ملاحظة ثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن:
{ وكانت الجبال كثيبا مهيلا } أي وتكون.
أقول:قد اطرد على لسان كثير من المفسرين واللغويين تفسيرهم لكثير من الكلم القرآني بهيأة تختلف عن الهيأة التي وردت في القرآن الكريم ،وأعني بالهيأة البناء الصرفي ،وقد ثبت في محله أن لكل هيأة معنى وضعت بإزائه ،وعلى هذه القاعدة لايصح أن نفسر ماجاء على بناء المضارع بماجاء على بناء الماضي ،وما جاء على بناء الفاعل بماجاء على بناء المفعول،وهذا الكلام على قول من يرى أن للمباني دلالات بقطع النظر عن السياق ،فيبقى الماضي ماضيا وإن دل السياق على إرادة المضارع ويبقى المضارع مضارعا وإن دل السياق على إرادة الماضي ،فدلالة المضارعة والمضي بالمباني وحدها لا بالمباني والسياق أو بالسياق وحده مع قطع النظر عن المباني،أقول:وينبغي أن نفرق بين أمرين هما:الوضع والاستعمال،فإن الواضع قد وضع للماضي مباني وللمضارع مباني ولاسم الفاعل مباني ولاسم المفعول مباني وهكذا دواليك ولتلك المباني دلالاتها،أما الاستعمال فقد يريد المستعمل غير ما أراد الواضع ويتبين هذا من سياق الكلام ،فقوله سبحانه وتعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ }الأعراف50دال على وقوع النداء لأنه جاء ببناء الماضي ،غير أن المفسرين واللغويين يقولون إن النداء لم يقع بعد وإنما جاء ببناء الماضي لأن ما كان حتمي الوقوع فهو كالذي وقع ،فهاهنا إذن قرينة استعمالية وليست وضعية غير ت الدلالة في الاستعمال لا في الوضع،وعلى هذا فقس .
وقول القرطبي الذي نقلناه من هذا الباب .وهناك من العلماء –وأحسبهم علماء الأصول –من يرى أن الدلالة لا تقوم بالمبنى فليس الماضي ماضيا لأنه جاء على بناء كذا وليس المضارع مضارعا لأنه جاء على بناء كذا بل الفعل يدل على المضي والمضارعة بالسياق وهو خارج السياق خلو من دلالته على الزمن .
والله العالم بأسرار كتابه.
ملاحظة:كتبت لفظة (هيأة )بهذا الرسم غير المعهود لأنها أصح من الرسم المعهود وليس هنا مكان بحث ذلك.