الإمام الباقر عليه السلام وعالم النصارى
___________________________________
لما أرسل هشام بن عبد الملك خلف الإمام الباقر عليه السلام
, وجرى ما جرى له في ديوان هشام , ثم أذن له في الرجوع
إلى المدينة , فلما توجه الإمام من الشام إلى المدينة ,
وجد أناسا جالسين , فسأل عنهم , فقيل له : هؤلاء
القساوسة والرهبان جالسون أمام عالمهم الذي يعقد
لهم في كل سنة يوما واحدا يسألونه ويستفتونه ,
فلف الإمام رأسه بفاضل ردائه وجلس قريبا من ذلك العالم
وجواسيس هشام يراقبون الوضع , فقال له عالم النصارى :
هل أنت منا أم من هذه الأمة المرحومة ( يعني المسلمة ) ؟
فقال الإمام عليه السلام : من هذه الأمة المرحومة .
فقال عالم النصارى : أمن علمائها أم من جهالها ؟
فقال الإمام عليه السلام : لست من جهالها , فقال العالم :
أسألك ؟ فقال الإمام عليه السلام : سل , فقال :
من أين أدعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون
ولا يبولون ؟ وما هو الدليل فيما تدعونه ؟ فقال الإمام عليه السلام :
دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل , هو الجنين في بطن
أمه فهو يطعم ولا يحدث , فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا ,
ثم قال : زعمت أنك لست من علمائها ؟ فقال الإمام ولا
من جهالها , فقال : أسألك عن مسألة أخرى ؟ فقال :
أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل ولا من ساعات النهار ؟
فقال الإمام عليه السلام : هي الساعة التي بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس , يهدأ فيها المبتلى ويرقد فيها الساهر
ويفيق فيها المغمى عليه .
فاستغرب النصراني من قدرة الإمام على الجواب , فقال :
بقيت مسألة واحدة , والله لا تهتدي إلى جوابها ,
فقال الإمام عليه السلام : سل فإنك حانث في يمينك .
فقال عالم النصارى : أخبرني عن مولودين ولدا في
يوم واحد وماتا في يوم واحد , عمر أحدهما خمسون سنة
وعمر الآخر مئة وخمسون سنة في دار الدنيا ؟
فقال الإمام عليه السلام : ذلك عزير وعزيره ولدا في يوم واحد ,
فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاما مر عزير على حماره
بقرية أنطاكية , وهي خاوية على عروشها , فقال :
أنى يحيي هذه الله بعد موتها ... فأماته الله مائة عام ,
ثم بعثه على نفس حماره , ونفس طعامه وشرابه ,
فعاد إلى داره , فعاش بين أهله خمسة وعشرين سنة ,
ثم قبضه الله وأخاه عزيره في يوم واحد .
فقام عالم النصارى وقال للمجتمعين حوله :
لقد فضحتموني بإحضاركم رجل أعلم مني , فلا أكلمكم
من رأسي كلمة واحدة لمدة سنة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
