16-01-2009, 10:57 AM | رقم المشاركة : 1 |
منتدى السهلة الأدبي
|
( من بكى أو تباكى ) باقر عبدالوهاب الرستم
من المسائل التي تلفت أنظار المتابعين للثورة الحسينية مسألة البكاء على الإمام الحسين (ع) والأجر الجزيل المترتب على ذلك . وفي هذه الأسطر سأتناول هذه المسألة بما أوفق إليه من حضورٍ ذهني وقدرة على صب ذلك على الطرس . عندما نريد أن نفلسف البكاء لتنفذ فلسفته الواقعية إلى قناعتنا فبأمكاننا أن نقول : البكاء والتحسر والتفجع، مفردات تفسر مجتمعة بطاهرة تحكي عن : حالةٍ انفعالية تعبر عن عمق الإدراك لظاهرة ما و لقضية ما مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوجدان وشعور السنان، قد تعرضت للحيف والسحق، أو لتعرض ذلك الحضور الوجداني والشعوري لدى الإنسان للتلف كالموت أو المأساة مؤلمة، وقد يكون البكاء لقضية شخصية محسوسة بالنسبة لصاحبها، كتعرضه لخسارة في تارة أو مكسبٍ ماديٍ، أو تعرضه لحادثٍ مؤلم يعبر عن ألمه بالبكاء والصراخ، وهذه حالة انفعالية محدودة جداً تنتهي سريعاً ؛ لأن مفعولها على الذات والوجدان والشعور سريع التلاشي . ويخالف البكاء والتفجع الابتهاج والفرح والسرور . ويمكن تعريف ذلك بـ : إنه انفعالات نفسية تظهر على الوجه بانفراج الأسارير، وقد تتجاوز ذلك بالبكاء فرحاً . وكلُّ ذلك تعبير عن استمتاع النفس وارتياحها تجاه قضية قد تكون فتحاً بالنسبة له أو لدينه أو لقضيته، تنسجم في واقعها مع نفسية المنفعل انسجاماً تاماً نتيجة استجابتها ودغدغتها لرغبات وعواطف المنفعل . واختلاف التعريفين ينبعث من حيث مبعث ومساحة التفاعل , فالأولى : يعني انسجام المعاني المؤثرة " الطاغية " في تلك الظاهرة المسحوقة والمضطهدة مع العقل المدرك في عمق الذات ( العقل الباطن )، فتنخلق حالة من الانفعال المعبر عن الحضور في المأساة حضوراً وجدانياً وشعورياً يعبِّر عنه بالحسرة والأسف . وتكون حالة التأثر تبعاً لطبيعة ما تتعرض له الظاهرة من أذىً ومأساة، وشدة ارتباط الإنسان بها استجابة لما يربطها به . وكلما تسامت القضية في وجودها وارتباطها بالإنسان، كلما استحقت ثمناً أغلى وأسمى، وكلما كان ذلك للقضية وثمنها كلما تسامت حالة الانفعال في الإنسان تجاهها، وكلما تسامى ذلك كله كلما تسامت الاستجابة الوجدانية وتعاضمت حالة الحسرة والأسف . فيما تتعمق تلك الاستجابة أو تتسطح تبعاً للانسجام الفكري وموقع القضية في عالم عقله الباطن، فقد تصل إلى حد الذوبان، وقد لا تتجاوز لقلقة اللسان . تلك المثارات التي تتسبب في البكاء ليست حالة نشاز كما تناولنها من الناحية العقلية، ولا يرفضها فقه الحياة الإلهي، وإنما المرفوض هو أن يتحول البكاء من الشعور بالثكل والمصيبة إلى صورة احتجاج على الله وقضاءه في عباده . وهناك راسات علمية عدة حول البكاء وفوائده النفسية والروحية والجسمية . وأولى الفوائد النفسية هو التنفيس عن حالة المعاناة التي يعيشها الإنسان بسبب تلك المثارات، عندما تتكاثف على النفس، فيحدث كبتها انفجاراً خطيراً يعود أثره السلبي على صحة الإنسان النفسية والجسمية . فرادة حاضرة : ما يجعل قضية الإمام الحسين (ع) ذات فرادة منقطعة النظير هو علاقتها بالله في كل جوانبها وزواياها وحقولها وحيثياتها ومعطياتها . ومن تكل الفرادة الدعوة للبكاء أو التباكي على الإمام الحسين (ع)، وهي دعوة لم تحدث إلا مرتين، الأولى على الحمزة عم النبي (ص ) والثانية على الإمام الحسين (ع)، وهما مثيرتان، لهما مداليلهما الفنية والإنسانية والفكرية والمأساوية، ولا توجد دعوة للبكاء في غير هاتين الحالتين إلا في الخشية من الله تبارك وتعالى . فالبكاء على الإمام الحسين (ع) يحاول إبراز الجانب المأساوي للقضية من ناحيتين : الأولى : بشاعة المأساة من حيث أسلوب التمثيل البشع، والشماتة الوقحة، والمعبرة عن انتقام قتلى اللاة والعزى من آل الله . الثانية : العائد المأساوي على القضية الإنسانية والدينية التي ناضل من أجلها الإمام الحسين (ع) والحمزة (ع)، واستشهادهما في سبيلها، ومن جهة أخرى تحاول أن تربط الأمة بالقضية التي أدت إلى استشهادهما . فعندما استشهد الحمزة وذهب كل أناسٍ يبكون على قتيلهم، تأثر النبي الأعظم (ص ) من ذلك، مع أن الحمزة هو أكثر الشهداء مأساة، وأن الإسلام أكثر تأثراً باستشهاده، فقال النبي (ص) : أما عمي الحمزة فلا بواكي له . فلم يُبكى شهيدٌ بعد ذلك إلا سبق البكاء عليه البكاء على ذلك الشهيد، فكان انشداد الأمة بالبكاء على الحمزة، وإلى دعوة النبي (ص) الأثر البالغ انشداداً قوياً وارتباطاً عميقاً بقضية الحمزة التي استشهد دفاعاً عنها . والأكثر إثارة هو الرويات المتكررة والمتواترة عن النبي (ص ) والأئمة الطاهرين (ع) إلى البكاء على سيد المظلومين والشهداء أبي عبدالله الحسين (ع)، وأن ذلك عملٌ يستحلب منه الأجر الجزيل من الله تبارك وتعالى، بل في بعضها وقاية البكاء للباكي من النار . وما يثير في الأمر أن الحمزة هو قتيل هند التي مارست المثلة الأموية حتى أكلة كبده، فوصفت بـ " آكلة الأكباد " وأن الإمام الحسين (ع) قتيل حفيدها، وقد مارس المثلة بصورة أخرى عندما ضرب ثنايا أبي عبدالله الحسين (ع) وهو يحتسي الخمر، وقام بسبي نساء رسول الله (ص) كأنهن من سبايا الروم والديلم . وأظن أن هاتين الدعوتين – البكاء على الحمزة وعلى الحسين (ع) – تمثلان الخط المستقيم الذي يماثل فرعه أصله، في مقابل الخط المنحرف الذي يمثل فرعه أصله، بل يعيش حالة واحدة عندما كان معلناً لشركه، ويزيد عندما تلبس بلبوس خليفة المسلمين ورغم ذلك قال : فلا خبر جاء ولا وحي نزل . وهناك روايات كثيرة أيضاً حول الزيارة وفضلها، سواء من خلال تلاوة الزيارة من موقع الزائر، أم القصد إلى القبر الشريف والزيارة من عنده . كل ذلك يزيد في التأكيد على ضخامة وهول المأساة والفاجعة في حق الإنسانية والحنيفية الإلهية ( الإسلام )، وضخامة الدور الذي اضطلع به سيد الشهداء (ع) وضخامة التي من أجلها تقدم الإمام الحسين (ع) ورحله المقدس، ومن معهما لسداد تلك الضريبة، وضخامة الإيجابية في الانفعال الإيجابي معها . وكادت قضية الإمام الحسين ودماءه الزاكية أن تضيع لولا لطف الله ( تبارك وتعالى ) وقضاءه بتخليدها، وذلك لارتباطها بالقرآن والإنسان الإلهي، وما بقي القرآن، وذلك الإنسان فإن قضية الإمام الحسين(ع) ودماءه الطاهرة سيظلان محوراً ومصدر إشعاعٍ لكل من أَنِفَ أن يُذَلَّ أو يُخْزَى . وبتلك الدعوات خلق البكاء ارتباطاً وجدانياً عميقاً وحياً ومشتعلاً مدى الحياة بالإمام (ع)، وأثار جوانبها الإنسانية والأخلاقية والفكرية، وأحيا لدى البكاءين الأجواء الكربلائية ليشاهد ذلك الباكين بعين بصيرته التي أسعفه البكاء على الحضور في معسكر الإمام الحسين(ع) ليشاهد روع التفاني والإيثار من أجل الله والإنسان الحر الأبي، وعمق المظلومية، ويرى من جانب آخر معسكر الضلال والمكابرة والجحود والخبث والحماقة من أجل متاعٍ قليلٍ وزائلٍ ودنيء . عندها تتشبع روحه بنداءات الإمام الحسين(ع) واستغاثته واستغاثات الأطفال والنساء ونحيبهم، فيقول بصدقٍ ووعيٍ وإيمانٍ، وروحٍ وتضحوية حسينية " لبيك يا حسين، لبيك يا زينب " عندها فقط يكون حسينياً حقيقياً من موقعه وفي موقعه . باقر الرستم 27/1/1418هـ
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|