السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك يا ابن رسول الله
أرجو أن تكونوا قد تهيأتوا نفسيا وروحيا لاستقبال هلال عاشوراء
الناس في العادة يترقبون هلال رمضان وشوال وذي الحجة لما يترتب على ذلك من آثار شرعية وفقهية , لكن هلال عاشوراء, حاله معنا وحالنا معه مختلف .. الحديث عن هلال عاشوراء ليس حديثا عن حكم شرعي و أثر وضعي بل هو حديث عن القلب وعن العشق و إن كانت الحكم الشرعي يمكن أن يكون مرادا هنا إلا أن المراد الأصلي هو أمر آخر
حين تكون على موعد للقاء حبيب أو لفراقه كلما اقترب موعد الرحيل ازداد الهيجان والتعلق حتى إذا أعلنت دقات الساعة على قرب الموعد وصل الهيجان إلى ذروته والشوق إلى أشده .. في الواقع هلال عاشوراء هو بمثابة البدء بدقات الساعة الأخيرة للإعلان عن موعد الرحيل والفراق لتعلن للمحب أن عليه التزود من محبوبه لتنتقش صورته في روحه ووجوده
كان الأئمة عليهم السلام يترقبون هذا الهلال بحزن شديد ويستقبلونه بالبكاء كذلك كان حال الأنبياء (ع)
من عرف هذا الهلال, وأعد لاستقبال هذا الهلال عدته النفسية والروحية تمتع بصورة الحسين طوال العام , وكانت حاضرة عنده في كل الحالات
يقول أحد الخطباء ( السيد فاطمي نيا ) كنا في الحج وعندما عقدنا الإحرام سألني أحد الجاج يا سيد ما هو الذكر الذي تنصحني به الآن علمني ذكرا أكرره وأنا محرم يقول السيد قلت له مباشرة قل : السلام عليك ياأبا عبد الله في هذه الحالة الذي يجب تذكره هو الحسين عليه السلام الذي لولاه لما كان حج ولا مقام ولما كان إحرام أصلا
هذا هو ما ينبغي أن يكون عليه حالنا في كل الأوقات وخصوصا الأوقات المهمة ( عرفة ـ العيدين ـ القدر )
لكن في هذا الوقت بالذات ونحن ننظر إلى هلال عاشوراء الحال غير الحال
قبل أيام احتفلنا بعيد الغدير وسمعنا مناشدة رسول الله : ألست أولى بكم من أنفسكم وأجبنا مع من أجاب : نعم أنت أولى بنا من أنفسنا
فإذا كان كذلك كيف لا يكون حزننا لأجله أولى من حزننا لأنفسنا يقول الميرزا ملكي التبريزي في كتابه المراقبات (فليظهر من كان من أوليائه أيضاً من المواساة بسيّد السادات بالحزن والفجيعة ما يناسب هذه المصيبة الجليلة ، فكأنّها وردت على نفسه ، وعلى أعزّته ، أولاده وأهله ، فإنّه عليه السلام أولى به من نفسه بنصّ جده صلوات الله عليه وآله )
(... ويقول في صادق المقال ولسان الحال : يا سيّدي يا ليتني كنت فداءً لك من جميع البلايا ، وجلّ هذه الرزايا ، فيا ليت أهلي وأولادي كانوا مكان أهلك وأولادك مقتولين مأسورين ، ويا ليت سهم حرملة ـ لعنة الله عليه ـ ذبح رضيعي ، يا ليت ولدي ـ عليّاً ـ قطع عوض ولدك إرباً إرباً ، ويا ليت كبدي تفتت من شدة العطش ، ويا ليت العطش حال بيني وبين السماء كالدخان ، ويا ليتني فديتك بنفسي من ألم هذه الجراحات ، ويا ليت ذاك السهم كان بمنحري ، ويا ليت ذاك السهم كان بمهجتي ،)
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله و إنا إليه راجعون
موضوع بحثنا لهذه هو المباني القرآنية للحركة الحسينية ويمكن عنونة البحث بعنوان من قبيل (عاشوراء والقرآن )أو (الطف في الذكر الحكيم) أو ما أشبه ذلك من العناوين , فذلك ليس مهما المهم هو أن نحدد بدقة موضوع البحث ونعرف تماما إلى ماذا نريد أن نصل وعم نبحث
الموضوع كما قلنا هو المباني القرآنية لحركة الحسين (ع) لقد طرحنا مقدمات هذا البحث من قبل على طالبات الحوزة ولكن بما أن الحضور هذه الليلة مختلف في كمه وكيفه وحتى فى حالته النفسية المصطبغة بحزن عاشوراء فلا بد من إعادة ولو بسيطة لتلك المقدمات ليتسنى لنا بعد ذلك البناء عليها
أولا ماهو مقصودنا من معرفة المباني القرآنية لحركة الحسين (ع) ؟
هل نريد من خلال ذلك إثبات صحة هذه الحركة وعدم منافاتها مع القرآن مثلا ؟
هل نريد البحث عن دليل قرآني نستدل به على مشروعية الجهاد والقيام الحسيني ؟
طبعا ليس هذه هو المقصود ففي عقيدتنا فعل المعصوم وقوله وتقريره هو دليل بحد ذاته وحجة , فعندما يريد الفقيه والمجتهد أن يستبط حكما شرعيا فإنه أول ما يرجع إما إلى القرآن أو إلى الحديث القطعي الصدور لأن القرآن هو وزين وعدل العترة ولن يفترقا كما في الرواية فكلاهما معصوم وكلاهما حجة
وحين يقول الإمام اعرضوا حديثنا على كتاب الله فما وافق الكتاب فخذوا به وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط فلا يعني ذلك وزن كلام المعصوم واختباره بالقرآن لأن كلام المعصوم كما قلنا لا يفارق القرآن أصلا ( علي مع القرآن والقرآن مع علي )
ولكن بما أن القرآن مصون من التحريف والدس والزيادة والنقصان خلاف الرواية المعرضة للوضع والدس والتزوير والنسيان من الرواة وما أشبه لذلك يعطينا الإمام (ع) ضابطة نستطيع من خلالها التميز بين كلام المعصوم وغيره فبناء على أن المعصوم لا يناقض بعضه بعض ولا يتضاد بعضه مع بعض فيأمرنا بعرض الحديث على الكتاب
الإمام هنا يريد أن يقول أن الحديث المنسوب إلينا إذا ما شككتم في هذه النسبة و أردتم أن تثبتوا صحتها , فاعرضوه على القرآن ,
إذا عرض الحديث إنما هو لمعرفة هل هو كلام المعصوم حقا أم لا , وليس لمعرفة صدق الإمام من كذبه والعياذ بالله
وهذا العرض كما ذكرنا إنما يكون في حالة ما إذا كان هناك شك في صدور هذا الحديث من الإمام إما إذا كان الحديث قطعي الصدور كحديث الغدير وحديث الثقلين مثلا فلا محل لعرضه على الكتاب لأن نسبته إلى المعصوم ثابتة
رد: المباني القرآنية لحركة الإمام الحسين عليه السلام
الآن حديثنا عن حركة وثورة الحسين عليه السلام هذه الحركة والثورة لا شك في تحققها وصدورها فلايوجد من ينكر أصل الحركة نعم قد ينكر البعض أو يشكك ويناقش في بعض التفاصيل كوجود ليلى في ذلك الوقت مثلا وما أشبه لكن أصل الحركة بل وكثير من تفاصيلها أيضا ثابت ولا شك فيه
بناء على هذا لا مجال لعرض حركة الحسين على القرآن والإستدلال عليها فهي بحد ذاتها دليل وحجة
فماذا نريد إذا من هذا البحث ؟
إن ما نريده باختصار هو دراسة الحركة الحسينية بأبعادها و أهدافها ومنطلقاتها على ضوء القرآن الكريم الذي هو تبيان لكل شيء , نريد من القرآن أن يفسر لنا هذه الحركة
من أنجح سبل التفسير وأمتنها و أقواها تفسير القرآن بالقرآن وهو السبيل الذي اتبعه السيد الطباطبائي في كتابه الرائع الميزان في تفسير القرآن
وبناء على أن القرآن والعترة متلازمان ولا يفارق أحدهما الآخر فأفضل دراسة لقول المعصوم وفعله و أشدها أثرا على النفس هي تلك الدراسة التي تتم في ضوء القرآن الكريم
فنحن باختصار نبحث عن عدل الحركة الحسينية في القرآن
أولا ـ لا شك في أن الحسين خرج على طاغية زمانه ولا شك أنه جاهد وقاتل وقتل هو ومن معه وسبيت نساؤه وقد تضحيات جبارة وضخمة في سبيل المبدأ .. فهل في القرآن الكريم ما يعدل هذا العمل ؟
وما هو بيان القرآن لهذا الأمر وشرحه له ؟
ثم ماهو هذا الدين الذي ضحى الحسين لأجله؟ ولماذا لم يعمل بالتقية ؟
وماهو نوع الخطر الذي تعرض له الدين بحيث استوجب كل هذا الفداء وانتقلت الوظيفة من التقية إلى التضحية ؟
وما هو تعبير القرآن عن ذلك وبيانه له ؟
وقبل معرفة هذا وذاك
ما هو المحور و من هو المخاطب في الثورة الحسينية ؟
ومن هو المحور والمخاطب بالقرآن ؟
وهل يتحد المحوران أم لا ؟
وما هي أهداف هذه الحركة وكيف بينت هذه الأهداف في القرآن الكريم ؟
طبعا نحن نقول: نريد أن نعرف كذا.. نريد أن نعرف كذا ..نريد أن نعرف كذا
ثمة مقدمة لا بد من تحصيلها قبل ذكر الجواب .. وإلا كان الجواب بمثابة بذرة تلقى على أرض صلبة لا تستقر عليها فتطير مع أول هبة ريح تعترضها
أما حين تكون الأرض صالحة مهيأة لهذه البذرة فالحال مختلف ستستقر هذه البذرة في جوف التربة وبمرور الأيام تزداد رسوخا ونموا إلى أن تعطي ثمارها المرجوة
مشكلتنا الكبرى أننا نقول أننا نريد أن نعرف في حال كوننا نيام, لا نشعر لا نعقل لا نعلم , غافلين أموات غير أحياء
وهذه مشكلة. أهم مقدمات المعرفة الإنتباه واليقظة , لو نظرنا إلى المجتمع لرأينا الحالة الغالبة عليه هو النوم فلا يدرون من أين جاءوا ولا إلى أين يذهبون ولا كيف يسيرون وماذا يفعلون وماذا يأكلون القرآن يلفت نظر الإنسان إلى إلى هذه المسألة ( فلينظر الإنسان إلى طعامه ) في حال أن الغالبية لا يدرون ماذا يأكلون ولا ماذا يسمعون , ولا ماذا يرون أيضا , يرون القبر والمقبرة يسمع صوت النواعي والبواكي لكنه لا يفهم من ذلك شيئا ولا يدري ما هو القبر وما هي المقبرة , لذلك لا يتأثر بشيء من ذلك ,
ولأنه نائم فحين يتكلم كلامه كلام نائم ,وفعله فعل نائم وسيره سير نائم .
وكما أن النائم ربما يسير ويصطدم بالجدران دون أن يعلم ـ نحن كثيرا ما نستخدم هذا التعبير ونقول: ( فعلت ذلك لا شعوريا) في الواقع كثير من أفعالنا هي ردود أفعال لا شعورية أرأيتم النائم عندما يسحب من فوقه الغطاء , هو لا شعوريا يتحرك ويعيد الغطاء على نفسه
كثيرون عندما تسحب منهم مناصب أو يعطون مناصب مثلا ,هم يتحركون لا شعوريا للإصطدام بالآخرين
القرآن الكريم يكرر هذه المسألة في كثير من آياته فيصف المفسدين بأنهم لا يشعرون ـ لا يعلمون ـ لا يعقلون ـ وبأنهم غافلين و (إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) .. ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون .)الفرق بيننا وبين المعصوم أنه منتبه يرى النار نارا فيبتعد عنها ( إنما يأكلون في بطونهم نارا ) أما نحن فنرى النار جنة بسبب نومنا وغفلتنا فنرمي بأنفسنا فيها
السؤال الآن ما هو هذا الذي لا نشعر به لا نعلم به لا نعقله أو بمعنى آخر لماذا لا نشعر بأننا نخدع أنفسنا و بأننا نحرق أنفسنا ؟
النائم هو الغائب عن نفسه فالذي لا نعرفه ولانشعر به هو هويتنا حقيقتنا التي جاء القرآن ليكشفها ويظهرها لنا فالقرآن رسالته ( وذكر ) الأنبياء رسالتهم ( ليثيروا لهم دفائن العقول ) التذكير بحقيقة الإنسان الموحدة ,إثارة مكنون الفطرة والعقل ,التي هي حقيقة الإنسان وواقعه هذه هي رسالة القرآن
وهذه بعينها رسالة الحسين عليه السلام فليس الحديث عن الدين فقط , الدين هو وسيلة لتصل هذه الحقيقة إلى كمالها ( إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم ) فحديث الحسين هنا عن الإنسان وليس عن الإسلام يستثير المعدن الحقيقي لهم من خلال هذه العبارة وهو الخبير به .. من يريد أن يستخرج المعادن أو البترول أو الغاز يستعين بخبير بطبقات الأرض حتى يحدد له مكان وجود المعدن. و مع عدم وجود الخبير أم عدم تعاونه يبقى الإنسان في حالة حرمان من هذا المعدن بل ربما يسرق هذا المعدن منه ويستعبد
شعار الأمويين هو هذا لا أقاتلكم لتصلوا ولا لتصوموا ولكن لأتأمر عليكم
أما شعار الحسين فهو كونوا أحرارا في دنياكم
فذاك يريد سرقة المعدن الإنساني ودسه لتعيش حالة الفقر الإنساني والمعرفي ,أما الحسين فيريد إظهار هذا المعدن لك لتستفيد منه وتستغني به أولا , وإشعارك بقيمته لتحفظه من اللصوص ثانيا .. إذا عرفت أن ما عندك هو ذهب فتعاملك معه وحفاظك عليه وحرصك عليه يختلف عما لو تصورت أن ما لدك نحاس ..
في أفريقيا يعيشون مجاعة فضيعة مع أنهم يجلسون فوق كنوز من المعادن والذهب لماذ ؟ لأنه ليس لهم سبيل للوصول إلى تلك المعادن والإستفادة منها فهم لذلك يعيشون حالة الفقر كثير منا لا يختلف حاله عن حالهم ويعيش حالة فقر معرفي و إنساني مدقع لعدم قدرته للوصول إلى معدنه وعد إدراكه لقيمة نفسه
والذي لا يعرف قيمة نفسه يبيعها بأبخس الأثمان الإمام المعصوم في معرض بيانه لقيمة الإنسان التي يعرفها جيدا يقول ( ليس لأرواحكم ثمن إلا الجنة ) وحين تعرض عليه الدنيا في مقابل بيعه لهذه الحقيقة لا يكتفي بالقول أنا أرفض العرض الذي قدمتموه بل يزيد على ذلك ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ) إن أعظم ما يمكنكم عرضه علي هو الشمس والقمر لكن ما قيمة الشمس والقمر بالنسبة لهذا الأمر ؟ هذا الدين غرضه هو ( ليَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) فالناس هم الغرض وترك الدين يعني تسليم الناس لهؤلاء اللصوص
هنا يقول ( أو أهلك دونه ) الله يقول لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولكن ثمة موارد يجب الهلاك دونها
وما هي الشمس أصلا وما هو القمرحتى يكون ثمنا للإنسان !! وهل الشمس والقمر إلا مصابيح زينت بها السماء الدنيا من أجل هذا الإنسان ؟ !!
حتى إذا غادر الإنسان هذه الدنيا لم يعد لهذه المصابيح حاجة فتطفأ ويكون مصيرها ( إذا الشمس كورت و إذا النجوم انكدرت ) ؟
كان الناس في الجاهلية لا يدركون هذه الحقائق فقد كان منهم من يعبد الشمس ومنهم من يعبد القمر ومنهم من هو أسوأ فيعبد الأصنام لجهلهم بقيمة أنفسهم ونفاسة معدنهم جاء القرآن ليقول لهم ( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار )
فكيف يبيع السيد نفسه للعبد ؟!!
وكيف يسلم المسخر له نفسه للمسخر ؟!
كان الناس يعيشون في فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية .. فوضى على كل المجالات حتى على مستوى الأكل والشرب (تشربون الطرق وتقتاتون القد أذلة خاسئين) لماذا ؟
لأنهم لا يعلمون أن هذا العالم مسخر لهم بما في ذلك أبدانهم فالبدن مجرد آلة البدن جزء من نظام الخلقة عندما يقول ( ألم تر أن الله سخر لكم مافي الأرض ) فمن ذلك البدن أيضا لكن حين لا يعلم الإنسان موقعه من ذلك كله يعيش حالة الفوضى
وهكذا كان حالهم ((وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون القد أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي ) ويقول أمير المؤمنين: ) وانتم معشر العرب على شر دين،وفي شر دار،منيخون بين حجارة خشن وحيات صم،تشربون الكدر،وتأكلون الجشب،وتسفكون دماءكم،وتقطعون ارحامكم،الاصنام فيكم منصوبة،والاثام بكم معصوبة)
عندما جاء رسول الله (ص) بين لهم ذلك كله وتحولت تلك الشعوب المتأخرة في سنوات قليلة إلى أمة متحضرة منظمة تعرف كيف تسخر العالم وتستفيد منه وتعرف كيف تسخر هذا البدن للروح وللمعدن الإنساني الأصيل
هذا ما أراد رسول الله والقرآن بيانه للناس وهذا أيضا ما أراد الحسين بيانه لقد اجتهد أولئك بعد رسول الله على دفن هذه الحقيقة فبعد أن أثار لهم رسول الله دفائن العقول جاء من بعده من يحمل شعار ( دفنا , دفنا ) إلى أن وصل الأمر إلى درجة من الخطورة تقتضي المواجهة والثورة والقيام ( إن الله أمرني بأمر و أنا ماض إليه )
لم ندخل الليلة إلى صميم البحث سنشرع إنشاء الله في الليلة المقبلة لكن فقط أحببنا أن نأتي في الليلة التالية ونحن يقظون منتبهون لحالنا وقيمتنا حتى ندرك قيمة ما قدمه الحسين لنا وحتى ندرك أيضا نوع الخطر الذي كان سيحيط بنا لولا الحسين و أنصار الحسين (ع) وهذه مسألة مهمة
أما سلاحنا لهذه المعرفة فهو البكاء ( وسلاه البكاء ) لا بد من تطرية الأرض وليونتها لتستقر فيها بذور المعرفة و إلا كانت المعارف مجرد بذور كما قلنا منتشرة فوق أرض يابسة تطير بهبوب رياح الشبهات وكما أن الأرض تطرى بالماء النفس أيضا تطرى بالدموع والبكاء
أستغرب من الذين يصفون البكاء بأنه حالة غير حضارية في الوقت الذي يتسابقون فيه على التقاط صور للمشاهير و هم في حالة بكاء ليثبتوا للعالم أن هذه الشخصية ممتازة لقد رأيت بعضا من هذه الصور التي تتسابق المجلات على نشرها ويعتبرها هؤلاء الأشخاص أنفسهم بمثابة دعاية لهم وربما كان بكاؤهم لأمر لا أهمية حقيقية له كلوحة مؤثرة أو أغنية أو ما أشبه
فما بال من يبكي على الحقيقة يوصف بأنه بكاؤه غير حضاري وما هي الحضارة أصلا وهل عرف العالم الحضارة إلا من عند الحسين ؟!!
فعلى الحسين فليبك الباكون و إياه فليندب النادبون ولمثله فلتذرف الدموع من العيون
رد: المباني القرآنية لحركة الإمام الحسين عليه السلام
عرفنا في الليلة الماضية أن موضوع البحث هو المباني القرآنية في الثورة الحسينية وعرفنا أن المقصود من ذلك هو فهم هذه الحركة ـ منطلقا وطريقة و أهدافا ـ من خلال القرآن الكريم باعتبار أن القرآن والعترة يبين بعضه بعضا ويفسر بعضه بعضا
وليس المقصود من ذلك إثبات صحة حركة الحسين أو البحث عن دليل عليها من القرآن لأنها فعل معصوم وفعل المعصوم هو بحد ذاته حجة ودليل
وعرفنا أنه لتحصيل المعرفة لا بد من وجود المقتضي وعدم وجود المانع ـ إذا كان بعض الناس يسمعون ولا يتأثرون ولا يعرفون لأن هناك مانع يمنع من وصول هذه المعرفة واستقراهارفي القلب ( اللهم إني أسألك إيمانا تباشر به قلبي ) هذه المجالس التي نجتمع فيها هي بمثابة المقتضي لتحصيل المعرفة يقول الشيخ جوادي آملي حفظه الله تعالى إن التأمل في رواية فرش الملائكة أجنحتها لطالب العلم يقودنا إلى نتائج مهمة
موضوع الرواية هو طالب العلم وهذا لا يختص بطالب العلم الحوزوي بل كل طالب للعلم الحقيقي هو مفترش لأجنحة الملائكة ,الحضور في الحسينيات في هذه الأيام وغيرها هم طلاب علم حسيني وطلاب معرفة حسينية لذلك فهم مفترشون لأجنحة الملائكة
ثم بعد ذلك يقول ما هي خصوصية الأجنحة ؟ لماذا ورد التعبير بالأجنة بالذات ؟
الجناح هو آلة الطيران والتحليق كأن هذه الرواية باختصار تريد أن تقول بأن طالب العلم ـ إن حصل عليه ـ تكون لديه القدرة على الطيران والتحليق لكن ليس ذلك الطيران الملكي بل الطيران الملكوتي إلى عالم الملكوت وفي عالم الملكوت لأن تلك الأجنحة أصلا هي أجنخة ملكوتية
الحضور في هذا المكان المبارك مقتضي لحصول هذه الحالة لكن المقتضي لا يؤثر إلا مع فقدان المانع تكلمنا الليلة الماضية عن ذلك كثير من الناس يسبب لهم الذنب والمعصية والإنشغال بالملاهي وما أشبه حالة من التغطية المسببة للنوم والغفلة حالة مانعة من التأثر و الإنتفاع بالمعرفة فترى كثير من الناس نيام لا يدرون من أين ولا إلى أين ولا كيف ولا ماذا
لذلك نحن نستعين بالبكاء ( وسلاحه البكاء ) ليكون بمثابة ملين ومطري ومزيل لتلك الغشاوة هذه طبعا أحد فوائد البكاء الكثيرة
إذا هذه المجالس ليست فقط مفيدة لتحصيل المقتضي بل هي مفيدة لرفع المانع أيضا
فنرجوا من الله تعالى بحق الحسين أن يرزقنا علما نافعا و أن ينير أبصارنا وبصائرنا
الآن نعود إلى البحث
قلنا أمس أن أصل الواقعة لا شك فيه كما أن كثير من تفاصيل الواقعة أيضا لا نقاش فيه
جهاد الحسين عطش الحسين قتل أكبر الحسين وعباس الحسين وقاسم الحسين وقتل الرضيع وقطع رأسه ورض الجسد بل و الأطفال تحت حوافر الخيل وحرق الخيام وسبي النساء و إدخالهن مجالس الطغاة والحوار الذي تم هناك كل هذا لا نقاش في أصل وقوعه
وكل هذا قدمه الحسين عليه (ع)
وعندما يسأل الحسين لماذا ؟ نسمع الجواب جليا من خطاباته المختلفة تنطق بإن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني
فإلى أي درجة الدين مهم ؟ وهل تبلغ أهميته إلى درجة تدعو إلى هذا الكم والكيف من التضحية والفداء ؟
لنرجع إلى القرآن الكريم ونرى ماذا يقول
القرآن في معرض بيانه للدين يذكر أن هذا الدين موضوعه وغايته هو الإنسان (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) فالناس هم الهدف ولأجلهم ولأجل قيامهم كان الدين (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
ولبيان أهمية الموضوع يتحدث القرآن الكريم في كثير من آياته عن الإنسان تارة وعن الكون بما ذلك الشمس والقمر والنجوم والكواكب والبر والبحر والسموات والأرض والجبال ... الخ تارة أخرى ويتحدث عن العلاقة التي تربط بين الإنسان وكل أجزاء العالم تارة ثالثة فيقول في هذا المجال(وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)
ففي الآية الأولى يقول للناس أن الشمس والقمر مجرد آيات و الآية هي العلامة والعلامة هي الواسطة بين العالم والمتعلم فالشمس والقمر هي مجرد وسيلة لتعلم أنت ,فأنت المقصود و أنت المراد لذلك لا يليق بك أن تسجد للعلامة بل سجودك ينبغي أن يكون للمعلم نفسه إن حالك حال من يدرس كتاب على يدي معلم ثم يتوجه بالشكر للكتاب بدل المعلم ,
في الآية الثانية تبين أن الإنسان بيده نزول الرزق من السماء وخروجه من الأرض فكل ما عليه القيام به هو إقامة ما أنزل إليه و الإلتزام بالدين وهذا نفس ما تشير إليه الآية الثالثة تقريبا من جهة أخرى يقول القرآن (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)
إذا من خلال هذه الآيات و أمثالها نصل إلى نتيجة مفادها أن الإنسان هو الذي يقود العالم هو سيد العالم فليس من اللائق بالقائد أن يسلم نفسه للمقود و أن ينزل ويسلم قياد نفسه للمقود
فلو سلم الإنسان نفسه لأي جزء من أجزاء هذا العالم كان من الخاسرين ,لو سلم نفسه للشمس أو القمر أو المنصب أو الجاه أو المال أو الهوى أو الشهوة لكان خاسرا لأن كل ذلك مسخر له ( لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته ) لأن هذه ستكون صفقه خاسرة
سؤال آخر
لماذا إلى هذا الحد قيمة الإنسان مهمة وعظيمة ؟ وما هو سر قداسة الإنسان ؟
القرآن يقول ( ولقد كرمنا بني آدم ) ما هو سر هذه الكرامة وهذا الفضل ؟
أحد الحكماء يقول في معرض بيان سر قدسية الكعبة ( إن السر في جمال الكعبة أنها مزينة بياء النسبة ( بيتي )
فلا تحتاج الكعبة للباس وذهب ليبرز جمالها ( جمال كعبة نياز بجامة ندارد ) حتى لو لم يكن على الكعبة لباس ولا ذهب لن يقلل ذلك من جمالها و إقبال الناس عليها لأنها مزينة بهذه الياء العظيمة )
الآن إذا كانت هذه الياء أعطت للكعبة كل هذه القداسة وهذه العظمة فكيف بمن زين بـ ( روحي ) ( ونفخت فيه من روحي ) حتما سيكون له قداسة وعظمة تفوق قداسة وعظمة الكعبة
لذا ورد في الروايات أن المؤمن أعظم حرمة من الكعبة يكفي تأمل بسيط في قوله تعالى (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) لنصل إلى نتيجة مفادها أن الكعبة بنيت لهؤلاء الطائفين العاكفين الركع السجود
ابن بابويه القمي في كتابه الجليل من لا يحضره الفقيه يذكر هذه المسألة
عبدالله ابن الزبير الذي عاصر الإمام الحسين ولم ينصره ولم يتبع الإمام السجاد من بعده عندما طارده الأمويون فكر أن أفضل مكان يمكن أن يأوي إليه هو الكعبة لكن ما حدث أن الأمويون قصفوا الكعبة واعدموه بعد ذلك
من لا يلجأ إلى الإنسان الكامل ويخذل الإنسان الكامل لا تجيره الكعبة التي قداستها وشرافتها جزء من قداسة وشرافة الإمام والإيمان
فالكعبة تراد من أجل الإيمان وليس العكس
رد: المباني القرآنية لحركة الإمام الحسين عليه السلام
قيمة الإنسان بينتها الذات الإلهية المقدسة ..
وإذا اتضحت هذه المكانة عرفنا السر في قداسة الإنسان . وعرفنا السر في قداسة الدين الذي يضع الإنسان في مركزه اللائق وفي مكانه المناسب ,ليقوم الناس بالقسط ,هذا الدين الذي لو لم يكن لتحول هذا الإنسان إليس إلى أنعام فقط بل أضل سبيلا , فالدين الذي هو الوسيلة الوحيدة لحفظ إنسانية الإنسان ووضع هذا المعدن النفيس في موضعه المناسب
إذا هذه التضحية و هذا الفداء من الحسين سلام الله عليه معقول جدا لكن معقولية هذه التضحية متوقف على فهمنا لقيمة انفسنا كما بينا بالامس .. من يحس بقيمة نفسه يحس بقيمة ما قدمه الحسين و يراه منطقي مئة بالمئة ولكن من لا يحس بقيمة نفسه يراه زائدا وليس له داعي ..
الآن عرفنا إذا أن الحسين كان منطلقه قرآنيا , فالقرآن يقول ( ليقوم الناس بالقسط ) الإمام الحسين أيضا خرج ليقول ( هيهات منا الذلة ) , ماذا تعني هذه الكلمة ؟ إنها تحمل نفس معني ليقوم الناس بالقسط .. مكاني كإنسان هومكان العزة وليس الذلة ( إن اكرمكم عند الله أتقاكم ) في مقابل الذلة الكرامة .. لذلك كلما كان الإنسان أقسط كان أكرم و هذا ما يليق به وهذا هو المكان المناسب له .
إذا منطلق الثورة مبدأ قرآني و يوجد له عدل بالقرآن .. نأتي إلى طريقة الثورة و إسلوب الحسين في الجهاد .. القرآن الكريم عندما يبين الأسلوب عندما يتحدث عن الأنبياء و جهاد الأنبياء يبين أنهم يتبعون طرقا تدريجية على حسب مقتضى الحال .. كان لهم أسلوب مع العوام وأسلوب مع الخواص هذان الطريقان أشار إليهما القرآن الكريم في قوله ( بما كنتم تعلمون الكتاب و بما كنتم تدرسون )
ما الفرق بين طريق التعليم و التدريس ؟1 - التعليم : هذه الطريقة تتبع للعوام من الناس .. خطبة موعظة إرشاد توجيه عام بيانات مقالات صحف مجلات وهذا كله تعليم للعوام من الناس2
- التدريس : حلقة درس و هذه للخواص الخلص و المقربين الذين ينبغي أن يبنوا بناءا خاصا ليشكلوا القاعدة التي يبنى عليهم المجتمع بعد ذلك .. حلقات تربية خاصة .. نبي الله عيسى كان له كلام للناس وكلام للحواريين .. و كذلك بالنسبة لنبينا عليه السلام يكلم ابو ذر في وصية له و سلمان الفارسي و المقداد لهم تدريسا خاصا ب .. أمير المؤمنين علي عليه السلام يلقي خطب الجمعة على العوام بينما يذهب بكميل بن زياد إلى الجبانة حتى اصبح تنفس الصعداء ثم قال : يا كميل إن هذه القلوب أو عية فخيرها أو عاها فالناس ثلاثة فعالم رباني و متعلم على سبيل نجاة و همج رعاع وهذا درس خاص من الإمام علي إلى كميل بن زياد
هذه الطريقة اتبعها الانبياء و اتبعها أمير المؤمنين و اتبعها الأئمة و كذلك الحسين سلام الله عليه في إيصاله لمبادئ الثورة و أهداف الثورة إلى الناس . اتبع طريق التعليم بإلقاء الخطب العامة كيوم التروية يكلم الناس بشكل جماعي و في الطريق بين المدينة و مكة و بين مكة و الكوفة كذلك في كربلاء يخاطب الجيش بشكل جماعي كخطابات عامة
و يوجد أيضا خطابات خاصه .. عندما يعلم الإمام الحسين بأن هذا الشخص له قابلية معينة أو يشكل ثقلا ما يذهب إليه في جلسة خاصة بينه و بينه
أنقل لكم هذه الرواية التي تحكي قصة عبد الله بن الحر الجعفي .. هذا الرجل الذي ضيع فرصة ثمينة تهيأت له :
سار الحسين (ع) حتى نزل في قصر بني مقاتل فإذا هو بفسطاط مضروب ، ورمح منصوب ، وسيف معلق ، وفرس واقف على مذوده ، فقال الحسين : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل : لرجل يقال له عبيد الله بن الحر الجعفي .
قال : فأرسل الحسين برجل من أصحابه يقال له الحجاج بن مسروق الجعفي .
فأقبل حتى دخل عليه في فسطاطه فسلم عليه ، فرد عليه ، السلام ، ثم قال : ما وراءك ؟ فقال الحجاج : والله ! ورائي يا ابن الحر ! والله ! قد أهدى الله إليك كرامة إن قبلتها ! قال : وما ذاك ؟ فقال : هذا الحسين بن علي يدعوك إلى نصرته ، فإن قاتلت بين يديه أجرت ، وإن مت فإنك استشهدت ! فقال له عبيد الله : والله ! ما خرجت من الكوفة إلا مخافة أن يدخلها الحسين بن علي وأنا فيها فلا أنصره ، لأنه ليس في الكوفة شيعة ولا أنصار إلا وقد مالوا إلى الدنيا إلا من عصم الله منهم ، فارجع إليه وخبره بذاك .
فأقبل الحجاج إلى الحسين فخبره بذلك ، فقام الحسين ثم صار إليه في جماعة من إخوانه ، فلما دخل وسلم وثب عبيد الله بن الحر من صدر المجلس ، وجلس الحسين ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، يا ابن الحر ! فإن مصركم هذه كتبوا إلي وخبروني أنهم مجتمعون على نصرتي ، وأن يقوموا دوني ويقاتلوا عدوي ، وأنهم سألوني القدوم عليهم ، فقدمت ، ولست أدري القوم على ما زعموا ، لأنهم قد أعانوا على قتل ابن عمي مسلم بن عقيل رحمه الله وشيعته .
وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد يبايعني ليزيد بن معاوية ، وأنت يا ابن الحر فاعلم أن الله عز وجل مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية ، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب ، وأدعوك إلى نصرتنا أهل البيت ،إ
ن قدومي إليك هو لخلاصك أنت ولإعطائك فرصة التوبة فرصة ذهبية لا تعوض يعرضها الحسين على الحر
فإن أعطينا حقنا حمدنا الله على ذلك وقبلناه ، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحق .
فقال عبيد الله بن الحر : والله ! يا ابن بنت رسول الله ! لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنت أنا أشدهم على عدوك ، ولكني رأيت شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفا من بني أمية ومن سيوفهم ، فأنشدك بالله أن تطلب مني هذه المنزلة ! وأنا أواسيك بكل ما أقدر عليه وهذه فرسي ملجمة ، والله ما طلبت عليها شيئا إلا أذقته حياض الموت ، ولا طلبت وأنا عليها فلحقت ، وخذ سيفي هذا ، فوالله ما ضربت به إلا قطعت .
فقال له الحسين : يا ابن الحر ! ما جئناك لفرسك وسيفك ، إنما أتيناك لنسألك النصرة ، فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شىء من مالك ، ولم أكن بالذي أتخذ المضلين عضدا ، لأني قد سمعت رسول الله وهو يقول : من سمع داعية أهل بيتي ، ولم ينصرهم على حقهم ألا أكبه الله على وجهه في النار .
ثم سار الحسين من عنده ورجع إلى رحله .
الحسين يبين أ ن الحركة القرآنية المنطلق القرآنية الهدف لابد أن تكون قرآنية الوسيلة أيضا من خلال قراءة الآية ( وما كنت متخذ المضلين عضدا ) فنحن لا نؤمن بالمبدأ القائل بأن الغاية تبرر الوسيلة هذه الثورة طاهرة والغرض منها التطهير فكل قطرة دم تراق وكل درهم يبذل في سبيلها لا بد أن يكون طاهرا ( إنما يتقبل الله من المتقين )
كان الحسين طوال الطريق يلتقي بأناس كثيرين فيتبع التعليم تارة و التدريس تارة أخرى يلقي على القوم بالحجة بعد الحجة لكي لا يكون للناس على الحسين حجة بعد هذا التعليم و التدريس فهو لم يقصر في تعليمه للعوام و تدريسه للخواص حتى أنه يستقبل القوم في اليوم العاشر و يقول لهم إن لم يكن لكم دين ولا تعرفون المعاد فكونوا أحرار في دنياكم .. إن لم يكن لديكم أصول إسلامية فليكن لديكم أصول إنسانية .. فأنتم تقاتلوني أنا فما ذنب النساء و الأطفال ؟
القرآن يقول ( قاتلوا الكفار ) ( قاتلوا أئمة الكفر ) لماذا .. هل لأنهم كفار ؟ لا قاتلوا أئمة الكفر لأنهم لا إيمان لهم .. فالكافر ممكن أن تعمل معه علاقات سياسية ، تجارية إقتصادية .. إذا لم تيكن في هذه العلاقة خطورة على المسلمين ولو من باب تقوية الكفار عليهم .. فهذه العلاقة من الممكن أن تكون ولكن المستكبر لا يمكن أن تكون هذه العلاقة معه فمن ليس له عهد ولا يمين ,الكاذب و المخادع لايمكن أن تقام معه علاقة ما في موضع آخر يصف القرآن الكريم المشركين بقوله أنهم ( لا يرغبون في مؤمن إلا ولا ذمة )
أئمة الكفر قاتلوهم لأنهم لا إيمان لهم هذه الآية تحمل نفس المعنى الذي يحمله قول الحسين إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم .. على الأقل إن لم يكن دين و كنتم كفارا ليكن لديكم حفظ لليمين .. ليكن لديكم حرية على الاقل فإن لم يكن لديكم لا دين ولا إنسانية أنتم لا تراعون أصول الإسلام ولا أصول الإنسان فهنا عليّ أن أمتثل ( فقاتلوا أئمة الكفر ) مبدأ قرآني قوي متين يعرضه الإمام الحسين عليه السلام للقوم ( فكونوا احرارا في دنياكم )
فقط اختم بذكر هذه القصة عسى أن تكون لي و لكم فاتحة خير و باب إلى التوبة .. نحن الآن في مجلس الحسين الذي قاتل و قتل و بذل فينا مهجته من أجل عزتنا و كرامتنا يقول لعبد الله بن الحر الجعفي إذا أردت أن تتوب و تغسل ما عليك من ذنوب فانصرني .. نحن نريد أن نتوب يا أبا عبد الله و طريق التوبة هو ان تقول السلام عليك يا أبا عبد الله .. إذا سلمنا على الحسين و نحن الآن في محضر الحسين عليه السلام فنحن لا نعود بدون الضيافة و الهدية
الشيخ جعفر التستري مؤلف كتاب الخصائص الحسينية .. هذا العالم الرباني العظيم الكبير يقول كانت مشكلتي أني حينما اصعد المنبر أنسى كل ما أريد أن أقوله فأضطر أن أكتب كل ما اريده حتى أقرأه .. يقول إلى متى سأبقى صفحة و أقرأ من الورقة اصبح عمري ستون سنة .شيب و عيب ؟ بعد ذلك رأيت الحسين في المنام و لكن بأي كيفية ؟ رأيت كأن نفسي في واقعة الطف فقلت لنفسي سأذهب إلى خيمة أبي عبد الله الحسين و أطلب منه حاجتي فذهبت إلى الخيمة فرأيت رجلا أشيب كان ذلك حبيب ابن مظاهر بواب الحسين (ع) فاستأذنته .. قلت له إئذن لي أن أدخل على الحسين سلام الله عليه عندي مشكلة .. ذهب حبيب و استأذن لي فأذن لي الحسين .. فأعتذر مني حيث قال أعذرني يا ضيفي لا يوجد عندي ماء حتى اسقيك .. لكن لن ترجع خالي اليد أبدا فقال لحبيب يوجد لدينا دقيق و سمنا اذهب و اصنع له عجينة و انت بالملعقة أطعم هذا الشيخ .. يقول الشيخ جعفر مجرد أن أكلت من هذا الطعام و إذا بي قد فتحت لي أبواب من العلم فأصبحت أصعد المنبر و أتكلم بلسان طلق .
يا ابا عبد الله إليك نلجأ هذه الليلة فلا ترجعنا بيد خالية .. نريد منك إيمانا و تقوى فلا ترجعنا سيدي خائبين فمن يدخل تحت خيمتك لا يرجع خائبا .. الحسين هذه الليلة يغادر مدينة جده نريد أن نتعلق بركاب الحسين .. فما يبقى بعدك يا سيدي قداسة المدينة و قداسة الكعبة هي منك يا حسين ..
فخذنا بارواحنا و قلوبنا معك با ابا عبد الله
رد: المباني القرآنية لحركة الإمام الحسين عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن عرفنا موضوع البحث وكيف أن ثورة الحسين (ع) هي قرآنية المنطلق قرآنية الغاية بشكل مجمل نريد الدخول اليوم في تفاصيل هذه المسألة
من خلال بيانات الإمام الحسين عليه السلام حددت الدوافع لهذه الحركة على أنها ( طلب الإصلاح في أمة جدي ), وفي بيان آخر بيّن طريقة هذا الخروج, وحدد مسير هذه الحركة ( أسير بسيرة جدي ), وفي بيان ثالث بين هذه السيرة المشتركة بينه وبين جده بقوله ( لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر )
لقد ربط الحسين عليه السلام هذه الحركة بجده رسول الله منطلقا و أهدافا ومسيرة , فيكون من الطبيعي لدراسة هذه الحركة أن يقدم لها بدراسة لسيرة الرسول (ص) التغييرية و الإصلاحية في المجتمع الإنساني
هذا الأمر يحتاج أيضا إلى إلقاء نظرة على حال المجتمع قبل بعثة الرسول (ص) وبعدها
نحن نعلم ـ ربما بعضنا على نحو الإجمال وبعض آخر على نحو التفصيل ـ كيف كان حال المجتمع قبل بعثة الرسول (ع) لقد كان الناس في حالة من الجهالة العلمية النظرية والعملية السلوكية والأخلاقية , بشكل كبير جدا , وخير بيان ووصف لتلك الحال هو بيان أمير البيان علي ابن أبي طالب عليه السلام حيث قال ( و أنتم العرب على شر دين وفي شر دار منيخون بين حجارة خشن وحياة صم تشربون الكدر وتأكلون الجشب وتسفرن دماءكم وتقطعون أرحامكم ) كذلك تتكلم الزهراء (ع) فتصف تلك الحالة بقولها )( وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتأكلون القد أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم )
معيشتكم كانت متدنية إلى الحد الذي تأكلون القد وتشربون الطرق , اجتماعيا كنتم مضطربين تقطعون أرحامكم وتسفكون دماءكم , وأمنيا لم يكن لديكم استقرار وشعور بالأمان تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم
كان الناس من حولكم ينظرون إليكم نظرة دونية فكنتم مذقة الشارب ونهزة الطامع وموطئ الأقدام وفي أنفسكم كنتم أذلة خاسئين هذا هو كان حال المجتمع الذي بعث فيه رسول الله قبل البعثة أما كيف صار حاله بعد البعثة لقد بينت الزهراء عليها السلام ذلك بقولها : فأنار الله بأبي محمد ص ظلمها وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الأبصار غممها وقام في الناس بالهداية فأنقذهم من الغواية وبصرهم من العماية وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم ولم يمر وقت طويل حتى تحولت الأمة التي كانت واقعة تحت سيطرة الشرق والغرب إلى أمة مسيطرة وصار الشرق الأوسط هو الحاكم والقابض على مقاليد الأمور في العالم
ولكن برحلة رسول الله (ص) , وزحزحة البناء عن رص أساسه , بدأت الجاهلية شيئا فشيئا بالظهور من جديد ولكن ترتدي لباس الإسلام هذه المرة . الجاهلية التي كان يواجهها رسول الله تختلف عن الجاهلية التي واجهها أمير المؤمنين من بعده
ففي زمان رسول الله كانت الجاهلية واضحة الحدود واضحة المعالم الكل يعرف هنا إسلام وهناك جاهلية لكن الجاهلية التي ظهرت فيما بعد كانت غير واضحة مختلطة بالإسلام لذلك كانت مواجهتها صعبة جدا لقد أِشار رسول الله إلى هذه الجاهلية لأمير المؤمنين (ع) بقوله ( يا علي انا أقاتل على التنزيل و أنت تقاتل على التأويل ) الذين واجههم أمير المؤمنين كانوا ظاهرا مسلمين عابدين مصلين صائمين وهنا تكمن المشكلة
فعند كثير من الناس المسألة غير واضحة وغير مفهومة كيف يقاتلون إخوانهم في الدين ؟ كانت مواجهة هذه الجاهلية صعبة جدا ؟
بعد وفاة رسول الله حدث نوعين من الردة ردة ظاهرة مكشوفة عن الإسلام أساسا وردة أخرى عن الإسلام المحمدي والتعبد بإسلام جديد عبر عنه أهل الشورى فيما بعد باسم ( سيرة الـ.... ) فقبلوا بإسلام ميت لا حياة فيه مجرد أحكام جوفاء وطقوس جافة وهذا ليس هو الإسلام المحمدي الأصيل
فالإسلام المحمدي هو إسلام محيي ومحرك وباعث على السعي ( و أن ليس للإنسان إلا ما سعى )
كان الإسلام في بداياته سببا في تحول ذلك المجتمع الهمجي إلى مجتمع علمي على كل المستويات وكان سببا للرقي المدني والإجتماعي كما كان سببا في الإبداع و الإختراع و الإبتكار و الإكتشاف لكنا نجد بعد ذلك أن الحركة بدأت بالتراجع شيئا فشيئا إلى أن عاد الناس إلى حالتهم الأولى وصار المجتمع الآن كما كان عليه قبل البعثة من كثير من الجهات (مذقة الشارب ونهزة الطامع وموطئ الأقدام .. أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ) وعاد الشرق الأوسط إلى ما كان عليه سابقا و إن راق للبعض تسميته بالشرق الأوسط الجديد !!
رد: المباني القرآنية لحركة الإمام الحسين عليه السلام
كما لا حظتم إجمالا الإسلام كان سببا في الرقي والحركة التقدمية على كل المستويات وهو سبب لبعث الحياة في الشعوب والشعور في الفرد والمجتمع , فإذا كان الإسلام هو السبب في ذلك فسيكون السبب في التخلف هو الإسلام أيضا
مشكلة ما حدثت في الإسلام سلبته تأثيره , ماهي هذه المشكلة ؟
ما هي هذه المشكلة التي أشار أليها القرآن في أكثر من موضع من آياته؟
ـ وغدا سوف نتحدث بالتفصيل حول هذه الآيات ـ ماهي هذه المشكلة التي حذر رسول الله منها من خلال حديث العترة وحديث الكتاب وغيرهما من الأحاديث ؟ ما هي هذه المشكلة التي واجهها علي والحسن ووصلت في أيام الحسين إلى درجة تقتضي دفعها ببذل المهجة والنفس و الأصحاب والأولاد ؟
هذه المشكلة كانت جذورها موجودة في زمان رسول الله وقد برزت بعد وفاته متمثلة في كلمة قيلت آنذاك ( لا تجتمع النبوة والإمامة أو والرئاسة في بيت واحد ) هذه الكلمة لها ظاهر ولها نتيجة
ما هي نتيجتها ؟
نتيجتها أن النبوة شي والرئاسة والقيادة وتدبير أمور الأمة شيء آخر فلا ينبغي أن تنطلق الرئاسة والقيادة من بيت النبوة فلتبق النبوة وليبق الدين معها في حدود المسجد ودور العبادة أما في الخارج فلا مجال للدين هذه الكلمة في الواقع تمثل الجذر للحركة الفاصلة بين الدين والدولة بين الدين والساحة بل بين الدين والحياة وتجميد الدين في حجرة ضيقة لقد عبرت الزهراء سلام الله عليها عن ذلك بقولها لعلي (ع) الذي يمثل الدين ( اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين ) علي الذي هو القرآن مجسدا صار مشتملا شملة الجنين ويقاد ملببا بالحبال إلى المسجد ليجبر على البيعة
وبعد عزل الدين عن الساحة والحياة تبدأ عملية قتل الدين نفسه والقضاء عليه من خلال قطع الشريان الذي يمده بالحياة
والبقاء المتمثل في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التوراة والإنجيل عندما تعرفان رسول الله لليهود والنصارى تعرفانه بصفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( الذي يجدونه مكتوبا عندهم في ) القرآن الكريم عندما يصف هذه الأمة بأنها خير أمة يعلل هذا الوصف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) هذا الشريان هو الذي يضمن بقاء الدين صالحا في أذهان وقلوب الأمة وإلا فمع انقلاب المعروف منكرا والمنكر معروفا لا يبقى من الدين باقية
لقد قام أولئك بقطع هذا الشريان عن طريق التلاعب بأصول الدين الأصيلة عن طريق التلاعب بعقيدة القضاء والقدر
وتبني عقيدة الجبر .. لكم أن تتصوروا حال المجتمع الذي تسيطر عليه عقيدة الجبر سواء الجبر التاريخي أو الجبر الإلهي كيف سيكون حاله ؟ مجتمع يؤمن بهذه العقيدة سيكون مجتمع مشلول مكبل غير قادر على السعي والحركة
القرآن يقول للإنسان اسع انطلق تحرك هؤلاء يقولون لا قف مكانك سيأتيك ما كتب لك
لن يكون لآية ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) معنى ولن يكون للدعاء معنى ولا للصدقة معنى ولا للإهتمام بأمور المسلمين معنى لأن الكل مجبور مسير لا يد له ولا حيلة كما لن يكون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع في هذه الحالة لأنه إنما يؤمر وينهى المختار أما المجبر المسير فمن العبث أمره ونهيه
لاحظوا الله سبحانه وتعالى يربي الإنسان من خلال جعله مختارا ( وهديناه النجدين ) لكن عليه هو أن يختار النجد الذي سوف يسلكه فوضع الله الإنسان أمام طريقين و أمام مقصدين ليختار هو الطريق والمقصد هكذا يتربى الإنسان وهكذا يرتقي علميا وروحيا وعمليا ووجوديا
الطريقين دائما موجودين وعليك أن تشخص وتختار وبهذ الإختيار تتكون شخصيتك وتتحدد
لماذ لم يستفد أهل البيت من المعجز مع قدرتهم على ذلك كان بمقدور الحسين أن يهلك القوم أو يهديهم بإشارة منه
لماذا لا يلجأ أهل البيت إلى هذا الطريق إلا في حالات نادرة بل الأنبياء أيضا رغم ما واجهوه من تكذيب وتعذيب وتقتيل لم يلجأوا إلى هذا الطريق إلا في حالات نادرةو معدودة لأن اللجوء إلى هذا الأمر سيسلب الأمة الإختيار
سيقلل من فرصة التمييز والوصول إلى النتائج عن طريق العقل والتفكر إذا رأى الإنسان المعجزة ربما يذعن وربما لا
وإذا أذعن لن يكون لإذعانه تلك القيمة العالية بخلاف ما لو وصل إلى الحق باختياره وانتخابه ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )
عن طريق التلاعب بقضية القضاء والقدر إذا تتحول الأمة إلى شبح ميت لا روح فيه ولا حياة لماذا؟ لأنه لن يكون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محل وإذا كان كذلك لن يكون للدين بقاء و إذا كان كذلك لن يكون للأمة حياة ( استجبيوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )
هذا هو الخطر الذي خرج الحسين لدفعه والذي بلغ في عهد يزيد ذروته ويشهد على ذلك قوله
لعبت هاشم بالملك فلا =خبر جاء ولا وحي نزل
فقد انتهى الإسلام والنهى القرآن وكان الأمر كله مجرد لعبة هذه هي عقيدة خليفة المسلمين ورئيس المسلمين فكيف سيكون حال الأمة ؟!! ( إذا ولي الأمة راع مثل يزيد فعلى الإسلام السلام ) إذا كان الإسلام في عهد الخلفاء السابقين قد ( لبس لبس الفرو مقلوبا ) كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام ففي عهد يزيد خلع الإسلام من أصله فلم يبق له لب ولا قشر ولم يترك يزيد حرمة من حرمات الإسلام إلا وانتهكها
وقد اتبع الحسين (ع) في مواجهة هذا الخطر ما تبعه السابقون من المعصومين (ع) الوعظ تارة والإرشاد و إلقاء البيانات والخطب كان معلما لهم ومدرسا لكن لما لم يجد ذلك كله كان لابد من عملية انقاذية سريعة وحكيمة تعيد للإسلام الحياة وللأمة العزة والكرامة لقد اكتفى الحسين بهذه العبارة ( إن الله أمرني بأمر و أنا ماض إليه ) لم يكن هناك من يستوعب هذا الأمر ويتعقله لذلك يكتفي الحسين بالإشارة إليه إجمالا
ويمكن بيان عظم الخطر الذي واجهه الحسين وواجهته الأمة والإسلام من خلال ما حدث بعد عاشوراء
نقلت كثير من كتب التاريخ سنة وشيعة أن الرأس الشريف قد تكلم من فوق الرماح وقد قرأ هذه الآية ( إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا )
لماذا تكلم رأس الحسين ؟ لماذا لم يتكلم رأس علي ولا رأس الزهراء ولا رأس الحسن ؟ مع أن الخطر كان موجودا في زمانهم أيضا , الزهراء تدفن ليلا الإمام علي يدفن ليلا الإمام الحسن يدفن بعيدا عن جده بعد أن ترمى جنازته بالنبال لكن لم يتكلم أحد منهم فقط رأس الحسين هو الذي تكلم
هل رأس الحسين أعظم من رأس علي وفاطمة والحسن ؟ المسألة ليست في مقدار عظمة المتكلم بل في الظرف الذي أدى إلى الكلام لقد كان ذلك من باب المعجز الضرورة دعت إلى ذلك لقد كان الخطر عظيما جدا الخطر الذي واجهه الحسين يحتاج لدفعه إلى كل الأسلحة الممكنة الطبيعية منها والإعجازية لكن بالنحو الذي يضمن الإختيار والتمييز للأمة
هذا ما واجهه الحسين (ع) بأبي و أمي
وسوف نفصل في هذه المسألة ونرى إشاراتها في القرآن الكريم في الليلة المقبلة
اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد و آل محمد وآخر تابع له على ذلك اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله اللهم العنهم جميعا