17-03-2010, 10:32 PM | رقم المشاركة : 1 |
منتدى السهلة الأدبي
|
أحــرار الــبــقــول جابر بن عبدالله الخلف
أحرار البقول المشارك: جابر بن عبدالله الخلف. أحرارُ البقولِ هي ما يُؤكلُ من غيرِ طبخٍ، والجرجيرُ نباتٌ من أحرارِ البقولِ. هذا التعريف المقتضب، هو ما ستجده في أي قاموس لغوي يقدم تعريفا لهذا التركيب اللغوي الجميل، ومن المجاز: البَقْلَة الحمقاء سيدة البَقْل، وهي ( الرِّجْلَة )، واستحمقت؛ لأنها تنبتُ في مسائل المياه، ويقال لموضع البقل: ( مَبْقَلَة )، وفي المثل: " لا تُنبتُ البقلةَ إلا الحَقْلَةُ "، والحَقْلَةُ الأرض القراح، ومن كلامهم: " أحمق من رجلة "، وذلك ؛ لأنها تنبتُ على طرق الناس فتُداس بالأقدام. طبعا أنا لا أعرف أول مَنْ أطلق تعبير ( أحرار البقول ) على الجرجير والخَسّ والبقدونس والهندباء والكَرَفْس، أو ما نطلق عليه في وقتنا الحاضر ( الحشائش الخضراء )، ولكنه تعبير يعجبني، فاخترته عنوانا لهذه المقالة ! وفي القاموس أيضا يوجد ما يعرف بـ ( البقلة الحمقاء )، و( بقلة البراري ). وتذكر المعجمات العربية قصةَ شخص اسمه ( باقل )، وهو رجل اشترى ظبيا بأحدَ عـشرَ دِرهمًا، فَسُئِلَ عن قيمته، ففتح كفيه، وفرّقَ أصابعه، وأخرج لسانه؛ كي يشيرَ إلى ثمنه، فانفلت الظبيُ من بين يديه ومِن خلفه، فـضرب به المثل المشهور ( أعيى من باقل )، فأصبح ( باقلٌ ) هذا مثلاً حيًّا لا يمحوه الجديدانِ على العِيِّ والحمق والغباء والفهاهة، وصعوبة الكلام أيضا !! ما يعجبني في عبارة ( أحرار البقول ) هي فكرة ( الحرية الطبيعية )، فهذه البقول تنبت كما تشاءُ، وفي أي وقت، فهي لا تنبت في أرومة ثابتة، كما أنها تنبت في الأرض القَرَاحِ اللينة الطيبة، وترعاها الماشية بتلقائية وحفاوة، فلا تبقي منها شيئا، ومنها ما يعرف بـ( البقول الربيعية )، ومنها ما يسمى ( بقول الشتاء )، كما يعجبني فيها خضرتها الدائمة، واشتغالها بحريتها وكينونتها !! و( أحرار البقول ) لا ترعاها الماشية فقط، بل كذلك أبناء آدم وحواء، وهي من المقبلات الطيبة على الموائد. وأعرف صديقًا لدودًا يستطيبُ أكلَها بشراهة وانفعال واشتياق، وكان يعجبني في طريقته، وفي أسلوب تقديمها على المائدة، فهو ينثرها نثرا في أناقة وعفوية، ثم يثيرها بالليمون والملح، فيترك لها مذاقا عاصفا، وكأنه يرى فيها حريته ورغباته وهواجسه ؟! ومن المعاني القريبة قول العرب: "سحابة حرة" أي كريمة المطر. فهنا اشتباك طبيعي بين معاني الحرية والكرم والخـضرة والنبات والربيع والمطر، وكأنّ معاني ( الحرية ) متلازمة مع كل ذلك !! أن تبقى البقولُ حرةً غيرَ مقيدةٍ، وطليقةً غيرَ مسجونةِ، ومستقلةً غيرَ محبوسةِ، فهذه حُرّيةٌ كفلها لها ربُّ العالمين على مرّ الأزمان، فمتى يا تُرى نصبحُ نحن الآدميين ( أحرارَ العقول ) ؟ الخميس 1 ذو القعدة 1429هـ
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|