاسم حبش البياتي.
2.نشأة الكتابة الخطية العربية وتطورها، فوزي سالم عفيفي.
3.فن الخط، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باستانبول.
4.رحلة القرآن العظيم، حلقات من إنتاج قناة المجد الفضائية.
5.تاريخ القرآن الكريم، غرائب رسمه وحكمه، محمد طاهر الكردي.
6.مجلة الدوحة، العدد 55 ـ السنة الخامسة ـ عام 1980م.
7.رحلة الخط العربي من المسند إلى الحديث، دراسة، أحمد شوحان.
8.بعض مواقع الانترنت ذات الصلة بالموضوع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) مجلة الدوحة، العدد 55 ـ السنة الخامسة عام 1980م.
(2) بعد أن شرع الخليفة عثمان بن عفان سنة 25هـ باستنساخ ( المصحف الإمام ) وإرساله إلى أمهات العواصم ( الكوفة، والبـصرة، والشام )، واحتفظ بنسخة له، ثم أمر بحرق كل صحيفة أو مصحف سواه، وكان مصحف أُبي بن كعب وابن مسعود وزيد بن ثابت وآخرون ضمن من تم إحراقها. انظر: تاريخ القرآن الكريم وغرائب رسمه وحكمه ، لمحمد طاهر الكردي، في باب حكم إتباع رسم المصحف العثماني.
(3) نقط الإعجام هي النقط التي وضعت على الحروف التي لا تميز بعضها عن بعض، كحروف الباء والتاء والثاء والياء، والجيم والحاء والخاء، والراء والزاي، والسين والشين، والعين والغين، والفاء والقاف، ونحوها مما يتفق في الرسم ويختلف في النطق.
(4) يعتبر تقي الدين أحمد بن علي المقريزي شيخ المؤرخين المصريين، وممن اهتموا بالتأريخ بكل نواحيه.
(5) رق أُستعمل من قبل، ثم أُزيلت الكتابة منه، وكتب عليه مرة ثانية.
(6) يلاحظ على النسخة أنها تحتوي على الأعداد ترقيماً للآيات الكريمة، بالرغم أن الأعداد لم تستخدم زمن الإمام علي (ع)، والمتفحص بالمصحف الشريف يجد أن العدد قد أُقحم إقحاماً. علماً بأن بعض الدارسين للمخطوطات الإسلامية لا يعد هذا نقصاً في نسبتها للإمام (ع)، وذلك لأن الأجيال كانت تتوارث هذه الوثائق، وتجمل فيها وتحسن وتضيف وتُذَهب، كما حدث في السيوف المنسوبة لرسول الأعظم (ص) وللصحابة، وهذا ليس بضائر ذلك من وجهة الدراسات النقدية. لكن ما يجعلنا نزيد من الشك في نسبة هذه النسخة للإمام علي (ع) وجود حرف الألف الصغيرة والمرسومة على كلمتي ( أَكْنَانًا ) و ( سَرَابِيلَ ) بالآية الكريمة: ( وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ )، مع أن قاعدة الرسم في ذلك الزمن لم تكن تثبت حرف الألف.
(7) كان وزيراً لثلاثة خلفاء: ( المقتدر بالله، والقاهر بالله، والراضي بالله ) في فترات مختلفة من الدولة العباسية.
(8) موسوعة الجياش، باب حرف الميم، ابن مقلة، الحسن بن علي. النسخة الالكترونية بموقعها بالأنترنت.
(9) معجم الأدباء: ج 9 ص 29.
(10) آثار البلاد وأخبار العباد: زكريا بن محمد القزويني، في حديثه عن بغداد، ص 30.
(11) تذكرة الحفاظ: للذهبي، ج 3 ص 1055.
(12) كلف بها الدولة ابن البواب بكتابة الجزء الذي ضاع من مصحف ابن مقلة، فكتبه وجلّده تجليداً لا يكاد يختلف عن تجليد الأجزاء التي خطها ابن مقلة، وقدمه له مع باقي الأجزاء، ففحصها بها الدولة بدقة وأناة، دون أن يكتشف النسخة المكتوبة حديثاً، فاحتفظ بها على أنها من أعمال ابن مقلة جميعاً. ويرجع هذا لحسن خطه وأناته وصبره، وحسن اختياره لنوع الورق والتجليد.
(13) يتم بيع نسخة شبه أصلية، ومصورة مباشرة من هذا المصحف بمكتبة جستر بيتي، بقيمة 2000 دولار للنسخة الواحدة.المصورة.
(14) على الرغم من أنه ظل متمسكاً بالقواعد التي جاء بها ابن مقلة وطورها ابن البواب إلا أنه أضفى على أسلوب الأخير الشيء الكثير، وابتكر على هذا النحو أسلوباً خاصاً به، وقد برزت الخدمة التي قام بها في تجويده لخط المحقق والريحاني بصورة خاصة.
(15) بلغ في شهرته وذيوع صيته أن الناس حين يرون خطاً جميلاً يقولون: خط ياقوتي.
(16) ذكر بعض المؤرخين أن عدد المصاحف التي كتبها ياقوت المستعصمي بلغت الألف مصحف، ولكنني أستبعد هذا الأمر لسببين؛ السبب الأول: أن الوقت الذي يحتاجه أي خطاط متقن لكتابة مصحف ثلاثة أو أربعة أشهر على أقل تقدير، وبحسبة بسيطة فإن الألف مصحف تحتاج إلى مائتان وخمسون سنة ليتمها، وهذا مستبعد تماماً.
أما السبب الثاني: أن الخطاط ياقوت المستعصمي قد منح بعض تلامذته ميزات، إذ سمح لستة منهم أي يضعوا توقيعه على النقول التي يأخذونها محاكاة لخطوطه، وقد لوحظت هذا الأمر ببعض الكتابات التي تحمل اسم ياقوت، بالرغم أنها كُتبت بعد وفاته بسنوات. لذا فالمرجح أن العظيم ياقوت المستعصمي لم يكتب هذا العدد الكبير من المصاحف، وإنما كتب بعضها، والبعض الأخر كتبها بعض تلامذته وقيدوها باسمه على جريان العادة التي اعتادوها بزمانه.
(17) حدثني عن هذا الموضوع الخطاط مختار عالم، الخطاط بمصنع كسوة الكعبة المشرفة بمكة المكرمة، وهو خطاط متميز وبارع، فاز بالكثير من الجوائز في مجال الخط العربي.
(18) هذه المشاهدة للباحث فوزي سالم عفيفي، مدرس بمدرسة تحسين الخطوط العربية بمصر، من كتابه: نشأة الكتابة الخطية العربية وتطورها، وكذلك شاهدتها أنا بنفسي مع الأخ الخطاط بشار عالوه، في زيارة مني للمدينة المنورة عام 1424هـ.

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 08:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد