منتدى السهلة الأدبي
جلسة شهر رجب لعام 1430هـ الموافق يوليو 2009م
قراءة نقدية في كتاب
تجديد الخطاب الديني
بين الحقيقة والأوهام
تأليف السيد الدكتور علي بن السيد طاهر السلمان
جابر عبدالله الخلف
الحلقة (1)
ابتدأت فكرة القراءة بنقاش عابر بعد صلاة الظهرين، يوم الجمعة 22 صفر 1429هـ، وأوقد الأستاذ طاهر الخلف فتيل هذه القراءة، وأرجو أن يشعل اتقادها أكثر بوهج نقداته وملاحظاته.
لن أخفي هواجسي التي تراودني منذ فترة بطرح أفكار هي عبارة عن ( أشتات مجتمعات ) حول مفاهيم فكرية متداولة، ولكنها غامضة، وكنت أتردد تارة، وأقدم أخرى، ثم أحجم.. وهكذا مرات عديدة، وكما قال الشاعر: ( هممتُ، ولم أفعلْ، وكِدتُ، وليتني ). والهدف من تناول تلك المفاهيم هو إثارة الحراك الثقافي الناضج الواعي؛ لتجاوز السائد والمكرور..
ومن تلك المفاهيم التي أتمنى أن ندير حولها نقاشا، ( التدين، الواقع، الحرية، الثوابت ) وغير ذلك، وجاء مفهوم ( تجديد الخطاب الديني ) في السياق نفسه، فكانت البداية.
• من هامش الخطاب الديني إلى متنه انتقل السيد علي السيد طاهر حين ولج في كتابه
( تجديد الخطاب الديني بين الحقيقة والأوهام )، فبدلا من الانشغال بصغائر الأمور ومكرورها يتقدم السيد علي خطوة رائعة في ( الوسط الديني الأحسائي ) المشغول بالهامشي والمعاد والمكرور.. !!
• لا يماري أحد في أن السيد علي قد طرح موضوعا مثيرا للجدل، وهو موضوع في الصميم من قضايا العصر والواقع، وهو أيضا في مقدمة القضايا المعاصرة؛ حتى إنني لما أردت أن أطلع حول ما كتب عن الموضوع في محرك البحث غوغل تحت عنوان الخطاب الديني بلغت العناوين ( في حينه ) من مقالات ودراسات بالعربية أكثر من 569000 مادة.
• لقد غدا تجديد الخطاب الديني حديث النخب الثقافية والدينية، بل غدا أيضا حديث الصحافة والإعلام الفضائي، فلم يفتر النقاش حوله في القنوات الفضائية في مطلع القرن الواحد والعشرين، كما لم تفتر النقاشات التي أثارها المفكرون التنويريون منذ مطلع القرن العشرين، وإن هي خبت حينا من الدهر تحت رماد الواقع المتأزم سياسيا وحضاريا واجتماعيا في طول القرن المنصرم؛ حتى لقد تعددت المفاهيم المترادفة لمفهوم التجديد، مثل: التحديث، والتطوير، والإصلاح، والنهضة، والإحياء، والاجتهاد..؛ بسبب تنوع الحراك الفكري والثقافي، وتجدد النقاشات الجادة والحادة بين التنويريين المجددين وخصومهم من حراس التراث القائلين بمقولة " ليس في الإمكان أفضل مما كان " !!
• إننا نعيش في زمن الأسئلة المحرجة؛ لذا ينبغي علينا أن نتسلح بالمفيد من التراث والأصالة كما ينبغي أن نتدرع بالنافع من المعاصرة والحداثة.. ولسائل أن يسألَ: لماذا نحن في زمن الأسئلة المحرجة ؟ والجواب ببساطة: لأنه كلما تأخرَ الجواب الناصع، كلما ازدادت الأسئلة المحرجة تراكما وإحراجا وضبابية !
• إننا في زمن الشبهة ـ كما هي كل الأزمنة ـ فهذه هي طبيعة الفكر وجدله مع الحياة والواقع لم تتغير منذ أن تسأل الإنسانُ الأول عن معنى وجوده؛ ولكي تغدو الشبهة وضاءة.. وناصعة.. ومثيرة.. هي بحاجة للتساؤل، والمزيد من التساؤل والوعي والحوار والنقاش !! وهي بحاجة أيضا إلى التحرر من جدل النقائض المذهبية، وأسطورة المذهب الرفيع.. وهي بحاجة أيضا إلى نزعة التحليل الموضوعي وقطوف دانية من التأمل!! وهي بحاجة أيضا إلى المفكر المتسائل والمتشكك؛ لأنه بالسؤال والشك تزول الحيرة، ويثبت اليقين ! وهي بحاجة ماسة أخيرا إلى التجديد في الحلول بدلا من التقليد واستنساخ المواقف التاريخية واستصحابها !
• للقارئ أن يتساءل عن معنى عنوان الكتاب الذي بين يدينا، وهو ( تجديد الخطاب الديني بين الحقيقة والأوهام ) لا شك أنه سيقف على معان كثيرة، ولكن أهمها هو: إن هذا العنوان سيتناول ظاهرة الخطاب الديني في حقيقتها الموضوعية، وسيتناول أيضا الأوهام والالتباسات المحيطة بالمفهوم من أجل الوقوف على مفهوم للتجديد أكثر وضوحا ونصاعة، وتتشابه العناوين التي تحمل الصيغةَ عينَها وإن اختلفت في التركيب اللغوي، مثل: ( تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف )، و( تجديد الخطاب الديني بين النظرية والتطبيق )، وطبيعة هذه العناوين تحمل صيغة موضوعية في معناها، ولكن لم تتضح تلك الموضوعية في الكتاب !
• بعض المشتغلين بموضوع تجديد الخطاب الديني يرى أنه طريق لا يجوز إغلاقه، وبعضهم الآخر يرى فيه أنه موضوع مثير للشبهات والالتباسات، وفي الوجهتين نظر، والحقيقة بينهما !
• يأتي موضوع تجديد الخطاب الديني في مقدمة مسائل الإسلام وقضايا العصر؛ ولذا لا بد من الوقوف عند مفهوم الخطاب الديني وأهم خصائصه، وماذا يقصد بالخطاب الديني ؟ وما هو الثابث والمتغير في الخطاب الديني ؟ وما دور المثقفين والإسلاميين في الخطاب الديني الحالي ؟ وهل التجديد هو مطلب ضروري داخلي أم يخضع لضغط خارجي ؟ ومن المسئول عن تجديد الخطاب الديني ؟ كل هذه الأسئلة المهمة لم يتوقف عندها الكتاب وقفة واضحة جلية، رغم أهميتها في التعريف بوجهة نظر المؤلف !
• إن من أهم خصائص التجديد بأنه ليس فرديا، وغير مفاجئ، ومن خصائصه أيضا بأنه تراكمي، ونوعي.. ومتعدد المستويات والأصعدة !!
يقول الدكتور نصر حامد أبو زيد: ( تنبع الحاجة إلى التجديد من مطلب التغيير، وهذا الأخير يصبح ضرورة ملحة حين تتأزم الأوضاع على كل المستويات والأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية على السواء ) حوار في مجلة النهج !
• نقلا عن السيد ضياء الموسوي يقول: ما طرحه السيد د. محمد خاتمي هو عين ما يدعو إليه الكثير من المفكرين العرب الإسلاميين: الدعوة إلى تصحيح الفكر الديني؛ لأن الدين شيء والفكر الديني شيء آخر، فالأول إلهي، والثاني بشري. المشكلة ليست في الإسلام، وإنما في التفسير الإسلامي، أي فيمن يفسرون الإسلام، الإنسان عبارة عن تراكم معرفي وتاريخي وحصيلة تراكمات من الحزن والمعرفة والقهر.
قلتُ: وعلى هذا كثير من المفكرين والمشتغلين بقضايا التجديد الديني !
• الكلام على الكلام صعب كما قال ذلك يوما أبوحيان التوحيدي ! ولذا سيكون الأمر كما قال أدونيس: ما قيل لي لا أراه، ما أرى لا يقال !
* * *
هذه محاولة لا أدعي لها الكمال، ولكنها يمكن أن تكون أكثر اكتمالا بمداخلاتكم !!
• ثمة جدل فكري بين من يرى ضرورة تجديد الفكر أولا، ثم الخطاب ثانيا، ولكن على الضفة الأخرى هناك من يرى عكس ذلك تماما، فالأولى والأقوى لديه هو تجديد الخطاب أولا ثم تجديد الفكر تاليا؛ باعتبار أن الخطاب هو آلية للفكر، وقبل تجديد الآلية ينبغي تجديد الفكرة، ولتجديد المعرفة لا بد من تجديد آلياتها؛ كي تتغير النتائج .
• يبدو أن كتاب السيد علي السيد طاهر السلمان ( تجديد الخطاب الديني بين الحقيقة والأوهام ) ينزع إلى الخيار الثاني باعتبار أن ( الخطاب ) يحيل إلى الممارسة؛ فلذا جاء العنوان ( تجديد الخطاب الديني )، وليس ( تجديد الفكر الديني ) كما يطرح محمد إقبال، فهو قد قال: ( ينبغي تجديد الفكر الديني في الإسلام للتغلب على التحجر الذهني ) !!
• منذ قراءة العنوان يطمئن القارئ بأن الكاتب سيتناول مفهوم التجديد في ( الخطاب الديني )، وطرح همومه حوله، ومناقشة المفهوم باعتباره مفهوما جدليا في الساحة الفكرية يتعلق بالممارسات والطقوس الدينية، ولكن ينتقض اطمئنان القارئ بعد قراءة المقدمة،
أو الفصل الأول، فيشعر أن الكتاب يتناول موضوعات شتى، وقضايا مختلفة، وربما لا يربطها رابط بعنوان الكتاب إلا ما يحاوله الكاتب دون فائدة، فقد غدا التجديد شبهة، وكانت الغاية أن يغدو ضرورة !! وبقراءة سريعة لفهرس الكتاب تتضح معالم هذه الملاحظة !!
• لم يحدد السيد مجالات التجديد التي يقصدها في الكتاب، هل هي شاملة، أم تخص مجالا بعينه كالتجديد في الفقه مثلا، أو في العقائد، أو في الفكر، أو غير ذلك ؟
• النقد هو جوهر أي عملية إصلاحية أو تجديدية، ولكن يلاحظ على الكتاب لم يوجه نقدا مباشرا واضحا لأي خطاب ديني في الساحة.. !! فلم يوجه الكاتب قراءة نقدية
( أي نقد ) للخطاب الديني المحلي بوصفه يتعايش معه ويتعاطى مع آلياته، وتمثيل أفكاره فكل خطاب يدعي لنفسه الحقيقة المطلقة، ويدعي لنفسه تمثيل المجتمع، أو يدعي لنفسه أنه فوق النقد فهو خطاب متعالٍ، وغير قابل للتجديد.
• لم يلتزم الكاتب بضرورة الحيادية في النقد فكما ينقد الكاتب دعاة التجديد بمعناه الخاطئ، أو المغالي، أو المسرف كما يراه هو، عليه أيضا أن ينقد ( الخطاب الديني ) وغلاته، ويكشف عن عيوبه الظاهرة والباطنة كالوثوقية، والثبات، واعتناق الأفكار السائدة حتى لو كانت خاطئة، والالتزام بالنزعة الاستصحابية، والتزمت، وإقصاء الآخر، والتمسك بالمسلمات المذهبية واعتبارها قدس الأقداس، وغير ذلك، فقد خلا الكتاب، أو كاد من تبيين سلبيات الخطاب الديني، فالروح النقدية والنزاهة والحياد من سمات ( الموضوعية ).. !!
• وقفة مع تعريف المفاهيم: التجديد، الخطاب، الدين !! منذ البداية لم يحدد الكاتب ماذا يعني بعنوان الكتاب، ولا بتأصيل المصطلحات التي يدور حولها الكتاب، فعنوان الكتاب يحتوي على ثلاثة مفاهيم مهمة وشائكة، وهي: مفهوم ( التجديد )، ومفهوم ( الخطاب والديني )، يقول الأستاذ محمد العلي: ( إحدى مشكلاتنا الكبرى بل المرضية المزمنة هي أننا لا نُعرّفُ الأشياء والمفاهيم تعريفا يوضح ويحدد ما نعنيه منها، إن لكل منا تعريفه سواء كان مصيبا
أو مخطئا ذلك لأننا نجهل سطوة اللغة ونجهل ما تغرسه فينا من الانحراف الذهني إذا لم تستخدم استخداما صحيحا ) جريدة اليوم، الأحد 25 ربيع الآخر 1425هـ، العدد 11321 !
• لم يتخلص الكتاب في مجمله من استعادة الأفكار الماضية نفسها، بترديد الكثير من النقولات والنصوص والاقتباسات التي تعتبر خارج مدار تجديد الخطاب الديني !!
• لم يتعرض المؤلف لرواد مدرسة الإصلاح والتجديد في عصر النهضة، وفي مقدمتهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي والطهطاوي والسيد محسن الأمين، الشيخ محمد جواد الجزائري، السيد هبة الدين الشهرستاني، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الشيخ محمد رضا المظفر، الشيخ محمد جواد مغنية، محمد أمين زين الدين، الشيخ مرتـضى مطهري، السيد محمد باقر الصدر، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، السيد محمد حسين فضل الله، السيد محمد حسن الأمين، الدكتور عبدالهادي الفضلي..، أو حتى الكتابة عن رواد التجديد في التراث.. فابن إدريس الحلي في عصره كان رائدا من رواد تجديد الخطاب الديني !!
• لم يتناول الكتاب الحديث عن تجارب في تجديد الخطاب الديني، مثل: تجربة كلية منتدى النشر، بريادة الشيخ محمد رضا المظفر، والكوكبة التي كانت معه، وحوله !!
هامش: انظر في كتاب جدل التراث والعصر، عبدالجبار الرفاعي مهم في الموضوع، خصوصا الفصل الثاني والملاحق، وأيضا تجربة السيد محسن الأمين التجديدية انظر كتاب
د. علي مرتضى الأمين.
• انشغل الكتاب بالتراكم الفلسفي والعرفاني لمفهوم الأخلاق.
• لغة الكتاب بشكل عام سليمة من الناحية النحوية والإملائية خلا بعض الأخطاء البسيطة، ومنها على سبيل المثال: فتح همزة إن بعد حيث ( حيث أن )، ورفع اسم إن إذا كان متأخرا، مثل: إن لنا تصديقان والصواب تصديقين ص62، وكذلك ص63 إن لنا تصديق والصواب تصديقا، ص107 فالعدل والصدق حسنين، والصواب حسنان، إلا أن لغته العلمية تنزع إلى الأسلوب الحوزوي، حيث تكثر العبارات ذات الطابع المدرسي الحوزوي، مثل: إثبات الصغريات على نحو الاستقلال، النتيجة تابعة لأخس المقدمات، بعض الأمور تترتب على المقدمات ترتب المعلول على علته، لا قصور في المقتضي وإنما القصور في القابل، كما هو ظاهر بحسب الارتكاز والفهم العرفي..
• منذ المبحث الأول في الكتاب حتى ص101 يتساءل القاريء ما علاقة كل تلك المقدمات المطولة، والاستطرادات المتكررة بالكتاب ؟
فمن النبوة ونظريات السعادة، إلى أطروحات تنظيم متطلبات الإنسان الروحية والمادية، إلى العقبات التي تعترض القانون الوضعي، إلى الخاتمية والشمولية، حتى قاعدة قبح العقاب بلا بيان.. إنها أكثر من مئة صفحة كاملة، والسؤال الذي يرافق القاريء هو: ما هي العلاقة بين تجديد الخطاب الديني، وكل هذه المقدمات والاستطرادات ؟!