16-01-2009, 08:21 PM | رقم المشاركة : 1 |
منتدى السهلة الأدبي
|
كربلاء الحسين النموذج الذي احتاجته الأمة . . . . يوسف خليفة الشريدة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين؛ والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله الطيبين الطاهرين .إن الحديث عن الإمام الحسين(ع) يزرعنا في قلب المشاريع الإصلاحية الكبرى التي احترمتها التجربة الإنسانية كواحدة من أنبل وأصدق المواجهات التي استهدفت الظالمين والمستكبرين لاستخلاص حقوق العباد وحماية المقدسات من تجاوزاتهم. قبل أن ندخل إلى التجربة الحسينية، أجد من واجبي وصف بعض الخصائص العامة للصراعات التي تواجه المصلحين عموماً، وكيف كانوا يجتهدون للتغلب عليها؟! ثم لنميّز من خلالها بعض ملامح وخصائص ثورة الإمام الحسين(ع) كقائد وصاحب مشروع إصلاحي تاريخي . المشروع الإصلاحي يصطدم عادة بواقع أن الخصم المستكبر قوي ومتمكن؛ وقد حصّن امتيازاته الغير مشروعة بما وقع تحت يده من إمكانيات المجتمع العامة! وكذا هو خصم لا يتورع عن فعل كل شائن بحق خصومه. إذن . . المصلحون يواجهون حقيقة أن مشروعهم يُناكف طرفاً متغلباً ومتمكناً من جهة، وهو أيضاً طرف غير مأمون في ردات فعله على أي تحرك ومَطالب تستخلص منه بعض الحقوق التي سطا عليها. ولأن طبيعة الصراع الذي ينشده المصلحون يقوم بواسطة الناس الذين هم ميدان حركة المصلحين، فإن المصلحين يُدركون الحاجة الماسة لإعطاء الشعوب فرصة التعلم واكتساب الخبرة ونضوج التجربة في مناكفة الظالمين! فالشعوب مكوّنة من تكتلات ضخمة يصعب إقناعها بسرعة بقيمة مطلب معين وأنه يستحق بذل هذا المستوى من التضحيات من قِـبلهم لنيله. وهنا أيقن المصلحون أن خوض هذا الطريق يتطلب توفر بعض الوقائع لضمان نجاح المشروع. ومنها: 1- قيادة واعية وحكيمة وذات مصداقية عند الشعوب، لأن طريق الإصلاح وعر؛ وسيضطر الشعوب لتقديم تضحيات ضخمة جداً تطال أرواحهم وذويهم وحرياتهم وأعراضهم وممتلكاتهم، ومن حقهم أن يطمئنوا إلى أن تلك التضحيات بيد أمينة تسهر على استثمار كل ذلك بشكل صحيح لخدمة مطالبهم. 2- عرض الشعوب لنماذج عظيمة وملهمة لهم! وتلك النماذج تسهم بإنضاج تجارب الشعوب وتضعهم أمام واجب الوفاء لتلك التضحيات والمحاولات التي سبقتهم. إن إرادة الشعوب فعل اكتسابي تصقله التجارب والتضحيات والنماذج التي تأتي من رحم معاناتها، وهو ما يعرفه كل مصلح ينشد الإصلاح ويسعى له! لذا نفهم كيف أن المصلحين لا يستعجلون تحقيق الأهداف، بل يوطئون أنفسهم على التحمل والصبر عقوداً، وأن الأهداف المرجوة ستكون حصيلة طبيعية لتراكم التضحيات ونضوج الشعوب التي هي ميدان حركة المصلحين. الآن نأتي إلى المشروع الحسيني بالذات، والذي سنلحظ فيه أن الإمام الحسين(ع) كان يعي ما أشرنا له مِن أن الشعوب الإسلامية التي هي ميدان حركة الإمام بحاجة لوضعها أمام نموذج منفعل جداً في مواجهة الظالمين والمستكبرين؛ فالإمام لم يخرج بـ 72 من أصحابه ليكسب معركة آنية في كربلاء؛ بل كان يعرف مسبقاً أن هذه الحادثة يُـراد لها أن تكون الباعث للمستضعفين لأن يقتدوا بها في مواجهة المستكبرين مستقبلاً، كيف لا . . وقد برز الحسين بن علي بما يمثله من مكانة اجتماعية ودينية للظالمين مرخصاً كل شيء في سبيل ذلك . الإمام الحسين(ع) كان يعي أهمية الحادثة في رسم مستقبل الأمة، ولذا حرص على كل التفاصيل فيها، فقد سقى الماء للجيش الذي جاء يطلبه ابتداءً، وكقائد أثبت مصداقيته في أبهى تجلياتها حين لم يوفر ابناً ولا أخاً فيها، بل أرخص نفسه الشريفة في ذلك الطريق أيضاً. وقد بالغ في فضح لؤم خصومه ومدى قبح أخلاقهم حين كان يضعهم أمام اختبارات يكشف من خلالها مستوى إفلاسهم الأخلاقي والديني والإنساني للأمة. نعم . . حرص الإمام على إشراك كل مكونات المجتمع؛ حتى يضعهم جميعاً أمام واجبهم الشرعي والأخلاقي مستقبلاً، وأنه غير مقبول من أي إنسان أن يتخلف عن نصرة الحق مهما تواضعت إمكانياته الذاتية. نعم . . غير مقبول أن يتعذر شيخ كبير بضعفه وقلة حيلته بعد ذلك اليوم وهو يرى نموذج حبيب بن مظاهر، وغير مقبول من وجيه ذي مكانة اجتماعية في قومه أن يتأخر عن نصرة الحق وهو يرى نموذج زهير بن القين الذي بلغ به كرم التضحية في سبيل القضية أن جاد بنفسه، بل إنه غير مقبول أن يتأخر عبدٌ بعد أن اشترك جون الزنجي في ملحمة كربلاء جنباً إلى جنب مع بقية الأحرار في جماعة الحسين(ع)، وغير مقبول أن يبقى أحد منا سوطاً من سياط الظالمين بعد أن أعتق الحر نفسه وحوّل راحلته، وغير مقبول أن يتخلف شاب بعد أن جاد القاسم بنفسه، وغير مقبول أن تـتخلف امرأة عن النهوض بواجباتها في حفظ رسالة التضحيات التي يُقدمها قومها في سبيل الحق بعد أن رأى العالم أجمع مستوى تجلّد الحوراء زينب(ع) وقدرتها على ضبط انفعالاتها؛ ووعيها لطبيعة دورها المكمّل لرسالة تلك الدماء التي سالت هناك، فلم تخدش وجهاً ولم تشق جيباً بل وقفت أمام المصائب عزيزة ما دامت في مرضاة الله تعالى وفي سبيله. ووضعنا الإمام قبل ذلك وبعده أمام مصداقيته كقائد؛ وقد برز ذلك جلياً حين أرخص ابنه "علي الأكبر" في ذات الطريق الذي أذن فيه لصحبه، فضلاً عن أنه روحي فداه لحق بهم ولم يوفر نفسه أيضاً. الإمام الحسين(ع) كان يعلم بأن الشعوب تحتاج لنموذج قيادة ذات مصداقية يستحيل اختراقها أو التشكيك في مدى التزامها بالحقوق، وهو ما نجح فيه الإمام الحسين(ع) بامتياز، وقد وفر له أصحابه المخلصين ذلك؛ إذ لم يعرف الإمام أصحاباً خير من أصحابه كما عبر بنفسه، والشعوب أيضاً تحتاج تجارب نوعية بحجم ضراوة وتضحيات كربلاء لتكون أمام واجبها الذي ستضطر لمواجهته بعد أن تستوعب قيمة الحادثة وصدق والتزام رموزها وواجبها تجاه تلك القيمة التي قدمتها تلك الحادثة، وكيف أنها –أي القوى الشعبية- مدينة لأن تـفي بعض حق أولئك السابقين الذين نهضوا بمطالب محقة ورخصوا بكل شيء في سبيلها، وهذه القناعة يحتاج إدراكها وَوعي رسالتها وضع الشعوب أمام نماذج حيّة تكون ملهمة لهم؛ وتحوي ما يستنهض طاقاتهم الكامنة في نصرة الحق والثورة على الظالمين. كانت ثورة الإمام من حيث الزمان مرتبطة بالحكم الأموي حينها؛ ونلمس كيف أن الإمام من خلال حادثة كربلاء أسهم في تقويض دعائم الحكم الأموي، فأي حكم يحتاج لاستمراره توفر بعض المقومات والتي منها: الشرعية + المصداقية + الهيبة. أما الشرعية، فمجرد خروج شخصية بحجم ومكانة الإمام الحسين(ع) ضد الحكم الأموي يعني توجيه ضربة قاصمة لشرعية ذلك الحكم، وكيف بالإمام وقد بلغ به حد مقاومة ذلك الحكم إلى مواجهته عسكرياً. أما المصداقية، فقد استدرجت حادثة كربلاء الحكم الأموي لأن يكشف عن إفلاسه الأخلاقي حين ظهر بمظهر المتجرد من كل القيم والأخلاقيات العامة بتمثيله بالجثث وتركه لها دون دفن! وسبيه لمخدرات بيت النبوة وتعمد إذلالهن والتشفي بهن. وبالنتيجة ظهر بنو أمية بعد حادثة كربلاء في مظهر ولاة الأمر الغير جديرين بأن يكونوا أمناء على أي قيمة شرعية أو إنسانية للشعوب الإسلامية أبداً. أما الهيبة، فقد أبرزت حادثة كربلاء جرأة عزّ نضيرها، وخاصة بعد أن ثبت بضع وسبعون نفر بإمكانياتهم البسيطة بما فيهم من شيخ وطفل وشاب أمام تلك الجحافل وبإرادة صلبة وأقدام راسخة. كل ذلك وغيره كثير؛ أسهم في جعل حادثة كربلاء ورمزها التاريخي يحظى بمكانة على الصعيد الإسلامي والعالمي كأحد أبرز الوجوه الحرة والفذة التي تفخر البشرية بسيرتهم وتقف إجلالاً لتضحياتهم، وتعترف لهم بالسبق والفضل في تقديم نماذج تفيض حرية وإيـباء وذات مصداقية عالية. ( فيا أيها الوتر في الخالدين = فذاً إلى الآن لم يشفع ) نعم . . كان الإمام وتراً في الخالدين. السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفناءك ورحمة الله وبركاته.
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|