بعضُ الآباء والأزواج يفخرون فعلاً بأنهم يديرون بيوتهم إدارة بوليسية صارمة!.. ويفرضون على زوجاتهم وصغارهم شخصياتٍ مُتَجِّهمة طاغية!.. كأنما يفخرون بأنهم يحولون بيوتهم إلى سجونٍ أو قبور!
بعضُ البيوت سجونٌ مغلقة!
لا فرحَ فيها.. ولا سرور..؟
لا مَرَحَ يُشعُّ منها ولا حبور..
بعضُ البيوتَ يديرها أربابها - وهم الآباء والأزواج - إدارة صارمة قاتمة! ويفخر بعضُ الآباء والأزواج بهذا.. ويعتبره دليل قدرة وقوة شخصيته! فلا يعيش في بيته على سجِّيته.. ولا يُرِي زوجته وجهاً بشوشاً تنطق بسماته بالمرح والحبور، وتتهلل قسماته بجمال الحضور!
العفو!
وهل يُعءقل هذا؟!
هل يعقل في نظره أن يجعل زوجته تركبه؟
وهل يعقل أن يجعل صغاره يفلتون من يده ويلعبون عليه؟
هل يعقل أن يلعب معهم ويضحك ملء قلبه ويتحول إلى طفل صغير وهو الرجل المهيب؟
وهل يعقل أن يفتح لزوجته الباب لكي تسيطر عليه؟
هل يعقل أن يتبسَّم في وجهها سعيداً وأن يريها وجهاً متهللاً يطفح بالمرح والحبور!
كلا..
فلتكن إدارته لبيته صارمةً..
وليكن كلامه أوامر..
وليكن وجهه عبوساً قمطريرا..
والعياذ بالله!
***
وقد يظن بعض القراء الكرام أنني أبالغ في وصف بعض الآباء والأزواج بالقسوة والغلظة والقتامة في معاملة أرق الناس.. وأعز الناس..
زوجته وصغاره!
ولكنني لا أبالغ!
هناك نماذج من هؤلاء الآباء والأزواج أشد مما ذكرنا..
صحيح أنهم ليسوا كثيرين.. ولكنهم موجودون.. ومتعبون.. ويفخرون بما يفعلون.. كمن زُيِّن له سوء عمله فرآه حسنا..!
بعضُ الآباء والأزواج يفخرون فعلاً بأنهم يديرون بيوتهم إدارة بوليسية صارمة!.. ويفرضون على زوجاتهم وصغارهم شخصياتٍ مُتَجِّهمة طاغية!.. كأنما يفخرون بأنهم يحولون بيوتهم إلى سجونٍ أو قبور!
***
وبعضُ الآباء والأزواج على النقيض تماماً من ذلك النموذج المخيف! فسعادتهم في المرح مع زوجاتهم! وحياتهم في اللعب مع أطفالهم.. وهوايتهم تحويل بيوتهم إلى واحاتٍ فوَّاحة بالضَّحكات والمسرَّات عامرة بالفرح والحبور..
وهم يعلمون أن الحياة ثمينة جداً..
وأن العمر دقائق وثوان..
وأن ما يواجهه الرجل من جد جاد وتوتُّر حاد، في العمل والشارع وطريق الكفاح، ينبغي تعويضه تماما في البيت، ويجب نسيانه نهائيا في مملكة الرجل الخاصة والعودة الى الفطرة التواقة الى المرح والانطلاق، واللعب والابتهاج، والسرور بحضور الأصدقاء، ولا يوجد عند هؤلاء السعداء أعزُّ صداقة ولا أقربُ قرابةً من الزوجة والأولاد!..
هؤلاء يملئون بيوتهم بالحيوية..
ويترعُونها بالمسرات..
ولقدومهم إلى بيوتهم قدوم الربيع، حيث تغرد الطيور، وتتفتح الأزاهير.. فالصغار بمجرد رؤية هذا الأب داخلاً البيت يتقافزون مرحاً ويخفون إليه شوقاً ويتسابقون أيهم يحظى بِضَمِّهِ أولاً.. ويغردون حواليه كأجمل الطيور.. وزوجته تبتسم بسعادة حين تراه قادماً.. وتتهلل أساريرها بالسرور لمرآه كما تتفتح أكمام الزهرة مع قطرات المطر ولمسات الندى ونسمات الربيع.. فما أبعد الفرق بين زوج وزوج.. وما أطول المسافة بين أب وأب.. الرجل الجاف الجافي الغليظ يصيب البيت بالتكهرب الذي يسبق الموت! ويحيل حياته دون أن يشعر إلى سجن أسود! ويضيع أحلى سنوات العمر بحماقة القسوة والتجهم.. ويقتل رقة الزوجة وبراءة الأطفال في ثنايا وجهه العبوس القمطرير.. ويمنع أقسام السعادة من دخول البيت.. ويوصد الأبواب أمام أي أمل في الفرح والمرح والانطلاق.. ويغلق النوافذ بإحكام عن أيِّ أشعةٍ للشمس.. ويريد أن يعيش الجميع في قمقم محكم الإغلاق.. يريد هذا شعر أم لم يشعر.. لأنه يفعله فعلاً، ومهما كانت مبرراته التي يخدع بها نفسه فإنه في الواقع يُضيع أروع سنوات العمر في هذا القمقم المغلق المعتم.. فإن طفولة الأولاد هي المرحلة الذهبية لسعادة الآباء لو كانوا يعلمون.. وإذا لم يمرح مع أطفاله ويفرح ويلعب ويبهجهم ويبتهج بهم وهم أطفال فمتى سيفعل؟ وإذا لم يعش حياةً مرحة مع زوجته وهو بعدُ شاب وهي شابة فقد خسر أغلى فترات العمر، بل الواقع أنه أدخل زهرة العمر في فرن القسوة فلم يبق له إلا الرماد والسواد.. وإذا كانت السعادة في الغالب العام تحب الأطفال وتعيش في ثيابهم القصيرة وناديها يكاد يكون مقصوراً عليهم ولمن يستضيفونه من الكبار ويمسكون بيده وهم يدخلون هذا النادي الرائع، فإن الأب الجلف القاسي لا يحرم نفسه من بهجة دخول نادي السعادة ممسكاً بأيدي أطفاله بل يتعدى ذلك إلى جريمة منع هؤلاء الأطفال من دخول ذلك النادي وإغلاقه أمامهم بالأقفال والأغلال.. ما أبعد الفرق بين هذا الأب والزوج القاسي الجلف، العبوس القمطرير، وبين الأب والزوج المرح الباسم، الذي يتسابق أطفاله لمعانقته والتشبُّث به وهو داخل، ويصحبونه معهم إلى نادي السعادة، ويدخلونه قبلهم، ويعيش مع زوجته زهرة الشباب في حيوية ومرح وابتهاج..
***
وبين هذين النموذجين المتباعدين من الآباء والأزواج يعيش الكثيرون في حالات مختلفة تقرب من هذا النموذج أو ذاك، على اختلاف في الدرجة والمسافات، ولكن أكثر الرجال مع الأسف يعودون إلى بيوتهم مهمومين، متعبين، يغتصبون الابتسامة، ويقتضبون في الكلام، وبودهم لو يمرحون ويفرحون مع صغارهم وزوجاتهم ولكنهم لم يعتادوا على ذلك بقوة لكثرة ما عادوا متعبين ولم يبذلوا الجهد الإرادي لإشاعة جو المرح والفرح والامتزاج مع الصغار، أو لم يجدوا التجاوب الكافي من زوجة بليدة، أو زوجة غير بليدة ولكنها مثله.. مثل رجلها - عاملة ومتعبة ومجهدة.. وتعود إلى بيتها "لافظة العافية"..
ولكن سعادتنا جميعاً يستحق أن نجاهد لها، وأن نعتاد العادات الحسنة لجعلها مزدهرة، وأن نستخدم الإرادة الواعية لإحداث التغيير الجميل في منازلنا، وبين صغارنا، ومع شركاء حياتنا، بحيث نصر على أن تكون البيوت خمائل للراحة الإيجابية لا السلبية، وواحات للانشراح، وإشراقات من المرح والحيوية والسرور، ولو فعلنا هذا بقوة الإرادة في البدايات لأدهشنا التغير الكبير الذي طرأ على حياتنا، والحيوية النابضة التي تدب في أوصالنا، والإحساس بجمال الأسرة، وروعة الامتزاج بالصغار، وجمال ما يبعثه التهلل والابتسام من شعور داخلي غامر وإحساس، حتى يصبح ذلك الجو الفوَّاح بالهناء والمرح جزءاً من بيوتنا، والهواء الذي نتنفسه داخل هذه البيوت..
***
وللزوجة دور اساسي في دفع الرجل إلى الحيوية والمرح او الخمول والصمت، فما لم يكن الرجل - خلقة وجبلّة - من النوع القاسي الجلف الجامد الجافي، فإن كل شيء في يدي المرأة الرقيقتين، ورهن شفتيها الباسمتين، وابتسامة المرأة هي أجمل مكياج في العالم، وأحسن استقبال يفتح قلب الرجل، وينعكس على محياه بالإشراق، وعلى ثغره بالابتسام..
الرجل - في الغالب - متعب.. مجهد.. وعلى وجهه.. ويتوق بشعور وبلا شعور للمرأة التي تقوده إلى الحبور، وتخرجه من روتين اليوم إلى عالم آخر.. عالم رقيق شفاف.. بهيج وفيه حيوية.. ومرح.. وانطلاق..
الرجل ضيف على زوجته..
وكثير من الرجال كأن حياته طيارة من كثرة الأعمال والمطبات والهموم وسعادته تتوقف على هذه المضيفة في تلك الرحلة المضنية.. ومضيفته هي زوجته.. وعلى قدر رقتها وحنانها ووداعتها وحبها ومرحها ينسى هموم الرحلة، ويقبل عليها فاتحاً قلبه وأساريه، فما أسعد الرجل الذي يعيش مع مضيفة جميلة الإحساس، باسمة الوجه، منشرحة ومرحة، وحريصة على راحته وسعادته، وإذا حرصت المرأة على سعادة زوجها.. قدرت.. بعض الرجال يعيش حياته مع ملاك.. ملاك محب.. باسم.. مقبل.. يشيع أضواء البهجة في الحياة.. وبعض الرجال - مع الأسف - يعيش في بيته
جريدة
الرياض
الاثنين 16/12/2002
عبدالله الجعيثين
هســــــــــــــــــــــــــــــالورد ــــــــــــــــــــــــــات