16-01-2009, 12:28 PM | رقم المشاركة : 1 |
منتدى السهلة الأدبي
|
( المرأة في عالم الشعر مرآة الحب والجمال ) باقر عبدالوهاب الرستم
عندما تحتشد الأحاسيس مشكِّلةَ كثافة هائلة من المشاعر الفياضة ، فإن المنطقة المزعومة لاحتواءها لن تكون في مستوى تلك الدعاية . إذن لا بد من أن تتحرر من قبضة الاحتواء لتخرج عبر الإفصاح عنها عن طريق آلية التعبير . وبطبيعة الحال فإن تلك الانفعالات في حركتها الذاتية غير خاضعة لمقاييس تحد من حركتها ، وتحد من تأثيراتها ، وبالتالي نجد المنفعلين بها " في كل وادٍ يهمون " لا تُخضِعهم أي أطر أو أي مقاييس . فالهيام الانفعالي هو انفعال الأحاسيس والمشاعر بمؤثر جمالي خارجي ليس فيه كذب ولا نفاق … يهيمون فيه حيثما هامت بهم أحاسيسهم ومشاعرهم ، وبمقدار الحالة الانفعالية التي يعيشونها تجاه المؤثر الخارجي لديهم . ضبابية التعريف : - بقدر انفعال الناس بالجمال وحديثهم عنه بقدر ما تباينوا في تعريفهم له، بل كثير منهم عرف الأثر ، ولم يعرف المؤثر . يقول الدكتور محمود جبر الربداوي : " … يفسرون الظاهرة بنتائجها لا بمقدماتها ، ويرون الموضوع من خلال آثاره " ، ويؤكد على أن ذلك " يتهافت في نظر العلم الصحيح " إذ أن " الذي يعضده وجهات نظر غير علمية ، وهي أقرب إلى الرومانسية منها إلى ثوابت العلم " . من يمعن النظر ، ويدقق في تعريفات الفن والجب والجمال فإنه يجد نفسه دون رغبة منه في جوٍّ فلسفيٍ معقد ؛ لأنه إذا رام الابتعاد عن الأجواء الفلسفية لم يجد تعريفاً ناضجاً . فالجمال فلسفياً : بوجه عام صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس سروراً ورضا . وبوجه خاص إحدى القيم الثلاث التي تؤلف مبحث القيم العليا ، وهي عند المثاليين صفة قائمة في طبيعة الأشياء " . وحسب تعريف أرسطو : " إنه ظاهرة تدركها الحواس الخمس ، فرادى أو مجتمعة ، فيحدث هذا الإدراك سروراً في النفس " . ويعلق الدكتور حسن ظاظا على هذا التعريف بقوله : أهذا كلام يا أرسطو ؟! إنك أيها الفيلسوف اليوناني العظيم … لم تعرفني ما هو الجمال ، بل هربت من ذلك إلى الحديث عن ( سرور) النفس ، وحتى هذا السرور فيه نظر . وانتقد الألماني ( بامفارتن ) والفيلسوف ( هيجل ) وأفلاطون ، ومع ذلك يقول في آخر مقالته : الجمال سيداتي .. سادتي ! مقدس ؛ لأنه توأم الحق والخير ، ولا علاقة له بالملابس والمساحيق " . ولا أعلم هل اعتقد الدكتور ظاظا أنه عرَّف الجمال ؟! ما أستطيع قوله هو التعليق على ذلك بنفس تعليقه على أرسطو : أهذا كلام يا ظاظا !! .. إننا لم نخرج بنتيجة .. إنك تتحدث عن الجهة التي يتمثل فيها الجمال ، ولكنه لا يعرف الجمال ، إنه تفسير لحالة وليس تعريفاً لها. هذه صورة من الضبابية الحاكمة على تعريف الجمال . عفواً أنا لم أكن راغباً في أن يكون الموضوع بطابع فلسفي ، ولكن كما قلت ذلك دون رغبة مني ، فاحتملوني لو تفضلتم إلى نهاية الموضوع . في بحث عن تعريف واضح نوعاً ما ، ويلمس اللب وجدت ( في حدود اطلاعي ) أفضل تعريف له هو تعريف الدكتور محمود جبر الربداوي : " إن الجمال هو الانسجام في الشكل والتوافق في الأداء إلى ما يسر البصر والحواس الأخرى ، فيحدث في النفس لذة وارتياحاً " . وإن كنت أشعر أن في هذا التعريف بعض العصور مما حداني أن أتجرأ وأضع تصوري لتعريفه، ظناً مني بأنه هو ما يلائم بعض الشيء المفهوم العام للجمال ، وهو : لون الصورة الجمالية الباعثة على لذة الاستجابة الملائمة للحالة الانفعالية الشعورية في مقام الذروة . أكثر الناس انفعالاً بالجمال : - أما أكثر الناس انفعالاً للصور الجمالية فيقول الدكتور الربداوي : " فشعراء العرب كانوا أكثر الناس ولوعاً بالجمال ، وأكثر تحسساً وتعاملاً به " وقال :" ألم يقل عز وجل في شأن هؤلاء الشعراء : ألم ترَ أنهم في كل وادٍ يهيمون " وقد كان وادي الجمال من أكثر الوديان التي شدت الشاعر العربي . فالشعراء العرب عشقوا الجمال في الطبيعة . وقد عرض القرآن الصور الجمالية على أن الانفعال معها حالة فطرية تثيره المظاهر الجمالية الخارجية ، يقول الناقد الفني الإنجليزي ( راسكن ) إن الشعور الجمالي غريزي في الإنسان ، أي إنه سابق على التجربة ، ويعبر ألكسس كاريل عن هذه الحقيقة بأسلوب آخر فيقول : إن الإحساس بالجمال موجود في الإنسان البدائي مثل ما هو موجود في أكثر الناس تمدناً ، وهذان العالمان من تلاميذ ( كانت ) الذي سبقهما القول : إن إدراك الجمال في الأشياء يعتبر إدراكاً مباشراً مستقلاً عن تصورنا لما هو جميل " الربداوي . وعندما نتوجه إلى الجمال المطلق سبحانه وتعالى فإنه يثيرنا نحو الانفعال معه "" الله نور السموات والأرض ، نوره كمشكاة فيها مصباح ، والمصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري ، يوقد من شجرة مباركة زيتونة ، لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضيء ، ولو لم تمسسه نار ، نور على نور" . ويدعم ذلك دعوة الآيات الشريفة المؤمنين للصبر وتبشرهم بعالم جمالي لا يفنى ولا يشيخ ، ذلك الجمال الذي يفوق جمال عالمنا اليوم والذي إذا ما قورن بالجمال الذي أعده الله لعباده المؤمنين عد من سقط المتاع ، ذلك الجمال الذي هو معرض للانحسار إذ يقول سبحانه : " قل متاع الدنيا قليل ، والآخرة خيرٌ لمن اتقى ( النساء 77) . أما المظاهر الجمالية في الآخرة فيقول عنها : جنات من تحتها الأنهار … خالدين فيها " ويقول : " فأما إن كان من المقربين ، فرَوْحٌ وريحان ، وجنات نعيم " ، ويقول : " على سرر موضونة ، متكئين عليها متقابلين ، يطوف عليهم ولدان مخلدون " . كل هذه الصور الجمالية التي تثير في النفس حالة من الانفعال الإيجابي الذي يوجه النفس للبحث عن ذلك العالم الذي يقرأ عنه ولم يره ، ولن يراه إلا وفق المفاهيم الإلهية ، بل هذا هو خياره الوحيد ، فإذا لم يختره ، فإنه لن ينال إلا : " طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم " . إذن الإثارة لابد أن تحرك في النفس رغبة الانخراط في سلك السائرين إليه ، كيف لا يخالطها لغو ولا تأثيم . طبعاً بصرف النظر عن الإثارة الهادفة نحو الجمال في القرآن الكريم نجد أنه يستخدمها كآلة من آليات الإثارة والإثارة والانفعال مع قضايا الحق والإيمان والآخرة . أثرى الجماليون جمالاً :ــ إننا لو التفتنا إلى تأثر الإنسان بالجمال وبروحه لرأينا أن أثرى جمالية هي في أكرم الموجودات … في الإنسان الذي قال الله تعالى عنه : ( لقد كرمنا بني آدم ) ، وفي الجانب الأرق والذي أودع فيه جمالاً يسكن إليه شغاف قلوب الرجال ، وأدع في الرجال ما يسكن إليها شغاف قلوب النساء ، إلا أن الجمال الذي أودعه تبارك وتعالى في النساء جمالاً مختلفاً يهتم به النساء قبل الرجال في إثارة قلوب الرجال وتسكين قلوبهم ، بل وامتلاكها ، وقد وقال تعالى عن تأثير ذلك الجمال الذي لدى النساء عندما أودعه في أحد عباده… في يوسف الصديق (ع) : ( وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه .. قد شغفها حُبَّاً ) أي حفر عميقاً في قلبها .. وشغاف القلب هو سويداؤه .. ولم يتحدث القرآن أو كتب اللغة أو كتب تراث العرب في الشعر والخطابة عن الشغاف في حب الإنسان لغير المرأة .. بمعنى أن الشغاف هو أعمق تأثر بالجمال .. وهو المرأة . يقول الدكتور الربداوي : " .. مرحلة قبل قيام الرسل .. عبر الإنسان فيها الجمال .. عبده بمصادره .. والحسن بينابيعه .. هذا الجمال المتوفر بكثافة في المرأة فقدس اليونان أفروديت .. وعبد الفينيقيون عشتروت إلهة الجمال والحب والخصوبة … وايزيس إلهة الجمال التي تمثل الأنوثة الصالحة الفاضلة عند الفراعنة .. الشعراء هم أكثر انفعالاً : ــ ولكن " أكثر الناس تأثراً بالجمال هم الشعراء " .. " فشعراء العرب كانوا أكثر ولوعاً بالجمال وأكثر تحسساً وتعاملاً به ، وقد تناولوه بروحٍ رومانسية " . حتى بعض المفسرين يفسر أن العرب عندما اخفقوا في النحت كاليونان مثلاً الذين مثلوا أفرويت وفيفوس ، ولم تسعفهم جزيرة العرب بالحجر الذي يصلح لصناعة التمثال ، ولم يكن بينهم مثاليون انصرفوا إلى التجويد في فن آخر هو فن القول أو فن الشعر . شعر الغزل أو ليس فن الوصف أيضاً تجسيداً جمال الطبيعة الساكنة والمتحركة ، وفن المدح والرثاء تمجيداً لجمال الرجولة وتغنياً بفضائلها ، وتخليداً الجميلة من مادية ومعنوية أو خلقية وخلقية ؟ فالشعراء إذاً يصح أن نسميهم عشاق الجمال ، مخلديه مهما كان الفن الشعري الذي يتخذونه . أما جمال الإنسان والمرأة بشكل خاص فقد استأثر بكل فن الشاعر العربي ، ويكاد يكون نصف ديوان الشاعر العربي عبر كل العصور تمجيداً للجمال الإنساني ، وتخليداً للملاحة التي آثر الله بها هذا المخلوق اللطيف الذي هو الإنسان . حتى القرآن الكريم عندما يعزم على تقوية معنويات المؤمنين ، ويشرح صدورهم للعمل الصالح فإنه يبشرهم بالجور كقوله تعالى : ( وزوجناهم بحور عين ) و ( قاصرات الطرف لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان ) و( حورٌ مقصورات في الخيام * فبأي آلاء ربكما تكذبان * لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان … كأنهن الياقوت والمرجان ) . تُنال تلك البشارات طبعاً وفق المقاييس السماوية ،وهي الانفعال من خلال الشرعية المبحية لذلك النيل ( وزوجناهم ) و ( أزواج مطهرة ) و ( من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ) و ( خلق منها زوجها ) . إذن الله تبارك وتعالى لم يخلق هذا الجمال ليحم منه أكثر الخلق انفعالاً به وأشدهم التصاقاً به وهو الرجل فشرع لهم ذلك الانفعال وذلك الاتصال من خلال الشرعية الإلهية ، وهي الزواج . أما الإباحيون فإنهم لا ينظرون إلى ما يمكن أن يتحول إليه هذا الجمال عندما يصيح مدعاة للانفلات والطيش ، والذي يؤدي إلى خراب المجتمعات كما هو حال أولئك الإباحيين في الغرب ، إذا أصبح أداة لانتشار الفساد والانحراف . هذا الجمال الذي يبقى مقدساً ومحتفظاً بقداسته ، وتلك الصورة هي التي حددها الإسلام . إثارات الجمال :ــ يثير الجمالُ - البالغ الكثافة – في المرأة العشقَ لذلك الجمال ولصاحبه … فبتعشقه الرجل ويتمنى امتلاكه ليحتفظ بقداسته .. ويملأ شغاف قلبه – عبر الزواج – بذلك الجمال .. والمادة التي تُعنى بترجمة ذلك الجمال إلى قوالب لفظية يتغنى بها عشاق الجمال هي الشعر ، وبالدقة : الغزل . إذ من البديهي أن يكون هذا الجمال أكثر تأثيراً في عشاق الجمال وأهل الإبداع في الحديث عنه … إنهم الشعراء .. ولذلك تطفح دواوينهم بأروع ما يقال في( الغزل ) .. بعضهم يهتم بجمال المرأة كمصدر للجمال .. وبعضهم يهتم بها كمصدر للغريزة والإباحية . بل حتى العرفاء يصورون عشقهم لله وذوبانهم في حبه يتمثلون كعشقهم للمرأة ولجمالها .. ولذلك نجد كل مفردات شعراء الغرام والعشاق لدى شعراء العرفان والتصوف كتعبير عن عميق ولههم وعشقهم لله سبحانه وتعالى . فالغزل هو إفراز عن حب أو تخيل حب ، ليس فيه مالا يقره الإسلام ، إذا كان خالياً من المجون أو الإخلال بالآداب العامة أوالتشهير بامرأة معروفة من بنات المسلمين . ويعقب الدكتور مصطفى جمال الدين (ره) ذلك بقوله : " وما أدري لماذا يكون موقف الرجل المسلم من المرأة وحبه لها والتغزل بها مختلفاً عن موقف نبيه الكريم الذي جعل حبه له ( واحداً من ثلاث ) وفي تسميته لأم المؤمنين عائشة بـ ( الحميراء ) نغمة هي من جرس الغزل " . ولو كان هذا الحب للمرأة وإفرازاته الوجدانية مكروهاً في الدين لما قال سيد شباب أهل الجنة ، الحسين بن علي (ع) لمن لامه في حبه امرأته : لعمرك إنني لأحب داراً ******** تحل بها سكينة والربابُ أحبها وأبذل جل مالي ******** وليس للائمي عندي عتابُ وفي دواوين الشعراء من ( فقهاء المسلمين ) كالشريفين – الرضي والمرتضى – من القدماء ، والسيدين الحبوبي والطباطبائي من المتأخرين أجود أنواع هذا الغزل .. بل يحتفظ تاريخنا الأدبي لعروة بن أُذينة – وهو من فقهاء المدينة بلامية لا تزال حتى اليوم من أروع هذا الغزل الغض الذي قل نظيره في شعرنا العربي " الديوان 81 –82-83 . ولكني أشك في الرواية التي تنسب ذانك البيتين إلى الإمام الحسين (ع) ؛ لأن الذي عاتب الإمام الحسين (ع) هو الإمام الحسن (ع) ، وهذا الموقف المشاكس من الإمام الحسين (ع) ( .. وليس للائمي عندي عتابُ ) يعتبر سوء أدب ، ولا يليق بالإمام الحسين (ع) فعله . ولَكَمْ روى القصاصون والناحلون أبيات بلسان شخصيات مرموقة ، وذات موقع اجتماعي وديني لتبرير ما هم عليه . عموماً عدم إثبات صحة هذين البيتين لا يعني إلغاء مشروعية الغزل ، ولم يكونا عمدة الغزليين من الفقهاء في إنشاد شعر الغزل . إذن ما دام الغزل لا يخدش رجولة الرجل ولا يتاجر بأنوثة المرأة ولا يخدش قداشة الاحتشام لدى المرأة وجمالها فلا محذور يُخشى منه ، ما دام قد توقينا منه . فالحب والجمال في عالم الشعر العربي ليس أداة للخدش والتلويث لأنوثة المرأة بل تقديساً وتمجيداً له . والفن في الحديث عنه هو : خلق الموازنة بين الالتزام وإشباع المعاني السامية للجمال ، وبلغة بعيدة عن الإسفاف والسذاجة والتعقيد . أخيراً أقول : القلب قد أضناه عشق الجمال*********والصدر قد ضاق بما لا يقال باقر الرستم 1416هـ
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|