معنى "الرب" ولماذا صدر الدعاء به
نتابع حديثنا عن (دعاء العهد) وهو الدعاء الذي يقرأ صباحاً لندب شخصية العصر الإمام المهدي(عج)، والدعاء له بتعجيل الظهور والتوسل من قارئ الدعاء بأن يوفق للإسهام في مساندته(عج) وقد سبق أن حدثناك عن مقدمة الدعاء، حيث تضمن (قسماً) بجملة من الظواهر المرتبطة بعظمة الله تعالى، وبإبداعه وبرسالاته إلى المجتمع البشري، ... وحيث قلنا إن القسم بالشئ (في نصوص القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام) يعني: لفت النظر إلى أهميته الظواهر التي يقسم بها.
ونقرأ مقدمة الدعاء المتضمنة (قسماً) بجملة ظواهر على النحو الآتي:
(اللهم: رب النور العظيم، ورب الكرسي الرفيع، ورب البحر المسجور، ومنـزل التوراة والإنجيل والزبور، ورب الظل والحرور، ومنـزل القرآن العظيم، ورب الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين...)
هذا الاستهلال للدعاء يتضمن أغاطاً ثلاثة من (القسم)، هي: القسم بعظمة الله تعالى من حيث الإشارة إلى ظواهر إبداعية: كالنور، والكرسي، والبحر والظل والحرور، ثم القسم ببعض رسالاته إلى المجتمعات البشرية، ثم: القسم بملائكته وأنبيائه ورسله ...
ويعنينا أن نحدثك عن كل واحدة من الظواهر المشار إليها، حتى نصبح على وعي بما نقرأ من الدعاء المذكور...
بالنسبة إلى الظاهرة الأولى وهي انه تبارك وتعالى (رب النور العظيم)، وكذلك (رب الكرسي الرفيع): تستوقفنا عبارة و (رب) دون سواها من العبارات المشيرة إلى مبدع الكون (الله تعالى) سمها الإله مثلاً أو الملك... أي: أن قارئ الدعاء قد يتساءل ويقول: لماذا أطلق الإمام(ع) كلمة (رب) عبر رصده لهاتين الظاهرتين (النور) و(الكرسي)... طبيعياً: يرد نفس السؤال بالنسبة إلى ظواهر أخرى وردت في مقطع الدعاء المذكور مثل قوله عليه السلام (رب البحر المسجور) (رب الظل والحرور)،... وأيضاً بالنسبة إلى الملائكة والأنبياء والمرسلين: استخدم الإمام(ع) نفس العبارة فقال رب الملائكة...
إن هذه الأسئلة عندما تطرح: إنما تنطوي الأجوبة عنها على أسرار يتعين على قارئ الدعاء معرفتها، بخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار ملاحظة أن النصوص الشرعية تستخدم عبارات متنوعة للتعبير عن مبدع الوجود (الله تعالى) كما هو ملاحظ مثلاً في سورة (الناس)... إن كل واحد منا عندما يقر سورة (الناس) تستوقفه ثلاث عبارات متنوعة تطلق على (مبدع الوجود) وهي: الرب، الملك، الإله، حيث تقول السورة بسم الله الرحمن الرحيم (قل أعوذ برب الناس/ ملك الناس/ اله الناس/... إن هذه السورة تتناول الاستعاذة بالله تعالى من شر الوسواس الخناس/ الذي يوسوس في صدور الناس/ من الجنة والناس) بمعنى أن السورة تتحدث عن الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان، وحينئذ فأن الله تعالى هو الجهة التي نستعيذ بها، ولذلك نتساءل: لماذا جاء الوصف لهذه الجهة، مرة بكلمة (رب الناس) والثانية بكلمة (ملك الناس) والثالثة بكلمة (اله الناس) .... ألا كان من الممكن أن يقال بأنه (رب الناس) أو (ملك الناس) أو (اله الناس) كما هو واردة في نصوص قرآنية أخرى دون أن تتنوع بهذا الشكل؟... طبيعياً، ثمة أسرار تقف وراء الانتخاب المذكور، متمثلة - في جملة تتمثل فيه- بان كلمة (الرب) من حيث جذرها ترتبط بـ (التدبير) أي (المدبر)، وأما كلمة (الملك) فترتبط بالسيادة والقدرة، وأما (الإله) فترتبط بالعبودية... والسؤال هو: ما هي الأسرار الكامنة وراء الاستعاذة بالله تعالى من خلال ثلاث عبارات متنوعة بالنسبة إلى وسوسة الشيطان؟...
من البين أن الشيطان يعد المصدر الوحيد لإضلال البشر، ... وحينئذ فان الاستعاذة منه ينبغي أن تتم على شتى مستويات القوة الرادعة للشيطان،... من هنا فان الاستعاذة بالله تعالى من خلال كونه (رباً) أي (مدبراً) يشكل جزءاً من القوة الرادعة (بصفة أن الالتزام بمبادئ الله تعالى ويعد مادةً تربوية عظمى)... وأيضاً من خلال كونه (ملكاً) أي (سيداً وقادراً) : يعني: الهيمنة والسيطرة على الموقف، ... ثم سمة (الإله) من حيث كونها تعني: العبودية له تعالى... فإذن : الاستعاذة بالله تعالى تشمل أية قوة محتملة تقف أمام الوسوسة الشيطانية التي قد توسوس من خلال التزيين لمبادئ ضالة، أو التخويف من عمل خاص، أو الانصياع أخيراً لها... ولكن: بالنسبة إلى الدعاء الذي نحن بصدده فليس الموقف يرتبط بظاهرة متشعبة الجهات بل يرتبط بإبداع الله تعالى لظواهر كونية ذات أنظمة خاصة مفتقرة إلى (تدبير) (نظام) محكم، وهو ما يتسقا مع عبارة (رب) لأنها تعني (التدبير) للكون...
إذن: إذا كان البشر في استعاذته بالله تعالى من الشيطان بحاجة إلى (التدبير) و(السيادة) و(العبودية) فان الأمر يختلف بالنسبة إلى الظواهر الإبداعية التي لا تقرن إلا بعملية (التدبير) أو (التنظيم) لهذه الظواهر المتنوعة: سواءً أكانت تتصل بالنور أو الكرسي أو البحر أو...
ومع ضوء هذه الحقائق، نتقدم إلى مفردات الدعاء المذكور لنحدثك عنها، ويعني بها: الظواهر المرتبطة بالنور، والكرسي، وسواهما...
المصدر / برنامج عهد الصادقين - بتصرف