23-01-2009, 11:51 AM | رقم المشاركة : 1 | |||||||||
منتدى السهلة الأدبي
|
( لُغوية الخط والكتابة ) جابر عبدالله الخلف
رؤية فنية خلدونية وظاهرة لُغوية اجتماعية، ومشكلة تربوية معاصرة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الميامين. يُعرف ابن خلدون الخطَ بقوله: • "هو رسومٌ وأشكال حرفيَّةٍ تدل على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس. فهو ثاني رتبة عن الدلالة اللغوية، وهو صناعة شريفة ". يضع هذا التعريف الخلدوني أمامنا ظاهرتين مهمتين : 1. الخط ظاهرة فنية . 2. الخط ظاهرة اجتماعية . أولاً: الخط ظاهرة فنية : لقد تناول ابن خلدون الخط من بعدين أساسيين، بعدٌ تشكيلي أي خارجي، وبعدٌ دلالي، بمعنى أن الخط وسيلة لغوية، ورتبةٌ في الدلالة على النطق والتعبير عما في النفس والوجدان الفردي والاجتماعي. والتعريف من الشمول والإحاطة حيث يسلمنا إلى أن نلحظ مدى الترابط الوثيق بين بعدي العملية الفنية للخط، فالخط ليس عملية شكلية تعتمد على الرسم والعنوان وحسب، بل رتبة فنية تعبر عما في نفس الإنسان وذاته من أحاسيس وأفكار. والخط كظاهرة فنية ترتبط بالإنسان وتعبر عن وجوده الاجتماعي لا يمكن أن يتعلمها الإنسان معتمداً على مجرد الموهبة، بل لابد من التعلم والتدريب والمحاكاة، فنحن نعلم أن الظاهرة الفنية تحتاج إلى استعداد فطري ( موهبة ) واستعداد خارجي ( تثقيف ) لكي تولد العملية الفنية على أتم الوجوه . ثانياً: الخط ظاهر اجتماعية : إن عملية الخط والكتابة ظاهرة اجتماعية لا يمكن الاستغناء عنها كعملية النطق تماماً، فالنطق خاصية إنسانية، وهي رتبة لغوية أولى، ووسيلة اتصال تربط الإنسان بأخيه الإنسان، فالخط من خلال الرؤية الخلدونية خاصية إنسانية أخرى تدل على ما في نفس الإنسان . ويطرح ابن خلدون اجتماعية الخط والكتابة من خلال المنافع التالية: 1. الخط خاصية إنسانية تميَّزَ بها الإنسان عن الحيوان. 2. لغة عما في ضمير الإنسان من أحاسيس وأفكار. 3. وسيلة تتأدى بها أغراض الإنسان وحاجاته. 4. لغة تواصل وحوار بين المعارف والعلوم الإنسانية. نطرح السؤال التالي: هل الخط يعكس بُعداً حضارياً لدى الأمة // المجتمع؟ . يتناول ابن خلدون هذا التساؤل من خلال المعادلة التالية: ( حضارة = خصوبة الخط التناغي في الكمالات = جودة الخط ). هذه المعادلة تشير إلى أن هناك ترابطاً عضوياً بين الحضارة وتطور الخط، بين التنافس في الكمالات وجودة الخط وفنيته. "وعلى قدر الاجتماع والعمران، والتناغي في الكمالات والطلب.. تكون جودة الخط في المدينة إذ هو من جملة الصنائع. ابن خلدون". هذا الحوار بين الحضارة وعمران الخط يؤكده التاريخ ــ كظاهرة اجتماعية ــ فعندما سقطت الخلافة في بغداد وانتهى ذلك الصرح الحضاري، سقط صرح الخط العربي فيها وانتقل إلى القاهرة بمصر. • ظاهرة ضعف خطوط التلاميذ في المراحل الدراسية المختلفة : مما تقدم عرضه عن عمران الخط والكتابة في الحضارة العربية الإسلامية من خلال رؤية ابن خلدون يتبين لنا أن الخط ظاهرة فنية ولغوية تعبر عن ذات الفرد وأفكاره في وجوده الاجتماعي، وهي ظاهرة اجتماعية تلبي حاجات المجتمع وتعتبر بمثابة اللغة الكتابية بين أفراده. ولكن هذه الظاهرة الفنية الرائعة في تراثنا العربي، والرتبة اللغوية الأخرى لدى الإنسان بعد النطق نجدها تتعثر هذه الأيام في عجمة معاصرة أثرت في فنيتها، وأدت إلى ضعفها وأكثر ما نلاحظ ذلك الضعف ــ كظاهرة اجتماعية ــ في المدرسة لدى التلاميذ، فإننا نجد أن أغلب التلاميذ خطوطهم ضعيفة للغاية رغم العناية المبذولة من أجل علاجها وتفاديها من قبل الإدارة العامة للتعليم بالمنطقة الشرقية بصفتها المؤسسة التربوية التي ترعى مثل هذه الشؤون التربوية لدى أبنائها التلاميذ، فقد صدر تعميم بشأن العناية بخطوط التلاميذ رقم 260/2ح في 14/11/1411هـ، وساندة الإدارة عنايتها تلك بطرح دورة لتحسين خطوط طلاب المنطقة الشرقية المعلن عنها في جريدة اليوم، الثلاثاء 4/ ذو القعدة 1415هـ، 4 ابريل ( نيسان ) 1995م العدد 7963. وهذه المشكلة التي يعاني منها المجتمع، وتعاني منها المؤسسات التربوية ترجع إلى عدة عوامل أهمها في الآتي : 1. غياب فنية الخط وروعته من أذواق التلاميذ؛ لأن الخط أصبح عملية رسم يدوية فقط، ولم يعد يشكل ظاهرة فنية عن الأحاسيس والأفكار. 2. غياب الدور الأسري عن متابعة ضعف خطوط أبنائهم. 3. قلة الكتابة وكثرة القراءة أو بمعنى آخر: الاعتماد على الأساليب النظرية في تدريس مادة الخط بدلاً من الأساليب العملية، مما أدى إلى ضعف المهارة اليدوية لدى الطالب في مرحلة الدراسة الأولى. 4. ضعف طرق التدريس المتبعة، فهي تعتد على أساليب جافة وغير ملبية لرغبات التلاميذ وحاجاتهم. 5. عدم وجود معلمين متخصصين لتدريس الخط، يوضحون قوانين الخط، وأحكام كل حرفٍ مما أفقد التلميذ الرغبة في مواصلة العناية بخطه . 6. عدم العناية التامة بعلمية تقويم مادة الخط، حيث أن تقويم التلميذ يتم بشكل غير دقيق، فلا توضح الأخطاء التي يقع فيها التلميذ، فيظل على أخطائه إلى مراحل دراسية لاحقة. 7. قلة نصاب حصص الخط، فالخط ــ كمهارة يدوية ــ تحتاج إلى زمن أطول لتتم علمية الممارسة فيها بشكل أفضل. 8. نقص الوسائل التعليمية الخاصة بتعليم الخط، كالأقلام وغيرها، فالتلميذ وخصوصاً في المراحل الدراسية الأولى بحاجة طبيعية إلى عملية الممارسة والتركيب. بعد هذه الجولة السريعة التي عرفنا من خلالها أهمية الخط كرؤية فنية خلدونية، وعرفنا بعدها عوامل نشأة مشكلة ضعف خطوط التلاميذ هذه الأيام، نأتي بعد ذلك إلى طرح الحلول المقترحة للتخلص من هذه المشكلة، وهي كالتالي: 1. تكثيف عمل الدورات التي تهدف إلى تحسين خطوط التلاميذ في المدارس، حيث يتعرف التلاميذ من خلالها على أن الخط ليس فقط عملية رسم يدوية جافة بل هو عملية فنية ناطقة ومعبرة عن أحاسيسه وأفكاره ولغوياته . 2. تخصيص حصص أكثر في المنهج ( بدلاً من حصة واحدة ) تستوعب طبيعة الخط والكتابة بما أنها قدرة مهارية قبل أن تكون نظرية . 3. توفير معمل للخط أو ( ورشة عمل ) تتوفر فيه الوسائل التعليمية لكي يمارس التلاميذ ما يتعلمون من قوانين وأحكام تتعلق بالخط، لتعتضد لدى المتعلم رتبة العلم، والحس في التعليم على حد تعبير ابن خلدون . 4. تركيز العناية بخطوط التلاميذ في المراحل الدراسية الأولى، والعناية بتكريس جمالية الخط وفنيته في أذواقهم . وختاماً نقول: إن الخط دالة حضارية لا تزدهر إلا في تربة خصبة ملائمة تتوفر فيها عوامل النمو والازدهار، فهو مرآة تعكس حضارة المجتمع وتطوره . جابر الخلف 29/10/1415هـ
|
|||||||||
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|