مصادر التاريخ بين الطرح والنقد (حلقات)

[زكي مبارك]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

أرجو المشاركة والإضافة مع هذه المحاولة المتواضعة

(1) بداية التدوين.

إن الحديث عن بداية التدوين يحتاج إلى استقراء هادئ للمرحلة التي مرّ بها التدوين، حيث هناك عدة آراء مختلفة عند من يؤرخ عن بداية التدوين، ويجب أن لا نغفل أن التدوين مرتبط بمسألتين هما: تدوين التاريخ وتدوين الحديث، وهما مسألتان مترابطتان، وإن كانت اللغة والأسلوب في هذين العلمين مختلفتين، إلا أن تدوين الحديث له صلة بقضايا تاريخية، والمؤرخ ليس له أن يبتعد عن الحديث.
فلو أتينا إلى التاريخ لرأينا أن مرحلة تدوينه مسألة خلافية بين المهتمين بهذا الشأن، فهناك من يقول بأنها كانت على يد عروة بن الزبير (ت 94هـ) صاحب كتاب (نسب قريش)، وهناك من يرى محمد بن شهاب الزهري (ت 124هـ) وهو معاصر للإمام زين العابدين عليه السلام إلا أنه ليس من الموالين، وهناك من يرى أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي (ت 157هـ) صاحب (مقتل الحسين عليه السلام) وهناك من يرى غير هؤلاء.
وبعضهم يؤمن بأن التدوين بدأ على أيدي جملة من مؤرخي القرن الأول والثاني وأنه مرّ بمراحل عدة، إلا أنه يؤكد بأن علم التاريخ لم توضع له آلية وضوابط إلا على يد أبو جعفر الطبري (ت 310هـ) صاحب كتاب (تاريخ الأمم والملوك).
والغريب أن كثيراً ممن تناول مسألة بداية التدوين التاريخي لا يذكر سُليم بن قيس الهلالي (ت 85هـ) صاحب كتاب (السقيفة) أو ما يُسمّى بـ(كتاب سُليم) والذي يذكر الزركلي في كتابه (الأعلام) بأنه من أوائل المصنّفين في الإسلام، ويبدو أن في ذلك نظرةً طائفية عند من لم يذكره، رغم وجود الكثير من المحاولات التي تنفي نسبة هذا الكتاب لسُليم، باعتبار وجود بعض المسائل التي لا تتفق مع بعض الأطراف وخصوصاً مدرسة الصحابة. أو أن عند بعضهم وجهة نظر حول مضمون الكتاب الذي يُعتبر أنه كتاب حديث وليس كتاب تاريخ، والواقع أنه مزيج بين هذا وذاك، لأن معظم المدوّنين في القرن الأول كانت كتبهم مزيجاً من روايات وأحداث تاريخية.

يتبع
أخوكم
زكي مبارك

 

 

[زكي مبارك]

(2)

تصنيف المصادر التاريخية حسب الدول الإسلامية

.

الحديث عن الدول الإسلامية وتصنيف المصادر التاريخية يحتاج إلى قراءة كل دولة على حدة، ذلك أن بعض الدول رغم قيامها واستيلائها على بقعة كبيرة من الأرض إلا أن بعض أجزائها يعتبر منشقّ أو بعيدٌ عن الدولة الأم وبإمكاننا إطلاق كلمة (دُوَيْلة) عليها، وكذلك تصنيف المصادر بحاجة إلى قراءة توجهات المؤرخ السياسية والدينية والعقدية، ذلك أن بعض المصادر متأثرة بتيارات سياسية وغير سياسية، كأن يكون التدوين التاريخي مبنيٌ على الطريقة القوميّة أو القبلية أو العرقية ... الخ، يضاف إلى ذلك هناك مسألة يجب أن تُبحث في هذا الجانب، وهي: استقراء حياة من يروي عنهم من جميع الجوانب، والتحقق عن مدى مصداقيتهم من عدمها، وذلك ليتسنَّ للقارئ التفريق بين مؤرّخٍ وآخر.
وفي الجملة أن لكلّ دولة ظروف ولكل ظروف مؤرخين يتناولون المسائل التي تمثّل توجهاتهم وميولهم المختلفة، فهناك من يُشبع بعض المسائل ويُسهب في كتابتها، وهناك من يوجز بعضها بحجّة أنها لا تشكّل أهميّة، وهذا خاضعٌ لمدى قدرة المؤرّخ والتفريق بين الميول وأخلاق المهنة. وكذا من يبتعد عن تدوين بعض الأمور لعدم أهميتها في نظره، ويدوّن الأحداث العسكرية باعتبارها هي التاريخ وهي ما تستحق التدوين.
فمؤرّخي الدولة الأموية بلا شك إنهم سيعتنون بجوانب كثيرة تؤيد توجهات الدولة، على خِلافه عند مؤرخي الدولة العباسية، وكذا عند مؤرخي الشيعة الإمامية، إلا أنه رغم ذلك نرى عند بعض المؤرخين من ينقل الحقيقة الناصعة كما هي سواءً وافقت توجهاته أو خالفتها، ونرى ذلك جليّاً عند نصر بن مزاحم المنقري (ت 212هـ) صاحب كتاب (صفّين) وغيرها من المؤلفات التي صنّفها، الذي وإن كانت ميوله الشيعية بارزةً في مصنّفاته إلا أنه لا يمتنع من ذكر مثالب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام التي يذكرها بنو أميّة. فهذه حالة من الإنصاف تسترعي الانتباه.

يتبع

أخوكم
زكي مبارك

 

 

[بحر التأمل]

ألف شكر وتقدير للباحث والكاتب ( زكي مبارك ) على ما أتحفنا به ,,,
بالنسبة الى كتب التاريخ الاوائل كـكـــتاب تاريخ الطبري وغيره يلاحظ بإنه خليط بين علمين جليلين في الاسلام وهما (علم الحديث والتاريخ ) حيث ومن حيث نظرتي القاصرة نرى أن أغلب التاريخ معتمد على تاريخ الاسلام كتايخ الانبياء وقصصهم وسيرتهم سواء الموجودة في القرآن الكريم أو الموجودة في ثنايا الحديث الشريف , وسيرة النبي الاعظم -ص- من ولادته الى مبعثه الشريف إلى دعوته للاسلام سراً وجهراً وغزواته وحروبه وجميع ما يتعلق به من سيرته -ص- فهذا كله أو أغلبه معتمد على الحديث الشريف والسنة النبوية وإذا جئنا الى سيرة أمير المؤمنين -ع- كذلك من وفاة الرسول الاعظم-ص- سنة 10 أو 11 هـ الى أستلامه للخلافة الظاهرية سنة 35 هـ (( طبعاً هو خليفة رسول الله من أغمض رسول الله عيناه الشريفتين كما نعتقد )) كلها تعتمد على أقوال وأفعال وتقريرات الإمام علي -عليه السلام - وبهذه فقس جميع أدوار الائمة -ع- الذين عاصروا الدولتين الاموية والعباسية ,,, أريد أن أقول بعد هذا الكلام أن المؤرخ يعتمد أعتماداً كلياً على الحديث الشريف ولهذا فلا بد لمن أن يبحث في ثنايا التاريخ ويريد أن يحقق في سيرة الرسول الاعظم -ص- لابد أن يتعلم علم الحديث الشريف حيث هناك قصص وأحاديث موضوعة على رسول الله -ص- والائمة -ع- مثل أن الرسول -ص- يبول و هو واقف -حاشا رسول الله -ص- وهذا الحديث موجود في صحاح بعض المسملين ,إذاً فلابد من التميز من الغث والسمين في التاريخ والسير والقصص التاريخية ولذلك نجد أن تاريخ الطبري عندما يسجل واقعة تاريخية يذكر سنده الى رواي القصة والواقعة ليتسنى للباحثين والمحققين الحكم على هذه الرواية أو القصة التاريخية بالتصحيح والتضعيف من خلال السند في علم الرجال , مع المتن وهذه موجود في علم الدراية أو علم مصطلح الحديث ,,,
وأخيراً وليس آخراً أشكر الأخ (( زكي مباركـــ )) على هذا الطرح المبارك وأتمنى المشاركة وطرح الآراء بين الأعضاء ,,,
وبالله التوفــــــــــــــــــــــــــيق ,,,

 

 

[زكي مبارك]

(3) من هو المؤرخ؟ اذكر أمثلة على المصادر التاريخية.

يطرح المؤرخون المعاصرون عدة (عناصر/علوم) يجب أن تتوفر في شخصية من يريد أن يخوض غِمار كتابة التاريخ، ومنها:
1- معرفة بعض اللغات.
2- الإلمام بالمسائل الجغرافية.
3- الاطلاع على الأوضاع الاقتصادية.
4- العلوم الاجتماعية والإنسانية.
5- معرفة الأوضاع السياسية وقراءتها بحنكة.
وغيرها من المسائل التي تعتبر مساعدة في صياغة تاريخ شمولي، ولذا أتت بعض الدراسات المعاصرة لتستدرك بعض ما فات المؤرخين القدماء، كقضايا الموالي، والكُتّاب، والمسائل المالية، والأمور الاقتصادية، وتنظيم الجيوش ... الخ. ورغم ذلك التفصيل، إلا أن تلك المسائل وغيرها لا تنفك عن بعضها البعض، لأن المؤرخين القدماء رغم تشعبهم في كثير من المسائل إلا إنه باستطاعتنا الجزم بأن الكثير من الأمور فاتتهم، أو تجاهلوها، أو لم يعطوها حقّها من التوسّع، أو لأي سببٍ آخر، ويعرف ذلك من له اطّلاع على أمهات الكتب التاريخية، حيث باستطاعته استنطاق الكثير من المسائل التي لم يوردها المؤرخون في مصنّفاتهم، وباستطاعته الوصول إلى بعض الأسباب.
ولا يتسنَّ للباحث الوصول إلى غاية منشودة، إلا بتوفر بعض أدوات المؤرخ المنصف، والتي ذكرنا جزءاً منها، والجزء الآخر خاضع لمهارة القارئ ومصادر ثقافته، فإنه – القارئ – حينما يمتلك فن الاستنطاق والاستنتاج بين عدة قضايا، سيصل إلى نتائج قد تُبهر الآخرين وإن كانت تلك المسائل بُحثَت بشكل مكثّف.
لذا فالمؤرخ هو الذي يتناول كل قضية بحسب حجمها الطبيعي، والتفصيل متروك للكتب المستقلة، كما فعل الكثير من المؤرخين حينما يخصصون مسألة معينة في مصنّف لوحده، وشواهد ذلك كثيرة.
ثم إن المؤرخ عليه أن يكون صادقاً في نقله للأحداث، غير متأثرٍ بأي توجه سياسي أو اقتصادي، وهذه مسألة صعبة على مشاعر المؤرخ الذي قد تؤثر فيه الانتماءات المختلفة، دينية كانت أو غير دينية.


(يتبع)
أخوكم
زكي مبارك

 

 

[ابن الطرف]

سلسله ممتازه أخي زكي مبارك

أنا درست التاريخ الأموي والتاريخ العباسي وللأسف التاريخ محرف بشل كبير كما ذكرت في حلقاتك بسبب ميول معينه

ونرى حقائق بارزه كالشمس ولكنها منفيه لدى هؤلاء الكتاب

في الحقيقه التاريخ يحتاج الى المام كبير لكي يكون الشخص قادراً على الرد على الشبهات التي تواجهه

أنتظر الحلقه القادمه بكل شوق

ألف شكر أخي زكي مبارك

موفقين لكل خير

 

 

[زكي مبارك]

(4) التغيرات التي طرأت على المصادر التاريخية المتعاقبة، وما سبب ذلك؟

لاشك أن المصادر التاريخية والمؤرخون يتأثرون ببعض العوامل المحيطة بهم، كالعامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وغير ذلك، فالمؤرخ قد يكون منتمياً إلى تيار معيّن، إلا أنه بمجرد أن تتغيّر هذه الفئة ينقلب عليها ويؤرخ لمثالبها، بينما هو بالأمس يؤرخ لمناقبها، وهذا ما يُسمّى بالازدواجية في شخصية المؤرخ، وما أكثره، أو لعلّ بعضهم مُتّهم بالشعوبية والتي تعني قيام بعض الأعاجم من الحط ببعض المسائل والقضايا ذات الأهمية عند العرب، أو كتابة النقيض لغايات معيّنة.
وتارة يكون المؤرخ متزلفاً إلى فئة على تدوين بعض الأحداث سواءً كانت الحقيقة أو خلاف الحقيقة، وهم ما يسمّون بـ"كُتّاب السلاطين".
وهناك المؤرخ المتجرّد الذي يكتب التاريخ وفق أسسٍ وضوابط معينة، سواءً كانت تلك الأسس صحيحة أو خاطئة، وهذا يساعد القارئ على معرفة منهج المؤرخ.
في المحصِّلة، إن التغيّرات تطرأ على المصادر المتقدمة والمتأخرة وذلك وفقاً لانتماءات المؤرّخ، الذي قد يقلب الحقائق أو يوثّقها، وبإمكان القارئ التعرّف على هذه الأمور من خلال استقراء عصر المؤرخ وسيرته وعقيدته وكل ما يمتُّ له بصلة. يضاف في هذا الصدد أن بعض المحققين أو دور النشر تغيّر في بعض الطبعات .. ولذا برز في هذا الجانب (فن التحقيق) كفن يستقصي الطبعات المخطوطة للكتاب المراد تحقيقه، ولهذا الفن رجاله البارزون والذين بدورهم فضحوا بعض جهود العابثين في مصادر التاريخ القديم والحديث.

(يتبع)

أخوكم
زكي مبارك

 

 

[زكي مبارك]

(5) تناول التاريخ من قبل القارئ في ظل تعدد مصادر التاريخ.

على القارئ أن يكون واعياً حول ما يقرأ، فهناك من الأمور ما لا يصدّقها العقل، ويناقضها أشياء كثيرة، لذا على القارئ في الجانب التاريخي أن يُجهد نفسه قدر الإمكان، ليتسنّى له الحصول على رؤية واضحة المعالم، وأفكاراً مبنية على أسس متينة.
لأن وظيفة القارئ أن يكون مالكاً للحسِّ الفنّي في القراءة، وكذا الحس النقدي، ذلك أن وظيفة القراءة الفنّيّة أنها تساعد القارئ على تجاوز الكثير من العقبات من الأمور التي يقرؤها، ولا تنطلي عليه الكثير من المعلومات المشبوهة.
ولذا رغم تعدد المصادر التاريخية القديمة والحديثة، فإنه يستوجب على القارئ المهتم بالشأن التاريخي أن يمتلك مهارات كثيرة حتى يصل إلى غاية منشودة أو تبنّي رأي وموقف حيال ما يقرأ، وأن يستعين ببعض المناهج التي تؤصل أو تساعد على قراءة التاريخ بعين الحقيقة لا بالعاطفة والميول والأهواء!!.
إضافة إلى ذلك يجب أن يكون ذا ثقافة شمولية، كأن يطّلع على اللغة والأدب والفقه والحديث والتفسير...الخ، ليميز الخبيث من الطيّب، وبدون الثقافة الواسعة سيكون القارئ عُرضةً للتيه في غابةٍ مظلمة لا يستطيع الخروج منها.
لذا لا يوجد كتابٌ تاريخي نستطيع الاعتماد عليه إلا بوجود بعض القرائن المساعدة في قبول أو رفض أي فكرةٍ، سواءً كان المؤرّخ شيعياً أو سنياً أو غير ذلك، وهذا يعطينا بأن عقل الإنسان قاصر عن استيعاب أمثال هذه الأمور، نعم!! هناك بعض الآراء التي لا يقبلها البعض وهذا بحكم ثقافة القارئ، إلا أنه يجب أن يكون ملمّاً بالشأن الذي يقرأُ فيه ليكوّن رأياً له جذوره التاريخية، ومبنيٌ على دليلٍ قويٍ لا يمن نقضهُ.
ولذا نُهيبُ بالقارئ أن يكون فَطِناً سريع البديهة ليكون على بيّنة من اتباع هذا الرأي أو ذاك، خصوصاً أن بعض الآراء التاريخية تعتمد على أحكام شرعية أو مسائل عقائدية مهمّة، وهذا مما يجب الالتفات إليه حتى لا يكون القارئ مفنداً أو مستقبلاً لأي رأيٍ إلا بوجود ثقافة لها جذورها القويّة.


(يتبع)

أخوكم
زكي مبارك

 

 

[ابن الطرف]

أبطيت أخوي زكي مبارك في الطرح الأخير

يعطيك العافيه على المعلومات الطيبه المباركه

للأسف هذا مانعاني منه وبشل كبير هذه الأيام غياب الثقافه التاريخيه

لذلك نجد الأبناء متشبعين باللخبطه التاريخيه التي أوجدتها فيها المدارس والآباء لاحس ولاخبر

لأن الآباء أساسا ضعيفين جداً في هذا الجانب

أما عن مسألة التذوق فهذه مسأله صعبه جداً وتحتاج لقراءات مكثفه ليصل الشخص لذلك

بانتظار الحلقات القادمه

موفقين لكل خير

 

 

[زكي مبارك]

(6) المؤرخ بين سندان المصداقية ومطرقة القبول.

لا شك أن بعض المؤرّخين يتأثر بمعطيات كثيرة، كأن يُتخَمَ جيبُه بالأموال من قبل بعض السلاطين أو أصحاب الأهواء والمقاصد المختلفة، فهذا بلا شك لن يؤرخ إلا لمن أثرى جيبه، وكذا من لا يتسنّى له الحصول على شئ من متاع الدنيا، قد يؤرخ تارةً للحقيقة، وقد يؤرخ لخلاف الحقيقة جرّاء ما نزل به كاستخدام المبالغة في تدوين بعض المثالب أو غيرها من المسائل.
ولذا فإن وظيفة المؤرخ وظيفة نقل الحقيقة كما هي، سواءً أبدى رأيَهُ أو لم يُبْدِه، كما هو الصَحَفيُّ في الوقت الراهن، فهناك من يغضُّ الطرف عن الحقيقة، في حين أنه يوجد من ينقل الواقع دون أن يكون منتمياً إلى فئةٍ، والانحياز إلى بعض الآراء والمواقف من قِبل المؤرخ لا يعني التعصّب!! بل تارة تكون هي الحقيقة التي بنى عليها موقفه التاريخي، وباستطاعتنا قراءة التاريخ في وقتنا الراهن، فكم من مؤرّخ ينقل خلاف الحقيقة لمجرّد اختلافه مع أي طَرَفٍ من الأطراف المتصارعة.
ولكلِّ زمنٍ لغة يفهمها الناس، ففي زمنٍ مضى يُعرف المؤرخ بصدقه من عدمه، حيث تكون سيرته معروفة بين الناس، خصوصاً إذا كان له علمٌ يُعتدُّ به، ولذا فعوام النّاس لا يستطيعون دائماً التمييز بين الغث والسمين، بل أصحاب العلم هم من يقيّم أولئك المؤرّخين، ولذا رغم تعصّب بعض العلماء لمذهبٍ ما، فإنّ منهم من يقول الحقيقة بصدق فلان المخالف له في التوجه المذهبي، وهذا أمر يستحق التركيز والانتباه.
لذا على المؤرخ أن يقبل وينقل كل الحقائق مهما كانت مخالفة لهواه أو لميوله الفكرية، وليكن نقله للأحداث بطريقة تتناسب مع الظروف التي يعيشها وليس بلغة يستهجنها أصحاب العِلم، حيث إن ذلك مما يحفظ ماء وجهه، ويضع له سمعة حسنةً بين كُتّاب عصره والأجيال التي تليه من المؤرخين والقُرّاء، وعليه أن لا يراعي رضا فلان أو فلان من الناس.

(بقيت نقطة أخيرة .. فتابعونا)

أخوكم
زكي مبارك

 

 

[زكي مبارك]

(الأخيرة) تقييم وملاحظات حول ما ينشر من كتب تاريخية معاصرة.

لا شك أن ما يُنشر في الوقت الراهن من كتب تاريخية تتحدث عن التاريخ القديم، بحاجة إلى تأنٍّ كبير، فهناك من يؤرخ للعصبية المذهبية، وهناك من يؤرخ للعصبية الدينية، وهناك من يؤرخ للعصبية القبلية، وهناك من يؤرخ للحقيقة، وهناك غير ذلك.
ولذا فإن الساحة لا تخلو من الكتب ذات الطابع المنهجي التي تتناول القضايا التاريخية برؤية المؤرخ المنصف، وهذا قليل، باعتبار أن المسألة بحاجة إلى إرادة قويّة نابعة من الإيمان برساليّة المؤرخ الذي ينقل الحقائق ليستفيد منها الجيل اللاحق.
يُضاف إلى ذلك أنه في الوقت الراهن لكلِّ دولة أو قضيّة لها مؤرخوها المختصون في هذه المرحلة، فهناك من يقضي حياته باهتمامه بمسألة واحدة، كأن يركّز على (القضايا المالية في دولةٍ ما)، أو (الغزو المغولي ومراحل التحوّل لديهم)، أو (الموالي في صدر الإسلام) أو (تاريخ التشيّع ومراحل تطوّره) ... وهكذا، وهذا يعطيك أن المسألة باتت تحتاج إلى جهدٍ وتخصص في المسألة الواحدة.
ولا بأس أن نشير إلى بعض الأقلام التاريخية الجديرة بالاهتمام، ومنها:
1- الشيخ باقر شريف القرشي.
2- الدكتور/ إبراهيم بيضون.
3- الدكتور/ محمد حسين الصغير.
4- السيد/ جعفر مرتضى العاملي.
5- الأستاذ/ عادل الأديب.
ولا يعني أن ما ذكرناه حصرٌ على هؤلاء!! بل هناك الكثير من الأقلام التي تميّزت في عرض بعض الوقائع التاريخية عرضاً مختلفاً يتناسب مع معطيات العصر ومتطلباته، وهذا خاضعٌ للقارئ الذي بدوره يكتشف ما يتناسب مع ثقافته التي ينهل منها، وليتنبّه إلى الآراء غير المستساغة، وعليه مراجعتها ومناقشتها مع أصحاب الاختصاص أو الاهتمام.

(انـتـهــــــــــــــى)

أشكر الأخوة المتابعين والمعقّبين على هذا الموضوع، وأرجو أن تكون الاستفادة موجودة في هذه الأسطر.

زكي مبارك

 

 

[ابن الطرف]

الله يعطيك العافيه أخوي زكي مبارك

في الحقيقه سلسله ممتعه جداً ومفيده وليتها لم تنتهي

التاريخ ميدان صعب جداً ويحتاج لدرايه كبيره لكي يتمكن الشخص من تنقيح المعلومات الحقيقيه كما ذكرت في هذه السلسله

وكذلك التاريخ مكان جميل جداً إذا تجولت في ثناياه

بانتظار مواضيعك القادمه بكل شوق

موفقين لكل خير