16-01-2013, 02:56 PM | رقم المشاركة : 1 |
منتدى السهلة الأدبي
|
الوسطية والإعتدال في الفكر والنقد ــ حيدر الشريدة
الوسطية والإعتدال في الفكر والنقد ــ حيدر الشريدة جلسة صفر 1434هـ بعد أن تطايرت في المجتمع الشيعي شرارات، من بعضهم البعض خلال الأشهر الماضية ، ولن نسميها صراعات لأنها أصغر من أن تكون صراعات ، هي مجرد اختلاف في التوافق على أصل المفهوم أو الفكرة . فكان لزاما على الخطباء في هذا العام ، بأن يخصصوا ليلة من ليالي عاشوراء للحديث عن ثقافة الإختلاف ، وركزوا في حديثهم على الإختلاف حول القضايا الدينية ، وكأنهم استشعروا خطر أن تتفاقم شرارات الإختلاف وتصبح صراعات داخل البيت الشيعي ، وهو أمر جيد أن يلتفت الخطباء لذلك . أهل البيت عليهم السلام دعونا إلى الإقتداء بالقرآن الكريم الذي كان سباقا إلى دعوة الناس إلى الوسطية والإعتدال في جميع جنبات الحياة . مثل : الوسطية في إلاقتصاد - والوسطية في الصحة - والوسطية في العبادة وأخيرا والأهم الوسطية والإعتدال في الفكر . يقول تعالى في الوسطية في الإقتصاد : (( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما )) ، الآية تدعوا إلى وضع حدود لإستهلاك الإنسان . ويقول تعالى في الوسطية في الصحة : (( ولا تسرفوا إنّ الله لا يحبّ المسرفين )). وكلمة «الإسراف» كلمة جامعة جدّاً بحيث تشمل كل إفراط في الكم والكيف، ومنها الإفراط والتفريط في الطعام ، فكما أثبتت التجارب الطبية أن الطعام المفرط مضر للجسم وأيضا التفريط بالطعام يضعف ويوهن الجسم . والقرآن دعا إلى الوسطية في العبادة و عدم العزوف المطلق عن ملذات الدنيا - يقول تعالى : (( قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق )). في تفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي يقول : لقد اختار الإسلام ـ كسائر الموارد ـ حدّ التوسط والإعتدال في مجال الإنتفاع والإستفادة من أنواع الزينة، لا كما يظن البعض من أنّ التمتع والإستفادة من الزينة والتجمل ـ مهما كان بصورة معتدلة ـ أمر مخالف للزّهد، ولا كما يتصور المفرطون في إستعمال الزينة والتجمل الذين يجوّزون لأنفسهم فعل كل عمل شائن بغية الوصول إلى هذا الهدف الرخيص. وأما الوسطية والإعتدال في الفكر . يقول تعالى : (( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )). هذه الآية تحذر المؤمنين من أن لا تحول خلافاتهم وعدواتهم إلى منع الآخرين من حقوقهم ، ومن ضمن تلك الحقوق هي الحقوق الفكرية . الآية تدعو إلى إنصاف الآخرين وعدم الإعتداء عليهم وإن اختلفوا معنا في الفكر . الإختلاف في المجتمع الإسلامي ليس بجديد ، ولذلك نشأت المذاهب الإسلامية ، والإختلاف حتى داخل مذهبنا الشيعي. مذهبنا الشيعي تميز عن بقية المذاهب الإسلامية الأخرى بأنه فتح باب الإجتهاد ولم يغلقه ، كما فعلت المذاهب الإسلامية الأخرى ، وللشيخ الدكتور الوائلي لفتة جميلة حول الإجتهاد - يقول : إن الذين أغلقوا باب الإجتهاد أغلقوا باب الحياة . من الطبيعي أنك إذا فتحت باب الإجتهاد لطلبة العلم بالحوزات العلمية، ستنشئ اختلافات في الآراء والفتاوى مع الأخذ بالإعتبار أن هناك ضروريات في الدين والمذهب مثل أصول الدين .... لا مجال للإختلاف عليها. لكن هناك قضايا من الطبيعي الإختلاف عليها ، مثل - شعيرة التطبير - فهذه مسألة خلافية بين المراجع ، منهم من يحرمها ، ومنهم من يقف موقف الحياد لا مع التطبير وليس بضده ، ومنهم من يرى جوازها بل استحبابها . الإختلاف بين مراجعنا في الحوزات ليس بجديد، وذلك كما اسلفت بسبب فتح باب الإجتهاد ، فترى أن هناك مساحة واسعة لطالب العلم بالحوزة لإبداء آرائه وللآخرين في الحوزة الحق في الرد عليها ، لما كانت هذه الأبحاث العلمية في إطار الحوزة لم تنشئ الفتن الفكرية الموجودة بالساحة . ولكن لما نقلت إلى خارج الحوزة ، وتلقفها بعض الباحثين الغير مختصين بالعلوم الحوزوية ، وبعض عوام الشيعة ... من هنا بدأت الفتن لأنهم يفتقدون لأهم مقومات النقد ...وسأذكرها باختصار : 1- الكفاءة والعلم . يقول تعالى : ( ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ) ، ويقول في آية أخرى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) يجب ان نأكد أن العلم قاعدة أساسية يرتكز عليها الإنسان في مناقشاته وحواراته مع الآخرين ، حتى أن أمير المؤمنين أوصى ولده الإمام الحسن في نهج البلاغة – حيث قال - : لا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة 122 فالدخول في نقاشات من دون إمتلاك الأدوات العلمية ، يحول تلك النقاشات إلى مهاترات ، لا تخرج منه بنتيجة سوى ضياع الوقت وإثارة الضوضاء والصخب ، وغالبا ما يتحول إلى جدال شخصي بسبب افتقاد العنصر الأهم وهو العلم . صراع الأفكار والبحوث العلمية أمر محمود ، شريطة أن لا يتحول إلى صراع بين أصحاب الأفكار أو أصحاب البحوث العلمية . كثرة الأفكار والبحوث العلمية تحدث لدى المجتمع ثراء فكري ، والبحوث العلمية ليست مقتصرة على مجال معين ، الأبحاث في ( العلوم الدينية أو علم الفيزياء أو علم الكيمياء ، علم النفس ، علم الاجتماع ، علم الهندسة ... الخ ) ، كل تلك الأبحاث تنعكس إيجابيا على المجتمع على المجتمع ، نحن ما الفرق بيننا وبين مجتمعات دول العالم المتقدمة ؟ أحد الفروقات هو البحوث العلمية ، فحسب ما جاء في مقال ( في بحث نشر بعنوان : العالم الإسلامي.. أين هو في المجال العلمي؟ ... للكاتب / أ.د. هشام سليمان أبوعودة ). البحث منشور بتاريخ / في 1 ديسمبر 2012 – في موقع رسالة جامعة الملك سعود : تتضح الحالة العلمية «الراكدة» لدول العالم الإسلامي عند قياسها بمدى مساهمة المسلمين في مجال العلوم بالنسبة إلى دول العالم الأخرى، وخصوصاً الدول المتقدمة. في عام 2010م بلغت نسبة المسلمين 23,4% من سكان العالم، ولكن الدول الإسلامية مجتمعة لم تساهم في النشر العلمي إلا بمقدار لا يتعدى 2% من الإنتاج العالمي، وتركز هذا الإنتاج في دول قليلة منها تركيا وإيران. ولو نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، وهو عدد المقالات بالنسبة لعدد السكان، لوجدنا أن الدول الإسلامية في مؤخرة الركب، فمتوسط إنتاج الأبحاث المنشورة في الدول الإسلامية في عام 2000م كان 15 بحثاً لكل مليون من السكان، وارتفع هذا العدد إلى 42 بحثاً لكل مليون من السكان عام 2009م. ورغم هذه الزيادة التي تبلغ حوالي ثلاثة أضعاف إلا أن هذا الرقم ما زال ضئيلاً بالمقارنة مع الدول الأخرى إذا عرفنا أن الرقم وصل في كندا إلى 1355 بحثاً لكل مليون نسمة، و1241 بحثاً في بريطانيا، و894 بحثاً في ألمانيا، و682 بحثاً في كوريا الجنوبية، و516 بحثاً في اليابان، و172 بحثاً في روسيا. هذه الإحصائيات تعطيك إيحاء عن الحراك الفكري الموجود في العالم 2- التحلي بآداب النقد : قال تعالى : (( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) ، هذه الآية وآيات أخرى تدعونا إلى التزام الأدب مع الكتابي وهو مختلف معك في الدين ، فكيف مع إخوانك من المسلمين ، بل الأشد ... كيف مع إخوانك المؤمنين في المذهب الواحد . إسقاط الآخرين لمجرد اختلافك معهم امر غير مقبول على كافة المستويات ، وقد رأينا في أمثلة وشواهد كثيرة مرت علينا ، كيف يهاجم المؤمن أو العالم أو الباحث .. أيا كان صفته ، لمجرد عدم اقتناع البعض بحديثه ، أو تعارض بحثه أو أفكاره مع هوى البعض . فيستخدم البعض... ومع الأسف .. منصبه – في اتهام المعارضين له في دينهم وفي أخلاقهم – بدون كياسة عقل وبدون لياقة أدبية . 3- سمو الهدف : أن يكون الدافع لكتابة نقدك هو البناء وليس الهدم ، أن لا تجر قلمك لتهتك حرمات المؤمنين ، ان لا يكون الحقد والحسد وبقية الأمراض الروحية سببا لذلك . وهناك رواية عن الإمام الصادق عليه السلام - تقول - : " من بهَّت مؤمنًا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه الله يوم القيامة على تلٍ من النار حتى يخرج مما قاله فيه ، ومن روى على مؤمنٍ رواية يريد بها شينه وهدم مروّته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان ثم لا يقبله الشيطان ) بحار الأنوار – المجلد 72 – ص 216 4- - هدف نقدك .. هو إظهار الحق : أن لا يكون الغرض من نقدك هو إبراز الغلبة وإظهار الكمال والفخر أو التعصب وترويج الباطل وأما ما كان لإظهار الحق ورفع الباطل ودفع الشبه عن الدين وإرشاد المضلين وتنبيه الغافلين فهذا عمل عظيم . لكن التميز بين الأمرين هو في غاية الصعوبة وقد يدخل الإنسان في كثير من الإشكالات ، وكثيرا ما يشتبه بأحدهما بالآخر في بداية الأمر ، ولا نغفل دور النفس التي يمكن أن تلعب دور في وسوسة الإنسان على اخيه المؤمن ، نسأل الله ان يحصّن المؤمنين من تلك الوساوس. في هذا الغرض هناك رواية تقول : أن رجلا قال للحسين بن علي ، اجلس حتى نتناظر في الدين ، فقال يا هذا : أنا بصير بديني مكشوف علي هداي ، فإن كنت جاهلا بدينك فاذهب واطلبه ما لي وللمماراة ، وإن الشيطان ليوسوس للرجل ويناجيه ويقول ناظر الناس في الدين ، كيلا يظنوا بك العجز والجهل ، ثم المراء لا يخلو من أربعة أوجه إما أن تتمارى أنت وصاحبك فيما تعلمان فقد تركتما بذلك النصيحة وطلبتما الفضيحة وأضعتما ذلك العلم أو تجهلانه فأظهرتما جهلا وخاصمتما جهلا أو تعلمه أنت فظلمت صاحبك بطلبك عثرته أو يعلمه صاحبك فتركت حرمته ولم تنزله منزلته وهذا كله محال فمن أنصف وقبل الحق وترك المماراة فقد أوثق إيمانه وأحسن صحبة دينه وصان عقله . بحار الانوار – المجلد الثاني - ص 135 وصل اللهم على محمد وآل محمد
|
14-02-2013, 12:13 AM | رقم المشاركة : 2 |
طرفاوي جديد
|
رد: الوسطية والإعتدال في الفكر والنقد ــ حيدر الشريدة
أحسنت .......
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|