العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 19-03-2013, 07:09 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي أساليب الدعوة إلى الله - صالح الغانم



أساليب الدعوة إلى الله
من خلال مظاهر الزينة والغنى
في سورة الكهف



بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على البشير النذير و السراج المنير محمد و آله الطيبين الطاهرين

مقدمة
تمثل سورة الكهف القمة في التجارب الإنسانية الناضجة ، حيث يخرج المؤمن من كهف هذه السورة وقد ابتعد عن الأنانية والكبر والعجب والحسد وكل الرذائل ، ليلتقط على ضفاف الكهف الإيمان والصدق و الإحسان والإيثار بل كل الفضائل التي يحبها الله تبارك وتعالى .
جاءت كل هذه الدروس من خلال القصص القرآني في سورة الكهف إذ تضمنت هذه السورة المباركة أربع حكايات أو قصص ، يستقل كل منها عن الأخر في جانب ، كما تتداخل مع بعضها في جانب آخر .
إلا أن الخلاصة المستفادة من السورة العزيزة نجدها في مقدمة السورة تتمثل في الأفكار الرشيدة التي ترشدنا لها هاتان الآيتان ﴿ إنَا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾﴿و إنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ﴾ سورة الكهف 7 – 8
إن الله جعل ما على الأرض من شتى أنواع المخلوقات جمالاً للأرض ومنفعة لأهلها ليمتحن الله شكرهم على ذلك ، أيهم أحسن طاعة وأصوب عملا ً بإخلاصه لله ورسوله  وأن الله سيُصَيِّر ما على هذه الأرض بعد انتهاء العالم تراباً لا نبات ولا زينة ولا جمال فيها بل لا أثر للزينة فيها.
إذن هذه الزينة التي على وجه الأرض بمثابة المنبهات أو المثيرات المرتبطة بدوافع الشخصية الإنسانية ، وتباين الاستجابة لدى هذا الإنسان أو ذاك، تجاه ما أنعم الله به من نعم و عطاءات، إما استجابة منسجمة مع مبادئ السماء أو استجابة عليلة مريضة تخضع للذات وإشباع رغباتها بلا قيود . ولكي يجسد القرآن الكريم هذا المفهوم الدعوي في أذهان المسلمين يتقدم لنا بقصص أو حكايات أربع؛ تجسد عملياً هذه الزينة و مواقف أصحابها. في هذه السورة وهي :
1) قصة أصحاب الكهف .
2) قصة صاحب الجنتين .
3) قصة موسى النبي مع العبد الصالح .
4) قصة ذي القرنين .

أصحاب الكهف
فهم يمثلون تجسيداً حياً لمفهوم الزهد بمتاع الحياة الدنيا وزينتها؛ لأن الكهف بيئة جديدة اختارها أصحاب الكهف، فمن حيث البعد الجغرافي الكهف منعزل تماماً عن نشاط أهل الأرض ومتاعهم ، ولذا سلط القرآن الأضواء على السلوك الإيجابي لدى هؤلاء الفتية ألا وهو إيمانهم العميق برسالة السماء، وثقتهم بها وتركهم لما كان يعبد قومهم من الأصنام، {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا } (16) سورة الكهف مع أن بعضهم كما ذكر في التاريخ كانوا من الوزراء، وبالفعل شملتهم العناية السماوية وربطت على قلوبهم وزادتهم هدى وإيمانا ، لأنهم تعاملوا مع السماء تعاملاً مخلصاً .
وفي هذه السورة تتجلى أمامنا بعض المصطلحات التي لها علاقة مباشرة بالمفاهيم الاجتماعية التي تحكم كل المجتمعات وهي :
البحث عن : ( التقدير الاجتماعي ) ( التقدير الذاتي ) (الانتماء الاجتماعي )
وبلا شك أن هذا الإنسان يبحث عن المكانة الاجتماعية لحبه لذاته وأمام مجتمعه، فأبطال الكهف مبهمين.
لم يذكر القرآن الكريم عددهم بشكل صريح ولا أسماءهم ولا مواقعهم الاجتماعية لأن كل ذلك من مظاهر الزينة والتقدير والاعتزاز ، وهذه كلها جزء من (الزينة) والقصة تستهدف تجسيد النبذ لزينة الحياة الدنيا فمن الطبيعي هذا الاقتصاد اللغوي .
وليتأكد لدينا أن من ينبذ زينة الحياة الدنيا؛ ينبغي أن ينبذ كل أشكال التأكيد على الذات و مقوماتها.
وعليه نستفيد من قصة أصحاب الكهف أن النفوس المؤمنة بالحق سبحانه، كيف تطمئن بالله ، و تؤثره على زينة الأرض ومتاعها لتلجأ إلى الكهف حين عز عليها أن تعيش بهذا الدين مع الناس، وكيف يرعى الله هذه الفتية المؤمنة ، ويقيها الفتنة ، ويشملها بالرحمة .



صاحب الجنتين
إن كانت قصة أصحاب الكهف ، تمثل موقفا إيجابيا في السلوك من حيث صلته بمفهوم نبذ الزينة ، ... فإن قصة صاحب الجنتين تمثل موقفاً سلبيا من حيث صلة بطلها بمفهوم الزينة .
وهذا ما عليه كل قصة في هذه السورة ، فإن القصص الأربع تتناول نموذجاً إنسانياً يختلف الواحد فيه عن الأخر تجاه زينة الحياة الدنيا، حتى يشكل المجموع أوجهاً مختلفة لحقيقة واحدة ينشطر الناس حيالها فريقين :
فريقا ً ينبذ زينة الحياة الدنيا ، وفريقاً يلهث وراء الزينة المذكورة العابرة .
{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} (32) سورة الكهف


﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (35) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا(36)﴾سورة الكهف
إذن هناك رجلان ، أحدهما كافر ومشكك يحب الدنيا وأمجادها والرجل الأخر مؤمن لا يعنى بأموال الدنيا وزخارفها فالخطوط العامة لهذه القصة تحكي لنا طبيعة الاستجابة الآدمية للمتاع الدنيوي الزائل وطرق التعامل معه . لتنتهي إلى : {لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} (38) سورة الكهف وفي المقابل {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} (42) سورة الكهف.لأن صاحب الجنتين إتكأ على تقدير اجتماعي زائف الأموال والعشيرة لإشباع ذاته المريضة بحب الدنيا الفانية .

ذو القرنين
إن صاحب الجنتين دفعه حبه الملك الذاتي إلى تناسي نعم الله والتشكيك في اليوم الأخر والانغماس في ملاذ الحياة الدنيا، أما ذو القرنين فإنه مَلك الدنيا بأطرافها ليجتاز الاختبار الإلهي بنجاح، لم تقعده زينة الدنيا عن وظيفته الأساسية في الحياة وهي الدعوة إلى الله {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} (84) سورة الكهف .
وإن كان أصحاب الكهف هربوا من الدنيا من أجل الله، فإن ذي القرنين أنغمس في أفاق الدنيا بل تملك كل معالم الزينة وأخضعها لسلطانه من أجل الله كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه الله، وبالموازنة مع صاحب الجنتين نجد ذي القرنين أخذته العبادة الخالصة لله وجعلته يحتل مركزاً اجتماعياً تمثل بملك مشارق الأرض ومغاربها ومن عليها ، في الحين الذي ساقت صاحب الجنتين نزاعاته الذاتية إلى التباهي بالمال والعشيرة ففقد كل شيء .
أما ذو القرنين فقد استخدم كل ما يملك للدعوة إلى الله {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} (88) سورة الكهف




النبي موسى عليه السلام والعالم
إن التقابل بين أبطال قصة أهل الكهف وقصة ذي القرنين ، تكشف لنا بوضوح ، أن السياق الاجتماعي يفرض حينا لونا ً من التحرك في قلب الاحداث ، وحينا آخر سلوكا هو أقرب للسكون .
وهذان السلوكان يحكمهما الطابع الأخلاقي والعبادي وإن كانا متضادين في الظاهر .
وسنواجه هنا طريقة جديدة في التعامل حيال زينة الحياة الدنيا وكيفية الاستجابة لهذه الزينة .
وأن هذه القصة ستفصح لنا عن نمط آخر في التعامل مع زينة الحياة ونبذها ، وواضح أن التأكيد على الذات والتعريف بها أمام الأخرين يعد من معالم المكانة الاجتماعية التي تتطلع لها النفوس، بل من أبرز مظاهر الزينة الدنيوية التي يعنى بها الإنسان. ويبدو أن عطاءات السماء الكثيرة لموسى عليه السلام والتي فيها شيء من الإعجاز مثل : العصا ، واليد ، وفلق البحر ، والطوفان ، والدم ، والجراد ، والضفادع ، والقمل وتكليم الله ونزول الألواح عليه، داخل موسى عليه السلام شيء من الزهد أو العجب ونتيجة لهذا الاحساس كان هذا الحديث في نفس موسى عليه السلام (( لم يخلق الله أحداً أعلم مني )) فأرادت السماء أن تطلعه على الحقيقة ، بأمر الله موسى عليه السلام أن يذهب إلى ملتقى البحرين عند الصخرة ليجد (( رجلاً )) أعلم من موسى عليه السلام {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} (65) سورة الكهف ،ليتعلم منه إذن هدف ( الرحلة ) هو تقدير حقيقة أن الزهو العلمي لا ينبغي أن يداخل الشخصيات المليئة بعطاء الله وعبادته .



فموسى يمارس أعلى منصب عبادي وهو : النبوة والرسالة، وبطبيعة الفارق العلمي أو الشخصي بينه وبين شخصية مجهولة اجتماعياً، لا تبحث عن الجاه والمنصب الاجتماعي على الرغم مما أعطاه الله.
أردت السماء أن تطلع موسى عليه السلام على أن التقدير للذات ينبغي ألا يصاحبه شعور بالفوقية : أيا كان هذا الشعور
فالنمط الذي أعطي الخضر عليه السلام من المعرفة والحياة والسلوك الوظيفي لم يصل إليه موسى عليه السلام ـ_ وإن كان عليه السلام حجة الله في أرضه و أفضل خلق الله في زمانه_ ،لأن ما وكل به موسى لا يطيقه الخضر وما وكل به الخضر لا يطيقه موسى عليه السلام. ولذا كان اعتقاد موسى أن يتعلم من العالم فيما بعد هذه الرحلة لا من أحداثها كخرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار . وهذا يوضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الإنسان مسيج بحدود معينة من (( المعرفة )) لا يمكن تجاوزها .


الخاتمة
رسمت لنا السورة أربعة نماذج لتجسيد مفهوم الدعوة إلى الله من خلال (( الاختبار )) بزينة الحياة الدنيا التي ستزول يوماً ما ، ترك أهل الكهف المنصب الاجتماعي من أجل الله فيما استفاد ذو القرنين من منصبه الاجتماعي للدعوة إلى الله ورسمت لنا قصة (( الخضر )) شخصية هربت حتى من (( التقدير الاجتماعي )) الذي يشكل أحد مظاهر الزينة في الحياة الدنيا .


والحمد الله رب العالمين
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين



صالح محمد الغانم
جلسة ربيع الآخر

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 08:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد