ساد الصمت ولكن لم يطل حيث قاطعه ( عبدالله ) بقوله :
ـ نعم شيخنا ..
التفت ( الشيخ الطوسي ) كردة فعل بديهية منه :
ـ نسمع كثيراً بلقبك ( شيخ الطائفة ) فكيف حصلت على هذا اللقب ، وبالأحرى كيف تزعمت الرجعية الشيعية في عصرك ؟.
التفت إليه ( الشيخ الطوسي ) بعد أن مّد بصره إلى الأرض لفترة وجيزة ..
ـ في عهد أستاذي الشيخ المفيد كانت الرئاسة أو الزعامة لها طبعاً ، إلى أن توفي على ما أذكر عام 413هـ رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته ..
وبعد أن توفي أستاذي العظيم انتقلت الزعامة لتلميذه السيد المرتضى ، وبعد وفاته "قدس الله روحه الشريفه" انتقلت الزعامة إليّ .
ثم قال مستطرداً :
ـ وكان تمركز الشيعة آنذاك في جنوب بغداد في الكرخ ..
قاطعه ( حسين ) معلقاً :
ـ الكرخ .. التي توجد فيها مكتبة سابورا ابن اردشير ..
( الشيخ ) :
ـ نعم ... فتوليت الزعامة ، وعندما تولى الخليفة العباسي وضع لي كرسياً نصب في المسجد ، وكان هذا الكرسي لا يوضع إلا للعالم الكبير ، فكنت أصعد هذا الكرسي وأدرس يومياً .. وكان كل هذا في عهد بني بويه ..
وفي سنة ( 447 هجرية ) جاءت السلاجقة ..
وبدأت علامة الحزن والألم تظهر على ملامح وجهه ..
ـ ما بك .. شيخنا ..؟!!!.
قالها ( عبدالله ) :
( الشيخ ) :
ـ السلاجقة .. وما أدراك ما السلاجقة يا بني ..
هم أتراك الأصل ، وهم سنة متعصبون تعصباً شديداً ضد الشيعة ، فهجموا على بغداد وقصدوا الكرخ بالذات ، لأن فيها زعامتهم ، فنهبوا مكتبته سابورا وأحرقوها عن بكرة أبيها ..
وهجموا على المسجد الذي أدرس فيها ، وأحرقوا الكرسي الذي كنت أدرس عليه ، فخرجت هارباً منهم لأنهم لو وجدوني قتلوني ..
ولم يكتفوا بذلك .. لا ..
بل أحرقوا أكثر دور الشيعة في الكرخ وهدموها على أهلها ، وسقط الحكم البويهي في ذلك الوقت واستولوا على الخلافة ..
فقصدت النجف ، حتى إذا وصلتها وجدتها قرية صغيرة قد تجمعت بيوتات حول مرقد الإمام أمير المؤمنين "عليه السلام" ، وكان هنالك بعض طلبة العلم ، فلما علموا بوجودي قصدوني ، فقمت أدرس بعد أن أنشأت حوزة علمية صغيرة ، ولا أدري ما زالت بعد موتي موجودة أم لا .. ؟!!.
ـ لازالت موجود حتى الآن ..
قالها ( حسين ) موضحاً ..
ـ أنشأتها سنة ( 448 ) وقمت بتوزيع الرواتب للطلبة لأحثهم على طلب العلم ، فخرج من تحت منبري أكثر من ثلاثمائة مجتهد ، ولازلت على هذه الحالة إلى أن رحلت إلى الرفيق الأعلى سنة 460هجرية ..
قال ( حسين ) متفهماً ومحاولاً لفت الأنظار إليه :
ـ وعندما توفيت أصبحت الحركة العلمية متجمدة ..
( الشيخ ) مستغرباً :
ـ كيف كان ذلك ؟.
ـ عندما توفيت لم يجرؤ أحد أن يخالفك فيما كتبته وما أفتيت به ، لا من تلاميذك أو من غيرهم ، فأصيبت الحركة العلمية بشئ من الركود أحتراماً لك ..
فأطرق ( الشيخ الطوسي ) رأسه متحسفاً لهذا الحال ، بينما أخذ ( حسين ) يستطرد :
ـ وبقى الوضع على هذا الحال إلى أن جاء أبن أدريس الحلي ، بعد ثمانين سنة تقريباً ..
فرفع رأسه ( الشيخ ) متنبهاً :
ـ فأخذ يخالف آرائك بجرأة ، فاستعادت الحركة العلمية نشاطها ..
هذا والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين ..