بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد وآله الطاهرين.
المنهجية بين الشيخين
بادي ذي بدء، وقبل الإشارة إلى بعض ما تميّزت به منهجية الشيخ حسين الراضي في بحثه عن حديث الكساء، ومنهجية الشيخ عبدالجليل البن سعد، وبما اتصفتا به المنهجيتان، أؤكد على أهمية تحديد المنهجية اللازمة لموضوع يُراد تحقيقه.
والمنهجية تتشكل من مجموعة من الأدوات والضوابط الإجرائية التي يستعين بها الباحث أو المحقق أو المدقق.
على أن غاية (التحقيق) تختلف عن غاية (التدقيق).
وأشير إلى بعض خواص منهجية الشيخ البن سعد في هوامشه التدقيقية:
أولا: اعتمد الاثبات بطريقة "نقض النقض" مع بيان بعض القواعد والضوابط.
وعليه؛ فإنه لا يتحمل الكثير لأنه يُلاحق ما التزم به الباحث الآخر، ورمى بذلك أو حقق الاختصار والدقة بما يتوافق مع هدفه، إلا أنني أرى أنه من دواعي التمامية لو أضاف في الطريقة الحلية الإثباتية.
ثانياً: الأسلوب المتبع في هوامش تدقيقية لا يناسب السواد الأعظم من المتلقين، وهذا مما يقلل من نسبة استيعابه بشكل عام.
ثالثاً: تميّز الشيخ ببسط العبارات الجاذبة لقارئيه، كما أنه لم يخل من الإشارات المُحذّرة والمبطنة في أدبياته.
رابعاً: استعان بكثير من النقاط الكاشفة لمنهجية الشيخ الراضي، وهذه رغم شموليتها؛ إلا أنه لا أعلم عن مدى حظها في تقييم الآخر، خاصة في إطار البحث المقصود، أو قد يمكن اعتبارها من المقدمات الموصلة للغرض.
أما بحث : "حديث الكساء بين التواتر والوضع"، فتميّز واتصف بصفات، نذكر منها:
أولا: تتميّز طريقته بالترتيب والتكتيك المؤكد، وقد نجح فيها الشيخ الراضي بنسبة عالية مما أعطاها ظاهراً أنيقاً يستهوي الطبقة المثقفة، وربما غيرها بشكل أكبر.
ثانياً: الحيادية عن تحرير محل النزاع:
فلم يتجه البحث إلى ما هو أكثر إلزاماً، وهذا خلل في حركة البحث رغم جمالية ظاهره, مما أدى إلى عدم التمامية في طريقة تحقيقه، وقد أغفل النظر في جوانب هامة:
أ- قال في الحلقة الأولى: ( حديث الكساء هو حديث وحادثة، وهو قصة متكاملة، ولكن الرواة كل واحد نقل من تلك الحادثة، فلأجل أخذ الصورة كاملة، علينا أن نجمع من تلك الروايات، ونؤلف بينها حتى تكون الصورة أكثر وضوحاً، وهذه تحتاج إلى وقت أوسع، ولذا سنبحث في أصل الحديث) انتهى كلامه.
وهو بهذا البيان قد أصاب محل النزاع، وجاد عن ذلك ولم يكمل هذه المرحلة المفصلية.
وكيف يمكن الوصول إلى النتيجة مع الإقرار بها كحادثة وقصة.
ب- ركز على الجهة السندية، ولم يتعرض لمضمون الحديث ومناقشته، إلا من حيث بعض الاستشهادات اليسيرة التي يراها مضعفة للحديث.
مثل: رواية الحديث عن الزهراء عليها السلام، وفيه قالت: قال الله تعالى، فكيف تروي عن الله تعالى مباشرة.
وهذا يُعارض بل يدفع بما ثبت للصديقة الزهراء عليها السلام بأنها المحدثة العليمة، فهو إثبات لهذا المقام للزهراء عليها السلام.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن قوة المضمون (وقد تميز به حديث الكساء)، وملاءمة وتوافق محتواه مع القرآن الكريم ومضامينه من المرجحات القوية، خصوصا إذا تم مبنى (أن قوة المضمون تغني عن السند) حال عدم وجود المعارض خاصة.
ج: أكثر الشيخ من مصطلحات تُعنى بخطورة التساهل فيما يرد عن أهل البيت عليهم السلام، ومن ذلك:
(فالإمام يدعو إلى توثيق الأحاديث التي تنقل عنهم سواءً كانت في الفضائل أو الأحكام أو العقيدة) انتهى كلامه.
ولا شك أن هذا الأمر مطلوب، ولكن - ومن المعلوم - أن هناك فرقاً في التعامل مع الروايات من حيث جمعها والجمع بينها جمعاً عرفياً، ومن حيث ما يحتاج إليه الوصول إلى هذه المجالات الثلاثة.
ومن هنا نرى عدم تمامية المنهجية.
لأنه لا يمكن إلغاء القيمة في المجموع، كما أن الحجية لا تقتصر على الاعتماد على ذلك، فالوصول للأحكام إنما يكون من مجموع ما يحتويه الاستدلال، وحتى الأحاديث المرسلة والضعيفة لها أثرها في التأييد أحيانا.
والجدير بالذكر هنا، أنه لا بد من طرح سؤال تقييمي يحدد موقع الحديث الشريف في هذه المجالات ما دام التعامل فيها ليس واحداً.
فهل التعامل في الاستدلال المتعلق به خاضع لما يتعلق بإثبات الأحكام الشرعية؟ ولا بد من التدقيق في السند والجمع بين الروايات والاستفادة من القواعد والأصول الأخرى، والنتيجة أن مجال الحديث ليس حكماً شرعياً.
أم اعتبار الحديث من متعلقات العقائد، فيورث ويحدد النتائج المترتبة على إنكاره؟
فإنه في مجال العقائد، لا بد من إثبات الكليات بالعقل، وفي الجزئيات بالنقل.
أم اعتبار الحديث متعلقا بالكمالات والفضائل، وهنا ستتسع دائرة الآليات في هذا المجال أكثر.
في رأيي، إن حديث الكساء متعلق بالجانبين الأخيرين، ففي إنكار الحادثة وآثارها أثر على مدى الإيمان بمقامات أهل البيت عليهم السلام.
ومن هذه النتيجة، لا بد من الإشارة إلى آليات الاستدلال بما يتعلق بالفضائل والكمالات، فهي وبحكم عملية الاستدلال هذه مع ما يتعلق بالأحكام الشرعية - علاقة العموم والخصوص من وجه - فهي تفترق في أفراد، وتجتمع في أفراد، على أن آليات الاستدلال في الثاني أوسع.
وقد تعرض الشيخ في هوامشه التدقيقية إلى أغلب هذه الآليات.
وفي الختام سأوضح هذه الآليات الاستدلالية، والتي كان بإمكان الشيخ الراضي أن يُعالج الموضوع بها جنباً إلى جنب ما تناوله.
الأول: سيرة المتشرعة
وهذه لها أهميتها في مجال الأحكام وغيره. ويكفي في تطبيق ذلك، عدم الردع عن الحديث الشريف من خلال المتشرعة.
الثاني: الشهرة
والشهرة تتحقق نتيجة لتعدد المصادر والطرق وتنوع الرواة، وهي تحقق الاطمئنان، خصوصا أنها خلت من المعارض، والشهرة متحققة في حديث الكساء.
الثالث: السيرة العقلائية
والذي يهمنا هنا ما يرتكز عليه العقلاء في بناء الاستدلال، والمناشئ العقلائية متعددة، نذكر أربعة منها:
1- العامل الكمي:
وهو عبارة عن تكثر مصادر الرواية وطرقها وتنوع رواتها وكثرة العمل بها، مما يؤدي إلى الوثوق بها، وإن لم تكن كاملة السند.
2- العامل الروحي:
وهو عبارة عن توافق الرواية من حيث مضمونها مع المضامين والملاكات العامة المذكورة في الكتاب والسنة القطعية.
والعامل الروحي له تأثير في حصول الوثوق بالمضمون.
3- العامل الأدبي:
وهو انسجام لغة الحديث وأسلوبه مع الأحاديث المسانخة له المعلوم صدورها. وهذا العامل موجود في كثير من الأدعية والأحاديث وكذلك في نهج البلاغة.
4- عامل الاحتمالات:
أي تحصل النتيجة بحساب الاحتمالات، وهو أن يؤدي تراكم القرائن إلى تصاعد احتمال الصدور حتى يصل إلى حد يساوي اليقين والقطع، فضلا عن الاطمئنان، كما أن عدم الاعتداد بالاحتمالات يُخْسر الظفر بما هو مُحتمل.
وبهذا نختم هذه المناقشة والإضافات، وأسأل الله أن ينفعنا بها وأن تكون لبنة نافعة مباركة، والحمد لله أولاً وآخراً.
جلسة شوال 1435هـ
علي صالح الحجي
28-08-2014, 06:56 PM
المنهجية بين الشيخين (من موضوعات الندوة) - علي صالح الحجي
