وماذا بعد الفتنة؟!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتقدم إليكم بأجمل التهاني وأزكى التبريكات بحلول شهر رمضان الفضيل، شهر الرحمة والمغفرة، شهر الله الذي نقف بين يديه تائبين، مستغفرين..
وبعد..
تمرّ أمتنا الإسلامية بعاصفة هوجاء من الأحداث الأليمة والصراعات الطائفية البغيضة التي أدخلتنا في نفق مظلم وأخرجتنا من نور الرحمة والمحبة إلى ظلمات الكره والعدوان، فمازالت حمامات الدم تنزف في بلدان عريقة كمصر، سوريا، العراق، والتطرف ينهش في أوصال المجتمعات دون اعتبار لأي قانون أو تشريع رادع، فانتهاك حرمة النفس البشريّة وإزهاق أرواح بريئة دون ظلم وجريرة لهو اعتداء سافر وآثم وحرب على الله ورسوله، فالشريعة نصت أحكام صارمة تلزمنا الانصياع لها وعدم تطويعها رهن الأهواء السياسية الخاصة، إذ قال الله عز وجل بنص صريح (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) المائدة/32
والمؤسف أن بعض القنوات الفضائية المُسيَّسـة والمبرمجة من قبل مشايخ الفتنة تشحذ الفتن وتشحن النفوس وتغذي الأحقاد وتصب الزيت على النار لتلهب حمية الجاهلية في النفوس المريضة، ولهذا كان النزاع والتفرق والشقاق دون تفكير بتبعات هذه النزاعات التي بددت قوانا وطاقاتنا هباءً ولم نتوقف يوماً لنسأل: من المستفيد؟ وماذا بعد هذه الصراعات؟
كل الأحداث تبرهن أنها من صنع فكر متحجر، جهنمي، يزحف نحو السلطة وليس له علاقة بالدين الإسلامي الحنيف، وبعيدة كل البعد عن أحكام القرآن الكريم وتعاليم الشريعة، إذ لم يقف قادة الأحزاب وعلماء الفتنة يوماً أمام آيات الله عز وجلال المنصوصة بالقرآن الكريم، ومنها:
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) آل عمران / 103
(وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال /46
فالله عز وجل حذرنا من النزاع ونهانا عن الفُرقة، فإن النزاع سبب فشل دولتكم، تذهب ريحكم أي تذهب قوتكم ودولتكم، فالريح هي الدولة، كما أكدت التفاسير الكثيرة.
وفي موطن آخر قال عز وجل (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا).
وغيرها من الآيات الكريمة التي تحذرنا من تبعات النزاع والخلاف الذي أزهق أرواح كثيرة وأشاع الخراب والدمار والفساد دون مبرر ودون وجه حق.
الفتنة أشد من القتل لأنها تستشري وتتغلغل كالنار في الهشيم وتحرق الأخضر واليابس، وتتلف الحرث والنسل، وتترك الأمم حطام، فكل ركن فيها مدمر، منتهك، الاقتصاد، الأمن، السياسة، القيم، الأمان، سقوط كامل يدفع الشعوب إلى هجرة الأوطان هرباً من جحيم الفقر والقتل.
ومن هنا، ندعو الله عز وجل في هذا الشهر الفضيل أن يحقن دماء المسلمين ويعم الأمن والسلام على أيدي عقلاء الأمة وقادتها الصالحين، الذين يُفترض بهم أن ينتهجوا نهج رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، نبي الرحمة والهدى ليصلحوا ويحفظوا دماء المسلمين، ولابد أن تنهض أقلام المثقفين والأدباء والمفكرين لتوعية الشعوب الجاهلة التي استغرقها نوم عميق، والأهم مطاردة أئمة الضلال من جميع المذاهب والأطياف والأديان، فهم أذناباً لأعدائنا، وألعوبة في أيديهم، اشتروهم بثمن بخس لإضرام الفتن واشعال فتيل الأحقاد، فأعداؤنا واقفون خلف الستار ينتظرون سقوطنا ليقتسموا الغنائم وذلك بعد أن نقتل بعضنا بعضاً وتتمزق أواصر لحمتنا.. فلنحذرهم ونحاربهم بأقلامنا، بمواقفنا، بوحدتنا، حتى ترجع قواهم التدميرية خاسئة مدحورة.
خولة القزويني
المصدر
http://www.khawlaalqazwini.com/Default.aspx