|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
28-07-2009, 09:24 PM | رقم المشاركة : 1 |
إداري
|
( السهلة الثقافية) مجلة فصلية تعنى بتوثيق مشاركات أعضاء منتدى السهلة بالطرف
بسم الله الرحمن الرحيم أتشرف من موقعي الحالي كرئيس للدورة الحالية لمنتدى السهلة الأدبي أن أزف هذه الخطوة إلى كل المهتمين بمتابعة النتاج الأدبي والثقافي لأعضاء منتدانا ، فقد أنجزنا بتوفيق الله ولأول مرة منذ تأسيس المنتدى توثيق مساهمات الأعضاء التي يشاركون بها في الجلسات الشهرية في هيئة مجلة فصلية دورية يُراد لها أن تكون الخطوة الثانية في التواصل المتقدم مع جمهور الشبكة العنكبوتية بعد خطوة تأسيس قسم خاص بالمنتدى في منتديات الطرف، والذي خصص لإدراج ما أمكن جمعه من أرشيف مساهمات الأعضاء في الأعوام الماضية. وهذه نسخة من الإضاءة التي التي أدرجتها في مقدمة المجلة للتعريف بالمنتدى : إضاءة . . تأسس منتدى السهلة* الأدبي في شهر شعبان 1413هـ ، وقد أراده مؤسسوه أن يكون ملتقى يضم مثقفي وأدباء بلدة الطرف بالأحساء، فتحقق ما سعوا إليه حين عمرت جلساته الشهرية وأنشطته المختلفة بمشاركات ومساهمات متميزة من أعضائه وزواره. وهو ما انعكس إيجاباً في رفع المستوى الثقافي العام بالبلدة ، وملامسة أثر ذلك يمكن رصدها في صدور العديد من المؤلفات الذاتية لأعضاء المنتدى، فضلا عن فوز العديد منهم بجوائز على مستوى الأندية الأدبية الرسمية في المملكة وخارجها، وكذا مساهمة الأعضاء في إنجاح الأنشطة الدينية والاجتماعية والثقافية الأخرى بالبلدة؛ فأعضاء المنتدى كانوا ولا يزالون في طليعة الكوادر الفاعلة في خدمة الشأن العام بالبلدة. المنتدى يعقد جلسة شهرية يجلس إليها أعضاؤه ليتشاركوا نتاجهم الذاتي في المعارف والآداب الإنسانية المختلفة، فلا تخلو جلسة من مراجعة جادة لمصطلحات شرعية ولغوية و إنسانية اجتماعية وفنية ، وكذا يحرص المنتدى على رعاية العديد من الأنشطة التي تعزز رسالته في الوسط العام بالبلدة كرعاية الاحتفالات والمسابقات الثقافية والفنية، واستضافة الشخصيات العلمائية والأدبية والثقافية والأكاديمية. ومن أبرز النشاطات التي رعاها المنتدى على مدى سنوات: - مهرجان الشبل الرضوي - مسابقة الشيخ حسن السعيد للثقافة والفنون - موسم المشقر الثقافي - ندوة الحلقات - استضافة الشخصيات العلمية والأدبية والثقافية. وقد حرصت إدارة المنتدى الحالية على بدء نشر نتاج الجلسات الشهرية بشكل دوري كل ستة أشهر في إخراج فني مميز على هيئة مجلة فصلية انطلاقاً من العام الحالي 1430هـ، ونحسبها خطوة متقدمة لإيصال رسالة المنتدى إلى أكبر عدد ممكن من المهتمين في العالم كله مِـن خلال نشر نسخ من المجلة في منافذ شبكة الإنترنت المختلفة. وهي خطوة تلت تأسيس قسم خاص بالمنتدى في منتديات الطرف، لتدرج فيه على التوالي ما أمكن جمعه من أرشيف مساهمات الأعضاء بالجلسات الشهرية في الأعوام الماضية. كما لا يفوتنا ونحن نحتفي بهذا الإصدار أن نشكر الأخ العزيز عبدالله بن محمد الشريدة، لجهوده التي أثمرت هذا الإصدار، وخاصة تصميم الإخراج الفني المميز للإصدار، فضلا عن جهوده في متابعة توثيق المشاركات طيلة الفترة الماضية. يوسف خليفة الشريدة رئيس منتدى السهلة الأدبي * السهلة: أحد الأسماء التاريخية لبلدة الطرف الحالية بالأحساء ------------------------------------------------- وهذه قائمة بعناوين المواضيع المدرجة بالمجلة : - إضاءة . . . كلمة الإدارة ( يوسف خليفة الشريدة ) 1- ما لم يقله الخطباء . . . حسن علي الرستم 2- جولة في محاضرات شمس الدين من كتاب عاشوراء . . . حسن مبارك الربيح 3- مفردة الجرح، منطلق لمآرب أخرى . . . أحمد مبارك الربيح 4- أشد الأشياء في اللغة العربية . . . حسن علي الرستم 5- الإشكاليون بين أزمة الثقافة ومأزق الهوية . . . عيسى مبارك الربيح 6- تقطيع وَطَن ( شعر ) . . . حسن مبارك الربيح 7- أيها الحلبي ( شعر ) . . . حسن مبارك الربيح 8- آية الخمس . . . طاهر علي الخلف 9- سرير الغريبةــ غريب يرى نفسه في مرايا غريبته . . . جابر عبدالله الخلف 10- إجازات الخطاطين . . . عبدالله محمد الشريدة 11- النكتة، مساحة حرة للفضفضة . . . أحمد مبارك الربيح 12- شاطئ يغرف من محبرة ( شعر ) . . . أحمد مبارك الربيح 13- إن البكاء بحضرتها لغة غير هذه الدموع ( شعر ) . . . أحمد مبارك الربيح 14- حقيقة غضب سيدتنا الزهراء على الخليفتين . . . طاهر علي الخلف 15- من ملامح التعددية في المنطقة الشرقية ــ الأحساء نموذجاً . . . عبدالله علي الرستم 16- العبقرية العربية تعود من جديد ــ منير نايفه . . . طاهر علي الخلف 17- الفهم ما له وما عليه . . . حسن مبارك الربيح 18- صيام العشرة، وليس صيام عاشوراء !! . . . جابر عبدالله الخلف 19- مناهج كشف المعاني . . . حسن علي الرستم 20- خفة الظل ــ الشخصيات الكاريكاتورية . . . يوسف خليفة الشريدة 21- حينما يصبح الخرافي نقيضاً للثقافي . . . جابر عبدالله الخلف للتواصل مع منتدى السهلة الأدبي من خلال رئيسه عبر البريد الإلكتروني: mailto:alsahlah@gmail.com
|
29-07-2009, 02:47 PM | رقم المشاركة : 2 |
طرفاوي بدأ نشاطه
|
رد: ( السهلة الثقافية) مجلة فصلية تعنى بتوثيق مشاركات أعضاء منتدى السهلة با
|
30-07-2009, 04:32 PM | رقم المشاركة : 3 |
إداري
|
أشكرك مرورك الكريم أختي الفاضلة بوح أنثى
|
30-07-2009, 04:33 PM | رقم المشاركة : 4 |
إداري
|
من مواضيع المجلة . . حينما يصبحُ الخرافي نقيضًا للثقافي ؟! مفاعلتن مفاعلتن فعولن... حديثُ خرافةٍ يا أمَّ عمرو !! جابر عبدالله الخلف ورد في الأدبيات العربية بأن رجلا من بني عذرة يقال له (خرافة) قد اختطفته الجن ثم رجع إلى قومه فكان يحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها الناس فكذبوه فجرى الاسم على ألسن الناس . الخُرافةُ في اللغة: الحديثُ الـمُسْتَمْلَحُ الكذوب. أما مفهوم الخرافة: ــ حسب الموسوعة الحرة ــ فهو: الاعتقاد، أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي، أو منطقي مبني على العلم والمعرفة، وترتبط الخرافات بفلكلور الشعوب، حيث إن الخرافة عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال. كنت أظن بأن الخرافة ممارسة جاهلية بامتياز، وكنت أظن بأن الإسلام بقوانينه الحكيمة، ومنطقه القويم قد اقتلع جذورها بالمنطق القرآني، والعقل المتبصر اليقظ، ولكن ــ مع الأسف ــ لم يزل الخطاب الخرافي خطابا فاعلا حتى في عصرنا المعاصر تدعمه منظومة من المنامات والخيالات والحكايات والخزعبلات والترهات والأباطيل والأقاصيص المسموعة والمقروءة والمرئية. (1) ماذا يعني انتشار الخطاب الخرافي عبر الأقنية الإعلامية في عصر الفاءات الثلاثة ( الفضاء والفلك والفكر ) ؟! هل الخرافي دائما هو نقيض للثقافي، أم أن الأول يكون جزءا من الثاني أحيانا، والعكس صحيح .. أسئلة مهمة تحتاج إلى مزيد من التأمل والدرس .. !! (2) بداية لا أود الدخول في الفروق اللغوية والفكرية بين مفهوم الخرافة والأسطورة، فهذا الأمر ــ على أهميته القصوى ــ متشعب المداخل .. مختلف الرؤى .. متعدد المخارج، ويمكن الرجوع في ذلك إلى الموسوعات العلمية المتخصصة، ومنها: المعجم الفلسفي لجميل صليبا، ولكن سأكتفي بالطرح المبسط متخذا من هذه المقالة مدخلا لاستثارة الأسئلة، ومحاولة الإجابة عن بعضها، تاركا الباب مفتوحا للتعقيب والنقد والأخذ والعطاء والجدل المعرفي. (3) لفت نظري في أكثر من موقع مع إصرار مبالغ فيه بالاهتمام برواية المنامات، وسرد القصص الديني الذي يدور حول المغيبات، وإثبات الفضائل، وتكثير الكرامات حول بعض الأشخاص، والزيارات والأمكنة والأزمنة، والأدعية، ما دفعني لتناول هذا الموضوع الذي أرجو أن يثير أسئلة أكثر من أن يقدم إجابات .. فالسؤالُ اليقظ المستنير خيرٌ ألفَ مرةٍ من الإجابة العرجاء، والمعرفة هي سؤال حي لا إجابة ميتة !! (4) من خصائص الخطاب الخرافي تزييف الوعي، وتحييد العقل، والانشغال بسرد القصص الديني المرتبط بالفلكور الشعبي، ولذا هو ينجح بسهولة ويسر في أي مجتمع يتشكل خطابه الديني والثقافي بالقصص العجيبة، وتمتلئ فراغاته بالقص والحكي الذي يفرزهما المخيال الشعبوي والديني على حد سواء ؟! بعض الباحثين يرجع السبب في سيادة الخطاب الخرافي إلى تغييب الخطاب الفلسفي، وأرجعه آخرُ إلى انتشار ثقافة المشافهة والارتجال، بدلا من ثقافة النقد والسؤال ! وتختلف الأسباب، ولكن يبقى الخطاب الخرافي متسيدا القمة، والمعرفة العلمية تلوذ بالسفح .. أو تكاد !! (5) الأستاذ محمد العلي في مقالة له بعنوان ( الأسهل ) رأى بأن كل إنسان يشعر بأنه في أزمة يلوذ بجسرين للخروج منها: ( الأول: أن يخرج منها على جسر العلم. الثاني: أو يخرج منها على جسر الخرافة. أيهما الأسهل على الفكر والأعصاب ؟ لاشك إنه جسر الخرافة ــ لماذا ؟ لأن الخرافة تريح من التفكير في ( السببية ) إنها تلغيها، وبذلك تريح من عناء الإجابة عن السؤال: لماذا ؟ وهي تلغي الزمن، فلا معنى في رحبها للسؤال: متى ؟ كذلك تلغي المكان، فلا معنى عندها للسؤال: أين ؟ الخرافة جسر مريح؛ لأنه هو الذي يمشي لا أنت، تماما مثل جسور المطارات. لهذا السبب أصبحت الخرافة أشد سيطرة على السلوك الذهني لدى سائر المجتمعات من العقل، ما عدا تلك المجتمعات التي تجاوزت مرحلة الخرافة ). ولذا بسبب اختيار الأسهل لجأ الكثير من الناس إلى تصديق كل ما يتعلق بالمنامات والتخيلات، فكل ما تحتاجه كي تشعَّ من حولك هالة من الأنوار هو أن ترى مناما، أو تروي حلما، أو تنقل خبرا خارقا للقوانين الطبيعية، والسنن الكونية مشفوعا بأن المنام أو الحلم أو الخبر الخارق يرتبط بفضل ( زيارة ) ما، أو ملفوفا بخوارق العادات، أو محاطا بأسرار ماورائية لا مرئية .. فطالما العقل في بيات شتوي، والوعي في عطلة صيفية، والتساؤل في بيداء الوهم .. فلا بأس بسرد المنامات، وحشد الغيبيات الغرائبية في مدونة واحدة، وتقديمها للجمهور المتعطش لإرواء غلته الصادية من الأخبار الخارقة، والأقاصيص الخرافية، فينبوع المنامات لا ينضب، والأسرار الماورائية جديرة بأن تشكل وعي الإنسان في عصر ( المادية ) البغيض، والمشغول عن عالم الأسرار بالركض وراء الحس ! (6) ولا ينبغي نفي وجود الخرافة من أي مجتمع، فهي :" ترتبط بفلكلور الشعوب، حيث إن الخرافة عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال "، وهي داخلة في التراث الثقافي لأي أمة، وتعبر أحيانا عن جانب خفي من حياة الشعوب، ولكن لا ينبغي أيضا أن تغدو شريعة أو دينا أو عقيدة يستشفى بها لما في الصدور، ولا ينبغي أن تكون ممارسة يتمثلها الخطاب الديني كتعويذة من الشرور، وأيقونة تجلب السعادة، وتطرد الشقاء . (7) كان مشروع ( إخوان الصفا ) قبل ألف سنة هو تنقية الشريعة من الجهالات، لا أدري ما هو موقفهم من عصرنا حينما أصبحت الشريعة على أيدي ذوي المنامات، وأصحاب الخيالات ( شريعة ) للجهالات والمنامات والتخيلات، والويل ثم الويل لمن يتساءل، أو يدقق النظر، أو يتشكك فهو إلى جهنم وبئس المصير !؟ لم تفلح دعوة السيد هبة الدين الشهرستاني ت (1386هـ /1967م) العلماء إلى التصدي، وتحمل المسؤولية في نقد الخرافات، فقد قال بصراحة صريحة في الأربعينات من القرن الماضي في مجلته ( العلم ) في مقالة بعنوان: ( علماؤنا والتجاهر بالحق ) جاء فيها ما نصه: ( وأما في القرون الأخيرة، فالسيطرة أضحت للرأي العام على رأي الأعلام، فصار العالم والفقيه يتكلم من خوفه بين الطلاب غير ما يتلطف به بين العوام وبالعكس، ويختار في كتبه الاستدلالية غير ما يفتي به في الرسائل العملية، ويستعمل في بيان الفتوى فنونًا من السياسة والمجاملة خوفًا من هياج العوام (...) لكن هذه الحالة تهدد الدين بانقراض معالمه، واضمحلال أصوله، لأن جهّال الأمم يميلون، من قلة علمهم، ونقص استعدادهم، وضعف طبعهم، إلى الخرافات وبدع الأقوام والمنكرات، فإذا سكت العلماء ولم يزجروهم، أو ساعدوهم على مشتهياتهم، غلبت زوائد الدين على أصوله، وبدعه على حقائقه، حتى يمسيَ ذلك الدينُ شريعةً وثنيةً همجيةً تهزأُ بها الأمم ) . أقول بالرغم أن السيد هبة الدين الشهرستاني قد حمل العلماء مسؤولية نقد الظواهر الخرافية، إلا أنه شن هجوما لاذعا على (الجهال) .. " لأن جهّال الأمم يميلون، من قلة علمهم، ونقص استعدادهم، وضعف طبعهم، إلى الخرافات وبدع الأقوام والمنكرات" إذا كان جهال الأمم من قلة العلم، ونقص الاستعداد، وضعف الطبع يميلون إلى الخرافات والبدع المنكرات، فما بال علماء الدين والخطباء والنخبة المثقفة وغيرهم يرون ذلك ويسمعونه ويشاهدونه ولا يحركون ساكنا أو قلما أو خطبة .. ولكن تبقى الخطب الدينية، والبرامج التلفزيونية، والمواقع الإلكترونية تردد في حمى الغلو الديني ثقافة المنامات، ونسبة ذلك إلى (الدين الإسلامي) ظلما وعدوانا. (8) قد يرى أحدهم ( مناما ) حول وباء الطاعون، وفي المنام رأى بأن ذلك الوباء ( متجسدا في صورة شخص )، ولم ينكشف ذلك الوباء إلا بفضل المداومة على قراءة ( الزيارة الفلانية ) ؟! وقد تروي إحداهن حكاية ما، أو حادثة معينة فلم تكشف الغمة إلا بفضل ذلك الخيال اللامرئي في المنام الفلاني في البلد العلاني ؟! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قد يشفى المريض من السقام برؤية منام، وقد يستنزل الغيث السجام، وقد ترد الأموال المفقودة في سوق الأسهم بمثل هذه المنامات والخيالات التي أصيب المجتمع ــ لكثرة نقلها، وترديد أخبارها ــ بانفلونزا الخطاب الخرافي، وكأننا بطريقة تعاطينا مع الوسائل الإعلامية نبدأ من الصفر .. لا من حيث انتهى الآخرون ؟! (9) إن تغييب العقل النقدي، وثقافة المراجعة في خطابنا الديني والثقافي يوقع المجتمع في أسر الخطاب الخرافي، وهوس المنامات، فحينها يصبح الخطاب الخرافي نقيضا للوعي، ومستلبا له .. !! المزعج في أي خطاب يتبنى اللامعقول الديني هو محاولته الربط بين الخطاب الخرافي وبين الرموز الدينية التي تتمتع بالتكريم والمكانة والاحترام، مثل ربط المنامات بمكانة أهل البيت (ع)، أو ربط التصورات الذهنية عن تلك الرموز بما تتمتع به من مكانة واحترام، فكأن المتسائل حين يحاول الاستجابة الطبيعية لتساؤلاته الفكرية يُعارض بأنه ينكر المكانة الروحية لأهل البيت (ع)، بينما هو في الحقيقة يتساءل عن اللامعقول والتصورات الذهنية، وليس عن أهل البيت ومكانتهم الروحية المصانة بالمعقول العلمي، والمنقول الثابت الصحيح. يعتلي الخطيب المنبر مدججا بأقاصيص حفظها من هنا وهناك، ثم يسددها كالطلقة الماضية إلى وجدان مستمعيه وأحاسيسهم الجياشة، فمثلا لو أراد أن يثبت فضل الصلاة على محمد وآل محمد سرد حكاية من هنا، وقصة أخرى من هناك عن منام للعالم الفلاني ثم يسلسل القصة، ويختمها ( صلوا بأعلى أصواتكم )، وكأنه بذلك قد أعطى تخيلاته ومناماته صفة القدسية، ويشاطره الجمهور ذلك حينما يستجيب في لحظة الانفعال الديني لمثل هذه المنامات، ويتناسى بأن فضل الصلاة هو ثابت قطعا بالآية الكريمة المحكمة الدلالة ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )، فمن يتبع أمر رب الجلال، ويقتدي بملائكته حاز الفضل والكرامة والنجاح والتوفيق، وأحرز الصواب الصحيح، وكما قالت العرب: قطعت جهيزة قول كل خطيب. (10) يقول المفكر الإسلامي محمد مجتهد شبستري: ( إن البحث في خصائص وميزات خطاب الدين يحتم البحث في خطاب نبي الإسلام. فأول ميزة من ميزات خطاب الرسول هي استناده إلى منطق العقل ). ويتمم قوله هذا، ويسهله، ويستيقظ العقل به من سباته العميق قولُ الباحث عقيل يوسف عيدان: ( لقد كانت الاكتشافات العلمية الكبرى والأفكار الفلسفية العظيمة التي غيّرت وجه العالم وحياة الإنسان من نتاج العقول المشككة الباحثة دومًا عن الحقيقة، لأن الشك كما يقول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل (1970): " ثمرة من ثمرات البحث عن الحقيقة "، أو بتعبير المفكر الألماني فريدريك نيتشه (1900): " ليس الشك .. إنما اليقين القطعي هو الذي يقتل !! " ). (11) إن الأفكار العالية، والإنجازات الحضارية للأمة العربية الإسلامية لم تكن وليدة المنامات، بل كانت نتاج الفكر الحر، والتنقيب، والعمل الجاد، والمنطق العلمي، فلم يؤسس جابر بن حيان الكيمياء الحديثة بالمنامات، ولم يؤلف الكندي كتاب مبادئ الحساب الهندسي في المنامات ولم يبتكر ابن البيطار قوانين الصيدلة والطبابة بالتخيلات، وكذلك لم يُجرِ البيروني تجاربه على الجاذبية الأرضية بالماورائيات، ولم يعط الخوارزمي المعنى العلمي للجبر والهندسة بخوارق العادات، ولم ينكسر الضوء على يد الحسن بن الهيثم بالخرافات، ولم يؤلف الفارابي كتاب الموسيقى الكبير بالكرامات .. وكذلك ابن سينا والخيام والشريف الإدريسي .. !! وكذلك لم يصل مكتشفو لقاح الحصبة، ولقاح الجدري، ولقاح شلل الأطفال ووو، وكذلك مكتشف الأشعة السينية، وجهاز قياس الزلازل، ومكتشف الدورة الدموية، وخريطة الجينات البشرية، ومحرك البحث ( Google )، وموقع ( Facebook ).. لم يصلوا إلى هذه المكتشفات العلمية التي ساهمت في شفاء البشرية وعلاجها ورخائها بالمنامات !! (12) لقد اختلط الحابل بالنابل، والمنقول بالناقل، ولكن يبقى أن الكلمة هي فرصة أخرى للتغيير .. !! ختاما.. يقول الدكتور جورج طرابيشي: ( إن المجتمعات حينما تنوءُ تحتَ وطأةِ الشعورِ بالعجزِ عن التحكمِ بمجرى مصائرِها لا تجدُ ملاذًا آخرَ تحتمي به سوى اللامعقولِ سواءٌ في شكلهِ الدينيِّ أم في شكله السياسيِّ ). هوامش: · حتى مع فرض صحة هذه المنامات، كيف يمكن إثبات أن لها كل هذا الأثر والتأثير على البشر والحياة والكائنات، وكيف يمكن الاستفادة منها في تفسير الظواهر الحية في الحياة العامة للناس على الأرض وفي الطبيعة، ويمكن الرجوع إلى علماء النفس والاجتماع لتفسير هذه المنامات قبل الاحتكام إليها، ونشرها في وسائل الإعلام، وهناك نقاش عريض طويل بين المتخصصين في تفسير المنامات والرؤى والأحلام، يمكن الاستفادة من كتاب (الأحلام)، للدكتور علي الوردي. · ( رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة أخو بلحارث بن الخزرج النداء، فأتى إلى الرسول "صلى الله عليه وسلم" فقال له: ( يا رسول الله، إنه طاف بي هذه الليلة طائف، مر بي رجل عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسا في يده فقلت له: ( يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس ؟ ) قال: ( وما تصنع به ؟ ) قلت: ( ندعو به إلى الصلاة ) قال: ( أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ )، قلت: ( وما هو ؟ ) قال: ( تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله ). فلما أخبر بها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: ( إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها، فإنه أندى صوتا منك ) فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وهو يجر ردائه، وهو يقول: ( يا نبي الله، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى )، فقال رسول الله: ( فلله الحمد على ذلك ) " ألا تستحق هذه هذه المنامات التأمل عند المسلمين جميعا !؟؟ · منام التحقيق في تواريخ وفاة السيدة الزهراء (ع)، ورؤيتها في المنام تحث الباحث على عدم حرمان الشيعة من الأجر لو اعتمد رواية واحدة . هل السيد الزهراء (ع) تعارض البحث العلمي، وتحري الحقيقة التاريخية ؟! · مدينة المعاجز، وفيه الإمام علي نقطة باء البسملة، عبدالحميد المهاجر ومناماته المختلفة، ومنها منامه ورؤية السيدة رقية، وقولها له: بأنها تحبه، قصة الحسنين وجودة الخط في كتاب موسوعة الإمام الحسين، عبدالحميد المهاجر ورواية عقيقة الإمام المهدي التي عملها له والده الإمام العسكري، خبر المنام الذي رواه أحد السادة الخطباء في قناة المهدي حول وباء الطاعون في جنوب العراق قبل أكثر من 70 سنة، خبر المنام الذي نقله السيد هاشم السلمان حول فضل الصلاة على محمد وآل محمد . · يلاحظ على المنبر الحسيني بشكل قوي الدعوة إلى نشر ( تدين البركة )، و( ثقافة المنامات ) من خلال الخطابة، خصوصا بعد رحيل الشيخ أحمد الوائلي . · بينة الملحم: ( ثقافة المجتمع هي انعكاس لمدخلاته الفكرية ). · للأهمية انظر فصل ( تكاذيب الأعراب ) في كتاب الكامل في اللغة والأدب، ورؤية الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه ( القصيدة والنص المضاد )، واعتبار ذلك من جماليات القول، وتأليف الحكايات. · للأهمية انظر مقالة الأستاذ عباس محمود العقاد حول الأساطير في كتابه ( ساعات بين الكتب )، واعتبارها من ( أدب الريف ). · الخرافة ممكن تكون في الفتوى، أو في السياسة، أو في الاقتصاد، أو في تفسير الدين، أو في التربية والتعليم، أو في الحداثة، أو في الأدب، حتى في الرياضة .. !! ولكن طرح النقاش في الخرافة الدينية هي لخطورة تكوين العقل الخرافي في تفسير الظواهر الدينية والعقائدية. · " لقـد غالـى الـصفويون في الانـتماء للتشـيع حتى قالـوا بالـقرابة الـقريــبة مـن الأئمة، والاتصال الـغيــبـي بهم، وبثّ أحد أتباع إسماعيل شاه بـيـن الـعامة قصّة تقول: إنه أبصر الـشاه إسماعيل في طريقه إلـى مكة، بـيـن الـنجف وبغداد، وقـد ألبسه الإمام الـمهدي الـتاج الأحمر، فشدّه وعلّق الـسيف في حمائله، وقال له: "اذهب فقـد أذنـت لك" ! كما كتب إسماعيل نفسه إلـى شـيــبك خان أزبك، أنه إنما ظهر مصداقًا لحديث نـبوي يتـنـبّـأ بظهور رجل مـن فارس مـن نسل محمد، بل ادعى أنه كان يـنـتهي إلـيه هاتف غيــبـي بلا شك ولا ريــب !
وكان إسماعيل يؤكد لأتباعه إنه لم يكن ليتحرك إلا بمقتضى أوامر الأئمة الاثـني عشر، وبتسديد مـنهم، وبموجب هذا الزعم صار معصومًا ليس بـيـنه وبـيـن المهدي فاصل، وادّعى إسماعيل أيضًا بأنّه شاهد الإمام علي في المنام، وأنه حثّـه على الـقيام وإعلان الدولة الشيعية ". · انظر للأهمية كتاب ( الفقيه والدولة )، فؤاد إبراهيم.
|
30-07-2009, 09:47 PM | رقم المشاركة : 5 |
المحرر الإسلامي
|
رد: ( السهلة الثقافية) مجلة فصلية تعنى بتوثيق مشاركات أعضاء منتدى السهلة با
|
31-07-2009, 12:28 AM | رقم المشاركة : 6 | |||||||||||||||||||||||
إداري
|
بارك الله فيك استأذنا العزيز المحرر الإسلامي اقتراحك مرحب به , يعلم الله بأننا راسلنا عددا من الكفاءات بداية السنة الحالية, ولكن للأسف لم نجد تجاوبا يرضي طموحنا , ونحن نرحب بالجميع لحضور جلسات المنتدى والتواصل مع الأعضاء والإدارة , وأي مساهمة من خارج الأعضاء يشرفنا أن نحجز لها مكانا في منشوراتنا . نعم . . من الطبيعي أن نحرص على ضم من نستشعر إمكانية استفادتنا من تفاعله معنا ، مع ملاحظة أهمية أن يكون مالكاً للإرادة الذاتية للانضمام . وأنا أستفيد من هذه الفرصة لأعلم الجميع فسحنا المجال لأي راغب في الانضمام لجلساتنا أو المشاركة بمنشوراتنا بدون أي تحفظ ، بل مجالسنا وقلوبنا مشرعة للجميع. ويمكن للراغبين في حضور الجلسات مراسلتي برقم جوالهم حتى نضمهم لقائمة المدعوين الذين نحرص على تذكيرهم برسائل الجوال بمكان وتوقيت كل جلسة. أما بخصوص المجلة الشهرية ، فإصدارها يحتاج تكامل من الجميع في وقت قياسي نسبيا ، مع ملاحظة الإلتزامات الأخرى للأخ عبدالله المسؤول عن تصميم المجلة ، وأي تأخير من أي عضو من أصحاب المشاركات أو غيرهم يؤخر في إصدارها كما لاحظتم . وفقكم الله تعالى
|
|||||||||||||||||||||||
31-07-2009, 08:04 PM | رقم المشاركة : 7 |
إداري
|
من مواضيع المجلة . . . وأنا على يقين أن المهتمين بالثقافة الإسلامية العامة والأدب بالذات سيجدون متعة في قراءة هذه المحاولات الجادة من أعضاء المنتدى لتسليط الضوء على أكثر من عنوان هنا وهناك. الفهم ما له وما عليه حسن مبارك الربيح وكمْ مِن عائِبٍ قولاً صحيحًا = وآفتُهُ مِنَ الفَهمِ السَّقيمِ المرء يتفاعل مع ما يقرؤه أو يسمعه سلباً أو إيجاباً بحسب فهمه له، ولكن قد يقع المرء فيما يسمَّى بسوء الفهم فيقوده حكمه إلى نتائج وخيمة، وقد يقع المرء في مستوى آخر من مستويات الفهم فيخرج بنتائج مختلفة، وقد تكون مغايرة لما هو سائد من الفهم. موضوع الفهم من الموضوعات التي تحتاج إلى تجلية، فكل التباينات والاختلافات والنـزاعات والحروب في الآراء والأفكار مردها في الغالب إلى التفاوت في الفهم، ترى ما هو الفهم ؟ وكيف ينشأ ؟ وكيف يمكن تجاوز أسباب سوء الفهم ؟. بمرور سريع على كتب اللُّغة سنخرج ببعض المعاني، فهذا ابن مَنظورٍ يحدد معناه في: العلم، والمعرفة، رابطاً ذلك مرة بالقلب ومرة بالعقل يقول: ( الفَهْمُ معرفتك الشَّيء بالقلب فَهِمَه فَهْماً وفَهَماً وفَهامة عَلِمَه... وفَهِمْت الشَّيء عَقَلتُه وعرَفْته ) . وحدَّد الجُرْجانيُّ الفهم بأبسط تعريف، وهو: ( تصوُّر المعنَى من لفظ المخاطب ) والتصوُّر كما نعرف له ارتباط بالذِّهن. أمَّا أبو هلال العسكريُّ فقد استرسل في بيان الفرق بين الفهم والعلم: ( الفهم هو العلم بمعاني الكلام عند سماعه خاصَّة، ولهذا يقال فلان سيِّء الفهم إذا كان بطيءَ العلم بمعنى ما يسمع، ولذلك كان الأعجميُّ لا يفهم كلام العربيِّ، ولا يجوز أن يوصف الله بالفهم، لأنَّه عالم بكلِّ شيءٍ على ما هو به فيما لم يزل، وقال بعضهم لا يستعمل الفهم إلاَّ في الكلام ألا ترى أنَّك تقول فهمتُ كلامه ولا تقول فهمت ذهابه ومجيئه كما تقول علمتُ ذلك... والفهم في الكلام وغيره من البيان كالإشارة ألا ترى أنَّك تقول... فهمتُ ما أشرتَ به إليَّ، وإنَّما استعمل الفهم في الإشارة، لأنَّ الإشارة تجري مجرى الكلام في الدِّلالة على المعنى ) . فالمفهوم إذن هو ما يستفاد من اللَّفظ باعتبار أنَّه فهم منه معنى ما، فالفهم بهذا المعنى يشترك مع معنَى ( المعرفة ) القائم على الإدراك والتَّصوُّر، إلا أنَّ الفهم أكثر خصوصيَّة ودقَّة منه في إدراك الشَّيء وتصوُّره، وكأنَّه مستوًى أعلَى في مستويات المعرفة، فهو لا يكتفي بمعرفة الشَّيء فقط، وإنمَّا هو أشبه بعمليَّة هضم الطَّعام لامتصاص ما هو مفيد ونافع، فالفهم من جانبه يهضم الجملة للوصول إلى المغزَى والغاية من التَّعبير. نأتي إلى السؤال الثاني وهو: كيف ينشأ الفهم ؟. للفهم طرفان ينشأ بينهما، الأول هو النص والثاني هو المتلقي، والخلل في الفهم قد يتسبب به أحد الطرفين، فقد ينشأ الفهم من خلال تصور معاني الكلمات في النص من قبل المتلقي، واللغة بطبيعتها لا تقف عند معنى واحد للمفردة، لذا على المتلقي أن لا يقف على المعنى الأولي، عليه أن يدرك سياق الجملة أولاً؛ كي يحدد المعنى المراد فلا يقع في سوء فهمه، وقد يكون الخلل في النص نفسه بأن تأتي عباراته غامضة، أو مخالفة للوضع اللغوي فتربك المتلقي في تحديد المعنى. أمَّا في النص الديني ونقصد به القرآن الكريم والروايات الصحيحة، فالخلل في الفهم إذا وقع لا يكون إلا في المتلقي لقصوره في إدراك المعنى؛ لأنَّ النص الديني غايته الإرشاد والتوجيه للمجتمع. والاختلافات كثيرة حول النص الديني، حيث تشكلت من خلالها المذاهب والمعتقدات على مر العصور، فمنذ عصر الصحابة وأَغلبنا مرَّ على قصة: ( لا يصلينَّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة )، فصلَّى بعضهم حين دخول الوقت قبل الوصول إلى المكان، لأنهم فهموا من كلام الرسول (ص) التعجيل في المسير ( قراءة ما وراء السطور )، وصلَّى الآخرون عند وصولهم في المكان متأخرين عن الوقت؛ لأن فهمهم تحدد في العبارة نفسها، وأقرَّ النبيُّ (ص) الفهمين؛ لأن في مثل هذا الاختلاف توسعاً وتخفيفاً، وكانت الغاية تطبيق كلام النبي. أمَّا عن قصة بعض الصحابة الذين شربوا الخمرة متأوِّلين قوله تعالى: ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )، وكان ذلك في عصر عمر رضي الله عنه ، ثم دعاهم وقرّرهم بالحكم. ففي هذه القصة نلاحظ كيف أوقعهم فهمهم في نتائج وخيمة ؟، ولكن ما الذي دفعهم إلى هذا الفهم الذي جعلهم يحلِّلون ما انتهى القرآن إلى تحريمه ؟، أنقول سوء فهم ؟ أم أنه الهوى ؟ أم أنه تبرير لفعلهم الذي يأخذهم عليه المجتمع ؟. ومن الطريف ما حصل لأبي موسى العنـزي عندما قال: صلى إلينا النبي (ص) وهو من قبيلة عنـزة، وذكر الحديث عن النبي (ص) أنه صلى إلى عنزة ظناً منه أن الراوي يريد قبيلة عنزة، بينما العنـزة العصا. أيكون ذلك سوء فهم ؟ أم أنه قالها مزاحا ؟ أم أنه يحب أن يفهمها هكذا ؟. وظاهرة تعمُّد الفهم هي التي عمقت الخلافات بين المذاهب وشجعت التعصب الطائفي. بالتحول إلى النص الأدبي نتلمس من خلاله أسباب التفاوت في الفهم، ولنقف عند نموذجين، الأول حينما أتى الزبرقان بن بدر بالحطيئة إلى عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) لمَّا هجاه بالبيت المشهور: دع المكارم لا ترحل لبغيتها = واقعد فإنَّك أَنتَ الطَّاعمُ الكاسي فقال له عمر: ( ما أعلمه هجاك، أما ترضى أن تكون طاعمًا كاسيًا ؟ قال: إنه لا يكون في الهجاء أشد من هذا، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فسأله عن ذلك، فقال: لم يهجه ولكن سلح عليه !، فحبسه عمر، وقال: يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين ) ، إلى آخر القصَّة. من خلال هذه القصَّة يتَّضح الاختلاف في فهم بيت الحطيئة، فعمر تصوَّر أنَّه مدح، بينما الزِّبرقان فهم أنَّه هجاء، وحسَّان زاد عليه أنَّه هجاء مُذلٌّ، ترَى ما سبب هذا التَّفاوت في الفهم ؟. قد يكون السبب الأهمُّ في تصوُّر معنى المفردة، فعمر تصوَّر أنَّ ( الطَّاعم والكاسي ) تعني الَّذي يطعم ويكسو ( اسم فاعل )، وعلى ذلك يكون المعنى أنَّه كريم. قد يقول قائل: بأنَّ عمر أراد أن يمتصَّ انفعال الزِّبرقان ويهوِّن عليه، فتعمَّد أن يؤوِّل له هذا المعنى الإيجابيَّ، فهو بسجيته العربية لا يمكن أن يفوته المعنى الذي أراده الشاعر، وهو ما تصوَّره الزِّبرقان وحسَّان في أنَّ ( الطَّاعم والكاسي ) بصيغة اسم المفعول، وعلى ذلك يكون المعنَى أنَّه عالةٌ على النَّاس ليس له فضل عليهم مهما سعى في طلب المكارم، فهو مطعوم ومكسوٌّ. والنموذج الثاني نستجليه من ردود طويلة انتقد فيها الكاتب محمَّد العلي كتاب ( الحداثة في ميزان الإسلام ) لمؤلفه عوض القرني، وقد نشرت هذه الردود على أربع حلقات في جريدة الوطن الكويتيَّة، وكان ممَّا أخذه العلي على المؤلف الفهم القاصر الَّذي أوقعه في كثير من الأحكام الجائرة، يقول العلي ناقلاً كلام القرني: ( ويقول ص37: في عكاظ كتبت هدى الدَّغفق تحت عنوان اشتعالات فرح مثقل انظر لتناقض فرح له اشتعالات، وأيضًا مثقل. قالت هدى هذه من ضمن قصيدة حداثية طويلة، لا أريد أن أثقل عليكم بها كلها. ولكن أسمعكم منها قولها: لأنِّي نفيتُ من الحلم بالأمسِ سامرتُ قيظًا وجعًا منح الوقت وقتًا واحترى أن يمرَّ به الوسم لأنَّيَ عاصرت حالة دفني تجذَّرت بالرمل مارست توق الخروج عن الخارطة ولأنَّ الخريف طوَى قامتي ولأنَّ ... أهذا كلام العقلاء ؟ فضلاً عن أن يكون كلام الأدباء، أو كما يسمونهم المبدعين المتميزين. بعد تعليق السادة القرني هذا على قصيدة هدى الدَّغفق، أو على ما بتره من القصيدة بترا يمكن لأي قارئ أن يتساءل: 1. هو لم يفهمها، فلماذا هاجمها إذن ؟ 2. القصيدة وحدة متكاملة فمن أجاز له نقديًّا أن يقطعها إربًا إربًا ؟ 3. ماذا في القصيدة ــ شكلاً ومضموناً ــ من أشياء تنافي الإسلام ؟ إنَّ القصيدة تعبر عن تجربة عميقة وبأسلوب فني، أنا شخصيًّا أعذر السَّادة القرني حيث لم يصل إلى قاعه ) . العلي يشير إلى آفةٍ من آفات الفهم، إنَّه الانطلاق في الحكم دون استيعاب ووعي تامٍّ للمعنَى، فيكون الخطأ في الفهم وليس في الجملة الشِّعريَّة. الشِّعر يرتكز على الإيحاء في إيصال المعنى، ويستند إلى المجاز في معظم تراكيبه، ويكتفي بالتَّلميح للأشياء عن التَّصريح بها، لذا فعلى المتلقي إذا أراد أن يفهم أن يضع في ذهنه هذه الأمور، وإلاّ سيقول كما قال ذاك الرجل لأبي تمَّام: لماذا لا تقول ما يفهم ؟، فردَّ عليه سريعاً: ولماذا لا تفهم ما يقال ؟. وهذه الأزمة في الفهم بين الشاعر والمتلقي مستمرة إلى يومنا هذا، مادام المتلقي في منأى عن متابعة تطورات الشِّعر وفتوحاته في اللغة والصورة والرؤية، وعلى ذلك طرح "العلي" سؤالاً في نهاية مقاله السَّابق يقول: ( لماذا وقع السَّادة القرني في هذا الانزلاق في الفهم ؟!. وقع؛ لأنَّه لم يأخذ النص كوحدة متكاملة؛ ولأنَّه لم يستطع أن يلاحق الكلمات خارج معناها القاموسي وكأنَّ المجاز كله لا يوجد في اللغة العربية ) . الموضوع بحاجة إلى تجلية أخرى لتشعباته الكثيرة، وإن كنت قد أجبت ضمناً على الأسئلة التي طرحتها في بداية الورقة .. أترك ذلك للوقت .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مراجع المقال . . (1) ابن منظور، لسان العرب، ج 12، ص 459. (2) الجرجاني، التعريفات، ص 54. (1) أبو هلال العسكري، الفروق اللُّغويَّة، ص 69. (1) يراجع في ذلك الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية (93) من سورة المائدة. (2) يراجع سؤالات الدار قطني ص 27. (1) ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ص 65. (1) الوطن الكويتية، الثلاثاء 14 مارس 1989م ــ العدد: 5053، عنوان المقال: قراءة ساخنة في كتاب بارد 2، عرض ونقد محمد عبد الله العلي. (1) الوطن الكويتية، الثلاثاء 14 مارس 1989م ــ العدد: 5053، عنوان المقال: قراءة ساخنة في كتاب بارد 2، عرض ونقد محمد عبد الله العلي.
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|