مع كل زيادة كيلوجرام في وزن أجسامنا نخطو خطوة سريعة نحو الهاوية ومع إشراقة كل صباح ينضم إلى قائمة من يصنفون كمرضى سمنة عدد لا يصدق ومع مغيب كل يوم تحتوي لائحة الإصابة بأمراض لها علاقة بالسمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم ودهونه وأمراض المفاصل وكثير من أنواع الأورام وعدد لا بأس به من الاضطرابات النفسية والعقم وغيرها الكثير أعداد هائلة جديدة إضافة إلى الآثار العظيمة على اقتصادنا الوطني بشكل عام حيث العدد الكثير من ساعات العمل المعطلة و اقتصاديات الصحة بشكل خاص حيث تستنزف السمنة والأمراض المزمنة المتعلقة بها نسبة مئوية عالية من إنفاق وزارة الصحة ولن نهمل الإشارة إلى الآثار الاجتماعية أيضاً وكل هذه تداعيات خطيرة تزداد سوءا يوماً بعد يوم في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة وصريحة لوقف هذا المد الرهيب.
وتشكل السمنة أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في بلدان كثيرة وخصوصاً دول الشمال الغنية كأمريكا ودول أوروبا كما تشكل نفقاتها الصحية احد أهم أبواب الصرف في ميزانيات تلك الدول مما جعلها تتخذ إستراتيجيات وحملات وطنيه للحد منها وقد نجحت هذه الدول إلى حد ما في تلك الخطط كما اهتمت منظمة الصحة العالمية بهذا الداء وصنف كمرض مزمن منذ عدة سنوات وأعدت خططاً واستراتيجيات لمقاومته.
وتعد المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج وجمهورية مصر العربية من أكثر دول العالم انتشاراً للسمنة حيث وصلت نسبة انتشار السمنة بدرجاتها المختلفة بدءاً من زيادة الوزن إلى حوالي 67% بين النساء و55% بين الرجال وأكثر من 20% بين الأطفال في بلادنا وهذه النسبة العالية جداً والمخيفة قابلة للزيادة عاماً بعد عام وتبع تلك الزيادة وبصورة مباشرة ومثبتة علميا وبحثياً تضاعف نسبة انتشار أمراض مزمنة أخرى كالسكري من حوالي 5% خلال عقد السبعينيات إلى حوالي 30% في يومنا هذا، وقس على ذلك جميع الأمراض المتعلقة بالسمنة. ومع كل هذه الأرقام والحقائق المرعبة نجد أنفسنا أمام مفترق طرق وسماء ملبدة بسواد التشاؤم والإحباط يتوجب معها الوقوف بكل حزم وشجاعة والاعتراف من كل الأطراف بسوء الوضع وفداحته وإعطاء الأمر القدر المناسب من الأهمية واعتبار أن المجتمع بأكمله، بأفراده ومؤسساته جميعها، حكومية وخاصة في وضع استنفار.
ومع هذه الحقائق أضع بين يدي الجميع هذه الخطوط العريضة لاستراتيجية واسعة لمكافحة هذا الداء:
أولا: كبداية يجب وباعتبارها محطة صحيحة للانطلاق أن نعترف بهذه المشكلة وإعطائها حجمها المناسب من الأهمية من قبل جميع الجهات الرسمية والمتخصصة وهنا لا بد من الإشادة بتبني وزارة الصحة منذ فترة حملة لمكافحة السمنة ولكنها لم تكن بتلك الدرجة من الفاعلية ولم تعط النتائج المرجوة حتى الآن ودعوتنا هنا أن تكون المكافحة ضمن استراتيجية وطنية شاملة.
ثانياً: سن وتشريع الكثير من القوانين والتي سوف تحد من أسباب انتشار السمنة كأمثلة:
أ- الحد من انتشار الكثير من الأطعمة والمشروبات ذات الأضرار الصحية الواضحة والسعرات العالية بشكل لا يعقل ساعد في انتشارها جاذبيتها للمستهلك وخصوصاً الأطفال، كفرض رسوم عليها والتنسيق مع هيئة المواصفات والمقاييس لإعادة النظر في تغيير وتحوير الكثير من محتوياتها.
ب- إلزام جميع مصنفي ومستوردي جميع أنواع الأغذية والمشروبات بضرورة ذكر محتوى السعرات الحرارية
ج- الحد من بث الكثير من الإعلانات التلفزيونية على منتجات كثير من الأطعمة والمشروبات تلك وحصرها على أوقات متأخرة من المساء.
د- التنسيق مع الجهات ذات العلاقة للقضاء على ظاهرة انتشار بائعي الأوهام والأكاذيب ومدعي الطب المزيفين من خلال بضائعهم المضللة من أعشاب ومواد أخرى لا تمت للحقائق العلمية بصلة.
ثالثاً: من المهم وخصوصاً بعد تصنيف السمنة كمرض مزمن أن نحظى بعيادات متخصصة مع بقية الأمراض المزمنة المنتشرة.
رابعاً: كحقيقة علمية واضحة فإن حوالي 95% من مسببات السمنة تعود للتغير السلبي في العادات الحياتية السلوكية وخصوصاً العادات الغذائية وقلة الحركة ومن هذا المنطلق وجب الاهتمام بإيجاد مجتمع ديناميكي ننفض من فوقه غبار الدعة والكسل، و تسخير كل القنوات والوسائل لتحقيق هذا الهدف وخصوصاً لدى العنصر النسائي والذي يعاني أكثر لأسباب يعرفها الجميع وتتلخص أهم نقاط هذه الاستراتيجية فيما يلي :
أ- إدراج مادة التربية البدنية كإحدى المواد الأساسية في المناهج الدراسية بجميع المراحل.
ب- إدخال موضوع الثقافة الغذائية الصحية ضمن المناهج الدراسية وخصوصاً في المراحل الأولى من التعليم وحبذا لو عاودت وزارة التربية والتعليم التجربة الناجحة في مجال تموين المدارس الابتدائية بوجبات غذائية متوازنة وصحية والتي قامت بها منذ حوالي عقدين من الزمان
ج- تفعيل دور مراكز الأحياء وإنشاء أندية صحية وخصوصاً النسائية منها والإيعاز للبلديات والمجالس البلدية بالاهتمام بإيجاد المماشي الصحية.
خامساً: الاقتراح بأن يتم ربط الكثير من الحوافز والمكافآت التشجيعية والترقيات بالحصول على الوزن المناسب في جميع مرافق الدولة المدنية والعسكرية.
سادساً : المحاولة بكل جدية وشجاعة لكسر الكثير من العادات الاجتماعية المتأصلة والتي تساهم في تعزيز وجود هذا الداء وخصوصاً في تجهيز الولائم والمناسبات وطقوس إكرام الضيف والتي يعني تجاوزها خرقاً لعادات قبلية وعيباً ذاتياً وإهانة للآخرين كما يفكر معظمنا.
سابعاً:
محاولة إيجاد مجتمع جديد تتغير معه النظرة للمعايير الجمالية للمرأة بصفة خاصة. ففي دراسة قمت بعملها قبل فترة تبين أن حوالي 60% من الشباب الراغب في الزواج يفضل الفتيات ذات الأوزان الزائدة والتي تسمى بمسميات دارجة "الفتاة الراوية" أو الممتلئة وهي بالمناسبة نظرة عربية قديمة تحكيها كتب التراث و يشجع على ذلك الدعم القوي من الأم أو الأقارب والذين غالباً ما يكون لهم نفس التوجه.
ثامناً: إنشاء جمعية طبية سعودية للسمنة وأمراضها بحيث تحوي تحت مظلتها كل المهتمين والمتخصصين من الأطباء والجراحين و تقوم بتنسيق كل الجهود لمكافحة هذا المرض وعمل الدورات والندوات والمؤتمرات وإصدار النشرات التثقيفية والعلمية المتخصصة وإنشاء فروع لها في أرجاء المملكة المختلفة كما يتعدى طموحي وبعض الزملاء أن تقوم هذه الجمعية بإصدار نشرتين إحداهما تثقيفية وموجهة للمجتمع وهي باللغة العربية والأخرى علمية متخصصة باللغة الإنجليزية وإنشاء أول قناة فضائية متخصصة في أمراض الوزن.
الدكتور وليد سعيد أبو ملحة - استشاري أمراض الوزن والسمنة، بمستشفى القوات المسلحة بالجنوب
23-05-2007, 03:59 PM
السمنة داء يهدد المجتمع تجب مواجهته بحزم
