العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 16-01-2009, 10:02 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي ( الضحك على ذقون المصطلحات ) عيسى مبارك الربيح

الضحك على ذقون المصطلحات

عيسى مبارك الربيح

« الحلقة الأولى »


العلم الذي عاهد الإنسان أن يخدمه، هل من الممكن تطويعه لمنافع الإنسان وألاعيبه ؟
المصطلح هو التعريف العلمي الخاص لأي علم، أو لأي مفهوم معين.
كما جاء في المعجم الوسيط.

وقد يستفيد الباحث العلمي من تعريف اللغة لمعرفة البنية والاشتقاق الأساس للفظ المصطلح أو استعماله الاجتماعي التاريخي عن طريق رجوعه للمعجميات اللغوية.

لكن يبقى فهم وتفسير الباحث هو المعوّل للمصطلح. بالرغم من أن هناك جهوداً علميةً كبيرةً في رصد المصطلحات ومحاولة تصنيفها وفهمها فهماً موضوعياً لخدمة العلوم، لكن لا يعني أن المصطلحات في أمن وأمان من الذاتية والتسيس والتلاعب العلمي والنفعي لمن يستخدمها وينشرها.

في هذه الورقة سنقوم بطرح المصطلح من ناحيته الاجتماعية ومدى تفاعل الناس بأنواعهم مع مفهوم هذا المصطلح.

وسنبتعد عن صياغة المصطلح فنياً من الجانب الفلسفي أو المنطقي.

لكن قبل كل ذلك لا بد من إيضاح بعض الأسس والمنطلقات التي تخدم هذا التناول.

1) تتميز المصطلحات على أنواعها أنها ذات حراك وتغير وتبدل وتطور، لأن رصدها وشرحها يعتمد على الفهم والتعليل العقليين وكلاهما متغيران.

2) تأثر المصطلحات بالبيئة والواقع الاجتماعي الذي انطلقت منه، لذلك قد تفقد حمولاتها في بيئة أخرى، وقد تنسحب ببيئتها لمجتمع آخر فتورط ذلك المجتمع، مثل مصطلح « تحرير المرأة » كما في الغرب، والشرق، عند الدينيين واللادينيين.

3) تنوع شراح المصطلح، مما يعني إعطاء آفاق كثيرة للمفهوم الواحد، هذا يعني أن علينا تصنيف فروع المصطلح ومعطياته، وتحديد المفهوم الدقيق منه وتحديد كذلك تياراته. فمصطلح الثقافة مثلاً يشير الشيخ مصباح اليزدي بأن له أكثر من «500 » تعريف، مما يعني أن لهذا المصطلح معطيات وتيارات وصور كثيرة.

4) تأثر الذاتية بالموضوعية في تناول المصطلح، ومن هنا تصاب المصطلحات بحمّى المزاجيات والذوات المتحيزة فتتأثر بأمراضها وعاهاتها، فتحيا الحريات المغلوطة، وتفسد الحقوق والضوابط والقوانين الاجتماعية. فالحرية « الفتاة المسكينة » قد تفقد شرفها العالي عند البعض، وقد تصون شرفها عن آخرين، وقد تدفن عند بعض آخر. وقد تردم بالمتناقضات لتلصق بالسحيق وبئس المصير.

5) إن للمصطلحات بعدين : بعد نظري تأسيسي، وبعد عملي وواقعي، فلكي تتكامل بنية المصطلحات الاجتماعية لا بد أن لا نثبتها فقد في الآفاق الذهنية، بل لا بد من غرسها في المجالات الاجتماعية المتنوعة لتتكامل معاني المصطلحات. ولكي يتبين قوة المصطلحات لابد من تمريرها اجتماعياً لتأخذ صولتها الأهم في أفاق العقول المختلفة وصراع القوانين والعادات الاجتماعية.
هناك الكثير من الأسس، لكن نكتفي بذكر ما سبق.

الآن سنتناول بعض ما يصيب المصطلحات من أمراض في مجالاتها الاجتماعية، وسنكتفي الآن بطرح خمس نقاط مختصرة. وقبل أن نذكر ذلك إليكم هذه القصة :

قال الذئب يوما ً لحمل وديع مر به على سفح جبل :

إن عندي أفكاراً خلاقة تبني بها حياتك وحياة قبيلتك.. ما رأيك أن تأتي غداً لأسمعك إياها. ثم أشار شيخنا الذئب بأصبعه مبتسماً : طبعاً تأتي لوحدك، لأنها سر خاص لأول مرة أبوح به لأحد..
هز الحمل رأسه متحمساً ومتشوقا.. وذهب جاء الغد..

الدرس الأول : الرعي في مروج الذئاب الرحيمة

الدرس الثاني : الاستمرار حتى تصبح ألفة بين الذئاب والخراف

الدرس الثالث : النظر خلف الأمور، ولا تعطي اعتباراً للأنياب البارزة، أو اللعاب السيّال، أو العواء المخيف. هذه هي لغة التواصل المناسبة لقبائل الذئاب.

الدرس الرابع : الثقة العمياء لشيخ الذئاب، فهو بخبرته يعلم مصالح الذئاب والخراف.

الدرس الخامس : اتباع شيخ العلماء «ذئبون باشا» التقي الورع الزاهد

• أولاً : المصطلح من الحمل إلى الخليط الاجتماعي

يفرز العقل المتحرك النواة الأولى للمصطلحات والمفاهيم، وتبقى تطوف وتعبر الأفق الذهنية، حتى تجد تلاقحاً وأهلية للخروج من دائرة الحمل إلى الدوائر الأوسع « الخليط الاجتماعي ».

يبدأ المفكر والمثقف الواعي لحراك المجتمع بتولّد أفكاره ومفاهيمه لمن حوله، وتنطلق المصطلحات من رحمه إلى المجتمع فتلبس لباساً آخر وتحيط بها أسئلة وتحديات أصعب، فيتضح البون الشاسع بين النظرية والتطبيق.

وكم توأد أفكار كثيرة حينما تبدأ بلحظات الإشراق، وكم تفهم مصطلحات فهماً مغلوطاً حينما يعلن عنها، فتودي بصاحبها إلى جحيم الهجوم والإقصاء. وكم تبقى أفكار في عمر الورود تحلق وما من ربيع اجتماعي يغني جمالها ؟

• ثانياً : مراحل نمو المصطلح

المصطلح كالكائن الحي، فهو يولد أفكاراً ثم ينمو ويصلب عوده فتتعمق المفاهيم والبنى أكثر، وهذه المراحل تحتاج إلى عنصر زمني تنضج من خلالها هذه البنى المترابطة، وتحتاج إلى آفاق ذهنية واسعة وسعة صدر رحب لاحتواء هذه البذور الفتية، فلكم تولد من مفكرين الكثير الكثير، فلم يتلاقفها إلا الجيل الثاني أو الثالث أو ربما التاسع، وكم انزرعت بذور في رؤس صخرية، لم تلاقي حقها من النمو الطبيعي.

• ثالثاً : المصطلح تسطيح أم حفر ؟

قد يطرح المصطلحات من ليس له أدنى علم أو فهم، فيزج بالمصطلح في تسطيح مجحف، وتبدأ حمى المغالطات والتحليلات الخاطئة، فتأتي السمكة لتصف الورود الجميلة، وتأتي السلحفاة لتصف النظرية النسبية لاينشتاين.

قد يسرح المفكر في خيالات تولدها ذهنه الفقير، ويتلاعب بقشر اللفظ، فيفسر الماء بعد الجهد با«OH».

خذ مثالاً : تحرير المرأة، ماذا جنى الأغلب من هذه الحرب الطاحنة، غير تلاعب المفردات وإدخال الفرعيات بالأصوليات، وتكسرت الحروب على الحروب.

لكن بنظرة متعمقة وذكية تورد غادة السمان رأياً رائعاً في ذلك، تقول : بدلاً من خوض الكثير وبذل الجهد والوقت في هذه المعمعة، لماذا لا تحرروا الرجل قبل، إنه هو الذي يسيطر ويتحكم بها، فهو ضحية قبل أن يكون جلاداًَ أيضاً.

• رابعاً : تسيس المصطلح

حينما يولد المصطلح ويترعرع وينمو، يأتي النافذون في المجتمع والأفكار والإعلام، ليضعوا الخطط المخيفة لتسيير هذه المصطلحات وحشرها في العقول، وربما التلاعب بالعقول وتخديرها، لصناعة جيل أعمى تقوده الأصوات المبهمة والمسيطرة.

وقد ينزج المثقفون والمفكرون في حمى هذا الصراع، فيرسموا للنافذين بقصد أو بغير قصد هذه الخطط.
في إطار ذلك يأتي السياسي المفترس ليتحدث عن الرحمة والعطف، ويأتي الشيخ الوديع ليتحدث عن القتل والسفك، ويأتي الرياضي المحترف ليتحدث عن الرياضة الروحية للعبادة، ويأتي الوهابي المتطرف ليتحدث الشيعي الإثنى عشري.

ويأتي الحاكم في خطبته ليتحدث عن الحرية، ثم يطلع صديقنا حسن، ليسرد له المطالبات المسكينة، ومن ثم يأتي الحاكم ويكرر ذلك فيقوم صاحبنا أحمد مطر، ليقول له : عفواً.. أين صديقي حسن ؟

• خامساً : موطن المصطلح في التمذهبات الدينية:

ماذا يعني أن يدعي أهل العلم الديني والمذهبي الموضوعية والحقيقة والدليل الشرعي، من ثم نرى النتائج والطرح والمنهج مختلفاً ؟

لماذا تضيع سفينة المصطلح في بحار العلماء الدينيين ؟

لماذا يخضع الناس لمزاج عالم أو تحيزه لشيء من الاتجاهات ؟

بينما يتعطش آخرون جهلاً لحقائق ومفاهيم دينية كثيرة ؟

هل الخلل في مصدر الاستدلال ؟ أم منهج الاستدلال ؟ أم فهم الدليل ؟ أم الدفاع عن رجال الدليل ؟
لماذا يظل البعض طول حياته يدافع عن حقبة تاريخية بحلوها ومرها، دون أن يغمس ريشة عقله بمحبرة الواقع المعاصر ؟

لماذا يحلو للبعض صنع تمذهبات وطائفيات تكون أخطر من خطر قنبلة ذرية تسحق العقول قبل الرؤوس ؟

هل القرآن والسنة النبوية المباركة تدعو لذلك ؟

لماذا ينهى البعض عن الفرقة والانشقاق، ثم نراه الخاسر الأول الذي يقع في ملعبه ومكانه ؟
إن تسيس الناس دينيا ومذهبياً لهو أخطر سلاح في كل الأزمان، فلقد اختلط السلاطين بالعلماء والمفسدين بالمصلحين ليخلطوا لنا هذا الخليط الفتاك.

وبدلاً من أن تمارس ثقافة الاحتواء، يعسكر النافذون الناس بعصا الإقصاء ورفض الآخر مهما كان على قرب واقتراب، وهي لغة سياسية لا هي من الدين في شيء.

في النهاية : يبقى أخطر مؤثر هو تسيس المصطلح سواء سياسياً أو اجتماعياً أو نفسياً أو دينياً فهو السلاح الأم لجميع ما ذكر.

أظنكم لم تنسوا قصة أخينا الحمل، وسيدنا شيخ الذئاب وشيخ العلماء ذئبون باشا.. الآن سنكمل القصة :
نزلت الخراف ترعى، وما هي إلا أيام، والمرعى مغطى بالصوف الملون بالأحمر. والذئاب تندب وتبكي هذا القدر والتضحية النادرة، بينما شيخ الذئاب وشيخ العلماء وبعض المعاونين تملأ الوادي ضحكاً هستيرياً، والدماء تسيل من أنيابهم مثل الحلي.

25/3/1429هـ

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-01-2009, 10:08 AM   رقم المشاركة : 2
ابن الشهيد
مشرف الواحة الإسلامية وهمس القوافي
 
الصورة الرمزية ابن الشهيد
 







افتراضي رد: ( الضحك على ذقون المصطلحات ) عيسى مبارك الربيح

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن أعدائهم

ررررررررررررررررررائع وأكثر من رائع حفظ الله يمينك .

 

 

 توقيع ابن الشهيد :
وطائفة منهم قد خطفهم الحسين منهم
ابن الشهيد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 08:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد