علامات الوضع
(مقارنة بين توجيه الكلام فيما قاله الشيخان الجليلان)
ذكر في ص83: ومهما يكن من أمر، ولكي نتعرف على علامات الوضع والدس نستمع إلى أقوال الخبراء ثم نرى إن كان شيء منها ينطبق على محور البحث أو لا؟
قال أحدهم وهو العلامة الشيخ عبدالله المامقاني في مقباس الهداية قولا ستجد نظيرا له في كل كتب الرواية، وهذا ما دعاني للاقتصار عليه وتجنب الإطالة بنقل الأقوال العديدة:
ثم ذكر ثلاث علامات نقلا عن الكتاب، وهي:
1. إقرار الواضع بوضعه ...
2. معنى إقراره وما ينزل منزلة إقراره ...
3. قرينة في الرواية أو الرواية مثل ركاكة اللفظ ومعانيها ...
ثم علق بقوله: وبعد هذا الحضور القصير في مدرسة هذا العيلم الخبير، اسألني يا قارئي الحبيب، ما الفائدة التي يمكن أخذها منه؟
فأقول في الجواب: إننا لاحظنا كيف أنه كان في صدد بيان معرّفات الوضع وعلائمه، ولكنه بالرغم من ذلك كان يخفف من حدة كل علامه ويمنع من دلالتها على الوضع أو كفايتها للقول بكون الحديث موضوعا، وأن ذلك لا يكون بشكل قاطع لا رجعة فيه!!
ثم قال في ص86: ومن هذا النص العلمي – زيادة على ما ذكرنا – نعرف بأن الحكم بالوضع حتى بعد تمام قرائنه يعد حكما ظاهريا وظنيا، قد يقوى ذلك الظن وقد يضعف دون أن نجزم بذلك، وهذا النص يوجد على طبقة نصوص أخرى لعلماء الحديث لم أنقلها تجنبا للإطالة، وما نقلناه كاف في بيان تساهل الشيخ الراضي (حفظه الله) في حكمه بالتزوير والوضع، سواء مع هذا الحديث وتلك الزيارة وغيرهما، وهذا الكلام يعمّ الكثير من رموز التيار النقدي المعاصر.
ثم تساءل: بأي واحد من هذه الأسباب الثلاثة أخذ الشيخ الراضي؟
لقد جمع الشيخ الراضي في دعواه أكثر من علامة، كما جاء بعلامات أخرى للوضع لا يعرفها جميع الأعلام والمحققون السابقون عليه!!
ولم يتعامل مع هاجس الوضع والتزوير بشكل متطرف إلا أبناء العامة، ثم تسرّب هذا الهاجس لمن تعايش مع كتبهم وتقلب في صفحاتهم.
ونقول تعليقا على هذا الكلام:
أولا: ذكر الشيخ البن سعد، ثلاث علامات للوضع نقلا عن كتاب مقباس الهداية، ثم تساءل بأي واحدة أخذ الشيخ الراضي؟
ولا أدري لماذا لم يأت ببقية العلامات السبع التي ذكرها الشيخ المامقاني في كتابه مقباس الهداية، والتي قد تتوافق مع كلام الشيخ الراضي، فأذكر البقية وهي باختصار:
4. أن يكون مخالفا للعقل بحيث لا يقبل التأويل.
5. أن يكون إخبارا عن أمر جسيم تتوفر الدواعي على نقله بمحضر الجمع ثم لا ينقله منهم إلا واحد.
6. الإفراط في الوعيد الشديد على الأمر الصغير أو الوعد العظيم على الفعل الحقير...
7. كون الراوي سنيا، والحديث في خلافة الثلاثة وفضائلهم.
ثم قال: إلى غير ذلك من القرائن والأمارات الدالة على الوضع..
نلاحظ أن هناك مجموعة علامات للوضع أخرى ذكرها الشيخ المامقاني – لم يذكرها الشيخ البن سعد – بل إن المامقاني ذكر هذه العلامات ولم يخفف منها كما في العلامات السابقة، فهي إما أن تكون مقبولة لدى الشيخ المامقاني أو على الأقل يتوقف في صدها!!
فهل أخذ الشيخ الراضي بأحد من تلك العلامات؟
لنقرأ بعض ما كتبه الشيخ الراضي:
ذكر في الحلقة الثانية تحت عنوان: (سند حديث الكساء الموضوع) : أمارات الوضع ظاهرة على سند هذا الحديث وإلا قل لي بربك ما هو السبب الذي دعا هذا الحديث أن يختفي أكثر من 1000 سنة ولم يخرج إلا في القرن الحادي عشر أو الثاني عشر ولم يروه أحد قبل هذا التاريخ في كتاب لا ممن ذكر في سلسة السند الموضوعة ولا غيرهم من العلماء.
وقال بعد هذا الكلام بأسطر قليلة: إن عدم وجدان الحديث في الكتب المعتبرة، مما يدلل على ضعفه، فإن عدم احتواء الكتب المعتبرة على الحديث مع وجود الدواعي عليه مما يقوي احتمال وضعه.
نلاحظ أن هذا الكلام يشبه تماما العلامة الخامسة من علامات الوضع التي ذكرها الشيخ المامقاني وهي (أن يكون إخبارا عن أمر جسيم تتوفر الدواعي على نقله بمحضر الجمع ثم لا ينقله منهم إلا واحد).
أليس ذلك الفضل العظيم في حديث الكساء المعبر عنه (ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا إلا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا... ) أليس تغييب هذا الحديث تفويت على الشيعة في تاريخهم الطويل؟ أليس هذا الفضل العظيم من دواعي نقله بين العلماء والمصنفين؟
ثانيا: قول الشيخ البن سعد (لقد جمع الشيخ الراضي في دعواه أكثر من علامة، كما جاء بعلامات أخرى للوضع لا يعرفها جميع الأعلام والمحققون السابقون عليه!!)
وعند مراجعة بسيطة للبحث، هل يمكن اعتبار هذا الكلام صحيحا أم اتهاما؟
ونقول: إن الشيخ الراضي ذكر من علامات ضعف الحديث ودلائل وضعه في الحلقة الثانية تحت عنوان (وأما من حيث السند) فإن هذا الحديث لم ينقل في الكتب المعتبرة الروائية لا من السنة ولا من الشيعة، لا في الكتب الأربعة ولا المجاميع المتأخرة التي اعتنت بجمع الأحاديث في فضائل أهل البيت مثل بحار الأنوار ولم يتضح له سند إلى حد الآن.
ثم جاء الشيخ بشاهد على ذلك من أحد كتب الشيخ الطوسي: قال الشيخ الطوسي في كتاب الصوم من التهذيب حول اعتراضه على بعض الأخبار التي تنقل عن عالم له كتاب ولم يضمنه كتابه بل نسب إليه شفهياً كما في خبر منسوب إلى حذيفة بن منصور ولا يوجد في كتابه قال: وَهَذَا الْخَبَرُ لَا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ الْمُصَنَّفَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الشَّوَاذِّ مِنَ الْأَخْبَارِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ كِتَابَ حُذَيْفَةَ بْنِ مَنْصُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَرِيَ مِنْهُ وَالْكِتَابُ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحاً عَنْهُ لَضَمَّنَهُ كِتَابَهُ.
وقد وجدت في قراءتي ما يوافق كلام الشيخ الراضي، كلاما للشيخ محمد الريشهري بقوله:
(لكن شاع أخيرا حديث يحمل عنوان حديث الكساء، وهو واه لا أساس له... ثم قال: لم يرد هذا الحديث في أي كتاب من الكتب المعتبرة للفريقين، بما فيها الكتب التي تعتمد إلى جمع الأحاديث المنسوبة إلى أهل البيت عليهم السلام، كبحار الأنوار) <1>.
فهل اتهام الشيخ البن سعد، أن الشيخ الراضي جاء بعلامات لا يعرفها جميع الأعلام والمحققون السابقون فيه شيء من دقة البحث العلمي؟!
وها نحن جئنا بكلام للشيخ الريشهري، إضافة إلى قول الشيخ الطوسي الذي ذكره الشيخ الراضي في استدلالاته على ما أورده!!
ثالثا: أن الشيخ البن سعد، اقتصر في ذكر علامات الوضع عما ورد في كتاب مقباس الهداية ومع أنه لم يذكر إلا ثلاث منها فقط، لكنه علل سبب اقتصاره على هذا الكتاب بقوله: ستجد نظيرا له في كل كتب الرواية، وهذا ما دعاني للاقتصار عليه وتجنب الإطالة بنقل الأقوال العديدة.
فهل تقتصر علامات الوضع على هذه العلامات أم هناك غيرها ؟
الجواب: إن أهل الاختصاص قد أضافوا علامات كثيرة للحديث الموضوع، ومنها:
ما ذكره الشيخ الأميني في كتابه: (الوضاعون وأحاديثهم) فقد قسم علامات الوضع قسمين: في السند والمتن، وذكر منها 13 علامة.
وذكر مثلها الشيخ حيدر حب الله في بحثه بعنوان (الوضع في الحديث الشريف.. دراسة في المواجهة وأساليبها) في مجلة البصائر الإلكترونية.
فهلا أحسن الشيخ البن سعد الظن بالشيخ الراضي، وتتبع بقية العلامات الدالة على الوضع والضعف، لعله أخذ بعضا منها وطبقها على بحثه؟ وتجنب عبارة: أنه جاء بعلامات لا يعرفها المحققون السابقون.
--------------------------------------------------------------------
<1> الشيخ محمد الريشهري، أهل البيت في الكتاب والسنة، ص39.
جلسة شوال 1435هـ
طاهر الخلف