في ليلة الاحتفاء بالأستاذ / راضي بن عبدالمحسن الخرس
بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله القائل:- {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) }والصلاة والسلام على سيد الخلق والمربي الأول وعلى آله وصحبه المنتجبين؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله أمسيتكم بالخير والحب والجمال، على الوفاء نلتقي كيف لا وهي من أنبّل ما تغنّىت بها جذورنا العربية الأصيلة، أيها الأحبة: رفقاءَ الهَمِّ والِهمَّة نلتقي وفاءً لسيرة ومسيرة أربعين فَسِيْلَة من عمر الكبير / العم بوتركي نثرت بين أبناء هذا الوطن المبارك الحب والعطف والرعاية والفتوة ولا غرو وهي بنات هذا الأرض الخِصْبَة التي ما فَتِئَت تُنبت الحب والخير والجمال والجلال وإن شحّت المياه ووَهَن الفلاح! لقاؤنا أيها الأحبة: لا يخلو من ( الأنا ) كيف لا ونحن نرى في هذه السيرة والمسيرة ما يُغْرِينا نحو إكمال الدرب وإن اعترضتنا العوائق! نعم نلتقي: لنحتفي بمهنتنا في سيرة هذا الرجل الكبير وإن عملت فيه الأيام عواملها إلا أن هِمَّتَه وقلبه سيظلان البُوْصَلَةَ التي لا تخطئ الدرب! نعم نلتقي: لنُشعِل شموع الأمل من جديد ففي سيرة ومسيرة هذا الكبير ما يُغري وما يثير للقفز على الحواجز وإن كانت المنافسة قاسيةً والحكم لا يرحم! نعم: نلتقي، نتأمّلُ في هذه السيرة والمسيرة في تلك الهِمّة العجيبة التي غرست أربعين فَسِيْلة ما فتئت تسقيها بالحب والوفاء والصبر وهي لا تنتظر جزاءً ولا شكورا! نعم نتأمّل في سيرة هذا الكبير عَلّنا نكتشف سر خطة اللعب عند هذا المدرب القدير، التي ما فتئت تحقق للاعبيه الانتصار، وهو انتصار غريب لم ينتظر مكافأة الفوز ولا حتى ميدالية ذهب وإن كان زائفا! نلتقي أيها الأحبة: لننصت مدهوشين لذلك الصوت الجهور الذي نبت في ذبذباته الحبُّ والحزمُ في آنٍ واحد! وهو صوت لم تُغَيِّرْهُ توالي السنين وعوامل الأيام، بل ما أكسبته إلا الأصالة ورائحة الجدود والجدات فصار أكثر رقة وعذوبة، لكنه لم يتخلَّ عن سطوته وسيطرته مما سبب إرباكا للواقط صوت الإذاعة ومكبراتها فشاخت وهَرِمَت، ومازال صوته كبيرا كهمته!
نعم رفقاء الدرب نلتقي لنَسْبُر ذلك القلق الجميل الجليل الذي فعل فعله في سيرة الفسائل الأربعين فما عهدنا فلاحها إلا حاضرًا لم يحجبه مرض أو هم أو فُتُوْر عزيمة! حقا أني أفتش عن جواب لسؤال أرّقني: متى عهدتم هذا الفلاح النبيل غائبًا عن حقلٍ في حديبيته يبحث عن حب أو عزم أو حزم أو كرم أو ( فزعة ) ؟! ولم تروه منتصبًا بابتسامته؟! ولـ ( فزعته ) وابتسامته حكاية يطيل في روايتها سُمَّار الليالي المشتية؛ ولكن دعونا نتأمّل قليلا في ابتسامته: متى عهدتموها غائبة؟! ألم تكن ماركة مسجلة لم يجرؤ أي منا على صنع شبيه لها؟! نعم قد حجبها الهم أحيانا ولكنه لم يقوَ على إخفائها! نعم قد أخْفَتْها سطوته وسيطرته أحيانًا ولكنّ جذوره ( الحساوية ) سرعان ما تمدُّها بالرّي فيحلق شارباه عاليًا كالبلبل( الحساوي ) عندما يحوم على النخيل مفتونًا بجماله وسحره! وأما ( فزعته ) فاسألوا عنها أمه - رضي الله عنها - فكم من أمٍّ ألقت بقلقها لحال ابنها في حضن أمه الممتد امتداد مزارع النخيل فما كان منها - رحمه الله تعالى - إلا رمت بذلك القلق على شاربي هذا الكبير وهي على يقين بأنها ربت نبيلًا تُنْبت ( الفزعة ) في وجهه نخلةً تُسَاقِط رُطَبًا جَنِيًّا!
نعم نحن نلتقي لنتعلم من هذا المربي الكبير السَّنَد: فقد كان لحضوره في الحديبية فعل السحر فلطالما ألقينا بهم وقلق المسيرة على عاتقه نفتش عن التبَرُّمَ في قاموسه فنرجع خائبين أسندتنا خبرته وزعامته فتنتصر الهمة وتشتد العزيمة!
نعم نحن نلتقي لنتعلم من هذا الكبير التعاون والاحترام والتعايش مع الآخر مهما اختُلِف معه؛ فقد كان جامعًا للقلوب مانعًا للفرقة وإن رمت نيران الفتن بشررها فأغوت الضعيف وأوهنت الجاهل!
نعم نحن نلتقي لنتعلم من هذا الكبير التواضع الذي طالما أغوانا بممارسة الأستاذية عليه وهو كبير الأساتذة!
نعم نلتقي أيها الأحبة: لنتأمل في سر التناغم العجيب بين تسمية والده له - رحمه الله تعالى - وبين سيرته كمربي كبير غارقٍ في الرضا والقناعة بمهنته وهمِّها وغَمِّها لأنها لم تُنْبِت إلا فسائل أربعين قد أرهقه غرسُها، لكنّ الصُّرّام في تنوعهم يكثرون ويكبرون عن أيِّ عد!
بعد هذا كله أتسمون لقاءنا الليلة تكريمًا لهذا الكبير! بل نلتقي بحثا عن الحب والجمال والخير الذي أثمرته الأربعون فسيلة !
أيها الأحبة: إن أطلت فسيرة راضي الخرس غاويةٌ مغريةٌ! فبارك الله فيها ورزقه بها يوم لا ينفع مال ولا بنون رضوانه الدائم .
ختامًا قال علي بن أبي طالب - عليه السلام - : ( أَحْسِنُوا فِي عَقِبِ غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ)
رجب 1435هـ